متألمون ... ولكن
أيها الألم يا من قد صرت بذوراً مُرّة تنمو في بستان الحياة، ريحاً عاصفة تسرى مع أنفاس البشر، لن نخافك بعدُ عندما تعبث أصابعك الحادة في أجسادنا، أو تُمزّق سهامك الصمَّاء أحلامنا، أو تغزو بجيوشك البربرية قصور عواطفنا وحصون لذّاتنا، لأنَّ مُخلّصنا القدوس قد مسّك بلمسة إلهية، عندما حمل أحزاننا وتحمّل آلامنا في جسده الطاهر، فصرت رسالة كما حملها يسوع هكذا نحن أيضاً نحملها بشكر وفرح. حقاً إنني لا أعرف لماذا تبعث بنا الأرض إلى الصحراء لتقذفنا الجبال بحجارتها الصماء! أو لماذا تبدأ حياة أطفال في رحم الألم وشبابهم خريف دائم من الحزن والمرض..! لكني أعترف بأنّي أعمى، جاهل، خير لي أن أستمتع بنغمة القيثارة، لأني لو كسرتها فلن أرى الموسيقى في أعماقها. لا أُنكر أنني قد عانيت كثيراً من آلام ، ولهـذا أقول عن خبرة: إنَّ الألم ليس شراً بل أداة تطهير للنفس، وعصا تأديب للنمو والارتقاء، وهو يقود إلى التواضع، والصلاة، والحياة بحُب مع الآخرين، والرغبة الصادقة في خدمة المتألمين والمُجرَّبين..لقد علمني الألم كيف أقرأ، أكتب، أُصلي.. وأنا مُلقى على ظهري، ولهذا لن أنسى عبارة مُعلّمنا داود النبيّ الخالدة: " إِلَيْكَ رَفَعْـتُ عَيْنَيَّ يَا سَـاكِناً فِي السَّمَاوَاتِ" (مز1:123)، " رَفََعْتُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي " (مز1:121)..من كتاب متألمون ولكن للراهب كاراس المحرقى