خوف وسط الامواج
فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: اسْكُتْ! ابْكَمْ! ..وَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هَكَذَا؟
(مرقس 4: 39 ، 40)
ما أبهى النعمة والمجد الظاهرين في الرب! فبدلاً من أن يُوبخ مَن عكَّروا صفو راحته، انتهر العواصف التي أرجفتهم. وما كان هذا العمل إلا جوابًا لسؤالهم: «أما يهُمك؟». فليتبارك اسمه القدوس. مَن ذا الذي لا يثق فيك ويتكِّل عليك؟! مَن ذا الذي لا يسجد ولا يتعبَّد لك ويخشع أمامك من أجل فيض نعمتك ومحبتك التي لا يُعبَّر عنها؟!
ما أبدع أسلوب العمل الذي أجراه الرب! فبدون أي مشقة قام من راحة الناسوت الكاملة إلى عمل اللاهوت. كإنسان تعب من العمل ونام على وسادة. وكالله قام وبصوته القدير أبكم العاصفة وهدَّأ البحر. وهذا هو المسيح الله وإنسان معًا. وهو هكذا متأهب دائمًا لسد أعواز شعبه وتهدئة روعهم وتطمين بالهم وتبديد خوفهم. يا ليتنا نزداد ثقة فيه بكل بساطة.
نحن قلَّما نُدرك الخسارة الباهظة الناجمة من عدم استنادنا على ذراع الرب يومًا بعد يومٍ، وما أهون أن يتسلَّط الرعب علينا! فإذا ما هبَّ الريح وغيَّم الجو انزعجنا وصَغُرت نفوسنا، فيملأ الخوف جوانحنا والحيرة كياننا، عوضًا أن ننام هادئين بجانب سَيِّدنا مستريحين مستكنِّين. وما نلبث أن تنزل بنا مُلِمَّة ولو صغيرة حتى نقوم ونقعد لها ظنًا منا أننا هالكون لا محالة، بينما الرب يؤكد لنا أن شعرة من رؤوسنا لا تسقط بدون أبينا، ويليق به أن يقول لنا، كما قال لتلاميذه: «ما بالكم خائفين هكذا! كيف لا إيمان لكم؟».
يلوح أحيانًا أن لا إيمان لنا، ولكن ما أرق حبه! وما أحَّن قلبه! كم هو قريب منا ليحمينا رغمًا عن عدم إيمان قلوبنا وميلها إلى الشك وسوء الظن! تبارك اسمه، فهو لا يُعاملنا حسب أفكارنا الضعيفة عنه، بل حسب محبته الكاملة نحونا. فهذه تعزية نفوسنا وسنَدنا ونحن عابرون بحر الحياة الهائج. يا ليتنا نتكل عليه بهدوء. يا ليت الراحة العميقة النابعة من الثقة فيه تستقر في نفوسنا، ومهما عصفت العاصفة وعَلا الموج إلى قِمم الجبال، فليس خليق بنا أن نجرحه بسؤالنا: «أمَا يهمُّك أننا نهلك؟».
ومن المستحيل أن نهلك والرب معنا في السفينة، ولا يخطر ببالنا هذا إن كان المسيح في قلوبنا. يا ليت الروح القدس يُولِّد في قلوبنا الجُرأة والثقة في ربنا يسوع، والدالة عليه. هذا ما يعوزنا الآن، فزِدنا يا رب منه!