حينما صنع الرب يسوع العشاء السري وسلم للرسل عملياً سر الخلاص بإعطاء جسده مأكل حق، ودمه مشرب حق، قد بارك الخمر قائلاً: خذوا اشربوا هذا دمي، وهذه إشارة واضحة إلى الكلمة اللوغس (أي إلى ذاته) الذي انسكب نهراً مقدساً لمغفرة الخطايا وبهجة فرح حي للمؤمنين…
وهو هو ذات النطق الذي نطقه مرة واحده في ذلك الزمان هو ما ينطق به الكاهن بنفس ذات السر والفاعلية، لأن كلمة الله الذي تخرج من فم الرب الحي، تظل تعمل بنفس ذات القوة والفعل إلى أن يجيء بل وتمتد إلى الأبدية بقوة سرّ الحياة التي تحملها، لأن كلامه قوة فعل إلهي تعلو وتفوق كل إمكانيات الزمان ونطق الإنسان، فحينما يتقدس الخُبز في القداس الإلهي بقوة اسم الله واستدعاء الروح القدس فهو ليس كما كان، ولكنه يتغير سراً إلى جسد ودم ابن الله الحي القدوس لغفران الخطايا وتجديد النفس وقوة حياة أبدية لا تزول مدعمة بالقداسة والطهارة لأنه قادر أن يغير كل من يتناول منه ويهبه سر الحياة الأبدية ويدخله في شركة مقدسة لا تزول …
+ نحن نتناول دم المسيح بالسرّ [ لكي نكون شركاء في عدم الموت الذي للرب, وكما أن الروح هو الفعال بالنسبة للكلمة، كذلك الدم بالنسبة للجسد (يوحنا6: 63)، وكما يُمزج الخمر بالماء، كذلك يكون الروح في الإنسان .
ومزيج الخمر والماء يُغذي الإيمان. وأما الروح فإنه يقود إلى عدم الموت. والاثنان، الشراب والكلمة (أي دم ابن الله الكلمة وجسده المقدس) هما الإفخارستيا، تلك النعمة الفائقة المجيدة، تلك التي كل المتناولين منها بإيمان، يتقدسون بالجسد والروح ] (للقديس كليمندس الإسكندري – المربي2: 2)
الإفخارستيا قوة حياة النفس فعلاً على المستوى العملي والواقعي، لو الإنسان أخذها وهو واعي ومؤمن بصدق وتائب فعلاً بالقلب والفكر، مقدماً حياته ذبيحة شكر وحب لله الحي [ القلب المنكسر والمتواضع لا ترذله يا الله ]، فسيصير فعل الإفخارستيا – في هذه الحالة – قوة لحياته فيغلب الشر والفساد وينتصر على الموت بإيمان حي يغلب به العالم فعلاً ويعيش بروح القداسة، أما لو استهان ولم يتب ويحيا لله بإخلاص قلب فأنه يأكل ويشرب دينونة لنفسه لأنه يصنع تدبير للجسد لأجل الشهوات، محتقراً جسد الرب ودمه، إذ يتناول منه بحكم العادة وليس لأجل حياة التقوى في برّ الله كساء النفس الخاص الذي نرتديه بالإفخارستيا، ونزداد وننمو فيه بتطبيق الوصية بإيمان حي يغلب العالم بكل ما فيه من شرّ وفساد …
فلنتب ونحيا لله بكل إخلاص قلب سائلين أن يشع منا نصرته لنغلب بقوته لأن بدونه لن نقدر أن نصنع شيئاً، فلا تتوانوا يا إخوتي على أن تذهبوا بقلوبكم إلى المذبح بكل نشاط وجدية وبقلب تائب وفكر مستقيم وإيمان حي قارعين الصدر: [ اللهم أرحمني أنا الخاطي ] وستنالون قوة غفران وشفاء من جسده ودمه لأنهما لابن الله الحي الذي ابتلع الموت لحياة ووهبنا قوة قيامته المجيدة في سر التقوى وعمل الروح القدس الذي يشع منا نصرته، لذلك هو لنا ترياق الخلود …