محمد البرادعى.. الحاصل على نوبل مشعل الثورة يحترق بنارها
يكتفى بتغريدة لا تتجاوز عدد حروفها 140 حرفا على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، ليطل علينا من وقت لآخر، معلقا على أمور تخص الشأن المصرى، فيما يغيب فى أغلب الأوقات، ويتجاهل أحلك اللحظات وأكثرها صعوبة التى تمر بها البلاد. وعلى الرغم من شعبيته الجارفة التى بدأت مع ثورة الخامس والعشرين من يناير، وربما قبل هذا التاريخ بقليل، فإنها سرعان ما بدأت فى الانحسار، وتراجعت مؤشراتها خاصة مع قرار انسحابه من أرض المعركة فى أكثر الأوقات، التى يكون أنصاره فى أعز الاحتياج له، هذا هو الدكتور محمد البرادعى الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية. فبعد مشاركته فى الأحداث السياسية طوال الفترة التى تلت ثورة يناير التى كان أحد مفجريها، يكتفى مؤسس حزب الدستور، مؤخرا بتدويناته التى تثير الجدل من وقت لآخر، وينتظرها سياسيون وإعلاميون على حد سواء لمعرفة رؤيته فى الأحداث الجارية وتعليقه على ما يحدث، والخطوات التى سيتخذها بعد ذلك، وهو ما كان سببا فى توجيه النقد واللوم إليه من قبل معارضيه. الادعاء: تراجع عن الترشح للرئاسة فى عهد المجلس العسكرى ومتهم بخيانة الثورة قبل ثورة الـ25 من يناير، تجاوب الدكتور محمد البرادعى مع الحركات والشخصيات المعارضة فى مصر، بدعوته لتعديل مواد الدستور قبل تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وانطلقت حملات شبابية سياسية لتأييده وتسابق الجميع فى جمع التوكيلات له تحت مظلة الجمعية الوطنية للتغيير، بينما تهافتت أحزاب أخرى على إقناعه بالانضمام إليها والترشح لرئاسة الجمهورية من خلالها، وهو ما اعتبره البعض تمهيدا لاندلاع شرارة الثورة. وساعد البرادعى فى ذلك الوقت، اعتباره من قبل البعض الأمل الأخير فى التغيير، ومكانتُه الدوليةُ التى توقف النظام السابق امامها، ولم يستطع تهميشه أو تهديده بسبب شخصيته المعروفة على مستوى العالم لتراسه إحدى أكبر المنظمات الدولية وفوزه بجائزة نوبل للسلام. وخلال أحداث الثورة التف الجميع حول السياسى المولود عام 1942، وعلى الرغم من أن 25 يناير كانت بلا قائد إلا أن كثيرين اعتبروه الأب الروحى لها، ومحرك المياه الراكدة فى الوقت الذى يئست فيه المعارضة المصرية من حدوث تغيير حقيقى، وكانوا يجلسون فى حضرته ليستمعوا لملامح خارطة الطريق التى ينوى إطلاقها بمعاونتهم جميعا بعد رحيل مبارك. وبعد رحيل مبارك من الحكم، وتولى المجلس العسكرى إدارة شؤون البلاد، وبعد إعلان البرادعى ترشحه لرئاسة الجمهورية، جاء الإعلان الدستورى الذى رفضه، ليعلن إثر ذلك انسحابه من الترشح. وشهدت الفترة التى تلت ذلك ظهور واختفاء مؤسس حزب الدستور، أكثر من مرة، إلى أن تولى الرئيس الأسبق محمد مرسى رئاسة الجمهورية، ومع إصداره الإعلان الدستورى المثير للجدل، برز دور البرادعى مرة أخرى وشارك فى جبهة الإنقاذ التى نجحت فى تشكيل معارضة قوية وساهمت فى إسقاط المعزول، واختارت رئيس وكالة الطاقة الذرية الأسبق، لتمثيلها فى اجتماع 3ـ 7، والذى أعلن فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقتما كان وزيرا للدفاع عزل مرسى. وأصبح البرادعى بعد ذلك جزءًا من المشهد السياسى، وتولى منصب نائب رئيس الجمهورية عدلى منصور، ليستقيل بعد أحداث فض رابعة العدوية، ويرحل خارج مصر، ويكتفى بتدويناته عن قليل من الأحداث. المدعون عليه:تحول إلى عصا فى يد الغرب وانسحابه من الحكومة أحدث شرخاً فى الدولة فور إعلان البرادعى استقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية للعلاقات الدولية عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، ومغادرته إلى فينا، تلقى هجوما لاذعا من قبل عدد من الشخصيات الإعلامية والسياسية، والتى كانت مؤيدة له فى بداية مسيرته، ولكنها تراجعت عن هذا التأييد بسبب رفضها لتصرف البرادعى ووصفها لما فعله بالخيانة للثورة. واستنكر المخرج خالد يوسف الاستقالة واعتبرها خيانة لشعب مصر، وعلق على هذا عبر حسابه على تويتر: «استقالة البرادعى خيانة لشعب مصر وثورته، إنه يضع سلاحا فى يد كارهى استقلال هذا الوطن ليضربونا به فليسقط من تخلى عن شعبه وهو وسط المعركة». ولم يختلف موقف الإعلامى حمدى قنديل عنه كثيرا والذى كان معروفا عنه أول المؤيدين للبرادعى، حيث قال فى أحد لقاءاته التلفزيونية إن انسحاب الدكتور البرادعى من الحكومة أحدث شرخًا فى الدولة وخان الثورة باستقالته، واتفق معه الروائى علاء الأسوانى قائلا: «يؤسفنى أن يتخلى البرادعى عن المصريين فى وقت الشدة، قارن بين ضباط كرداسة الذين استشهدوا دفاعا عن مصر والبرادعى الذى آثر السلامة على الواجب». وقال الإعلامى يوسف الحسينى: «البرادعى بموقفه هذا وكأنه يتحول لعصا فى يد الغرب لضرب الاستقلال الوطنى، ويسمح للإرهاب باستخدامه فى وجه إرادة الشعب». وفى شهادة له رأى الدكتور حسام عيسى وزير التعليم العالى السابق أن البرادعى طعن الدولة المصرية، بسبب استقالته التى أثرت على شكل مصر، ودعمت الإخوان والدول الغربية، مؤكدا أنه رجل وطنى ولكنه ليس رجلًا سياسيًا ولا يحب أن يقترب من المواطنين، ويرغب فى الحكم من بعيد، ولا يستطيع العيش وسط الناس ويحب العزلة، وكان يدير حزب الدستور بالتليفون. لائحة الاتهامات:الأب الروحى للثورة متهم بالولاء لأمريكا والتخلى عن مصر فى أصعب اللحظات الاتهام الأول: الولاء لأمريكا ودوره فى تدمير العراق من أبرز الاتهامات التى يواجهها كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2005، والتى يرددها أعداؤه أنه عميل للولايات المتحدة الأمريكية، وأنه شارك فى دمار العراق، من خلال عمله لصالح واشنطن، من خلال الوكالة الدولية التى قامت بعدد كبير من الجولات التفتيشية على وجود أسلحة دمار شامل، وهو ما ثبت أنه غير صحيح بعد ذلك، وأن جورج بوش اتخذ ذلك حجة لغزو البلد العربى للسيطرة على النفط، وهذا الاتهام كان يقابله البرادعى ومريدوه بسخرية حادة فور انطلاقها. الاتهام الثانى: لا يعرف شيئا عن مصر كون البرادعى قضى غالبية عمره فى الخارج، كان وراء اتهامه بأنه لا يدرك بشكل كافٍ أوضاع الحياة فى مصر، وبالتالى لا يستطيع الحكم بشكل صحيح عليها. وبرهن معارضو مؤسس «الدستور» على ذلك بالكثير من الأحاديث والتصريحات التى أدلى بها فى الكثير من المواقف، والتى أظهرت أنه حسب قول الكثيرين «خواجة» ولا علاقة له بما يحدث على الأرض فى مصر، ولا يستطيع التعامل مع المشاكل على أرض الواقع. الاتهام الثالث: الانسحاب من أرض المعركة يبرهن أصحاب هذا الاتهام على انسحاب الحاصل على نويل من أرض المعركة، بكثير من المواقف، منها رفضه الترشح لرئاسة الجمهورية، ورغم أن هذا الانسحاب كان له ما يبرره لدى البرادعى، إلا أن البعض وصف ذلك بالتهرب من تحمل المسؤولية، ورغبته فى البقاء بعيدًا عن السلطة ورفضه دفع ضريبة ذلك. وفور عزل مرسى والإعلان عن وضع خارطة طريق جديدة، تم تعيين البرادعى نائبا لرئيس الجمهورية فى عهد الرئيس المؤقت عدلى منصور، حتى أعلن استقالته من المنصب اعتراضا على طريقة فض اعتصامى رابعة والنهضة وغادر إلى فيينا. وجاء فى نص استقالة البرادعى التى أعلنها وقتها أنه يرفض أن يتحمل مسؤولية «قطرة واحدة من الدماء»، خاصة مع إيمانه بـ«أنه كان يمكن تجنب إراقتها، وأنه أصبح من الصعب عليه أن يستمر فى تحمل مسؤولية قرارات لا يتفق معها». وحذر «البرادعى» من أن المستفيدين من هذا الحدث هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفًا، وهو ما اعتبره الكثيرون انسحابًا من أرض المعركة وتخليًا عن مصر فى وقت الأزمات. الاتهام الرابع: علاقته بالإخوان كان البرادعى أحد المدافعين عن جماعة الإخوان قبل أحداث 30 يونيو، أتى ذلك رغم موقف الجماعة منه، حيث كان أول المنادين بالدستور أولا قبل الانتخابات الرئاسية، فى حين تهافت أنصار تيار الإسلام السياسى، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين للحشد لانتخابات البرلمانية والتحالف مع المؤسسة العسكرية التى وضع البرادعى ملاحظات عديدة حول كيفية إدارتها لشؤون البلاد، ولم يسلم مدير الوكالة الذرية فى ذلك الوقت من انتقادات الجماعة التى رحبت بوصف البرادعى بالخائن والعميل داخل أروقة البرلمان الذى تحتل غالبيته. وبعد 30 يونيو، ومع تأكيد البرادعى أن مصر كانت على شفا حرب أهلية، وبالتالى لم يكن هنا خيار آخر غير عزل الرئيس السابق محمد مرسى، إلا أنه سرعان ما عاد وناقض نفسه بتصريحاته الأخيرة فى مؤتمر الاتحاد الأوروبى عندما قال «إننا وصلنا مع الجماعة لنظام إقصائى، وهذا كان آخر ما نحتاج إليه»، حدث ذلك رغم أن البرادعى على علم تماما بما فعلته الجماعة، ورفضها التصالح مع الدولة بعد إقصاء مرسى، وتجاهل مرحلة التفاوض التى خاضتها المؤسسة العسكرية وقتها مع مرسى قبل الوصول لمرحلة العزل النهائية بشهادة قيادات الجماعة أنفسهم. ويكشف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى تصريحات أدلى بها فى لقاء تلفزيونى، «إن البرادعى كان يؤيد خلع مرسى وليس الاستفتاء»، قائلا: «البرادعى كان يطالب بالخلع فى الوقت الذى تحدثت فيه أنا عن الاستفتاء والرئيس السيسى وقتها كان لآخر لحظة مع إجراء الاستفتاء ولكنه لم يستطع التغاضى عن رغبة الناس فى عزله». الدفاع عن المتهم: البرادعى يشبه سعد زغلول وحديثه عن الديمقراطية "مشرف" يعد الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى واحدا من أبرز المدافعين عن الدكتور محمد البرادعى، حيث قال فى أحد لقاءاته فى محاولة منه لتقييم أداء البرادعى، وما إذا كان شخصية تتوافر فيها كل شروط قيادة التغيير: «إن البرادعى لا تنطبق عليه كل الشروط لأننا بشر، وهو شخصية جاءت فى موعد مع القدر مثلما حدث فى عام 1919، فسعد زغلول لم يكن يعرفه أحد فى وقت الثورة إلا كرجل عادى أو وزير، وزغلول لم يكن يعرف أى شىء عن البلد وثورتها، والبرادعى شخصية جيدة وكل التيارات ليست معه لكنها ليست ضده أيضا، فهو محمد نجيب لمن يريد، وسعد زغلول لمن يريد أيضا. وتابع الكاتب الصحفى: «البرادعى شخصية مستقيمة ولديه القبول وتم التوافق عليه من قبل كل القوى السياسية، وللمفارقة هو فى نفس سن سعد زغلول وفعل كل ما يمكن أن يطمح إليه وهو عنوان هذه اللحظة، والمشكلة أن يظل عنوان فقط وأى حزب سينضم له البرادعى سيكون فى اليوم التالى كبير». فيما استنكر البرلمانى السابق زياد العليمى الهجوم على البرادعى وإذاعة بعض التسريبات له, وقال عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: «أيوة بدافع عن البرادعى من خلال كتابة شهادة حق لأنه يستحق ده لأنى زيى زى كتير من ولاد جيلى، طلعنا بنكره كل بتوع السياسة لأنهم كذابين، وعلى مدار 35 سنة هى عمرى، ماشفتش حد بيشتغل سياسة، واللى بيقوله على جنب هو اللى بيقوله ف وسط كل الناس غير الراجل دة على سبيل الحصر». وفى شهادة للإعلامى عمرو أديب، بعد مغادرة البرادعى مصر لما يقرب عام قال «شهادة حق البرادعى بعدما ترك البلد لما يقم بشىء ضد مصر». الدكتور أسامة غزالى حرب هو الآخر أبدى ذهوله من الاتهامات التى توجه للبرادعى، مشيرا إلى أن مؤسس الدستور لم يدعم الإخوان فى أى وقت، ولعب دورا إيجابيا فى دعم ثورة 25 يناير، وكل الاتهامات الموجهة له فى هذا الصدد مجرد «تخاريف». ووصف «حرب» حديث البرادعى عن الديمقراطية بأنه مشرف جدا ولا يوجد ما يشوبه.
نقلا عن اليوم السابع