ما هي الحاجة إلى محرر بشري للوحي ؟
أليس الله بقادر على أن يوحي رسالته مباشرة إلى نبي ينقل بعد ذلك تلك الرسالة إلى البشرية نقلاً دقيقاً ؟
غالباً ما يكون هذا سؤال الذهنية الإسلامية ، الذي يرتبط بـ " أليس الله بقادر على أن يوحي رسالته مباشرة إلى نبي ينقل بعد ذلك تلك الرسالة إلى البشرية نقلاً دقيقاً ؟ وبهذه الطريقة لا تعود الجماعات الدينية مرتبطة بالدراسات والأبحاث النقدية للتوصل إلى معرفة ما يريده الله ، بل يحمل إليها النبي الرسالة بوضوح ولا يبقى للبشرية سوى أن تختار بين قبولها وطاعتها ، وبين رفضها .
وفي هذا الموقف من الوحي الإلهي يقوم أحد الاختلافات الأساسية بين الإسلام والمسيحية . ففي نظر المسلمين ، لا يشير القرآن إلى أي عمل سواه أو أي عمل يتعداه من أعمال الوحي الإلهي . القرآن هو وحي الله ، الوحي بالذات ؛ ورسالته بواضح العبارة ونهائي الشكل ، كاملة . القرآن لا يبتغي الوصول بالمؤمنين إلى اختبار الوحي الإلهي في ما هو أبعد منه .
أما نظرة المسيحيين إلى الكتاب المقدس ، فهي على خلاف ذلك . وهم يرون أنه لم يتم وحي الله الأكمل في كتاب ، بل في إنسان . يؤمن المسيحيون بأن المسيح هو الذي يكشف عن الله ويعبر على أكمل وجه ، في حياته وشخصه ، عما يريد الله قوله للبشر . وعليه فهم يرون أن الكتاب المقدس يشير دوماً إلى ما هو أبعد منه ، وأنه يبغي دوماً تنشئة إيماننا بالمسيح وبما يقوله الله للبشرية بواسطته وفيه . والذين كتبوا العهد الجديد كانوا أناساً حاولوا أن يبلغوا معنى اختبارهم ليسوع الذي عاش وتألم ومات وأقامه الله من الأموات . وبالتالي فهذه الشهادة البشرية هي من مقومات وأسس الكتب المقدسة المسيحية .
وهذه المقولة تقودنا إلى فرق آخر بين النظرتين الالمسيحية والإسلامية إلى الوحي . فالمسيحيون لا يكتفون بالقول أن الله يوحي إلى البشر رسالته ، بل يقولون أيضاً أن الله يوحي ذاته في تاريخ البشر ، وأسفار الكتاب المقدس تعلن هذا الوحي الذاتي وتفسره . . الله يوحي من هو وأي إله هو ، بصفاته وخواصه ؛ يوحي وصاياه الخلقية ، ويوحي خاصة رغبته في الخلاص ، لا بل يمكن القول إن الكتاب المقدس بمجمله هو تاريخ الله الذي يوحي ذاته مخلصاً