الكنيسة وبناؤها الروحي
القس بولس بشاى كاهن بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط
٤ يونيو ٢٠١٥
يأتي بناء الكنيسة في الكتاب المقدس بمعنيين أو مفهومين، الأول البناء المكاني للاجتماع والثاني البناء الداخلي للمؤمنين ولا يمكن أن ننكر أهمية المبنى لاجتماع المؤمنين للصلاة وتتميم الأسرار وتلقي التعليم، فقديماً امر الرب موسى أن يبنى خيمة الاجتماع كالمثال الذي أظهره له في الجبل وأعطاه أدق التفاصيل لتكون الخيمة مهيأة كمكان للعبادة وحلول الله بين شعبه “غطت السحابة خيمة الاجتماع و ملأ بهاء الرب المسكن” (خر 40 :34 ) و ايضاً حين أراد الرب تأسيس سر الافخارستيا ليلة آلامه اهتم بالمكان وفرشه واعده وارسل اثنين من تلاميذه “و قال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما انسان حامل جرة ماء اتبعاه وحيثما يدخل فقولا لرب البيت إن المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة هناك اعدا لنا” (مر 14 : 15) و كانت هذه العلية هي أول مبنى كنسي فى العهد الجديد.
ونحن نحزن بالحق حينما يضيق علينا العالم الموضوع في الشرير فى بناء الكنائس لكن حمداً لله انه هناك بناء اخر فى وسع ايدينا أن ننطلق به ولا يمكن لمخلوق أياً كان أن ينال منه أو يحجب نوره او يحد من امتداده، ذلك هو البناء الجوهري للكنيسة وهو البناء القلبي لجماعة المؤمنين. هذا هو ما قصده القديس لوقا فى سفر أعمال الرسل لما قال “وأما الكنائس فكان لها سلام وكانت تُبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر” (أع 9 : 31) إنه البناء الحي الذي لا يستطيع العالم ولا أباطرته مثل نيرون وغيره أن يقيده، لأن “كلمة الله لا تقيد” (2تى 2 : 9) هو البناء الداخلي الروحاني للكنيسة “ام لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم” (1كو 6 :19 ).
اتذكر عشرات الألوف من البشر التي كانت تسهر بالتسابيح في فترات التجليات الروحية في اسيوط لعدة شهور وكذلك في الزيتون وشبرا والوراق كيف تحولت الشوارع وأسطح المنازل إلى كنيسة كبيرة جداً ترتفع منها ذبيحة التسبيح على مذبح القلوب وكيف صار الليل كله تسبيحاً متصلاً مع أن الكنيسة كمبنى لا يتسع ولا لعشر هذه الاعداد لكن التهاب القلب بالروح تجاوز حدود المكان بل وعبر فوق كل الخطوط الحمراء.
حكى لي احدهم عن قرية بالصعيد كانت فيها النساء اثناء الخبيز يرابعن التسبحة من فوق أسطح المنازل، ما هذا ؟! إنها السماء على الأرض, أو قل هي الكنيسة الأرضية كما يجب ان تكون.
لقد تعرضت الكنيسة على مر العصور المختلفة لأعنف الاضطهادات كان هدم الكنائس ونهبها أول اهداف المضطهدين لكن برغم ذلك لم يعبر على الكنيسة وقت تعطل فيه وعد الرب لها “كل آلة صورت ضدك لا تنجح و كل لسان يقوم عليك فى القضاء تحكمين عليه” (أش 54 : 17) قد تنجح الآلة في هدم الجدران لكنها يستحيل أن تقوى على الجوهر الداخلي للكنيسة ذلك لان منطق الايمان فيها يقف أقوى من أي تحديات حتى لو قتلوا الجسد “لأنه ان نقض بيت خيمتنا الارضى فلنا فى السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد ابدى” (2كو 5 : 1). كم من كاتدرائيات شاهقة خوت من المصلين فى دول كان غالبيتها من المفترض انهم مسيحيون و كم من شقوق تحت الارض حملت شعلة الايمان لأجيال واجيال. لذلك نحن لا نخشى من غدر الزمان او الانسان بالكنيسة الحجرية لكن اخشى ما اخشاه من حيل الشرير بالكنيسة البشرية لعزلها عن إلهها مصدر عزاءها بل و أصل حيويتها.
فيا بيعة الفادي هيا انهضى للأمام واستندى على حبيبك لتتم فيك نبوة اشعياء النبى “ترنمى ايتها العاقر التى لم تلد اشيدى بالترنم ايتها التى لم تمخض لأن بنى المستوحشة اكثر من بنى ذات البعل قال الرب” (أش 54 : 1) “كل بنيك تلاميذ الرب و سلام بنيك كثير” (أش 54 :13).
06 - 06 - 2015, 10:23 PM
رد: الكنيسة وبناؤها الروحي
العرض العادي
