ثقافة التشجيع والشكر
مادام الإنسان يعيش في هذه الدنيا ..
وما دام هناك تواصل وتعامل بينه وبين أفراد يحيا بينهم
ومعهم ضمن العائلة , الشركة , المدرسة , الكنيسة , المجتمع ..
فانه لا يحيا منعزلاً , بل مجاوراً محاوراً متجاوباً منفتحاً مع الآخر ,
فمِن حقِّهِ أن ينتَزع محبة واحترام الجميع
مادام هو فعلاً يستحق هذا , من خلال
أعماله وسجاياه ومواقفه , فابسط شيء ينتظره الإنسان
من أصدقائه وأخوته وأهلِهِ أو الذين يتعامل معهم , كلمة شكر ..
فكلمة الشكر والثناء , كلنا نريد أن نسمعها , ليس إرضاءَ للأنا
وإشباع غرور الذات ( كما يقول البعض) , كلا , بل هو رد فعل امتنان
ومحبة وتشجيع على فعل عمل طيب
يستحق كل خير , ليعرف تقييم
الناس لعملٍ ما قام بهِ , هل أعجبهم ,
هل سيكرره مستقبلاً, هل أفادهم !؟
لكن للأسف القليل منّا الذي يجيد استخدام
فن الشكر وثقافة التشجيع , أحياناً
متعمدّين وأحياناً متناسين أو لا مبالين !
هناك بعض الناس يستثقلون النطق بل يَصعُب عليهم أن يقولوا
هذه الكلمة التي هي هواء مجاني وهبه الله لنا
في حياتنا , يُستَنشَق ثم يُزفَر
ويُنطَق من خلال مروره بالحنجرة
ويتلامس مع الشفاه ويخرج على
شكل كلمة منطوقة أولاً مسموعة ثانياً
فيسبح في الفضاء ليصل إلى إذن السامع المستحق الشكر , لكنها
منصهرة بمشاعر جيّاشة مملوءة بروح المحبة الفيّاضة وأريج
الامتنان ودفء العرفان بالجميل ..
مادمنا نحيا بوسط أُناس , فبكل تأكيد كلنا
نريد كسب رضاهم بعد رضا الله , ولو أن رضاء الناس غاية
لا تُدرَك , لكن أكيد هناك الكثير مِن المُحبين
المستعدين أن يشجعونك ويقولون لك كلمة شكراً
لكن هناك مَن لا يتمكنون من نطقها لأسباب عديدة , ربما
لوجود عقدة النقص في تكوين شخصيتهم أو بسبب الكبرياء أو الغيرة
والحسد من الآخر حتى لا يأخذ
مكانه اللائق ولا يتبوأ منزلته الحقيقية , خوفاً على
موقعه لئلا ينافسه على مركزٍ ما (مهما
تغيّر وتنوّع شكل ذلك المركز) أو بسبب
عدم امتلاكه القدرة على رد الجميل خوفاً مِن
أن يكون عليهِ دَيناً يتطلّب
تسديده يوماً ما ! (حسب ظنه) , أو
يتجاهل التشجيع متعمّداً
متقصّدا , للتقليل مِن شأن الآخر والتصغير مِن دورهِ ومكانتهِ , لأنه برفعة
وكِبَر الآخر سيشعر بالضآلة والصِغَر (حسب تفكيره) ! ... وبكل الأحوال
فلإبليس الدور الرئيسي في منعهم من
نطقها , لان الذي يشجّع هو مِن الله
وإلهنا اله تشجيع وتعزية ورجاء
وليس (حاشاه) اله إحباط ويأس وقنوط ....
وحتى ربنا الغني الكامل , الغير محتاج
لكلمة شكر أو ثناء , مديح , تعزية , تشجيع , والغير محتاج إلى
تمجيد الناس له , لأن الله الآب قد مجدّه , ومع هذا فنراهُ يعاتب
على موقف الرجال التسعة المصابين بالبرص والذين نالوا الشفاء
لأنهم لم يقدّموا المجد لله , ويُثني على موقف السامري الغريب الذي
قدّم المجد لله والشكر ليسوع , كما نقرأ في الآيات الإنجيلية التالية :
وفي ذهابه إلى أورشليم اجتاز في وسط السامرة والجليل
, وفيما هو داخل إلى قرية استقبله عشرة رجال برص، فوقفوا من بعيد
, ورفعوا صوتا قائلين : يا يسوع، يا معلم، ارحمنا
, فنظر وقال لهم: اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة. وفيما هم منطلقون طهروا
, فواحد منهم لما رأى أنه شفي، رجع يمجد الله بصوت عظيم
, وخر على وجهه عند رجليه شاكرا له، وكان سامريا
, فأجاب يسوع وقال: أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة
, ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدا لله غير هذا الغريب الجنس
, ثم قال له: قم وامض ، إيمانك خلصك
(لوقا 17 : 11 – 19)