الخدمة الصامتة
لقدس أبي الحبيب الفاضل بولس فؤاد
الخدمة فى صمت وهدوء من الأساسيات الهامة فى تقديم خدمة صحيحة وجيدة مقبولة أمام الله وبعيداً عن الأضواء.
وقد مدَح ربُّ المجد هذا النوع من الخدمة فى متى أصحاح 6 والآيات 3 و 4 : "وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.
وفى واقع حياتنا العملية نرى أن أجمل العمارات والفيلات تحملها أعمدة مدفونة تحت الأرض ومُلطَّخة بالقار (الزِّفت) ، ولا يراها الناس ، مع أنها هى التى تحمل كل هذا الجمال.
والخدمة الصامتة تعتمد فى الواقع على رغبة الخادم الأكيدة فى سلوك منهج الإتضاع والبُعْد عن المظهرية بكل أشكالها. فالخادم فى هذا النوع من الخدمات ،لا يسعى لبناء مجده الشخصى بقدر ما يفكِّر فى إمتداد الملكوت وانتشار كلمة الخلاص فى كل مكان.
وكثير من الخدمات لم تجد طريقها للنجاح بسبب رغبة من يقومون بها فى إقتناص الصفوف الأولى والتحيَّات فى الأسواق (متى 7:23) ، وحتى لو نجَحَتْ يكون هذا النجاح إما ظاهرياً أو لأن الرب يرى أن هناك إحتياج لهذه الخدمة.
وربَّما تحتاج خدمة الفقراء عن طريق القنوات الفضائية إلى إعادة النظر فى طريقة تقديمها مراعاةً لمشاعر هؤلاء الفقراء وتأميناً لمستقبلهم الأدبى. فمن يدرى ، ربما يتبوَّأ أحدهم أعلا المراكز مستقبلاً وتكون الفيديوهات التى سُجِّلت فى الماضى البعيد ، مُنغِّصاً لحياته وأمرٌ لا يفرح كثيراً لتذكُّره.
ومن أمثلة الخدمات الصامتة التى لا يراها أحد، الخدمات النوعية فى الكنيسة مثل خدمة بيوت الإيواء بأنواعها وخدمة المُسنين والمعاقين والمُدمنين وخدمات أخوة الرب والخُدَّام الذين يساعدون الآباء الكهنة فى الخدمات المستورة بأنواعها والحفاظ على أسرار الناس بكل السُّبُل.
يضاف إلى هؤلاء مُحبِّى العطاء من أبناء الكنيسة المقتدرين والذين يفضِّلون كتابة " من يدك أعطيناك" فى خانة الإسم عند إصدار إيصالات لعطائهم. والأطبَّاء الذين يقدمون الكثير والكثير لمختلف قطاعات الخدمة فى الكنيسة.
ويعوزنا الوقت لكيما نذكُر كل أنواع الخدمات الصامتة داخل الكنيسة وخارجها والتى لا تقع تحت حَصْر.
سعيد ومغبوط هو الشخص الذى يأخذ بركة هذا النوع من الخدمة لما لها من بركات خاصة فى حياة الناس.
وهذا لا يعنى بالضرورة أن نُقلِّل من شأن الخدمات التى هى ظاهرة بطبيعتها ، مثل خدمة الشمامسة والكهنة وخدَّام القنوات الفضائية بأنواعهم والكورالات ( التى بدأت تثبِّت أقدامها فى خدمة الكنيسة شيئاً فشيئاً) .. إلخ
فيستطيع خُدَّام هذه الفئات أن يُقدِّموا خدمة صامتة أيضاً. فالتعاجب بالأصوات والمبالغة فى التزيُّن والنظر إلى الكاميرات أو شاشات العرض، وطلب المديح بشكل مباشر أو غير مباشر والتزاحم حول القيادة والإصرار على الرأى ... إلخ ، هذه كُلُّها ضد مبدأ الخدمة الصامتة. فيستطع خدام هذه الفئات أن يقدِّموا خدمة صامتة – برغم ظهور خدمتهم - لو إبتعدوا عما سبق ذكره وقدموا خدمتهم فى إتضاع وإنكار للذات "غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ.(2 كورنثوس 18:4)
وإلى لقاء آخر.