د تنحرف العلاقة مع الأبناء عن وضعها الأصل؛ بسبب تكوين شخصية الآباء ومدى نضجهم الفكري والانفعالي،
أو بسبب ضعف قدرتهم على التعامل مع الآخر، وقدراتهم على التفاهم والحوار والمشاركة والقبول للاختلاف. وكذلك بتأثير القيم السائدة في مجتمعهم حول مفاهيم الأبوة والأمومة.
لذلك نجد علاقات غير سوية سائدة تسيء إلى الأبناء، وتفسد فرص نموهم واستقلاليتهم. وهكذا تنشأ أجيال من الشخصيات الهزيلة التي بدورها عند كبرها تكِّون المزيد من الأسر غير السوية.
فما هي أشكال هذه العلاقات غير السوية؟
علاقة قهرية:
تتسم علاقة الوالدين بالأبناء في كثير من العائلات بالتسلط والحماية الزائدة، فحينما تزيد سيطرة الوالدين أو يزداد قلقهم على أبنائهم تضطرب العلاقة بينهم. فيشعر الابن أنه غير محبوب لنفسه، كذات مستقلة، بل أنه مجرد امتداد للأهل، أسير مخاوفهم وطموحاتهم، وأنه محكوم عليه أن يظل في نظرهم طفل إلى الأبد، ويحبط طموحه إلى تأكيد ذاته وتكوين شخصيته المستقلة. هذه العلاقة تحول دون توفير الأمان الضروري للنمو السوي للأبناء الذي يسمح لهم بتكوين شخصيتهم المستقلة ونموها بنجاح.
علاقة امتلاك:
يعترف المجتمع بالمرأة ويحترمها؛ من حيث هي أم، وبالتالي يدفعها إلى السعي إلى تحقيق ذاتها فقط في مجال الأمومة، مما يساعد على إقامة علاقة خانقة بينها وبين طفلها- وبخاصة لو كان صبي. فهي منذ الصغر، تعيش تحت سلطة الأهل. ولا تنفصل عنهم إلا للزواج. كما لا تصير كائناً محترماً إلا حين تضع طفلا، وبخاصة إذا كان ذكراً.. كل هذه العوامل تجعل من الطفل مصدر راحة للأم. فالأمومة في المجتمع الشرقي قوية جداً، ربما لأن حيز وجود المرأة نفسها مرتبط بحيز وجود الطفل. فمن خلال تضخيم قيمة الأمومة تتضخم قيمة الطفل، ولكن كشيء تمتلكه الأم أساساً، كجزء من كيانها. وهكذا تقع في العلاقة التملكية، ويدفع الطفل في النهاية ثمن تعويض المرأة عن الغبن الذي يلحقه بها المجتمع. وبمقدار ما تتفانى في أمومتها فإنها تطلب من طفلها التحول إلى شيء تملكه، وهكذا يظل الطفل مرتبطاً بأمه نفسياً مهما كبر فسيظل مرتبطاً بروابط خفية بالأم.
علاقة امتداد:
يتخذ بعض الآباء أبناءهم ركيزة وحيدة لوجودهم، ويعيشون لأولادهم فقط. فمن أغلقت أمامه مجالات تحقيق الذات من خلال العمل والعلاقات الاجتماعية، قد يضيق الأنفس على أولاده باتخاذهم ركيزة وحيدة لحياته متجاهلاً ضرورة انطلاقهم كل في مستقبله ومصيره الخاص. فيبدءون من خلالهم محاولة أن يحققوا أحلامهم وطموحاتهم التي أخفقوا فيها. ويرسم بعض الآباء لأبنائهم المستقبل ومشروعاته بكل تفاصيله، وعلى أبنائهم أن ينفذوا ذلك لهم ويقولون لهم لقد عشت لك لكي تعيش لي. إنهم يسلبون شخصية أبنائهم ويذوبونها فيهم لكي يحيوا بها.
علاقة رفض وتأفف:
بعض الآباء- وبخاصة الناجحين في المجتمع مهنياً أو اجتماعياً، نجدهم غير مبالين بأبنائهم، وقد يشكلوا عبء عليهم يحاولون أن يلقوا به على آخرين، الجدود أو الأقرباء أو حتى خدم يأجرونهم لخدمتهم.
علاقة واجب بدون حب:
تعترف إحدى الأمهات بأنها لا تحب ابنتها، لأنها ثمرة زواجها من رجل تكرهه وأرغمت على الزواج منه، وأنها اجتهدت أن تقوم بواجبها، وأن تقدم لطفلتها كل ما ينتظر أن تقدمه أم صالحة لابنتها، ولكنها تشعر أنها تمثل دوراً لا طاقة لها على احتماله، وأن مشاعرها المزيفة لم تخدع ابنتها في يوم من الأيام.