يوحنا ٤
إن حياتنا مع الله ومسيرتنا معه تبدأ من يوم ولادتنا الجديدة وبإحساسنا بحلول روح الله في داخلنا وقيادة الروح القدس لنا. ومثال ذلك لقاء السامرية مع يسوع.
مدينة السامرة:
كانت مدينة السامرة قد أحتلها الآشوريين فقام الملك أشور بنيبال بنقل ناس من السامرة كسبايا وجاء بأنا س أخرون من الآشوريين والبابليين وأسكنهم السامرة، فحصل تزاوج بين اليهود وهؤلاء الإغراب الجدد فنتج عن ذلك جنس خليط وليس يهود أصليين. أما أهالي أورشليم ظلوا أمناء لتقاليدهم ولم يختلطوا بهؤلاء الأغراب لذلك قامت عداوة بينهم وبين أهل السامرة. كان هذا قبل حوالي 500 سنة من قدوم المسيح. حيث قطع أهل أورشليم صلتهم بأهل السامرة. لذلك بنى أهل أورشليم الهيكل في أورشليم أما أهل السامرة فقاموا ببناء هيكل على جبل جرزيم وسط السامرة. فأي مسافر يريد أن يعبر السامرة ليذهب الى أورشليم للعبادة في الهيكل يمنعه أهل السامرة طالبين أن تكون العبادة على جبل جرزيم وأهل أورشليم لا يعترفون بالعبادة على ذلك الجبل في السامرة لذلك فا لمسافر من أورشليم إلى الجليل او بالعكس أقصر طريق له هو المرور بالسامرة لكن نتيجة لهذه العداوة فكان اليهود يتحاشون المرور بالسامرة فيمرون بمحاذاة نهر الأردن ثم يعبرون الأردن ليصلوا إلى السامرة وهو ضعف الطريق بالمسافة. لكن يسوع أخذ الطريق الأقصر إلى الجليل فعبر السامرة.
المرأة السامرية:
كانت مدينة السامرة (تنتمي إلى هذا النوع من الخليط) الذين يكرهون اليهود وكانت سيئة السمعة وموجودة في مكان عام يأتي فيه كل الناس (بئر يعقوب وهو بئر عميقة تحتاج الى دلو لأخذ الماء منها وكانت هذه البئر خارج المدينة يذهبون إليها النساء لأخذ الماء).
كانت السامرية تعاني رفض الناس لها لأنها سيئة السمعة مما سبب لها الخوف من الناس وملاقاتهم ، فهي تخرج لتملأ الماء ظهراً حيث يقل الازدحام مما يسبب لها ألم داخلي وانطواء فهي غير قادرة على التآلف مع الناس بسبب الخطيئة التي جعلت عندها الإحساس بالذنب الذي أعاق معرفتها وإدراكها بمحبة الله لها.
دور يسوع :
يسوع يبدو متعباً. لماذا تعب يسوع؟ لقد تعب من طول بحثهُ عنها فهو يطرق أبواب قلوبنا لكننا لا ننتبه يريد أن يوصل رسالته ُ مخترقاً كل الحواجز والمعوقات. "فجلس عند حافة البئر" جلس ينتظرنا لأن محبته الفياضة وقلبه الكبير يريدان خلاصنا من خطايانا. فهو يعرف هذه المرآة، هي خاطئة ومع ذلك جلس ينتظرها ليخلصها. ويعطيها حياة جديدة. فهو جاء ليخلص الخطاة يشف مشاعرهم الجريحة وأجسادهم المريضة ويغفر لهم ، يحررهم من قيود الخطيئة ويمنحهم الفرح . أنه ينتظر إلى حد التعب فهو مستعد أن تضحي براحته وحياته من أجلنا ومن أجل خلاصنا .
في هذا الوقت أرسل يسوع تلاميذه ليشتروا طعاماً من المدينة ولقد كان هذا الحدث جديد على التلاميذ فكيف لهم أن يأكلوا طعاماً لوثته أيدي السامريين بذلك غير يسوع نظرتهم إلى الأمور وأزال هذه الحواجز من داخلهم.
ثم يطلب يسوع من المرأة "أعطني لأشرب". أنه يطلب منا أيضاً ليشرب. لماذا؟ هل يحتاجنا يسوع؟ نعم فيسوع يبحث عنا، يدعونا، يريدنا أن نلتفت له.
أن محبته لنا تجعله يسعى ورائنا ليجذبنا، يريدنا أن نعطيه جزء من وقتنا ولو قليلاً. أنه يدعونا للجلوس معه وفتح قلوبنا له ليملأها هو بما ء الحياة. لكن السامرية تجيبه أنها سامرية وهو يهودي فكيف لها أن تسقيه. فهي ترفض دعوة يسوع. وكثيراً ما نرفض دعوة الله لنا في حياتنا. لكن يسوع لم يتركها رغم رفضها بل جاءها بالتدريج كي تفهم وتكتشف بنفسها العمق الذي يريده يسوع . " لو كنتِ تعرفين من الذي يطلب منك لطلبتِ أنتِ منه ماء الحياة " يسوع يعطي ماء الحياة وهو الروح القدس وما يعمله من تغيير الإنسان . فعندما يملأ الروح القدس قلب الإنسان سيحدث تغيير في كل كيانه ويصبح أنسان جديد في الطباع والسلوك والأفكار ويصبح كنبع ماء يفيض دائماً ويروي عطش الروح. وسوف يدرك محبة الله غير المشروطة له. هذا التغيير يسمى (الولادة الجديدة) وهي تحدث عندما تلمس روح الله لروح الإنسان الميتة وتحييها في علاقة حية مع الله وهي عطية مجانية (هبة) من الله. بهذا تولد بذرة في داخل الإنسان تنمو وتكبر يوم بعد يوم بمرافقة الله، تتعلم أن تصبح على صورة الله. هذا هو هدف يسوع مع السامرية ومع كل واحد منا لنكون أبناء الله. "لا دلو معك والبئر عميقة" السامرية لم تثق بيسوع بأ نه قادر أن يعطيها الخلاص. كما نفعل نحن عندما نغرق في مشاكلنا وتحت ضغوط الحياة لا نستطيع أن نثق بأن الله قادر على خلاصنا ونرى مشاكلنا بعمق هذا البئر بحيث لا يمكن حتى ليسوع الوصول لحلها. "كل من يشرب هذا الماء يعطش ثانية أما من يشرب من الماء الذي أعطيه لا يعطش أبداً". من يشرب هذا الماء (ماء الخطية) يعطش فمسالك الخطية هي دائماً أبار (مخازن مياه) مشققة لا تضبط الماء فيها، أبار خادعة تجذب الناس إليها مع أنها بلا ماء.
أما من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا (الروح القدس) فلن يعطش أبداً.
لأن الروح القدس يصبح ينبوع ماء (يفيض) إلى حياة أبدية حيث تتدفق عطاياه كالأنهار. فيسوع لم يقصد بالماء هنا معناه الحرفي لكن قصد الروح القدس وعمله في الانتعاش وما ينتج عنه من ارتواء روحي وحيوية دائمة.
اعطني من هذا الماء فلا أعطش ولا أعود إلى هنا لأستقي.
يبدو أن السامرية لم تدرك هدف يسوع من الحديث حيث تصورت أن يسوع عندما سيعطيها هذا الماء ستبقى في بيتها ولا تعود إلى البئر ثانية بذلك توفر على نفسها الإحراج عند تقابلها مع الناس. فعند نوالنا الروح القدس واختبارنا الولادة الجديدة لا يعني أن حياتنا ستصبح سهلة وبدون مشاكل ، لأن الشر موجود في العالم والمشاكل مستمرة لكن الفرق هو أنه بعد الاهتداء سنصبح مدركين لحضور الله حتى وسط مشاكلنا لذلك فرجاءنا لن ينقطع في أن الله سوف ينقذنا وسنتعامل مع مشاكلنا بمفهوم الله وبطريقة الله وليس بطرقنا لأن طرقنا بالتأكيد لا تصلح لكن قيادة الروح القدس لنا تجعلنا نفهم عمل الله وقصده في حياتنا.
أذهبي وادعي زوجكِ بدأ الرب يسوع يكشف للسامرية عن ذاتها وأخطائها. فبعد خبرة اكتشاف يسوع بالولادة الجديدة فالله لا يتركنا بل يكشف لنا عن ذواتنا ودواخلنا. فنور الله سيسلط الضوء على أخطائنا ويعرفنا حاجتنا لله وهذا هو أعظم شيء بلقاءنا بالله فهو يرينا بانه كاشف لقلوبنا يفهمنا ويعرف كل شيء عن دواخلنا وحياتنا بشكل يدعو إلى الاندهاش كاندهاش السامرية عندما واجهها بحقيقة حياتها وبأنها تعيش مع رجل ليس زوجها. حيث تحرك الالم بداخلها وشحب وجهها ورأت نفسها على حقيقتها وأجبرت أن تجابه حياتها وخطيئتها.
أرى أنك نبي أدركت السامرية أن يسوع ليس شخصاً عادياً بل هو شخص فريد، قداسته واضحة في سلوكه وكلامه محبته نقية ومؤثرة، تواضعه، لطفهُ فنراه أسر قلبها بسلطان كلماته مما جعلها تخجل من نفسها لدرجة أنها غيرت الحديث مع يسوع حول مكان العبادة. أنها تعترض عن سبب عدم اعتراف اليهود بالعبادة على جبل جرزيم ولماذا لا تكون لا تكون عبادة حقيقية إلا في أورشليم؟
بدأ يسوع يشرح لها بأنه لا أهمية لمكان العبادة حيث أن وجود روح الله في داخلنا (أي الروح القدس) يساعدنا في العبادة ، فالروح القدس يصلي فينا ويساعدنا على اللقاء بالله والتمتع بحبه فأن كنا نملك هذه الروح لا يهم أينما نذهب لعبادة الله. فلا حاجة للسامرية أن تغير مكانها لتجد الله فهو موجود في كل مكان . يذكر يسوع " أنتم تسجدون لما لستم تعلمون أما نحن فنسجد لما نعلم ". فالسامريون يعبدون الله عن جهل وعبادتهم مبنية على الخرافات فان خرج أحدهم ورأى أمامه شخص معوق يبقى متشائماً وهناك أمثلة كثيرة من هذا النوع. أن هذا كله باطل فالعبادة الحقيقية لا تبنى على الخوف بل على محبة الله وعلى معرفتنا بالبركات التي صنعها لنا وعلى الرغبة الصادقة بأن ينير حياتنا ويباركها.
فتكريم أورشليم يحد من عظمة وسمو الله الذي ليس له حدود ولا يتقيد بقيود ، فالعبادة لا تهتم بالتمسك بمكان معين أو تقديم الذبائح والهدايا بل يعتمد على لقاء روح الإنسان بالله الذي هو الروح الأسمى.
يسوع فتح أمام السامرية أفاق جديدة وعظيمة لم تدركها في جهلها وخطيئتها، جعلت مداركها تتفتح وتستوعب وتصل إلى هذا المستوى من التفكير والإدراك العالي.
بعد هذا الحديث الطويل بين السامرية ويسوع جاء التلاميذ وتعجبوا لأن يسوع يتحدث مع امرأة لأنه على اليهودي أن لا يتحدث مع امرأة في الطريق مهما كانت قرابتها له ويعتبرون المرأة أقل شأناً من الرجل وليس من حقها تعلم الشريعة . لكن يسوع حطم هذه الحواجز والعقلية الجامدة فلم يتجرأ أحد من التلاميذ أن يسأله عن المرأة لمعرفتهم بيسوع كونه معلم عظيم .فليس لنا أن نتساءل عن تصرفات يسوع معنا أو مطاليبه منا فأمام أعماله وأوامره ينبغي أن يتلاشى كل اعتراض أو فضول ،هو بالحقيقة إنسان قد وصل إلى درجة رفيعة من التلمذة الحقيقية للمعلم الأعظم.
أما المرأة كانت قد تركت جَرتها عند البئر وأسرعت إلى القرية ، وكونها قد تركت جرتها يشير إلى حقيقتين:
- الأولى أنها مسرعة للآخرين لإشراكهم معها في اختبارها المبارك.
- الثانية أنها كانت مصممة أن تعود إلى يسوع لتقدم له خدماتها.
أن تصرف هذه المرآة يقدم أروع صورة للاختبار المسيحي الصادق في أطواره المتباينة. - لقد بدأ اختبارها باكتشاف حقيقة نفسها ومواجهة حياتها التافهة واعوجاج سلوكها وبالتالي بعجزها عن أن تصلح كيانها ولكن حين أشرق نور المسيح على حياتها استطاعت أن تبصر ذاتها في نور الله الفاحص.
- أن السامرية لم تكتفي بأن تتمتع بإشراق النور على نفسها بل سارعت لتنادي للآخرين بهذا الاكتشاف المبارك. وهي إذ أبصرت الينبوع الحي لم يكفها أن تطفأ ظمأها على عمودين: اكتشاف الحق وقبوله ثم إعلان هذا الحق للآخرين . فالبرهان الحقيقي على قبولنا المسيح في حياتنا وتربع على عرش قلوبنا هو إعلان للآخرين. السامرية تسرع غير عابئة بشيء غير عابئة بهزأ المستهزئين وسخرية الساخرين.
أنها على استعداد أن تشهد للناس عن حياتها ما دامت قد نالت الخلاص. فأن أسمى سعادة للإنسان بعد الاهتداء هي في المقارنة بين ما كان عليه وما وصل إليه بين حالته الأولى وبين الحياة الجديدة التي نالها على يد طبيب النفوس.
ولدت السامرية إنسان جديدة، ولدت من جديد ابنة لله. الرب تعامل معها بنعمة وأقامها من الموت، أحياها وأعطاها امكانات جديدة لتحييا بها فكان لقاء غير حياتها ونقلها من الظلمة إلى النور