الخلوة هي قضاء وقت بمفردك في محضر الله. هذا الحضور الإلهي البديع يدفعك لإدراك حقيقة وجود الله التي قد تكون غابت عنك في لحظات الشكّ أو وسط مشاغل الحياة. فمن الضروري أن يكون وجود الله بالنسبة لك هو إيمان شخصي تتلامس معه لا إيمان آخرين تشاركهم فيه نظريًّا دون أن تتلامس معه.
يساعدك الحضور الإلهي أيضًا على التعرّف على حقيقة ذاتك؛ ملكاتها وإمكانيّاتها ضعفاتها وخداعاتها قوتها ووهنها. وحينما تبدأ ترى الصورة الحقيقيّة لذاتك سيكون بمقدورك أن تُصلّي لا كما اعتدت من قبل بل ستكون صلاتك قويّة عفيّة صارخة فاعلة لأنّها ستصير صلاة الاحتياج الشديد إلى حضور الله الذي يرفع القلب والعقل إلى عالم آخر عالم الحقيقة.
في الخلوة تعرف حقيقة إنسانيّتك وتدرك دورك في الحياة وتستشعر مكانتك لدى الله وتتلمّس دعوتك في الكنيسة. كذلك ستجد الوقت الكافي لتُنَمّي معارفك بالله الثالوث سواء من خلال كلمة الله أو الخبرة اللّيتورجيّة الغنيّة في الدير أو الصلاة الجماعيّة والفرديّة أو من خلال الاختلاء بمفردك تمامًا في الصحراء أو القراءة في الكتب المتنوعّة كذلك من خلال الارشاد الروحي المُقدّم من خلال آباء الدير.
الخلوة ليست رفاهيّة ولكنّها جزء أساسي من تكوين المسيحي الذي يجب أن يرتّب وقتًا للخلوات الأسبوعيّة في البيت أو الكنيسة والخلوات الشهريّة والنصف سنويّة في الأديرة أو بيوت الخلوات حتى يمكنه أن يتابع مسيرة حياته بدقّة أكبر ويعدّل من مساره بطلب العون الإلهي كلّما كان الانحراف عن الطريق شديدًا.
الخلوة تقترن بالسكون والهدوء لذا من الضروري لكي تحقّق أقصى استفادة ممكنة ألا تصطحب أحد معك للخلوة كذلك عليك أن تحرص على وقتك دون أن تقضيه في حوارات مع من حولك حتى لو كانت حوارات نافعة. عليك أن تدرك أنّ مدى الاستفادة دائمًا مرهون بإرادتك والتزامك وشوقك للتغيّر.
وأخيرًا تذكّر كم من الوقت والجهد والمال انفقته لتأتي إلى الدير لتبدأ صفحة جديدة مع الله فلا تُضيِّع كلّ هذا بل احرص على طلب الله وكأنّ لسان حالك يشارك يعقوب في كلماته إبّان الصراع مع الله:
لن اطلقك إن لم تباركني
الراهب سارافيم البرموسي