والد الطفل “إيلان” حاولت الهجرة مرات قبل رحلة الموت وفشلت
«وكأن البحر وسادة، ومياهه سريره الصغير»، يقول عبدالله شنو الكردى، والد الطفل «إيلان» الذى لقى حتفه غرقاً أثناء محاولة أسرته السورية الهرب من تركيا إلى اليونان، هكذا اعتاد «عبدالله» رؤية نجله كل صباح داخل غرفته الصغيرة، على ذلك الوضع كان يحلو له النوم، وعليه أراح جسده النحيل على رمال الشاطئ التركى بعدما فاضت روحه لربها غريقاً تتناقله الأمواج أمام عينى والده.
لم تترك «ريحانة» زوجة «عبدالله» طفليها «إيلان»، الذى يبلغ من العمر 3 سنوات، و«غالب»، الذى يبلغ من العمر 4 سنوات، وحيدين، لكنها رحلت معهما إلى مثواها الأخير، تاركة الأب المكلوم وسط أمواج البحر يصارع الموت، حتى أنقذته القوات التركية، ليعود لبلدته فى «عين العرب» ليوارى أجساد نجليه وزوجته الثرى، وولى وترك للعالم صورة من وحشية سلكت مسارها للأراضى السورية منذ أعوام مضت، وأخذت مداها إلى مراكب الموت فى هجرة غير شرعية مقيتة، أودت بحياة أسرته كاملة.
يجلس «الكردى» الشهير باسم نجله الأكبر «أبوغالب» فى منزله الريفى فى منطقة عين العرب، التى تقع تحت سيطرة الأكراد، بعدما بقى وحيداً يتذكر بين الحين والآخر صورة نجله «إيلان» وهو تتناقله الأمواج غريقاً، وابنه «غالب» وقد بدا الزبد يظهر من بين شفتيه، وهو يقف عاجزا لا يملك من أمره شيئا، سوى الدعاء: «يا الله.. يا الله»، هكذا يروى لـ«الوطن» حكايته عبر الهاتف، التى بدأت من دمشق العاصمة السورية التى وُلد وتربى فيها وتزوج من ابنة عمه «ريحانة»، وعمل حلاقا هناك أيضا، فهو رغم أصوله الكردية فإنه لا يعرف لغتها، ولم يكن يداوم على زيارة «عين العرب» إلا مرات قليلة.
قال عبدالله، إن الحياة فى سوريا كانت صعبة، بعدما نقل إليها أسرته، فـ800 ليرة تركية لا تكفى لحياة أسرة فى بلد مثل تركيا، وكان عليّ البحث عن مصدر دخل آخر، ولكنى لم أجد، خاصة أننى أعامل كلاجئ وليس صاحب البلد، ولكن بالاتصال مع شقيقتى التى تعيش فى كندا وتحمل الجنسية الكندية، فقد تكفلت بدفع إيجار المنزل كجزء من البحث عن حل لمعاناتى، ولكنها استمرت، فلا تستطيع شقيقتى أن تدفع إيجار المنزل طوال العمر، ففكرت شقيقتى فى التقدم بطلب للحصول على تأشيرة لدخول كندا لأعمل وأعيش أنا وأسرتى هناك بدلاً من تركيا.
وأوضح أن شقيقته فاطمة، التى تعيش فى كندا، استطاعت توفير تبرعات من بعض الأسر التى تعيش هناك، والتى تكفلت بجميع مصاريف سفرى إلى كندا، ولكن السفارة الكندية للأسف رفضت حصولى على التأشيرة، ومن بعدها قطعت الأمل بكندا.
وأشار إلى أن حلم سفره إلى كندا وحدها لم ينقطع، بل استمر حلم السفر إلى أى دولة تحترم حقوق اللاجئين وتحترم حقوق المعيشة، وخاصة فى أوروبا، مضيفا: “قدمت طلبا للأمم المتحدة UN للحصول على حق اللجوء فى إحدى الدول الأوروبية، لكنها أهملتنى عاما ونصف العام، خاصة أن حالتى من الحالات التى تستحق أن توضع على أولوياتهم، رغم أنهم دائما ما يتحدثون عن أن السفر يكون حسب الحالات الأكثر معاناة وأولوية”.
وأكد أن معاناته لم تكن مجرد ضيق الرزق فحسب، لكن ولديه «غالب» و«إيلان» كانا مريضين بمرض جلدى نادر، يتطلب علاجا، فجلدهما يطلى بالسواد كل يوم إذا لم يأخذا علاجهما فى وقته «لو ما دهنوش الكريم يصير جسمهم كله أسود»، وهى ظروف من المفترض أن تضعنى فى أولويات «UN» لكنهم تجاهلونى عاماً ونصف العام.
وعن تجاربه السابقة للسفر قبل رحلة الموت الأخيرة، نوه بأنه اتصل بشقيقته فاطمة فى كندا، وساعدته فى تدبير أموال للسفر البرى عبر منطقة «درنة» إلى بلغاريا، ومن هناك نحو ألمانيا، التى سبقنا إليها شقيقى الأكبر، ورافقه فى الرحلة شقيقه وابنه، وشاهدوا خلالها الموت بأعينهم، فكان الموت قريبا جدا، ولكنها فشلت بسبب عبور أحد الأنهار بين تركيا وبلغاريا، حيث كان اندفاع المياه شديداً جداً، وللأسف لم أستطِع عبوره، وأعادتنى الأمواج إلى الشاطئ التركى مرة أخرى، واستطاع أخى العبور، لكن عاد مرة أخرى بعدما قبضت عليه حرس الحدود البلغارية.
وأضاف، وهو يبكى ويترحم على ابنيه، “لما رجعت من الرحلة الأولى قلت لا يوجد حل سوى العبور عبر البحر، ورغم صعوبة الرحلة فإننى كنت مصراً على الذهاب لأوروبا، رغبة فى حياة أفضل لأولادى وقررت الهجرة وحدي، ودبرت لي شقيقتي مصاريف السفر، وقبل السفر بأيام استطعت الحصول على بعض الأموال التى تكفيني وأسرتي للسفر، ورغم صعوبة الرحلة وخوفي عليهم وجدت فى المخاطرة ثمناً كافياً، ليرحمهم من هَم البعاد، وعدم استقرار الوضع فى تركيا، بجانب أن إجراءات لم الشمل ستطول، أنا نادم ولكن لم يعد ينفع الندم”.