بالإيمان قدَّم إبراهيم إسحاق وهو مُجرّب. قدم الذي قَبِل المواعيد وحيده (عب11: 17)
من رحمة الله أنه قال لإبراهيم « اذهب إلى أرض المُريا » (تك22: 2) حيث طلب منه تقديم إسحاق. ولماذا هذه الفرصة؟ وما الداعي لمسيرة الثلاثة أيام؟ حقاً إنها كانت رحمة عظيمة، لأن هذه الفرصة أعطت إبراهيم مجالاً فيه يفحص نفسه. وهذا ما يعمله الرب أحياناً مع المؤمن. فيُدخله في ظرف ضيق ويتأنى عليه. ومع أن الخلاص مرتب، والمنفذ موجود ولكنه يطيل آناته، ولو ثلاثة أيام، يكون المؤمن في هذه الفرصة فحص نفسه.
وذُكرت أيضاً الثلاثة أيام في حادثة يوسف. إذ في اليوم الثالث تذكَّروا ما عملوه مع أخيهم وقالوا بعضهم لبعض: « حقاً إننا مُذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع » (تك42: 21). فالحادثة نُسيت ولكنهم تذكروها تحت الضغط. فإن كان هؤلاء البُلداء تذكّروا ما عملوا، فكم بالحري إبراهيم، لا بد أنه تأكد في هذه الفرصة أن الله لم يطلب منه تقديم إسحاق، إلا لأنه رأى أن حالته تستدعي ذلك. وفي اليوم الثالث بعد أن نضجت أفكاره، رفع عينيه. وهنا نرى أن إبراهيم قد شفى قلبه، ومن ثم يتعين أنه وإن كان قد وصل إلى المكان الذي يذبح فيه إسحاق، ولكنه لن يرجع بدونه. ولذا قال للغلامين « اجلسا أنتما ههنا مع الحمار، وأما أنا والغلام فنذهب إلى هناك ونسجد، ثم نرجع إليكما » (تك22: 5). فإن إيمانه كان بهذا المقدار قوياً حتى وثق بأنه وإن كان يذبح الولد، ولكن الله قادر على الإقامة من الأموات. فالعيشة في مخافة الرب توجد الثقة.
ثم سأل إسحاق عن الذبيحة « فقال إبراهيم الله يرى له الخروف للمُحرقة يا ابني » (تك22: 8). وإن كنا قد رأينا طاعة إبراهيم الكاملة، فلا يفوتنا أن نرى أيضاً طاعة إسحاق الكاملة. الذي مع أنه كان قادراً على أن يدافع عن نفسه، ولكنه سلّم ورضيَ أن يُربط وهو يرى بعينيه السكين التي بعد قليل سيُذبح بها. ولكننا لا نستغرب ذلك لأن الوحي قصد بهذه الحادثة أن تكون رمزاً لمَنْ هو أعظم من إسحاق، ربنا يسوع المسيح، الذي أمام الصليب قال للآب: « .. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك » (لو22: 42). وقَبِلَ أن يُنفذ فيه حكم الموت تتميماً لمشيئة الآب، وحباً لنا نحن الخطاة.