ما هو المراد بقداسة الله ؟
إذا كان الموصوف بالقداسة ، مكاناً أو زماناً ، أو أداة أو شيئاً آخر من المواد ، كالزيت واللحم والمذبح ، كان المراد بها إفراز ذلك الموصوف لخدمة الله ، وتخصيصه بتلك الخدمة . وكذلك إذا وصف بها الخلائق العاقلة ، كالكهنة والأنبياء وشعب الله ، دلت على الإفراز والتخصيص ، ودلت أيضاً بالضرورة على الكمال الأدبي فيهم ، لكونهم عاقلين . وإذا وصف بها الباري تعالى ، كان المراد بها الدلالة على طهارته الأدبية الروحية ، وخلوه التام من كل دنس . وقد تطلق على مجده تعالى ، كما هو ظاهر في جميع صفاته ( أنظر مزمور 22 : 3 و 98 : 1 و أشعياء 6 : 3 و رؤيا 4 : 8 ). وبناء على ذلك نقول أن المراد بقداسة الله ، جميع صفاته الكاملة ، وطهارته ، وخلوه من كل دنس . فجاء في الكتاب المقدس " ليس قدوس مثل الرب " ( 1 صموئيل 2 : 3 ) أي ليس أحد طاهر بالتمام ، وغير محدود في كماله الأدبي إلا الله . وكثيراً ما سمي في الكتاب المقدس بقدوس ووصف بالقداسة ، ومن ذلك قوله " علوا الرب إلهنا ، واسجدوا في جبل قدسه ، لأن الرب إلهنا قدوس " ( مزمور 99 : 9 ) و " من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك ، لأنك وحدك قدوس " ( رؤيا 15 : 4 )
وقداسة الله اللا محدودة هي الصفى التي يبنى عليها إكرامه تعالى في الكتاب المقدس بنوع يفوق ما يبنى على قدرته وعلمه ، حتى أن كلمة قدوس تستعمل أحياناً بمعنى صاحب الكرامة . والملائكة الذين يصرخون نهاراً وليلاً قائلين " قدوس ، قدوس ، قدوس ، رب الجنود " يعبرون بذلك عن مشاعر كل خلائق الله العاقلين ، غير الساقطين ، وينظرون إلى كمال طهارته . وهو تعالى " نار آكلة " لأنه قدوس ، ولذلك لما تأمل النبي في قداسته ، قال " ويل لي أني هلكت ، لأني إنسان نجس الشفتين ، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين ، لأن عيني قد رأتا رب الجنود " ( أشعياء 6 : 5 )