قطر تفتقر إلى الموارد الإدارية اللازمة
نقلا عن الوطن
يواصل الخبير البريطانى فى شئون الشرق الأوسط، «كريستيان كوتس أورليخسن»، فى كتابه الذى صدر حديثاً عن دار النشر التابعة لجامعة «أوكسفورد»، بعنوان «قطر والربيع العربى»، تحليله لانهيار الدور القطرى فى الشرق الأوسط بعد أن كانت الدوحة هى «النجم الصاعد» فى سماء المنطقة بعد 2011. يقول: «لقد كانت الطريقة التى اتخذت قرارات السياسة الخارجية فى قطر، قائمة على تركيز القرارات كلها فى يد نخبة مركزة فى الأمير السابق حمد بن خليفة ورئيس وزرائه حمد بن جاسم والشيخة موزة، وولى العهد وقتها الأمير تميم.
كانت هذه الجماعة الصغيرة قادرة على إدارة خيوط وموارد الدولة بإيجاز وسرعة، وهو ما ساعد فى تشكيل نوع من الثقل القطرى فى الدول التى اختارت الدوحة أن تتدخل فيها، ولعب من دون شك دوراً فى وضع قطر على الخريطة العالمية.
لكن، لا بد هنا من أن توضع قدرات قطر الحقيقية فى حجمها الصحيح، نظراً لحجم الدولة الصغير، وكوادرها المحدودة للغاية من الخبراء والعاملين الأكفاء والقادرين، هذه القدرات المحدودة فتحت مجالاً للقلق بالنسبة لمراقبى الشأن القطرى، حتى فى داخل قطر نفسها، وأثارت تساؤلات حول مدى قدرة الإمارة الصغيرة على تحقيق نوايا قياداتها بالتوسع وبسط نفوذها على غيرها من الدول، على الرغم من القدرات الدبلوماسية المحدودة التى تعانى منها».
ويتابع: «الواقع يقول إن قطر تفتقر إلى الموارد الإدارية اللازمة، والعناصر الموجودة فعلياً على الأرض، فى كل الدول التى تحاول فيها قطر لعب دور الوسيط، لتحويل الاتفاقات المبدئية التى يتم التوصل إليها بين أطراف النزاع المختلفة إلى نوع من الحلول الدائمة لتلك الصراعات. فالقدرات الدبلوماسية لقطر محدودة للغاية، بشكل لا يمكنها من متابعة ولا مراقبة تطورات تطبيق الاتفاقات التى يتم التوصل إليها بين الأطراف المختلفة، بمجرد انتهاء المفاوضات التى تتم برعاية قطرية، وفى ظل غياب مثل هذه «المتابعة» الدبلوماسية لتطبيق الاتفاقيات، ظهر واضحاً أن «الوساطة» القطرية فى دول مثل لبنان ودارفور، كانت مجرد «تدريب» أو استعراض، لحل بعض الخلافات السطحية بين الأطراف المتنازعة، وليس التوجه مباشرة إلى أسباب ذلك النزاع ومحاولة التعامل مع أسبابه الحقيقية الأكثر رسوخاً وتعقيداً وعمقاً، ما أدى إلى تعثر بناء عملية السلام المستمر، أو حتى إعادة البناء بعد انتهاء النزاع».
ويضيف: «باختصار، فإن قدرات قطر المحدودة فى التحرك الدبلوماسى لا يمكن أن تؤدى إلى أى تغيير مؤثر على المدى الطويل فى كل الدول التى تتدخل فيها، كما أنها -على ما يبدو- تقلل من مدى صعوبة وتعقيدات وتداعيات الصراعات التى تتوسط باندفاع لحلها. بالتالى، وعلى الرغم من الظهور المكثف لقادة قطر كوسطاء لحل الأزمات والنزاعات الإقليمية المختلفة، فإنهم على ما يبدو، لم ينجحوا بعد فى اكتساب المهارات اللازمة التى تنقلهم من مرحلة الوساطة إلى مرحلة المساهمين الفعليين والفعالين فى حل الصراعات المعقدة فى تلك المنطقة المشتعلة من حولهم».
ويواصل: «كذلك، لم يظهر قط أن قطر قادرة على أن تذهب إلى ما هو أبعد من تقديم خدمات الوساطة ورعاية المفاوضات، دون مواجهة الأسباب الجذرية للصراعات، والغريب أنه حتى مع انتباه المراقبين الأجانب، وبعض الأصوات فى داخل قطر، إلى انعدام التناسب بين نوايا القيادات القطرية للوساطة فى حل الصراعات، وقدراتها الفعلية على هذا الحل، لم يهدأ حماس واندفاع «الدوحة» للتدخل فى شئون الدول الأخرى من حولها، مهما بلغ تعقيد وتشابك القضايا التى تسعى للتدخل فيها».
ويصل الكتاب إلى: «الأرجح إذن، أن قطر على أعتاب مواجهة العديد من المشكلات التى سوف تنشأ بسبب استمرار تضخم طموحات النخبة الحاكمة فى الدوحة، ورغبتهم المستمرة فى توسيع نفوذهم الإقليمى، وهو الاتجاه الذى بدأ يظهر واضحاً قبل عملية نقل القيادة القطرية إلى الجيل الأكثر شبابا فى يونيو 2013».