رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأمثال في الكتاب المقدس
ونحن إذ نبدأ اليوم بنشر الأمثال نتمنى أن يتأمل فيها شبابنا وشاباتنا وتكون غايتها مزيداً من التقرب إلى الكتاب المقدس والتعرف أكثر على تعاليم المخلص فتنعكس على حياتهم اليومية بكافة نشاطاتها. كلمة موجزة على الأَمثال الواردة في الإنجيل المقدَّس " وكانَ يسوعُ يكلِّمُ الجموعَ بالأمثال ".(متّى 13/3) فالأمثالُ قِصصٌ قصيرة, مشوِّقة, بسيطة, ورفيعة المستوى الخُلُقي, وذاتُ معانٍ دينيَّة سامية, سردَها يسوع على الذين كانوا يستمعون إليه. وقد اقتبس مواضيعها من عادات الناس ومن تصرُّف ملوكهم, أو من أعراسهم وحفلاتهم ومِهَنهم, أو من مظاهر فضائلهم وخطاياهم, أو من الطبيعة الزراعيَّة المحيطة بهم. إن هذه الأمثال تتحدَّث عن ملكوت الله على الأرض, وهي على ثلاثة أنواع: تعليميَّة وخُلُقيَّة ونَبَويَّة. وإليكم كلمة على كلٍ منها: الأمثال التعليميَّة تطلعنا الأمثال التعليميَّة على ما علَّمه يسوع وما عمِله في سبيل نشر ملكوت الله على الأرض. فقد زرع كلام الله في قلوب الناس, وقاوم عمل الشيطان, وفدى البشريَّة, وهدى الخطأة إلى التوبة, وأسَّس الكنيسة ووصف عملها ونموَّها. كانت الكنيسة في بدء وجودها صغيرةً تكاد لا تُرى , ثم أخذت تُتابع عمل يسوع, وتَعمل في قلوب الناس عملاً خفيَّاً, فكانت كالخميرة في العجين. وانضمَّت إليها مجموعةٌ كبيرة من المؤمنين فامتدَّت في الأرض ونَمَت كالشجرة العظيمة. ولكنَّ الشيطان الذي لا يُريد لها أن تنعم بالوحدة وصفاء الإيمان زرع بين أبنائها الصالحين جماعةً من الأشرار وأصحاب البِدَع كما زرع العدوُّ الزؤانَ بين القمح الجيّد. ومع ذلك, فإن الكنيسة تواصل نموَّها إلى أن ينقضي الدهر. ومتى حلَّ انقضاء الدهر فُصل الأبرارُ عن الأشرار, فتمتَّع الأبرار بالسعادة الأبديَّة وألُقي الأشرارُ في هوَّة الهلاك الأبدي, كما يُلقى السمك الرديء في قاع البحر. وقد سُمِّيَت هذه الأمثال " تعليميَّة " بالمعنى الواسع لأنها تحمل السامعين على التأمُّل والتفكير واكتشاف ما فيها من تعاليم يسوع وأعماله, فترسخ هذه التعاليم وهذه الأعمال في نفوسهم. الأمثال الخُلُقيَّة إنَّ الأمثال الخلُقُيَّة تحثُّ المسيحيّين على التسامي الخُلُقي وعلى ممارسة الفضائل المسيحيَّة الكبرى, فتلحُّ على القيام بأعمال المحبَّة, وتصف جمالَها الرائع , وتصوِّر المصيرَ البائس الذي يلقاه مَنْ لا يمارسها, وتذكُرُ مساوئ الخطيئة وواجب التوبة, وتأمُر بالتسامح الأخوي, وتظهر الفائدةَ الروحيَّة من الصلاة المتواضعة الواثقة بالله، وتشجِّع المسيحيّين على الإلحاح في طلب نعمة البرارة، وتمدح التصرُّف بحكمة روحيَّة وتدعوهم إلى الاقتداء بحكمة أبناء هذا الدهر, لا في سبيل الحصول على الخيرات الأرضيَّة, بل في سبيل بلوغ الخلاص الأبدي، وتنادي باستثمار المواهب التي منحهم الله إيَّاها, وتبيِّن المنفعة الروحيَّة لِمَنْ يُحافظ على الأمانة لله بإخلاص. وقد سُمِّيَت هذه الأمثال " خُلُقيَّة " لأنها تصِف الأخلاق الرفيعة وتدعو إلى اكتسابها, وتبرز جمال الفضيلة, ولاسيَّما جمال فضيلة المحبَّة, وتفسح لها المجال لأنْ تؤثِّر في قلوب المؤمنين فيمارسونها, وتظهر لهم قباحة الرذيلة فينفرون منها. الأمثال النَبَويَّة أمَّا الأمثال النَبَويَّة فتصف عِناد رؤساء اليهود المتكبِّرين المرائين وتمسُّكهم بالحجج الواهية لرفض الإيمان بالمسيح ابن الله, وتُبيِّن خيانتهم لعهده تعالى, وقد دفعتهم هذه الخيانة إلى أن يعتدوا على ابن الله ويقتلوه, فكان نصيبهم الموت واللَّعنة الأبديّة. فاستبدلهم الله بالرُسُل الأُمناء الذين رعوا شعب الله رعاية فائقة العناية . وقد سُمِّيَت هذه الأمثال " نَبَويَّة " لأنها توخَّت أن تحمل الناس, ولاسيَّما رؤساء الشعب من الكتبة والفرِّيسيين وعلماء الشريعة, على الإيمان بالمسيح الموعود, وعلى التوبة والقيام بالأعمال الصالحة, كما فعل ذلك الأنبياء في زمن العهد القديم. هذا وقد كانت لهذه الأمثال جاذبيَّة خاصَّة استأثرت بانتباه السامعين, وقرَّبت إليهم فَهْمَ الأمور الدينيَّة, ودفعتهم إلى الإيمان بيسوع المخلِّص. وإليكم شرح هذه الأمثال واحِداً فواحِداً. |
21 - 07 - 2016, 05:34 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع متكامل عن الأمثال في الكتاب المقدس
مثل الزارع (تعليمي) نصُّ الإنجيل هُوَذا الزارعُ قدْ خرَجَ لِيزْرَعَ. وَبَيْنَما هُوَ يَزرَعُ وَقََعَ بعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطريق . فجاءَتِ الطيورُ فالتَقَطتْهُ . ووَقَعَ بعضُهُ الآخرُ على أَرضٍ رَقيقةِ التُرابِ, فنَبتَ مِنْ وقتِهِ لأَنَّ ترابَهُ لم يَكُنْ عميقاً . فلمَّا أَشرَقتِ الشمسُ احتَرَق, ولم يَكُنْ لهُ أَصْلٌ فيَبِس. ومِنهُ ما وَقَعَ على الشَّوْكِ فارتَفعَ الشَّوْكُ فخَنَقَهُ. ومِنهُ ما وَقَعَ على الأَرضِ الطيِّبَةِ. فأَعطى بَعضُهُ مِئةً, وبَعضُهُ سِتّين, وبَعضُهُ ثلاثين. (متى 13/3-9) الفكرة الأساسَّية الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ يسوع ابن الله يزرع كلام الله في قلب الإنسان كما يزرع الزارعُ الحَبَّ في قلب الأرض. وكما أنَّ الأرض على أنواع مختلفة, فكذلك قلبُ الإنسان. فهناك القلبُ الطائش, والقلبُ السطحي, والقلبُ المختنق بهموم الحياة الدنيا, والقلبُ الطيِّب. وهذا القلبُ الطيِّب يثمر وحدَهُ ثماراً تدوم للحياة الأبديَّة. ولكن هذه الثمار ليست كلُّها على قدْر واحد,ٍ بل متفاوتة الكميَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. الزارع هو يسوع نفسُهُ جاء يسوع إلى الأرض ليفتدي الناس ويعلِّمهم التعليم الديني القويم وينشر في العالم ملكوت الله. فكان يتجوَّل في أرض فلسطين, ويزرع كلام الله في قلوبهم مِثْلَ الزارع الذي يتجوَّل في حقله وهو يزرع الحَبَّ في قلب الأرض. وما هو الكلام الذي يزرعه يسوع في قلب الإنسان؟ إنَّه على نوعَيْن وهما : كلامُ الله الموحى إلى البشريَّة كلِّها, وكلامُ الله الخاصُّ الموجَّه إلى المسيحي الفرد. الزرع هو كلام الله الموحى إلى البشريَّة كلِّها الزرع هو الكلام الذي أوحاه الله إلى البشريَّة كلِّها بوساطة الأنبياء القدِّيسين, ثمَّ بوساطة ابنه الأوحد يسوع المسيح, وهو مكتوبٌ في الكتب المقدَّسة, ولا سيَّما في الأنَاجيل الأربعة التي كتَبها الإنجيليُّون متَّى ومرقس ولوقا ويوحنَّا, وفي الرسائل الإحدى والعشرين التي كتبها الرسل القدِّيسون, وأشهرُها رسائل بولس الرسول إلى المسيحيين الأوَّلين. وقد تسلَّمت الكنيسةُ كلام الله الموحى, وهي تحافظ عليه بكلِّ عناية و دقَّة وأَمانة, وتنشره في العالم بين الناس ليهتدوا به إلى الإيمان القويم. إن هذا الكلام الموحى إلى البشرية يزرعُهُ يسوع في قلب الإنسان. الزرع هو كلام الله الخاصُّ بالفرد لا يكتفي يسوع بأن يزرع في قلوبنا الكلام الذي أوحاه الله إلى البشرية كلها، بل يزرع أيضاً في قلب كلّ واحد منّا بمفرده كلاماً خاصَّاً به يناسب وضعه الديني وحاجته الروحيَّة. ويستخدم يسوع ليزرع هذا الكلام طُرُقاً وأساليبَ متعدِّدة، منها: - إنَّه يهمِس في قلبه فكرةً روحيَّةً صالحة هَمْساً داخليَّاً لطيفاً ليبعدَه في أثناء التجربة عن الشرِّ وارتكاب الخطيئة, ويقودَه إلى عمل الخير وممارسة الفضيلة. ونسمّي هذا الهَمْس الداخلي "صوت الضمير" وهو في الحقيقة صوت يسوع الإله فيه. - إنَّه يقدِّم له نصيحةً روحيَّةً ملائمة بوساطة إرشاد والد تقيّ, أو توجيه كاهن فاضل, أو قول صَديق مُخْلص. وهذه النصيحة تردُّه عن الشرّ, وتقوِّي فيه الإيمان, وتقوِّم لدَيْه الأخلاق, وتدفعه إلى أن يعيش وَفْقَ أوامر الله ووصاياه. - وإنَّه يهيِّئ له الإطلاع على قدوة صالحـة تظهر في سلوك صديـق أمين, فتكون لـه هذه القدوة مثلاًً ونوراً وهدايةً في حياته الروحيَّة, وتحمله على أن يرتدع عن الخطيئة و يسير في طريق الخير والفضيلة والطاعة لإرادة الله تعالى. - وإنَّه يسمح أحياناً بأن تنتابَهُ مِحنةٌ جسديَّة أو ماديَّة أو روحيَّة فتهزُّه هزَّاً روحيَّاً قويَّاً وتُعيده إلى طريق الصواب في تفكيره الديني وتصرُّفاته الخُلُقيَّة. وهناك أساليب أخرى خفيَّة لا حصر لها يكلِّم يسوع بها المسيحي ليوطِّد في قلبه الإيمان, وينعش في نفسه حُبَّ الفضيلة, ويحبِّب إليه الإقبال على الأعمال الصالحة. وهذا الكلام الخاصّ بالفرد هو كلام الله بالمعنى المجازي لا المعنى الحصري. |
||||
21 - 07 - 2016, 05:36 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع متكامل عن الأمثال في الكتاب المقدس
مثل حبَّة الحنطة التي وقعت في الأرض نصُّ الإنجيل قال يسوع : " إِنْ لم تَقَعْ حبَّةُ الحِنطةِ في الأَرض ِ وتَمُت ْ بَقِيَتْ وحدَها وإِذا ماتَتْ أَخرَجتْ حَبَّاً كثيراً. مَنْ أَحَبَّ حياتَهُ فَقَدَها. ومَنْ أَبْغَضَها في هذا العالمِ حَفِظَها للحياةِ الأَبديَّة ." ( يوحنا 12/24 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إن الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أَنْ لا خلاصَ للبشريَّة الخاطئة من دون تضحية أليمة يُقْدِمُ عليها يسوع, ويتحمَّلُها أتباعُه إِقتداءً به. وهذه التضحية هي العذاب والموت, وهي التي تعطي ثماراً وافرة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. حبَّة الحنطة هي يسوع نفسه إن حبَّة الحنطة التي ماتت ودُفنت وأعطت حبّاً كثيراً للعالم كلِّه هي يسوع نفسُهُ. لقد ضحّى بنفسه في سبيل البشريّة، فمات على الصليب، ودُفِنَ في القبر، وقام حيّاً من بين الأموات فكان بموته ودفنه وقيامته مصدرَ الحَبّ الكثير، أيْ مصدر النِعَم الغزيرة التي تتدفّق على البشريّة الآن وحتى انقضاء الدهر. إنَّ هذه النِعَم التي يمنحُها يسوع لمن يؤمنون به ويعتمدون باسمه ويحافظون على وصاياه تؤهّلهم لأن يتمتّعوا بالحياة الإلهيّة على الأرض وبالسعادة الأبديّة في الملكوت السماوي. حبَّة الحنطة هي المسيحي أيضاً أراد يسوع أن يكون المسيحي على مثاله حبَّةَ الحنطة التي تقع في الأرض وتموت وتُدفن وتأتي بحَبٍّ كثير. فدعاه إلى أن يرفض حُبَّ حياته الأرضيَّة خشيةَ أن يفقِدَها في الآخرة, وإلى أن يُبغضَها في هذا العالم رغبةً منه في الحصول على الحياة الأبديَّة. وقد عبَّر عن هذه الدعوة بأسلوب قوّيٍّ جداً لم يكن أحد يتوقَّعه, فكان له تأثير عميقٌ في نفوس مَنْ سمعوه, ولا يزال وَقْعُ كلامه يَرِنُّ في قلوب المؤمنين. قال: "مَنْ أَحبَّ حياتَهُ فَقَدَها . ومَنْ أَبغضَها في هذا العالَمِ حَفِظَها للحياةِ الأَبديَّة. " يوجِّه يسوع إلى المسيحي بهذا القول دعوتَيْن : في الأولى, يدعوه إلى أن يقبل الموت الروحي, وفي الثانية, إلى أن يُعِدَّ نفسَهُ لأن يتمتَّع بالحياة الأبديَّة. فإذا مات كحبَّة الحنطة الواقعة في الأرض, عاد إلى الحياة, كما عاد يسوع إلى الحياة بعد موته, وأتى بحَبٍّ كثير. وإليكم إيضاح هاتين الدعوتَيْن: الدعوة الأولى هي الدعوة إلى قبول الموت الروحي قال يسوع : " من أحبَّ حياتَهُ فَقَدَها ". إنّه بهذا القول يدعو المسيحي إلى أن يُبغض حياتَه, أيْ إلى أن يقبل الموت الروحي. والموتُ الروحي في مفهوم يسوع هو قيامُ المسيحي بأعمال التقشُّف في عدَّة مجالات, أهمُّها: تقشُّف العقل, وتقشُّف الإرادة, وتقشُّف القلب, وتقشُّف الجسد. وإليكم كلمة على كُلِّ نوعٍ من أنواع التقشُّف الذي يدعوه إليه يسوع : 1- تقشُّف العقل تقشُّف العقل هو الإيمانُ القويم والثابت بالوحي الإلهي المسيحي, على الرَّغم مِمَّا يحتويه هذا الوحي من أسرار عميقة لا يُدركها العقل البشري مهما فكَّر وجَهَدَ وتعمَّق. فالمسيحي يؤمن بوحي الله لأنّ الله لا يغلط ولا يغشُّ إطلاقاً. 2- تقشُّف الإرادة تقشُّف الإرادة هو الطاعة الكاملة لمشيئة الله, على الرَّغم مِمَّا في هذه المشيئة الإلهيَّة من مطالب صعبة, كالاستقامة, واحترام حقوق الآخرين, والصِدْق الكامل مع الناس, والنزاهة في النيَّة والعمل, والامتناع عن جَني المال بأساليب خدَّاعه , والقيام بأعمال البِرِّ والمحبَّة, وخِدْمة الضعفاء, ومؤازرة المحتاجين على قدْر الطاقة الشخصيَّة. فالمسيحي يخضع لإرادة الله خضوعَ الابن البارّ لإرادة أبيه المحبوب. 3- تقشُّف القلب تقشُّف القلب هو نَبْذُ البغض والحقد وعواطف الانتقام, ورفضُ حُبِّ السيطرة على الآخرين, والامتناعُ عن الاستسلام إلى الحسد وأذى الناس, ومسامحةُ الأعداء والمُسيئين, على الرَّغم مِمَّا في ممارسة هذه المسامحة الصادقة من مشقَّة على النفس المجروحة بالإساءَة. فالمسيحي يسامح حُبَّاً ليسوع الغَفور المسامح. 4 - تقشُّف الجسد تقشُّف الجسد هو الإِعراضُ الكامل والمستمرُّ عن تلبية النزوات الجسديَّة المُنْكَرة, وقمعُ الشهوات الفاسدة, على الرَّغم مِمَّا تقتضيه من المسيحي ممارسةُ فضيلة العفَّة من جَهْد الإرادة للحفاظ على سموِّ الأخلاق, ومن تحفُّظ خُلُقي في الأقوال والنظرات والتصرّفات, ومن احترام عميق لشريعة الله. فإذا مارس المسيحي أعمال التقشُّف كلَّها بدقَّة وأمانة واستمرار, مع ما في ذلك من صعوبة ومشقَّة لبَّى دعوة يسوع إلى الموت الروحي, وكان كحبَّة الحنطة التي ماتت ودُفنت وأتت بحَبٍّ كثير. الدعوة الثانية هي الدعوة إلى التمتُّع بالحياة قال يسوع : " مَنْ أبغَضَ حياتَهُ في هذا العالَمِ حَفِظَها للحياةِ الأبديّة." إن يسوع الذي يدعو المسيحي إلى الموت الروحي بمزاولة أعمال التقشُّف, يدعوه أيضاً إلى التمتُّع على مثاله بالحياة الإلهيّة على الأرض وبالسعادة الأبديّة في الآخرة. 1) إنه يدعوه إلى أن يحيا على الأرض حياة جديدة يتمتّع فيها بالنعمة المقدِّسة، والبُنوَّة الإلهيَّة, وسُكنى الروح القدس فيه، وذلك بفضل المعموديّة التي تجعله ينقاد للروح القدس. قال بولس الرسول: " إنَّ الذينَ ينقادونَ لروحِ اللهِ يكونونَ أَبناءَ اللهِ حقَّاً ." (رومة 8/14) 2) وإنه يدعوه أيضاً إلى أن يُعِدَّ نَفسَهُ لأن ينعمَ بحياة سعيدة في الآخرة. فإذا سلك المسيحي في هذه الدنيا سلوك حياة التقشُّف والتضحية, تشبَّه بيسوع وأصبح كحبَّة الحنطة التي وقعت في الأرض, وكان مصيرُه العيشَ الدائم السعيد لدى الله الآب في مقرِّ الحياة الأبدية. فالمسيحي الذي كان في حياته الأرضيّة حبَّة الحِنطة فمات ودُفن، أيْ مارس التقشّف بما فيه من صعوبة ومشقّة تمتّع وهو على الأرض بالحياة الإلهيّة، وأعدَّ نفسه لأن يحظى بالسعادة الخالدة مع يسوع في السماء مدى الأبديّة. التطبيق العملي 1- إن هذا المَثل الذي تحدَّث عن موت يسوع ودفنه وقيامته في سبيل خلاص البشريَّة وسعادتها الأبديَّة, دعوةٌ موجَّهة إليك لأن تقتدي به فتتحمّل على مثاله برضى ومحبّة التضحيات التي تصادفك في حياتك اليوميَّة. إن التضحيات كثيرة, أهمُّها مقاومةُ الخطيئة وما فيها من إغراء وجاذبيَّة, وتتميمُ واجباتك اليوميّة, وممارسةُ الفضائل المسيحيَّة, والقيامُ بأعمال التقشُّف المذكورة مهما صَعُبَتْ عليك, ومؤازرةُ المشاريع الكنسيَّة في بيئتك. 2- ولا تنسَ أن التضحيةَ شعارُ الدين المسيحي. إنها الطريق القويم الذي سلكه الشهداء والقدِّيسون فوصلوا إلى الحياة الأبديَّة السعيدة. وإذا سلكت هذا الطريق, بنعمة الله وعزم إرادتك القويَّة, تصلُ أنت أيضاً إلى الحياة الممجَّدة مع يسوع الممجَّد. 3- إن يسوع الذي عرَف سموَّ التضحية, بل شِدَّتَها وصعوبتَها, لا يَدَعُ المؤمن الذي تحمَّلها إكراماً له, من دون مكافأَة. قال لتلاميذه الذين ضحَّوا بكل شيء في سبيله : " أَنتُم الذين تَبعتموني في جيلِ التجديد, تجلِسون على اثنَيْ عشَرَ عرشاً, وتَدينون أَسباطَ إسرائيل الإثنَيْ عشَر ." (متى 19 / 27-29 ) |
||||
21 - 07 - 2016, 05:40 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع متكامل عن الأمثال في الكتاب المقدس
التشبيه بالكرْمة والأغصان
نصُّ الإنجيل قالَ يسوع لتلاميذِهِ : " أَنا الكرْمةُ وأَنتمُ الأَغْصان . فمَنْ ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيهِ فذاك الذي يُثمرُ كثيراً . أَمَّا بدوني فلا تَستطيعونَ أَنْ تَعمَلوا شيئاً. مَنْ لا يَثبُتْ فيَّ يُلقَ كالغُصْنِ إلى الخارجِ فيَيْبَس . والأَغصانُ اليابسةُ تُجمَعُ وتُلقَى في النارِ فتَحترِق . إذا ثَبَتُّمْ فيَّ وثَبَتَ كلامي فيكُم فاسأَلُوا ما شِئْتُم يَكُنْ لكم. أَلا إِنَّ ما يُمجَّدُ بهِ أَبي أَنْ تُثمروا ثَمَراً كثيراً وتكونوا لي تلاميذ." ( يوحنا 15/5-8 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه هي أنَّ حياةَ يسوع الإلهيَّة تنتقل إلى المسيحيين كما تنتقل حياةُ الكرْمة إلى أغصانها. فيسوع هو الكرْمة, والمسيحيُّون هم الأغصان. فكما أنَّ الأغصان المتَّحدة بالكرْمة تستمدُّ حياتها الطبيعيَّة من الكرمة, فكذلك المسيحيُّون المتَّحدون بيسوع يستمدُّون حياتهم الروحيَّة من يسوع. إنَّ هذا التشبيه, وإِنْ كان يتمتَّع بقوّة تعبيريَّة فائقة, لا يستطيع أن يصف طبيعة اتِّحاد المسيحيين بيسوع على حقيقتها. فإنَّ اتِّحادَ المسيحيين بيسوع أشدُّ عمقاً, وأكثرُ غزارة, وأوفرُ حيويَّة من اتِّحاد الأغصان بالكرمة, ذلك لأنَّ يسوع الإله يمنح المؤمنين به حياة إلهيَّة تفوق بما لا يُقاس الحياة الطبيعيَّة المحدودة التي تمنحها الكرْمة لأغصانها. إنَّ حياة المسيحيّين من دون اتحادهم بيسوع عقيمة روحيّاً. وإذا اتَّحدتْ به ازدهرت وحَظيت بالخصب الروحي. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. حياة المسيحيين من دون الاتحاد بيسوع عقيمة روحيَّاً قال يسوع : " بدوني لا تَستطيعونَ أَنْ تعمَلوا شيئا.ً " إنَّ كلام الرب واضح, ولا يحتاج إلى تأويل. فنحن عاجزون عن القيام بأيِّ عمل صالح ومثمر إنْ لم نكن متَّحدين بيسوع في مسيرة حياتنا الطبيعيَّة, وأعمالنا الفرديَّة, ونشاطاتنا الجماعيَّة. 1- ضرورة الاتحاد بيسوع في مسيرة حياتنا الطبيعيَّة إنَّ مسيرة حياتنا الطبيعيَّة, وإنْ تتوَّجت بأعمال ناجحة ومُبهرة وقادرة على إثارة إعجاب الناس قاطبةً في مجالات الفنِّ أو الاقتصاد أو السياسة أو الاختراعات العلميَّة, تبقى عقيمةً في عينَيْ الله, ولا تأتي بأيِّ ثمر روحي إِنْ لم تتَّحِدْ بيسوع وتنتعشْ بحياته, لأنها تبقى مسيرةَ حياةٍ أرضيَّة تزول بزوالنا عن هذه الأرض. 2- ضرورة الاتحاد بيسوع في أعمالنا الدينيَّة الفرديَّة إن أعمالنا الدينيَّة الفرديَّة نفسها, كالوعظ والإرشاد والمحاضرات الدينيَّة وأعمال التقشُّف والتبشير بالإنجيل, تكون عقيمةً أيضاً إِنْ لم تتّحد بيسوع وتستمدَّ حيويَّتها من حياته الإلهيَّة وتتغذّى به, لأنها تنقلب آنذاك أعمالاً خارجيَّة محضة, لا حياةَ روحيّة فيها ولا ثمر, وتحمل كثيراً من الرياء والكبرياء المستورة. 3- ضرورة الاتحاد بيسوع في نشاطاتنا الدينيَّة الجماعيَّة إن النشاطات الدينيَّة الجماعيَّة التي ننفِّذها في أثناء اجتماعات الأخويَّات الكنَسيَّة, لا قيمةَ لها روحيَّاً إلاَّ إذا اتَّحدت قلوبُنا, نحن أعضاءَ هذه الأخويَّات, بيسوع واستمدَّت منه القوَّة والحياة الإلهيَّة, لأنَّها تكون نشاطات فارغة روحيَّاً. وبخلاف ذلك, فإن نشاطاتنا المسيحيّة تكون مخصبة إذا اتَّحدنا بيسوع الكرمة الحقيقيَّة. الحياة المسيحيّة المتَّحدة بيسوع مخصبة روحيَّاً قال يسوع : " مَن ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيهِ فذاكَ الذي يُتمِرُ كثيراً ". في الحياة اليوميَّة أعمالٌ كثيرة تبدو خارجيَّاً تافهة, لا تتمتَّع بأيَّة قيمة بشريَّـة كعمل العامل في ورشة العمل, أو ألم المريض الذي تذوب حياته على مهل وهو متمدِّد على فراش الألم, أو تعب التاجر الصغير الذي يجاهد كثيراً ليجني ربحاً معقولاً يعيل به أُسرَتَهُ.إن هذه الأعمال العاديَّة التي لا تَلْتفِتُ إليها أبصارُ الناس, تكون مخصبة روحيَّاً إذا اتَّحدت قلوبُ أصحابها بيسوع مصدر الحياة الإلهيَّة. ونحن المسيحيين الذين نتَّحد بيسوع تكون حياتنا العاديَّة مُخصبة روحيَّاً بفضل ثلاثة أفعال متكاملة نقوم بها وهي: 1- قبول المعموديَّة المقدّسة إن المعموديَّة التي نقبلها تمنحنا النعمة المقدِّسة وتضمّنا إلى يسوع, وترفعنا إلى مقام أبناء الله, وتجعل نفوسنا مقرَّاً للروح القدس, فتكون حياتنا مقدَّسة وغنيَّةً بالاستحقاقات الروحيَّة التي تَهَبُنا مقاماً رفيعاً عند الله في الملكوت السماوي. 2- التوجُّه إلى يسوع باستمرار وإذا وجَّهنا عقولنا وإراداتنا وحُبَّ قلوبنا باستمرار إلى يسوع تمكَّنا من رفض الخطيئة التي تؤدِّي بنا إلى الموت, وعِشنا معه عيشة القداسة والصداقة الحقَّة. 3- القيام بالصلاة والأعمال الصالحة 1) إن الصلاة الحارَّة النابعة من القلب المُحبّ تجلب علينا قوَّةَ الله وعطفَه ومؤازرتَه, وتسمو بميول قلوبنا, فنرتفع من عالم الأرض إلى عالم السماء ونحقِّق ما قاله يسوع لرسله : " أنتُم في العالَمِ ولكنَّكُم لستُم مِنَ العالَم. " (يوحنا 17/14-16) 2) أمَّا القيام بالأعمال الصالحة في سبيل مجد يسوع فيحملنا على أن نجاهد, لا لمصلحتنا الخاصَّة وتمجيد ذواتنا, بل لتمجيد اسم يسوع ونشر محبَّته بين الناس. الثمر الكثير الذي يُمجِّد اسم يسوع مَنْ قَبِلَ المعمودية، وعاش في حال النعمة المقدِّسة, ووجَّه عقله وقلبه ومحبَّته إلى يسوع, وجعل صلاته وعمله في سبيل مجده, اتَّحد به وكان كالغصن المتَّحِد بالكرمة, فأتى بثمر كثير يُمَجِّد اسم يسوع في هذه الحياة وفي الحياة الأبديَّة. أما الثمر الكثير الذي يُمَجِّد اسم يسوع فهو بلوغ القداسة التي دُعينا إليها منذ الأزل, ونحن لا نزال على الأرض, كما ذكر بولس الرسول ذلك عندما قال: " تباركَ اللهُ أَبو ربِّنا يسوعَ المسيح الذي اختارَنا في المسيح قَبْلَ إِنشاء العالَمِ لنكونَ عندَهُ قدّيسين بِلا لَوْمٍ في المحبّة ." ( أفسس 1/3-4 ) التطبيق العملي إنَّ الشُّبان والشابَّات يحلُمون, وهم في عنفوان شبابهم, بتحقيق نجاحات مُبهرة في المستقبل. لكنَّهم متى بلغوا خريف الحياة يتساءَلون بشيء من خيبة الأمل عَّما حقَّقوه من النجاحات التي كانوا يتطلَّعون إليها ويتوقَّعونها. 1- إنَّ قول يسوع " مَنِ اتَّحدَ بي أَتى بثمرٍ كثير " يبدِّد من نفوسهم كُلَّ خيبة أمل, ذلك لأنَّ قيمة حياتهم على الأرض لا تستند إلى النجاحات الأرضيّة, بل إلى اتِّحادهم بيسوع. فإذا اتَّحدوا به كانت حياتهم ملأى بالثمر الكثير, وعاشوا حياة القداسة التي دعاهم الله إليها منذ الأزل. ولكن إذا انفصلوا عنه فلا يصلحون في نظر الله إلاَّ لأن يُلقَوا في النار ويحترقوا, كما يُلقى في النار الغصن الذي ينفصل عن الكرمة. فالمهمُّ في حياتهم لا أن يحقّقوا النجاحات الأرضيَّة فقط, بل أن يعيشوا أيضاً متَّحدين روحيَّاً بيسوع ويكونوا قدّيسين. 2- مَن سمِعَ دعوة يسوع إلى الموت وإلى الحياة وفهِمها فَهماً جيّداً مارس التقشّف وتوجّهَ إليه بالصلاة الحارّة. فتأمَّلْ أيها المسيحي في دعوة يسوع لكَ، ولَبِّ هذه الدعوة بحُبٍّ وثقة، فتكون حياتك مُثمرةً روحيّاً كالغصن المُتّحِد بالكَرْمة. 3- وتذكَّرْ أن الخطيئة تفصلك عن يسوع, وتجعل حياتك الروحيَّة يابسة بلا ثمر كالغصن اليابس المنفصل عن الكرمة. فقاومْ الخطيئة بكُلِّ قِواك, واطلبْ نعمة المقاومة لتبقى صديق يسوع الذي هو حياتك الإلهيَّة. |
||||
21 - 07 - 2016, 05:42 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع متكامل عن الأمثال في الكتاب المقدس
مثل الخمر الجديدة والأوعية العتيقة نصُّ الإنجيل الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إن الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أن لا وفاقَ بين الدين المسيحي والفرائض اليهوديَّة. فالدين المسيحي خمرٌ جديدة, والفرائض اليهوديَّة أوعيةٌ عتيقة. والأوعية العتيقة لا يمكنها أن تحفظ الخمرة الجديدة من التلَف. فمن أراد أن يضمَّ إلى الدين المسيحي الفرائض اليهوديَّة العتيقة ليكوِّن ديناً موحَّداً, أفسد الدين المسيحي وعرَّضه للتشويه والضَياع والتلَف. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. لا وفاقَ بين الدين المسيحي والفرائض اليهوديَّة لاحظ بعض الناس أن تلاميذ يوحنَّا المَعمدان وتلاميذ الفرِّيسيين يصومون كثيراً, فاعترضوا على يسوع قائلين: " لماذا يصومُ تلاميذُ يوحنَّا وتلاميذُ الفرِّيسيين, وتلاميذُُك لا يصومون ؟ " فأجاب: " أيَستَطيعُ أهلُ العُرسِ أن يصوموا والعَريسُ مَعَهُم ؟ " لم يرفض يسوع الصومَ بهذا القول. فالصومُ يؤدِّي إلى التوبة. ولكنَّه لم يشأْ أن يفرضه على تلاميذه ما دام مقيماً بينهم. فإن وجوده بينهم يخلق في نفوسهم جوَّاً من الفرح الروحي, كالفرح الذي يُحدثه وجودُ العريس بين أهل العرس. فمتى ارتفع عنهم فحينئذٍ يصومون. (مرقس 2/18-20) ولكنَّ يسوع لم يكتفِ بفكرة تأجيل الصوم إلى يوم انفصاله عن تلاميذه, بل انتقل إلى عَرْض فكرة أوسعَ منها عبَّرعنها بمثَل الخمر الجديدة والأوعية العتيقة, وهي أنه لن يفرض أبداً على تلاميذه وعلى المسيحيّين المحافظة على الفرائض اليهوديَّة, لأنه لا وفاقَ بينها وبين الدين المسيحي الجديد, كما أنه لا وفاقَ بين الخمر الجديدة والأوعية العتيقة. فما الدين المسيحي وما الفرائض اليهوديَّة 1- ما الدين المسيحي ؟ الدينُ المسيحي هو دينُ الوحي السماوي, والإيمان الحيّ, والنعمة الإلهيَّة الناجمة عن المعموديَّة وعن سُكنى الروح القدس في نفس الإنسان المعمَّد. وهو دينُ المحبَّة والتقوى الحقَّة التي يغذِّيها يسوع نفسُهُ بكلامه, ومثَل حياته السامية, وإلهامات روحه القدُّوس, وأسراره السبعة المقدَّسة. وهو دينُ الأخلاق الفاضلة, والطاعة لمشيئة الله, والممارسات الدينيَّة الصادقة. وهو دينُ حَمْلِ الصليب اليومي الذي تضعُهُ يدُ الله على كاهلنا, فنحمله خاضعين لتدبيره الإلهي بثقة ومحبَّة, ونضمُّ آلامَنا إلى آلام يسوع المصلوب, فنكفِّر بها عن خطايانا الكثيرة التي أهانت جلال الله تعالى وعن خطايا الآخرين. 2- ما الفرائض اليهوديَّة ؟ الفرائض اليهوديَّة هي ممارسةُ الختان الجسدي, والامتناعُ عن أكل اللُّحوم التي تعتبرها نجسة, والقيامُ بالوضؤ قبل تناول الطعام, وغسلُ الكؤوس والأباريق والأوعية النحاسية والأَسِرَّة. وهي النهيُ المطلق عن القيام بأيِّ عمل في يوم السبت, حتى وإنْ كان هدفُهُ خدمةَ الآخرين المحتاجين ومؤازرةَ المرضى والمتألِّمين. وهي الاحتفالُ الخارجي بأعياد قوميَّة, لبعضها طابع تاريخي, كعيد الفصح اليهودي, ولبعضها طابع زراعي, كعيد العنصرة الشعبي. الفرق بين الدين المسيحي والفرائض اليهوديَّة إنَّ الفرق عظيم جداً بين الدين المسيحي والفرائض اليهوديَّة. ففي الدين المسيحي الروحُ والإيمان والمحبَّة, وفي الفرائض اليهوديّة الأعمالُ الجسديّة والمظاهر الخارجيَّة والأحكام البشريَّة. فهل يُمكن أن يقوم الوفاق بين الروح والجسد ؟ وبين الإيمان الحيّ والمظاهر الجامدة و بين المحبَّة المتفانية والأحكام القاسية كلا. حذارِ من جعل الدين المسيحي فرائض يهوديَّة 1- الدين المسيحي دين الإيمان والمحبَّة إن الدينَ المسيحي دينُ الإيمان والمحبَّة. فليحذر المسيحي أن يطفئ في نفسه نور الإيمان وشُعلة المحبَّة بسلوك سيرة فاترة تتميَّز بالأنانية والانطوائيَّة واللاّمبالاة والتراخي في القيام بالواجبات الدينيَّة والعيش في جوٍّ مشحون بالخطيئة, وأَن يكتفي بالأعمال الخارجيَّة, وإلاَّ انقلب دينه المسيحي كالفرائض اليهوديَّة مجموعةً من الأحكام والمظاهر الفارغة العديمة الحياة. 2- الدين المسيحي دين الجهاد الروحي إن المسيحي المؤمن والمُحبّ لا يكتفي بالممارسات الدينيَّة الخارجيَّة, بل يجاهد بقوّة وعزم في سبيل الحفاظ في قلبه على فضائل الإيمان والرَّجاء والمحبَّة, ولا يهدُر بالخطيئة جمال النعمة الإلهيَّة التي نالها بالمعموديَّة المقدَّسة, ولا يتوقَّف عن الانطلاقة الروحيَّة التي حظي بها بفضل سُكنى الروح القدس فيه, بل يقتدي بيسوع المثال الأعلى للفضائل كُلِّها. ومتى مارس الجِهاد الروحي بقيَ فيه الدينُ المسيحي حيَّاً فعَّالاً كالخمر الجديدة الفوَّارة التي تُفرِّح قلب الإنسان. (مزمور 103/15) التطبيق العملي حافظْ في قلبك باستمرار على ما يطلُبه منك الدين المسيحي من جهادٍ روحيّ, وإيمان حيّ, ورجاء ثابت, ومحبَّة فعَّالة, وتضحية سخيَّة في بيئتك وكنيستك, ولا تكتفِ بالأعمال الخارجيَّة التي لا تُنعشُها الحياة الروحيَّة. واطلُبْ من يسوع نعمة الثبات لتحافظ على مقاصدك وتبقى دوماً هيكلاًً مقدَّساً لسُكنى الروح القدس فيك. |
||||
21 - 07 - 2016, 05:43 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع متكامل عن الأمثال في الكتاب المقدس
مثل الخروف الضالّ والدرهم الضائع
نصُّ الإنجيل كانَ العشَّارونَ والخاطِئونَ يَدنُونَ مِنْ يسوع ليستمعوا إليه . فكان الفرِّيسيونَ والكتبةُ يَتَذمَّرونَ فيقولون : " هذا الرجلُ يستقبلُ الخاطِئينَ ويأْكُلُ معهم ." فضرَبَ لهم هذا المثل . قال : " أَيُّ امرئ منكُم إذا كانَ لهُ مِئةُ خروفٍ فأَضاعَ واحداً منها , لا يترُكُ التِّسعةَ والتِّسعينَ في البريَّةِ ويسعَى إلى الضالِّ حتى يجدَهُ ؟ فإذا وجدَهُ حمَلَهُ على كتِفَيْهِِ فَرِحاً ورَجَعَ بهِ إلى البيتِ ودعا الأَصدقاءَ والجيرانَ وقالَ لهم : " افرَحوا معي , فقد وجَدْتُ خَروفيَ الضالّ ." أقولُ لكُم : " هكذا يكونُ الفرحُ في السماءِ بخاطىءٍ واحدٍ يتوبُ أَكثرَ مِنهُ بتِسعةٍ وتِسعينَ مِنَ الأَبرارِ لا يحتاجونَ إلى التوبة ." أَمْ أَيَّة ُ امرأةٍ إذا كان عندَها عشَرَةُ دراهمَ فأَضاعتْ دِرْهماً واحداً , لا تُوقِدُ سِراجاً وتكنِّسُ البيتَ وتَجِدُّ في البحثِ عنهُ حتى تَجدَهُ ؟ فإذا وجدتْهُ دَعَتِ الصديقاتِ والجاراتِ وقالتْ : " افرَحْنَ معي , فقدْ وجدتُ دِرهَمي الذي أَضعتُهُ ."أَقولُ لكُم: " هكذا يفرَحُ ملائكةُ اللهِ بخاطىءٍ واحدٍ يتوب." (لوقا 13/1-10) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذين المثلَيْن إن الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذَيْن المثلَيْن هي أن يسوع قد جاء إلى العالم لأجل الإنسان الخاطئ. فكما أن الراعي يبحث عن خروفه الضالّ , وكما أن المرأة تبحث عن درهمها الضائع, هكذا يبحث يسوع عن الخاطئ ليهديه إلى التوبة, ويقوده إلى الله, ويؤمِّن له خلاصه الأبدي. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. نحن أناسٌ خطأة نحن نحيا في كثير من الأحيان حياةَ اللاَّمبالاة بشؤون الدين, ونهمل واجباتنا الدينيَّة, ونرتكب الخطايا الكثيرة, ونهتمُّ بكلِّ ما هو قائمٌ على الأرض, ما عدا حفظَ كلام الله وتتميمَ إرادته القدُّوسة. فكلٌّ مِنَّا يشعر في قرارة نفسه بأنه إنسان خاطئ. ومَنْ هو الخاطئ في تفكير يسوع ؟ الخاطئ هو الخروف الذي ابتعد عن القطيع, وضلَّ الطريق, وسقطَ في الحفرة, ولمْ يستطعْ أن يصعدَ منها. وهو الدرهمُ الضائعُ أيضاً الذي تدحرج إلى زاوية البيت المظلمة ولم يَعُدْ يظهر للنور. جاء يسوع ليحمل إلى الخاطئ الخلاص الأبدي جاء يسوع ليبحث عن الخاطئ ويهديه إلى الخلاص الأبدي . فإن ما قام به يسوع في سبيل إِنقاذ الخاطئ من الضَياع والموت أعظمُ بما لا يُقاس مِمّا يقوم به الراعي ليجدَ خروفه الضالّ, ومِمَّا تقوم به ربَّةُ البيت الواعية في سبيل العثور على درهمها الضائع. إنه لم يكتفِ بالتعليم والإرشاد والقدوة الصالحة وسلوك الحياة الفاضلة كسائر الأنبياء الذين سبقوه, بل بذل نفسه في سبيل خلاص الخاطئ بذْلاً كاملاً, فمات على الصليب, ذبيحةً طاهرةً, ليكفِّر عن ذنوب الإنسان, وينقذه من شرِّ الخطيئة ونتائجها الوخيمة، ويحمل إليه الخلاص الأبدي, ويفتح له أبواب السعادة الأبديَّة . فما أعظمَ حُبَّ يسوع للإنسان الخاطئ ! وما أجملَ سعيَهُ في سبيل إنقاذه من موت الخطيئة ! يسوع قدوتنا في نشر الخلاص يسوع قدوتنا في بذل الجَهد والسعي وقبول التضحية في سبيل هِداية الخطأة. فلا يكفي أن نهتمَّ بأنفسنا فقط, ونقوم بالممارسات الدينيَّة والواجبات اليوميَّة فحسب, بل ينبغي لنا أن نقتدي بيسوع, ونكون على مثاله رسلاً ينشرون الخلاص بين الناس. 1- يجب أن نساعد الآخرين مساعدةً روحيّة فعّالة إننا نعيش في العالم كسائر الناس, في بيئة مكوَّنةٍ من رجال ونساء, وشباب وشابّات, وفتيان وفتيات, وأطفال. إنهم يحتاجون كلُّهم إلى المساعدة الروحيَّة الفعّالة لكي لا ينفصلوا عن قطيع يسوع بارتكاب الخطيئة. وإذا ما انفصلوا عنه فإنهم يحتاجون أيضاً إلى هذه المساعدة ليعودوا إليه, ويكونوا أصحَّاء روحيَّاً تنعشهم نعمة الله تعالى. 2- يجب أن نبذل الجهد الروحي الضروري ولا بُدَّ لإصابة هذا الهدف الديني المزدوج من أن نقوم بجَهد روحي متواصل, على مثال يسوع, فننشر التعليم الديني المسيحي بين إخوتنا وأبنائنا, ونوطِّد فيهم الأخلاق القويمة بمثلنا الصالح, ونرسِّخ فيهم عادة الممارسات الدينيَّة, ونساند الأخويَّات الكنسيَّة, ونؤازر الأُسَرَ المسيحيَّة لتحافظ على الوحدة العائليَّة وتتغلَّب على الصعوبات التي تؤدِّي بها إلى التفكُّك وعدم الانسجام. ضرورة التعاون بين الرعاة الكنَسيين والعلمانيين إن هذا العمل الرسولي المفيد روحيَّاً يقتضي أن يقوم تعاونٌ وثيق بين الرُعاة الكنسيّين والعلمانيّين الأتقياء . إن هذا التعاون أمرٌ هامٌّ جداً لأنّه يثبّت الإيمان ويدعم الأخلاق الصالحة في قلوب المسيحيين. ويحمل هذا التعاونُ اسم " العمل المسيحي " الذي تناصره الكنيسةُ مناصرةً قويَّةً بقوانينها وتوجيهاتها ومساندتها الفعَّالة. التطبيق العملي لا تنسَ أنك رسول يسوع في البيئة التي وضعك الله فيها. فتعاونْ بإخلاص مع الكنيسة, واشتركْ في الأخويَّات القائمة, وسانِدْ المشاريع الدينيَّة, وكُنْ قدوةً صالحة للآخرين بتصرُّفاتك الحسنة وأقوالك النيِّرة التي تعبِّر عن إيمانك المسيحي الثابت, لكي لا يبقى أحدٌ من خراف يسوع, من بين أصحابك ومعارفك, خارجَ الكنيسة المقدَّسة, ضائعاً في براري الضلال وقابعاً في ظلام الخطايا. |
||||
21 - 07 - 2016, 05:48 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع متكامل عن الأمثال في الكتاب المقدس
مثل حبَّة الخردل
نصُّ الإنجيل مَثَلُ ملكوتِ السماواتِ كَمَثلِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ أَخذَها رَجُلٌ فزَرَعَها في حقلِهِ. هيَ أَصغَرُ البُذورِ كُلِّها , فإذا نَمَتْ كانتْ أَكبرَ البُقولِ , بل صارتْ شجرةً حتى إِنَّ طيورَ السماءِ تأْتي فتُعشِّشُ في أَغصانِها . (متى 13 /31-32) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ مشاريع الله تشبهُ حبَّة الخردل. فهي لا تبدأ عادةً كبيرةً مُبهرة , بل بالحريِّ صغيرةً متواضعة, يكاد الناس لا يرونها. ثم تصبح رويداً رويداً كبيرةً لأنَّ الله يُعنى بها ويسيِّرها وينميها ويمنحها القوَّة والازدهار. وهذا ما نراه قد حدَثَ في مجالات دينيَّة كثيرة. وإليكم بعض الأمثلة عن هذا النموِّ الديني، مُقتبسة من أقوال يسوع، ومن حياة الكنيسة، ومن حياة الأفراد. المثل الأول : نموُّ أقوال يسوع تفوَّه يسوع ببعض أقوالٍ بسيطة, في بيئة محدودة, ولم يسمعْها إلاَّ العددُ القليل من الناس, فأضحت هذه الأقوال بعد مُدَّة من الزمن إنجازاتٍ عظيمة. 1- قول يسوع ليلة العشاء الأخير بعدما أخذ الربُّ يسوع, في الليلة التي أُسلم فيها, خبزاً وكأسَ خمرٍ, وشكرَ الله وبارك وقدَّسهما قال لتلاميذه: " اصنَعوا هذا لِذكري ." إن هذه الكلمات البسيطة, الصغيرة كحبَّة الخردل, والتي قالها لأحدَ عشَرَ رجلاً في داخل العلِّية, قد أصبحت شجرةً عظيمةً مدَّتْ أغصانها إلى العالم كلِّه. فعلى أَثَرِها انتشرت عبادة سرّ القربان الأقدس، وظهرت الكاتدرائياتُ والكنائسُ الفخمة, والطقوسُ الاحتفاليَّة الرائعة, والأناشيدُ الدينيَّة الجذَّابة التي تشُدُّ إليها الجماهير الغفيرة من المؤمنين في كلِّ قطر من أقطار العالم. 2- قول يسوع قبل أن يصعد إلى السماء قبل أن يصعد يسوع إلى السماء قال للتلاميذ المتحلِّقين حولَه : " اذهبوا في العالم كُلِّه وأعلنوا الإنجيل إلى الخلق أجمعين ". كان عددُهم ضئيلاً جدَّاً, لم يجاوز الأحدَ عشَرَ رجلاً, فإذا بعدد المرسلين في العالم ينمو ويزداد ويجاوز الألوف . أخذ هؤلاء المرسلون يبشِّرون في بلاد العالم كلِّه بكلمة الله, وينشرون بين الناس البشرى السعيدة التي جاء بها الإنجيل. فآمنت به شعوبٌ كثيرة, وكانت قبلاً من عِداد عبَدة الأصنام, فأصبحت تَدِينُ بالمسيحيَّة وتعبُد الله الحيّ. 3- قول يسوع يومَ الدينونة ويقول يسوع في يوم الدينونة للقائمين عن يمينه : " كلَّما صنعتُم شيئاً من ذلك لواحدٍ من إِخوتي الصغار, فلي قد صنعتموه ." إن هذه الكلمات البسيطة قد فتحت المجال الواسع في الماضي لظهور المشاريع والأعمال الخيريَّة والاجتماعيَّة على مدى القرون المتعاقبة. وهي لا تزال إلى اليوم تُنشئ العددَ الكبير من مشاريع الخير وأعمال المؤازرة الجسديَّة والروحيَّة والخُلُقيَّة والماليَّة, في كلِّ مكان من العالم, ولا سيَّما في البلاد الفقيرة التي ينتشر فيها الظلم الاجتماعي على نطاق واسع. 4- قول يسوع للشابِّ الغني قال يسوع للشابِّ الغني: " إذا أَردتَ أن تكونَ كاملاً فاذهبْ وبِعْ أَموالَك وأَعْطِها للفقراء , فيكونَ لك كنزٌ في السماء , وتعالَ اتبعني ." إن هذه الكلمات المتواضعة كانت سبب نشأَة الحياة الرهبانيّة المكرَّسة. إنَّ هذه الحياة انتشرت في الكنيسة, خلالَ العصور المتعاقبة, في الشرق والغرب, وظهرت مجموعات رهبانيّة كثيرة من رجال ونساء هدفُها الصلاة والخدمة الاجتماعيَّة. كانت هذه الجماعات الرهبانيّة في أوَّل عهدها أفراداً قلائل, كحبَّة الخردل, ثمَّ صارت أشجاراً عالية, وهي تعيش اليومَ في كلِّ قطرٍ من أقطار الشرق العربي. أمَّا في بلاد الغرب, فإنَّ هذه الجماعات تؤلِّف جمعيَّات رهبانيَّة مكرَّسةً لله, تعُدُّ كلُّ واحدةٍ منها الألوف من الأعضاء الذين يقضون حياتهم في الصلاة والعمل الديني. بدأت هذه الجمعيَّات الدينيَّة في أول أمرها بداءَة متواضعة, لا تضمُّ أكثر من اثنين أو ثلاثة من الأعضاء. وهي اليومَ أعداد كثيرة جداً, يعمل أعضاؤها في مجالات التبشير والتعليم والكتابة والتأليف والنشر والوعظ والإرشاد والإذاعة والتلفزيون والأنترنِت, وحتى في مجال الفنون الجميلة. إن هذه الجمعيَّات كانت حبَّةَ الخردل الصغيرة, فأصبحت بقدرة الله أشجاراً باسقة وارفة. المثل الثاني: نموُّ الكنيسة في العالم بدأت الكنيسة في فلسطين صغيرةً كحبَّة الخردل, وضمَّت إليها في بادئ أمرها بعضَ الرجال والنساء من الطبقة المتواضعة ولم يكن عددهم يجاوز آنذاك الخمسة آلاف رجل. (أعمال الرسل 4/4) ثمّ نمت على كرِّ الزمن وأصبحتِ اليومَ كنيسةً جامعة, منتشرةً في العالم كلِّه, تضمُّ إليها ما يقارب مِليارَيْ نَسَمَة. واتَّسع نفوذُها الديني والخُلُقي في جميع الأوساط. لقد حاول الكثيرون, من الملحدين والأشرار, أن يكسروا أغصانَ شجرةِ الخردل هذه, بل أن يقتلعوها من جذورها. ولكنَّ الجذور مازالت تُنبتُ فروعاً جديدةً أقوى وأغزر. إن الإهانات التي وجَّهوها إلى الكنيسة لم تحطِّم عزيمتَها على العمل, وإن الاضطهادات التي شنُّوها على أبنائها قد زادتهم ثباتاً على إيمانهم, فانقلبت خساراتها الماديَّة مغانمَ روحيَّة رائعة, ذلك لأن يد الله التي زرعت حبَّة الخردل الصغيرة هذه في العالَم تحفظها وتقوِّيها وتنمِيها . المثل الثالث: نموُّ الحياة الروحيَّة في الأفراد إن الحياة الروحيَّة تبدأ في الأفراد بالمعموديَّة المقدَّسة صغيرةً جداً, كحبَّة الخردل, من دون أن يراها الناس. وإذا ما أفسح المسيحي المجال الديني الواسع لنعمة المعموديَّة, نمت في نفسه نموَّاً روحيَّاً بعيد المدى وأصبحت بفضل نشاطه وجرأته شجرة عظيمة يستظلُّ في ظلِّ أغصانها أفرادُ أُسرته إذا تزوَّج, أو أبناءُ رعيَّتِه إذا أصبح كاهناً, أو رفاقُ عملِه إذا أضحى عاملاً أو موظَّفاً أو تاجراً أو مسؤولاً. إن حياة الأفراد تبقى عادةً في الحياة الدنيا خفيَّةً عن العِيان, و لا يظهر جمالها و لا تبدو عظمتها إلاَّ في الحياة الأخرى, فتكون لهم آنذاك مصدرَ إعجاب بقدرة الله التي ساندتهم على إنماء النعمة في نفوسهم. إعجابنا بأعمال الله مدى الأبديَّة إننا سنرى يوماً ما, ونحن في ملكوت السموات, بدهَشٍ وإعجاب عظيم, كيف أن أعمال الله ومشاريعه التي بدأت على الأرض صغيرة بسيطة كحبَّة الخردل ونمت وأصبحت أعمالاً وإنجازات كبيرة فقدَّمت للنفوس والكنيسة والمجتمع خدَماتٍ كثيرة ومتنوِّعة. وهذا ما يحملنا على أن نمجِّده تعالى باستمرار مدى الأبديَّة. التطبيق العملي 1- إذا قُمت بعمل ما, فنما هذا العملُ وأفاد الكنيسة, فلا تفتخرْ بنفسك, بل كُنْ متواضعاً, ولا تنسَ أنَّ نموَّ عملِك الديني ناجمٌ عن نعمة الله وعطفه على ما تقوم به من نشاط في سبيل الكنيسة والمجتمع والأفراد. لذلك لا تنسِبْ نموَّه إليك, بل إلى الله. وتابعْ عملك بجَهْدٍ ونشاط وهدوء. 2- ثمَّ واظبْ على الصلاة, فإن الله يواصلُ مؤازرته لِمَنْ يصلّي، فيقوِّيكَ على متابعة نشاطك, وينجِّح جهودك التي تؤول إلى رفع شأن الكنيسة المقدَّسة في بيئتك. 3- إنَّ للصلاة أهميّةً كبيرة في عَينَيْ. ولذلك فإنَّ الكنيسة أعلنت القدّيسة تريزيا الطفل يسوع شفيعة المرسلين مع أنّها لم تذهب إلى بلاد الإرساليات ولم تخرج قط من الدير، ذلك لأنَّ صلاتها الصامتة والمستمرّة لأجلهم قد جلبت عليهم نِعَم الله التي كانت تؤازرهم على القيام بأعمال الرسالة، كما أنّها فتحت قلوب الوثنيّين لقبول النِعًم السماويّة فاهتدوا إلى الدين المسيحي. نصُّ الإنجيل مَثَلُ ملكوتِ السماواتِ كَمَثلِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ أَخذَها رَجُلٌ فزَرَعَها في حقلِهِ. هيَ أَصغَرُ البُذورِ كُلِّها , فإذا نَمَتْ كانتْ أَكبرَ البُقولِ , بل صارتْ شجرةً حتى إِنَّ طيورَ السماءِ تأْتي فتُعشِّشُ في أَغصانِها . (متى 13 /31-32)الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ مشاريع الله تشبهُ حبَّة الخردل. فهي لا تبدأ عادةً كبيرةً مُبهرة , بل بالحريِّ صغيرةً متواضعة, يكاد الناس لا يرونها. ثم تصبح رويداً رويداً كبيرةً لأنَّ الله يُعنى بها ويسيِّرها وينميها ويمنحها القوَّة والازدهار. وهذا ما نراه قد حدَثَ في مجالات دينيَّة كثيرة. وإليكم بعض الأمثلة عن هذا النموِّ الديني، مُقتبسة من أقوال يسوع، ومن حياة الكنيسة، ومن حياة الأفراد. المثل الأول : نموُّ أقوال يسوع تفوَّه يسوع ببعض أقوالٍ بسيطة, في بيئة محدودة, ولم يسمعْها إلاَّ العددُ القليل من الناس, فأضحت هذه الأقوال بعد مُدَّة من الزمن إنجازاتٍ عظيمة. 1- قول يسوع ليلة العشاء الأخير بعدما أخذ الربُّ يسوع, في الليلة التي أُسلم فيها, خبزاً وكأسَ خمرٍ, وشكرَ الله وبارك وقدَّسهما قال لتلاميذه: " اصنَعوا هذا لِذكري ." إن هذه الكلمات البسيطة, الصغيرة كحبَّة الخردل, والتي قالها لأحدَ عشَرَ رجلاً في داخل العلِّية, قد أصبحت شجرةً عظيمةً مدَّتْ أغصانها إلى العالم كلِّه. فعلى أَثَرِها انتشرت عبادة سرّ القربان الأقدس، وظهرت الكاتدرائياتُ والكنائسُ الفخمة, والطقوسُ الاحتفاليَّة الرائعة, والأناشيدُ الدينيَّة الجذَّابة التي تشُدُّ إليها الجماهير الغفيرة من المؤمنين في كلِّ قطر من أقطار العالم. 2- قول يسوع قبل أن يصعد إلى السماء قبل أن يصعد يسوع إلى السماء قال للتلاميذ المتحلِّقين حولَه : " اذهبوا في العالم كُلِّه وأعلنوا الإنجيل إلى الخلق أجمعين ". كان عددُهم ضئيلاً جدَّاً, لم يجاوز الأحدَ عشَرَ رجلاً, فإذا بعدد المرسلين في العالم ينمو ويزداد ويجاوز الألوف . أخذ هؤلاء المرسلون يبشِّرون في بلاد العالم كلِّه بكلمة الله, وينشرون بين الناس البشرى السعيدة التي جاء بها الإنجيل. فآمنت به شعوبٌ كثيرة, وكانت قبلاً من عِداد عبَدة الأصنام, فأصبحت تَدِينُ بالمسيحيَّة وتعبُد الله الحيّ. 3- قول يسوع يومَ الدينونة ويقول يسوع في يوم الدينونة للقائمين عن يمينه : " كلَّما صنعتُم شيئاً من ذلك لواحدٍ من إِخوتي الصغار, فلي قد صنعتموه ." إن هذه الكلمات البسيطة قد فتحت المجال الواسع في الماضي لظهور المشاريع والأعمال الخيريَّة والاجتماعيَّة على مدى القرون المتعاقبة. وهي لا تزال إلى اليوم تُنشئ العددَ الكبير من مشاريع الخير وأعمال المؤازرة الجسديَّة والروحيَّة والخُلُقيَّة والماليَّة, في كلِّ مكان من العالم, ولا سيَّما في البلاد الفقيرة التي ينتشر فيها الظلم الاجتماعي على نطاق واسع. 4- قول يسوع للشابِّ الغني قال يسوع للشابِّ الغني: " إذا أَردتَ أن تكونَ كاملاً فاذهبْ وبِعْ أَموالَك وأَعْطِها للفقراء , فيكونَ لك كنزٌ في السماء , وتعالَ اتبعني ." إن هذه الكلمات المتواضعة كانت سبب نشأَة الحياة الرهبانيّة المكرَّسة. إنَّ هذه الحياة انتشرت في الكنيسة, خلالَ العصور المتعاقبة, في الشرق والغرب, وظهرت مجموعات رهبانيّة كثيرة من رجال ونساء هدفُها الصلاة والخدمة الاجتماعيَّة. كانت هذه الجماعات الرهبانيّة في أوَّل عهدها أفراداً قلائل, كحبَّة الخردل, ثمَّ صارت أشجاراً عالية, وهي تعيش اليومَ في كلِّ قطرٍ من أقطار الشرق العربي. أمَّا في بلاد الغرب, فإنَّ هذه الجماعات تؤلِّف جمعيَّات رهبانيَّة مكرَّسةً لله, تعُدُّ كلُّ واحدةٍ منها الألوف من الأعضاء الذين يقضون حياتهم في الصلاة والعمل الديني. بدأت هذه الجمعيَّات الدينيَّة في أول أمرها بداءَة متواضعة, لا تضمُّ أكثر من اثنين أو ثلاثة من الأعضاء. وهي اليومَ أعداد كثيرة جداً, يعمل أعضاؤها في مجالات التبشير والتعليم والكتابة والتأليف والنشر والوعظ والإرشاد والإذاعة والتلفزيون والأنترنِت, وحتى في مجال الفنون الجميلة. إن هذه الجمعيَّات كانت حبَّةَ الخردل الصغيرة, فأصبحت بقدرة الله أشجاراً باسقة وارفة. المثل الثاني: نموُّ الكنيسة في العالم بدأت الكنيسة في فلسطين صغيرةً كحبَّة الخردل, وضمَّت إليها في بادئ أمرها بعضَ الرجال والنساء من الطبقة المتواضعة ولم يكن عددهم يجاوز آنذاك الخمسة آلاف رجل. (أعمال الرسل 4/4) ثمّ نمت على كرِّ الزمن وأصبحتِ اليومَ كنيسةً جامعة, منتشرةً في العالم كلِّه, تضمُّ إليها ما يقارب مِليارَيْ نَسَمَة. واتَّسع نفوذُها الديني والخُلُقي في جميع الأوساط. لقد حاول الكثيرون, من الملحدين والأشرار, أن يكسروا أغصانَ شجرةِ الخردل هذه, بل أن يقتلعوها من جذورها. ولكنَّ الجذور مازالت تُنبتُ فروعاً جديدةً أقوى وأغزر. إن الإهانات التي وجَّهوها إلى الكنيسة لم تحطِّم عزيمتَها على العمل, وإن الاضطهادات التي شنُّوها على أبنائها قد زادتهم ثباتاً على إيمانهم, فانقلبت خساراتها الماديَّة مغانمَ روحيَّة رائعة, ذلك لأن يد الله التي زرعت حبَّة الخردل الصغيرة هذه في العالَم تحفظها وتقوِّيها وتنمِيها . المثل الثالث: نموُّ الحياة الروحيَّة في الأفراد إن الحياة الروحيَّة تبدأ في الأفراد بالمعموديَّة المقدَّسة صغيرةً جداً, كحبَّة الخردل, من دون أن يراها الناس. وإذا ما أفسح المسيحي المجال الديني الواسع لنعمة المعموديَّة, نمت في نفسه نموَّاً روحيَّاً بعيد المدى وأصبحت بفضل نشاطه وجرأته شجرة عظيمة يستظلُّ في ظلِّ أغصانها أفرادُ أُسرته إذا تزوَّج, أو أبناءُ رعيَّتِه إذا أصبح كاهناً, أو رفاقُ عملِه إذا أضحى عاملاً أو موظَّفاً أو تاجراً أو مسؤولاً. إن حياة الأفراد تبقى عادةً في الحياة الدنيا خفيَّةً عن العِيان, و لا يظهر جمالها و لا تبدو عظمتها إلاَّ في الحياة الأخرى, فتكون لهم آنذاك مصدرَ إعجاب بقدرة الله التي ساندتهم على إنماء النعمة في نفوسهم. إعجابنا بأعمال الله مدى الأبديَّة إننا سنرى يوماً ما, ونحن في ملكوت السموات, بدهَشٍ وإعجاب عظيم, كيف أن أعمال الله ومشاريعه التي بدأت على الأرض صغيرة بسيطة كحبَّة الخردل ونمت وأصبحت أعمالاً وإنجازات كبيرة فقدَّمت للنفوس والكنيسة والمجتمع خدَماتٍ كثيرة ومتنوِّعة. وهذا ما يحملنا على أن نمجِّده تعالى باستمرار مدى الأبديَّة. التطبيق العملي 1- إذا قُمت بعمل ما, فنما هذا العملُ وأفاد الكنيسة, فلا تفتخرْ بنفسك, بل كُنْ متواضعاً, ولا تنسَ أنَّ نموَّ عملِك الديني ناجمٌ عن نعمة الله وعطفه على ما تقوم به من نشاط في سبيل الكنيسة والمجتمع والأفراد. لذلك لا تنسِبْ نموَّه إليك, بل إلى الله. وتابعْ عملك بجَهْدٍ ونشاط وهدوء. 2- ثمَّ واظبْ على الصلاة, فإن الله يواصلُ مؤازرته لِمَنْ يصلّي، فيقوِّيكَ على متابعة نشاطك, وينجِّح جهودك التي تؤول إلى رفع شأن الكنيسة المقدَّسة في بيئتك. 3- إنَّ للصلاة أهميّةً كبيرة في عَينَيْ. ولذلك فإنَّ الكنيسة أعلنت القدّيسة تريزيا الطفل يسوع شفيعة المرسلين مع أنّها لم تذهب إلى بلاد الإرساليات ولم تخرج قط من الدير، ذلك لأنَّ صلاتها الصامتة والمستمرّة لأجلهم قد جلبت عليهم نِعَم الله التي كانت تؤازرهم على القيام بأعمال الرسالة، كما أنّها فتحت قلوب الوثنيّين لقبول النِعًم السماويّة فاهتدوا إلى الدين المسيحي. |
||||
21 - 07 - 2016, 05:54 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع متكامل عن الأمثال في الكتاب المقدس
مثل الخميرة في العجين
نصُّ الإنجيل مَثَلُ ملكوتِ السماواتِ كَمَثَلِ خميرةٍ أَخذَتْها امرأةٌ فَجَعَلَتْها في ثلاثةِ مكاييلَ مِنَ الدَقيقِ حتى اختَمرَتْ كلُّها. (متى 13/33) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ هذه الخميرة الصغيرة, التي تختلط بالعجين وتعمل فيه عملها الخفيّ وتجعله يختمر, تمثِّل يسوع نفسَهُ, ومجموعةَ الرسل القلائل, والكنيسةَ التي تعمل في العالم, والنُخبةَ المختارة القليلة العدد من العلمانيَّات والعلمانيين الذين يعملون في محيطهم ويؤثِّرون فيه تأثيراً روحيَّاً قويَّاً وفعَّالاً. ويكون هذا التأثير في غالب الأحيان تأثيراً خفيَّاً, ينتشر بفضله ملكوتُ الله في العالم, ويتغلغل في قلوب الناس من دون أن يكون له أيُّ مظهرٍ من مظاهرِ العظمة الخارجيَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. الخميرة هي يسوع نفسُهُ لقد حقَّق يسوع هذا المثلَ في حياته التبشيريَّة, فاختلط بالجماهير وكان بينها كالخميرة في العجين. وقد أثَّرت أقواله في قلوب السامعين تأثيراً داخليَّاً عميقاً, ودفعت الخطأة إلى التوبة وتغيير السيرة. إنَّ المبادئ الأخلاقيَّة السامية التي أعلنها انتقلت بعدَه إلى الأجيال المتعاقبة, وانتشرت بين الناس, وغيَّرت شيئاً فشيئاً وجه المسكونة, فسادت في نفوس الكثيرين فضائلُ المحبَّة والتضامن والتسامح والتجرُّد والعطف على البؤساء, وأدَّت في التاريخ إلى تحرير العبيد, وإنشاء المؤسَّسات الإنسانيَّة في جميع مجالات الخير والمؤازرة. وأخذ العالَم يشعر بوخز الضمير عندما يخالف ما تفرضه عليه ممارسةُ هذه الفضائل من واجبات إنسانيَّة وخيريَّة وخلُقُيَّة. كان يسوع في حياته الخميرةَ الصغيرة. ولا يزال إلى اليوم, بتعاليمه ومبادئه, الخميرةَ الصغيرة التي تؤثِّر في قلوب البشر المنتشرين في العالم كلِّه. الخميرة هي مجموعة الرسل الإثنَيْ عشَر قال يسوع لرسله: " اذْهَبُوا إلى العالَمِ أَجْمَع , وعلِّموا الناسَ جميعَ ما أَوصيتُكم بهِ ." لقد أطاعوا أمره وانطلقوا, وهم ينشرون تعاليم معلِّمهم الإلهي, بدءًا من مدينة القدس. ثم تفرَّقوا في أقطار العالم القديم, في الشرق والغرب. وسمع الكثيرون أقوالهم, واعتنقوا الإيمان المسيحي. فكان الرسل, على قِلَّتهم الخميرة الصغيرة التي أثَّرت في العجين الكبير فجذبت الكثيرين إلى الإيمان بالربّ يسوع. الخميرة هي الكنيسة خلالَ تعاقب الأجيال 1 – عَمَلُ الكنيسة في العالم مات الرسل وخلفتهم الكنيسة بعدَ أن تسلَّمت منهم مَهَمَّةَ تعليم الناس ما أوصاهُم به يسوع من التعاليم الإيمانيَّة والقواعد الخُلُقيّة. فاتَّصلت بشعوب الأرض, بوساطة الأساقفة والكهنة والمعلّمين الكنسيّين، ونشرت بينهم التعاليم والأخلاق والحضارة المسيحيَّة, وصبرت على غلاظة طباعهم وتجبُّر تصرُّفاتهم وتصلُّب عقليتهم مدّةَ أجيال وأجيال. وأدَّى بها هذا الصبر الجميل إلى تليين قساوة قلوبهم, وزَرْع الإيمان القويم في نفوسهم، ورفع مستواهم الخُلُقي والحضاري. هذا هو عمل الكنيسة، الخميرة الصغيرة، في العجين الكبير الذي هو العالم. 2 – عَمَلُ المرسلين والمًرسلات وانتشرت الإرساليّات في العالم بفضل المرسَلين والمرسَلات من الرهبان والراهبات الذين يتركون بلادهم وينطلقون إلى بلاد الإرساليّات البعيدة، ويجاهدون بصمتٍ عجيب, فيقاسون الحرمان, ويتحمَّلون الأتعاب, ويتأقلمون مع عادات الشعوب وهدفُهم الأوحد بثُّ حُبِّ يسوع في القلوب, وزرع مبادئ الإيمان القويم والأخلاق السامية من محبَّة وسلام وتسامح في نفوس الذين يتَّصلون بهم من أمم العالم. إنَّ عمل المرسلين والمُرسلات لم يُقتصر على جيل واحد أو قطر واحد أو قارَّة واحدة, بل شمل عَمَلُهُم التعليمي والحضاري والخلُقُي والإنساني الأجيالَ المتعاقبة كلَّها وبلادَ العالم أجمع، فهَدَوا إلى الإيمان المسيحي شعوباً كثيرة كانت تعيش في الوثنيّة: إنَّهم كانوا – ولا يزالون – الخَميرة الصغيرة في العجين الكبير. الخميرة هي النُخبة من المسيحيين إنَّ المسيحيين في العالم ملايين وملايين. وليسوا كلُّهم أصحابَ إيمان فعَّال, ولا أخلاق رفيعة, ولا عادات سليمة. ففيهم المجرم, وسفَّاك الدماء, والسارق والطمَّاع, واللاّمبالي بالدين, إلى ما هنالك من أصحاب الأعمال المُنكَرة. وليس عددُهم بقليل. فالكنيسة لا تستطيع أن تتَّصل بهؤلاء الحائدين عن الإيمان والأخلاق بهدف هدايتهم وارشادهم بوساطة ما عندها من كهنة ورهبان ومرسلين, لقلَّة عددهم وكثرة مشاغلهم الكنَسيَّة والإنسانيَّة. إنها تعمَدُ إلى تكوين نُخبة من المسيحيين العلمانيين, تختارها من جميع طبقات المجتمع, فتعلِّمها بعمقٍ التعاليمَ الدينيَّة بإلقاء دروس منظَّمة, ودورات تعليميَّة وتربويَّة, ومحاضرات تثقيفيَّة مكثَّفة, ورياضات روحيَّة سنويَّة, وهدفُها أن تصل عن طريق هذه النُخبة إلى الذين زاغوا عن الإيمان واستسلموا إلى سوء الأخلاق لترشدهم وتهديهم, وتكون بينهم كالخميرة الصغيرة في العجين الكبير. ولابدَّ من القول إن تأثير هذه النُخبة من العلمانيّين والعلمانيّات لا يزال محدوداً لقلَّة عدد أعضائها, وتصلُّب مواقف البعيدين عن الدين والأخلاق, وتمسُّكهم بعاداتهم القبيحة وسلوكهم اللاأخلاقي. وهذا ما يحملنا على أن نذكر هنا دعوة يسوع لنا إلى الصلاة لأجل نموّ عدد أعضاء النُخبة من العلمانيّين والعلمانيّات في العالم. قال : " الحَصادُ كثيرٌ لَكِنَّ العَمَلَةَ قليلون. فاسألوا ربَّ الحَصادِ أن يُرسِلَ عَمَلَةً إلى حَصادِه ". (متّى 9/37-38) مثل الخميرة دعوة موجَّهة إلى الجميع إن مثلَ الخميرة دعوةٌ موجَّهة لا إلى النُخبة من المسيحيين فقط, بل إلى كلِّ مسيحي لكي يعملَ بحزم وصبر ومحبَّة, ولا سيَّما بمثَل إيمانه الحيّ وتقواه العميقة, على نشر الإيمان والأخلاق في المحيط الذي يعيش فيه, ويقومَ بالمَهَمَّةِ الفعَّالة والقويَّة التي تقوم بها الخميرةُ في العجين, اقتداءً بيسوع والرسل والكنيسة والنُخبة المسيحية. التطبيق العملي إن هذا المثل يدعوك إلى التفكير في الوسائل الفعّالة التي تمكّنك من أن تؤثِّر في محيطك كما تؤثِّر الخميرة الصغيرة في العجين الكبير, فتعمل على بثِّ الروح المسيحيَّة الحقّة في قلوب الناس الذين تختلط بهم. إنّ هناك وسائل عدَّة لإصابة هذا الهدف الروحي السامي, أهمُّها: 1- أن تحيا, أنت نفسك, حياة الإيمان الصادق. وهذا الإيمان الصادق يؤثِّر في أبناء محيطك ويُنعش فيهم الحياة الروحيَّة. 2- أن تقدِّم لهم المثل الصالح في حفظ الوصايا وتتميم واجباتك الدينيَّة بانتظام, فتكون لهم القدوة الصالحة التي تدلّهم على طريق الخير وممارسة الفضائل المسيحيَّة 3- أن تُناصر توجيهات الكنيسة بنشاطك الروحي, فتنشر المبادئ المسيحيَّة في بيئتك , وفي مكان اجتماعك بالآخرين، وأهمُّها المحبّة والتسامح وخدمة الآخرين. 4- أن تقبل التضحيات التي تفرضها عليك رغبتك في أن تكون رسول يسوع، وذلك بقلبٍ يملأه الفرح الروحي. قال بولس الرسول : " افرَحوا بالربّ ". (فيليبّي 3/1) 5- أن تكون واحداً من النُخبة المسيحيَّة العلمانيّة بالانتساب إلى الأخويَّات القائمة في محيطك، وأبرَزُها جمعية التعليم المسيحي، وأخويّة اللجيو ماريّه، وأخويّة الشبيبة الطالبة المسيحيّة، وأخويّة الشبيبة العاملة المسيحيّة، والأخويّات المريميّة. فَكِّرْ في الطريقة الموافقة, وصلِّ إلى الرب يسوع أن يلهمك الأسلوب الأفضل لكي تتبنَّاه وتكون في حياتك المثل الصالح الذي يريده منك. |
||||
21 - 07 - 2016, 05:59 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع متكامل عن الأمثال في الكتاب المقدس
مثل الزرع الذي ينمو من تلقاء ذاته نصُّ الإنجيل يُشْبِهُ ملكوتُ اللهِ رجلاً يَبذُرُ الزَّرْعَ في الأَرض . ثُمَّ يَنامُ في اللّيلِ ويَقومُ في النهارِ والزَّرْعُ يَنبُتُ ويَنمو وهوَ لا يَدْري كيفَ كانَ ذلك . فالأَرضُ مِنْ نَفسِها تُنْبِتُ العُشْبَ أَوَّلاً , ثُمَّ السُّنْبُلَ, ثُمَّ القَمْحَ الذي يَملأُ السُّنْبُل, حتَّى إذا نَضِجَ القَمْحُ حَمَلَ الرجُلُ مِنْجَلَهُ في الحال , لأَنَّ الحَصادَ قدْ حان . ( مرقس 4/26-29 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أن ملكوت الله هو كالحبَّة المزروعة في الأرض, ينمو بقدرته تعالى نموَّاً خفيَّاً متواصلاً. أمَّا دور الإنسان في هذا النموِّ فينحصر بمساهمته المحدودة التي يقوم بها على قدْر طاقته. وإليكم إيضاح هذه الفكرة قدرة الله ومساهمة الإنسان ضرب يسوع هذا المثل ليُزيل من أذهاننا خطأً كبيراً من شأنه أن يحملنا على الاعتقاد أن ملكوت الله ينمو بقوَّتنا وجهودنا ونشاطاتنا الشخصيَّة. فقال لنا: إن الزارع بعدما يزرع زرعه يستسلم إلى الهدوء والسكينة. فالأرضُ تعمل عملها, والحَبُّ ينمو بطريقة سِريَّة. ولكنَّنا نتساءَل: أليس للإنسان دورٌ في نموِّ الزرع ؟ بلى! إنَّ له دوراً في نموّ الزرع، ولكنّه دورٌ ثانويّ ومحدود. 1- مساهمة الإنسان المحدودة نقول إنّ للإنسان دوراً في نموِّ الزرع. فالمثل لا يُنكر ما يقوم به الزارع من أعمال في الحقل. فإنه يحرث الأرض, ويرشُّ السماد, ويجرُّ مياه السقي في أوقات انحباس المطر, ويُنقذ النبات من الحشرات الضارَّة, ويقتلع النباتات الطفيليَّة. إن كلَّ هذه الأعمال ضروريَّة لنموِّ الزرع, ولكنَّها ليست السببَ الجوهري لنموِّه, بل هي أعمال خارجيَّة تعبِّر بطريقة عمليَّة عن مساهمة الإنسان المحدودة في نموِّ الزرع. 2- قدرة الله الخفيّة إنَّ نموَّ الزرع في حدِّ ذاته – وهذا ما نسمِّيه سرَّ الحياة – قدرةٌ خفيَّةٌ وضعها الله في داخلِ الحبَّة, ولولاها لا تنمو الحبَّة مهما عملت يدُ الإنسان. لذلك نقول إن ملكوت الله ينمو لا بقدرة الإنسان, بل بقدرة الله. وما هو الزرع الذي تحدَّث عنه يسوع في هذا المثل؟ إنَّه النعمة الإلهيَّة أوَّلاً, وهو الكنيسة أيضاً التي أسَّسها في العالم. الزرع هو أوَّلاً النعمة في نفس الإنسان إنَّ الزرع هو أوَّلاً نعمة الله. فعندما يقبل الإنسان المعموديَّة يزرع الله في نفسه النعمة المقدِّسة. والنعمة المقدِّسة حياةٌ إلهيَّةٌ, قابلة للنموِّ والازدهار في نفس الإنسان المعمَّد بمساهمة الإنسان وقدرة الله. إنها تشبه الزرع الذي ينمو من تلقاء ذاته. 1- مساهمة الإنسان المُعَمَّد إنّ الإنسان المُعمَّد يساهم في نموِّ النعمة وازدهارها في نفسه. فهو يقيم الصلاة, ويمارس الفضائل, ويحافظ على الوصايا , ويتجنَّب الخطيئة. وهذه كلُّها كالأعمال التي يقوم بها الزارع في حقله ويساهم بها في نموِّ زرعه. 2- قدرة الله الخفيّة أمَّا نموِّ النعمة في حدِّ ذاته وفي جوهره فلا يتحقَّق إلاَّ بقدرة الله, ذلك لأنَّ النعمة موهبةٌ سماويَّةٌ مجّانيَّة تأتي مِنْ كرَم الله, وتفوق بطبيعتها الإلهيَّة طبيعة الإنسان المحدودة وسلطته البشريَّة. فلا تخضع لقدرته وجَهْده, بل لقدرة الله الذي ينميها. وكما أن الزارع يحيا في جوٍّ هادئ, وهو مطمئن إلى أن الزرع في حقله ينمو في نور النهار وفي ظلام الليل, فكذلك المسيحي يحيا في جوٍّ من السعادة والفرح الداخلي, وهو مطمئن إلى أن النعمة تنمو في نفسه في نور السلام والتعزية الروحيَّة, وفي ظلام التجارب والمِحَن القاسية, وذلك إلى أن يحين وقت الَحصاد, وهو وقت وفاة الإنسان, فيفارق الحياة الدنيا ويقف للدينونة أمام الرب الديَّان العادل, فيُكافأ على نموِّ النعمة الإلهيَّة التي فتح لها قلبه طوال أيَّام حياته الأرضيَّة. الزرع هو الكنيسة أيضاً الزرع هو الكنيسة أيضاً التي زرعها الله في حقل هذا العالم. إنها تنمو وتُتابع نموَّها الآن بمساهمة الإنسان وقدرة الله إلى أن يحين يوم الحَصاد الأخير. 1- مساهمة الإنسان المُعمَّد إن كنيسة الله تنمو في أيام السلام المستنيرة بشمس الهدوء والاطمئنان, بفضل نشاط أبنائها ومساهمتهم, وتنمو أيضاً في ليالي الاضطهاد المظلمة التي تُسفك فيها دماء شهدائها الأبطال. وهذا ما أظهره لنا بجلاء ووضوح تاريخ الاضطهادات. فلابدَّ من القول إن هجمات الشرِّ عليها تعيق سيرها في العالم, وتحدُّ سرعتها, وإن أعمال الخير النابعة من قلوب المؤمنين الأتقياء تسهِّل عليها نموَّها وتقدُّمَها. 2- قدرة الله الخفيّة أمَّا نموُّها في حدِّ ذاته وفي جوهره فهو عملُ الله, وهو ناجم عن قدرته الإلهيَّة الخفيّة. ذلك لأن الله وضع فيها القدرة الحيَّة على هذا النموِّ, و لا يستطيع إنسان مهما قَوِيَ وتجبَّر أن يزيلها من الوجود: " إنَّ أَبوابَ الجحيمِ لَنْ تقوى عليها. " (متى 16/18) لذلك نقول إن نموَّ الكنيسة لا يخضع لمخطَّطات الناس, بل هو خارجُ نطاق أعمالهم البشريَّة, لأنه عمل إلهيٌّ محض. النتيجتان الكبريان من مساهمة الإنسان وقدرة الله 1- النتيجة الأولى هي أنَّ النشاطاتِ الزائفةَ والفارغةَ التي تقوم على قدرة البشر ومهارتهم فقط, ولا تلجأ إلى قدرة الله بالصلاة وطلب المعونة الإلهيَّة لا تفيد الكنيسة إطلاقاً. قال الله: " إنْ لم يَبنِ الرَّبُّ البيتَ فباطلاً يتعبُ البنَّاؤون." (مزمور 127/1) فالنشاطات التي لا تستند إلى قدرة الله ومعونته ولا تحمل أصحابَها على الصلاة وممارسة التقوى, لا تدعَم نموَّ الكنيسة إلاَّ ظاهريَّاً, ومآلُها الفشل المحتوم. 2- والنتيجة الثانية هي أن هذا المثل يزرع في قلوب المؤمنين التفاؤل بمستقبل الكنيسة. لا شكَّ في أن نموَّ الكنيسة اليومَ وفي المستقبل يقتضي مساهمة المؤمنين في عمل هذا النموِّ بتقديم المؤازرة لها روحيَّاً ومعنويَّاً وماديَّاً, وهذا ما أوضحه مثلُ عُمَّال الكَرْم الذي ذكر أن صاحب الكرْم بحث عن العُمَّال طوالَ نهاره وأرسلهم إلى العمل فيه. والكرْم هو كنيسة الله على الأرض. ( متى 20 /1-16 ) إن تاريخ الكنيسة يُظهر لنا بوضوح أنّها في بعض الأقطار قد تراجعت في سيرها، بل اندثرت تماماً. إنّ هذا الأمر المؤلم لا يعود إلى عدم اكتراث الله لها، بل إلى تخاذل أبنائها وعدم مساهمتهم في عمله تعالى. وسوف يدينهم الله على تخاذلهم. ومع ذلك فإنّ نموَّ الكنيسة على الأرض هو في الأساس عملُ الله الذي يعمل ويحرِّك ويخلق الأشياء كلَّها. وهو لا يخذلها أبداً على الرَّغم من تراجعها في بعض الأقطار، ومن الصعوبات والاضطهادات التي تعترض سيرها في العالم, بل يمدُّها دوماً بالقدرة الإلهيَّة على أن تنمو وتعمل على سعادة البشر أجمعين. فلا خوف عليها من الانهيار لأنها مبنيَّة على صخرة يسوع مؤسِّسها. التطبيق العملي تذكَّرْ دوماً أن كلَّ عملٍ في الكنيسة هو عملُ الله, وهو يحتاج إلى مؤازرته تعالى لينمو ويزدهر. فلا تَقُمْ بأيِّ نشاطٍ كنَسيّ قبل أن تُصلِّي وتطلب معونة الله لنجاح هذا النشاط. فإنه كالزرع ينمو بالقدرة الإلهيَّة لا بقدرتك الذاتيَّة وحدَها. |
||||
21 - 07 - 2016, 06:02 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع متكامل عن الأمثال في الكتاب المقدس
مثل زؤان الحقل
نصُّ الإنجيل مَثَلُ مَلكوتِ السماواتِ كَمَثَلِ رَجُلٍ زَرَعَ زَرْعاً طيِّبَاً في حَقْلِهِ . وبَيْنَما الناسُ نائمونَ, جاءَ عدوُّهُ فزَرَعَ بعدَهُ بَيْنَ القَمْحِ زُؤاناً وانْصرَف. فلمَّا نما النَبْتُ وأَخرَجَ سُنْبُلَهُ ظَهَرَ مَعَهُ الزُؤان. فجاءَ عبيدُ ربِّ البيتِ وقالوا له: " يا ربِّ أَلم تَزْرَعْ زَرْعاً طَيِّباً في حَقْلِكَ ؟ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَهُ الزُؤان ؟ " فقالَ لهُم : " أَحَدُ الأَعْداءِ فَعَلَ ذَلِك. " فَقال لهُ العبيدُ: " أَفَتُريدُ أنْ نَذْهَبَ فَنَجْمَعَهُ ؟ " فقالَ : " لا , مَخافةَ أَنْ تَقْلَعُوا القَمْحَ وأَنتُم تجمَعُونَ الزؤان . دعوهُما يَنبُتانِ مَعَاً إلى يومِ الحَصادِ , حتَّى إذا أَتَى وقتُ الحَصادِ أَقولُ للحصَّادين: " اجمَعُوا الزُؤانَ أَوَّلاً واربِطوهُ حُزَماً ليُحرَق. وأَمَّا القمحُ فاجمعوهُ وأْتوا بهِ إلى أَهرائي . " (متى 13 /24-30 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أن الخيرَ والشرَّ مختلطان الآن في واقع حياتنا اليومية كما أن القمح والزؤان مختلطان في الحقل الواحد. وهذا الاختلاط قائم في العالم, وفي الكنيسة, وفي قلوب الناس إلى يوم الدينونة الذي يُفصَل فيه الخير عن الشرِّ انفصالاً كليِّاً. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. الخيرُ والشرُّ مختلطان في العالم إن في العالَم أناساً صالحين, يسعون إلى الخير, ويجاهدون في سبيل نشر السعادة بين الناس. فهدفُهم الأمثل تحقيقُ الوفاق والسلام والمحبَّة بين الجميع. كما أن في العالم أناساً أشراراً يعملون للشرِّ في السِرِّ والعلانية. يتآمرون على إخوانهم البشر, ويزرعون في قلوبهم وبيوتهم بزور الخلافات والمنازعات بنشر الإلحاد والفساد والعادات السيئة والأخلاق القبيحة. يكرهون السلام, ويحرِّضون على الحروب والفِتَن, ويسعون إلى خلق الدَّمار والخراب, وكلُّ ذلك في سبيل بلوغ مآربهم الشخصيَّة وأطماعهم الماديَّة. فإذا تأمّلنا في هذا العالم الممتدِّ أمامنا رأينا له هذَيْنِ الوجهَيْنِ المتناقضَيْن, الوجه الجميل المُشرق بأعمال الخير, والوجه القبيح المُظلم بأعمال الشرّ. فالعالم هو هذا الحقل المزروع بالقمح والزؤان معاً. الخيرُ والشرُّ مختلطان في الكنيسة إن في الكنيسة مجموعة كبيرة من المؤمنين الأتقياء الذين يقومون بواجباتهم الدينيَّة بأمانة وإخلاص, ويحافظون على الأخلاق الفاضلة بدقَّة واستمرار, ويقاومون الخطيئة بقوَّة وشجاعة, ويمارسون المحبَّة الصادقة في أُسَرِهم, ومع أقاربهم وجيرانهم ومعارفهم, وجميع مَنْ يتّصلون بهم. إنهم جنود الخير, كهنةً كانوا أم علمانيين. كما أن في الكنيسة مسيحيين مرائين, يتظاهرون بالتقوى ولا تقوى لهم, يعيشون كالفرّيسيين الكذَبة, بالاستسلام إلى كلِّ أنواع الخطايا الظاهرة والخفيَّة. إنهم أنانيُّون, بُخلاء, قساة القلوب, متكبِّرون متعجرفون, يطأون إخوانهم المساكين بأقدامهم ولا يعبأون بما يفعلون. قال لهم القديس يعقوب في رسالته: " عِشْتُم على الأرضِ في التَنعُّم والتَرَف. وأشبَعتُم أَهواءَكم لليومِ الذي فيه تُذبَحون. "( يعقوب 5/5 ) إنَّ هؤلاء الأشرار لا يحملون من المسيحيَّة إلاّ الاسم فقط. فالكنيسة هي هذا الحقل المزروع بالقمح والزؤان معاً. الخيرُ والشرُّ مختلطان في قلب الإنسان إذا ما راقبنا ذواتنا, ولو مراقبةً بسيطة وسريعة, نكتشف أنَّ في قلوبنا تيارَيْن متناقضَيْن, الواحد يتوجَّه إلى الخير, والآخر يتوجَّه إلى الشرّ. 1- تيَّار الخير في نفوسنا نشعر أحياناً بأن نفوسنا تلتهب بنار المحبَّة لله وللآخرين. نعكف على الصلاة بحرارة وإيمان, ونمارس واجباتنا الدينيَّة بخشوع وتقوى, ونبشِّر باسم يسوع بقوَّة وشجاعة, ونعيش مع أفراد أُسَرنا في جوٍّ رائع من المودَّة والتفاهم, ونُقْبِل على خدمة الآخرين بفرح روحيٍّ خالص, ونقدِّم للجميع المثل الصالح بجرأة في كلِّ مجالات حياتنا الفرديَّة والاجتماعيَّة والوطنيَّة. 2- تيَّار الشرّ في قلوبنا ونشعر أحياناً أخرى بنار الحقد والغضب والضغينة تتأجَّج في قلوبنا. فنميل إلى الانتقام والتشفِّي, ونكره الآخرين, وننطوي على أنفسنا في جوٍّ كثيف من الأنانيَّة والبخل والتعالي. نرفض الخدمة, ونعامل الآخرين بقساوة, ونستسلم إلى الأفكار الشرِّيرة والميول الفاسدة, وقد أصبحنا اليومَ على خلاف ما كُنَّا عليه بالأمس. 3- التيَّاران المتصارعان إن هذَيْن التيَّارَيْن, تيَّار الخير وتيَّار الشرِّ, يجريان في أعماق قلوبنا كما يجري في بعض البُحيرات تيَّاران من الماء, الماء الساخن والماء البارد. وقد وصف بولس الرسول في رسالته إلى الرومانيين اختلاط الخير والشرِّ في قلب الإنسان. قال: " أَشعُرُ في أَعضائي بشريعةٍ أُخرى تُحارِبُ شريعةَ عقلي , وتجعلُني أَسيراً لشريعةِ الخطيئَةِ , تلك الشريعةِ التي هي في أَعضائي ." (رومه 7/23) إن قلوبنا هي هذا الحقل المزروع بالقمح والزؤان معاً. مخطَّطنا نحن البشر تجاه هذا الاختلاط القائم بين الخير والشرِّ في العالم والكنيسة وقلب الإنسان, نتبنَّى بحماسةٍ مخطَّط عُمَّال الحقل, ونفكِّر كما فكَّروا, ونريد أن نعمل كما أرادوا أن يعملوا. نريد أن نُزيل الشرَّ كليَّاً, منذ الآن, لنجعل العالَمَ فردوساً أرضيَّاً, والكنيسةَ سماءً على الأرض, وقلبَ الإنسان هيكلاً مقدَّساً . نريد أن نقيِّد الشيطان, زارع الزؤان, بسلاسل حديديَّة لا يقوى على تحطيمها, وأن نلقيه في هُوَّة جهنَّم النار ليكون بعيداً عنَّا. مخطَّط الله وحكمته إن لله مخطَّطاً أخر يَتَّصف بحكمة إلهيَّة أسمى وأجدى. إنه يقول لنا ما قاله ربُّ الحقل لعُمَّاله:" دَعُوا القَمْحَ والزُؤانَ يَنبُتان معاً إلى يومِ الحَصاد. " (متى 13/30) إنَّ الله يرفض أن يصنع معجزة سماويَّة تقيِّد إبليس, وتدمِّر الشرّ, وتنشر الخير من دون مساهمتنا وجهودنا الروحيَّة المتواصلة إن حكمته الإلهيَّة تطلب مِنَّا أن نجاهد ونعمل الخير لنقلِّص تأثير الشرِّ في العالم, ونُصلح بسيرتنا الفاضلة ومثلنا الصالح وطاعتنا لأوامر الله, ما يصدر عن بعض المسيحيين من تصرُّفات خاطئة, ونطهِّر قلوبنا بأعمال البِرِّ والتقشُّف, وإنْ كُنَّا على يقين أن الشيطان سيواصل سعيَهُ الخبيث في العالم وفي الكنيسة وفي قلوب الناس, وفي قلوبنا حتى يوم الدينونة. في ذاك اليوم الآخر, تندثر قِوى الشيطان, ويُحشَر أعوانُهُ الأشرار للعذاب, وتُفتَح أمام الأبرار أبوابُ ملكوت السماء " فيشعُّون حينئذٍ كالشمسِ في ملكوتِ أَبيهم ." (متى 13/43 ) هذا هو الحقل المزروع بالقمح والزؤان. إنّه العالم، والكنيسة، وقلب الإنسان. وإنّه ملكوت الله في وجهَيْه الأرضي والسماوي. التطبيق العملي إنك تشعر في قلبك بالحرب القائمة بين الخير والشرّ. فلا تيأسْ ولا تستسلمْ إلى الشرّ, بل اقمعْه فوراً بإرادتك القوَّية ومؤازرة نعمة الله. واعملْ كلَّ ما في وسعك لتنشُرَ الخيرَ بين الناس مهما كلَّفك ذلك من جَهْد وتعب. فإنَّ الدينَ المسيحي دينُ جِهادٍ لا دينُ تخاذُل. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|