الصليب ضرورة لأنه أظهر للإنسان فظاعة خطيته
تحدث كارليل مرة مع أحد أصدقائه المسيحين فقال ((لو كان الله يقدر الخطية حق قدرها لكسر قلبه)) , فأجابه المسيحي ((وهذا ما وقع بالفعل على الصليب حين خرج من قلب المسيح دم وماء لما طعن بالحرية بعد موته دليلا على أنه قضى مكسور القلب جريح الفؤاد)) , أجل , إن الصليب كان ضرورة ليظهر للإنسان فظاعة خطيته ! ولقد كان بولس الرسول يعتز بتدينه وبره الذاتي إلى أن أشرق عليه نور الصليب فردد كلماته التي يظهر فيها تقديره لفظاعة خطيته قائلا ((صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا)) 1 تي 15:1
وقصة الصلب ترينا مقدار فظاعة خطية الإنسان , فعندما أخذ رؤساء الكهنة والشيوخ يسوع إلى دار الولاية لكي يحاكم أمام بيلاطس , ليحكم عليه بالموت إذ لم يكن لليهود في عهد الحاكم الروماني أن ينفذوا حكم الإعدام في أحد إلا بعد الرجوع للسلطة الرومانية , تحقق الوالي الروماني براءة ((يسوع)) , وأراد كرجل سياسي أن ينقذ المسيح , وفي ذات الوقت أن يحتفظ برضاء الجماهير , وكان معتاداً في العيد أن يطلق للجميع أسيراً واحداً من أرادوه , وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمى ((باراباس)) وذاك كان قد طرح في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل , فوقف بيلاطس ليسأل الجماهير الصاخبة ((من تريدون أن أطلق لكم باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح ظ)) مت 17:27
ووقفت البشرية لتحكم لنفسها أو عليها , ولكنها ظهرت على حقيقتها الشريرة الساقطة !!! كان أمامها باراباس , اللص , مدبر الفتن والمؤامرات , القاتل الذي لوث يديه بالدماء ! ويسوع الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس !! باراباس في كفة ويسوع في كفة قاتل وملك نجس وقدوس لص ونبي يجري المعجزات !! فأيهما تختار البشرية ؟!؟ إن شبيه الشيء منجذب إليه , ولذا فان البشرية قد نادت يوم الصليب ((أطلق لنا باراباس)) وهكذا ظهر قلبها النجس , الشرير , المخادع , المنجذب إلى سفك الدماء بطلب صلب المسيح , وإطلاق القاتل باراباس
أجل عند الجلجلثة ظهرت فظاعة الخطية , وسجلت الإنسانية على نفسها هذه الفظاعة يوم كتبت على صليب المسيح بلغاتها الثلاث : اليونانية لغة العلم والفلسفة , واللاتينية لغة الحكومة الرومانية , والعبرانية لغة الديانة اليهودية ((هذا هو ملك اليهود)) لوقا 38:23
أجل اختارت البشرية الفساد وصلبت رب المجد , واختارت سفاك الدماء وصلبت رب الفداء , واختارت اللص , وصلبت السيد القدوس فيالفظاعة خطيتها ! قال خادم جليل من خدام الله وهو يشرح كيف ظهرت فظاعة الخطية في صليب المسيح : ((رأيت المريض المعذب يصرخ من الألم وسألت : ما سبب هذا ؟ فقالوا الخطية ! ورأيت الدماء الغزيرة تسفك في الحروب , وسألت : ما سبب هذا ؟ فقالوا الخطية , ورأيت الفقر الرهيب الذي يذل البشر , وسألت : ما سبب هذا , فقالوا الخطية ولكني لما رأيت يسوع البار والناس الأدنياء يبصقون على وجهه الكريم , والجنود الأردياء يكللون رأسه الملكي بإكليل الشوك , وعبد دنيء لرئيس الكهنة يصفعه على وجهه النبيل , ثم رأيته بعد ذلك وجنود الحكومة الرومانية يسمرونه في الصليب , ويرفعونه على رابية الجلجثة حتى تمزقت أعصابه صرخت ما سبب هذا ؟ فقالوا : الخطية وهنا فقط رأيت فظاعة الخطية في حياة البشر))
حدثنا أحد رجال الله بقصة عن شاب هندي و تربى في بيت مسيحي و ترك بلاده قاصداً بلاد الغرب في طلب العلم , وهناك حاد عن جادة الحق , ووقع في حبائل الشرور والآثام , وتلوثت حياته بالنجاسات والأوحال , ولما أتم دراسته , عاد إلى بلاده , فاستقبلته والدته بصدر رحب وثغر بسام , ورأى نفسه يعود إلى المذبح العائلي , ويسمع أصوات الترنيم , لأنه أحس أنه في واد وأمه في واد , فأراد أن يستعيد ذلك الشعور المريح , ثم خطر بباله أن يعترف لأمه بذنبه , ليعرف تأثير خطاياه في نفسها, وكانت الأم سيدة تقية نقية , أقرب إلى الملائكة منها إلى البشر , فتقدم إليها في غرفتها وهي جالسة وشرع في سرد قصته المحزنة , واعترف لها بما اقترف من آثام , فلما سمعت تلك الأم القديسة اعتراف ابنها , هالها ما سمعت , فقامت من مقعدها , واستمعت له وهو يفوه باعترافه , ولما بلغ نهايته , رآها وقد ارتعشت كورقة ذابلة أسقطتها الرياح , مستندة بيديها إلى الجدار الذي كان خلفها , فاتحة يديها على شكل صليب , فصعق الفتى من هول هذا المنظر لأن أمه تمثلت له كأنها صلبت على الجدار من أجله , بسبب شناعة آثامه وقال : لم أعرف فظاعة خطاياي إلا بعد أن رأيت أمي تتمثل أمامي كأنها مصلوبة على صليب
وعزمت من ذلك اليوم على التوبة الصادقة عن خطاياي
يذكر لنا أشعياء اختباره في الإصحاح السادس من سفره قائلا ((في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالسا على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخاناً فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود)) اش 1:6 -5
فإذا كان أشعياء قد رأى نجاسة شفتيه , ونجاسة شعبه عندما رأى السيد جالساً على كرسيه , والسرافيم حوله ينادي كل واحد الآخر بقداسته , فأي إحساس يملأ قلب الإنسان وهو يرى السيد , لا على كرسيه , بل على الصليب , معلقاً بين الأرض والسماء لأجل سواد خطية الإنسان ؟! يقينا , أن المرء يشعر في نور الصليب بفظاعة خطاياه