09 - 02 - 2015, 06:38 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
ليقبلني بقبلات فمه _ أوريجانوس
قبلات العريس
العلامة أوريجانوس
"ليقبلني بقبلات فمه" (نش 1).
يجب علينا أن نتذكر الحقيقة التي لفتنا إليها الإنتباه في مقدمتنا لشرح سفر نشيد الأنشاد، وهي أن هذا الكتاب الصغير الذي له مظهر أغنية زواج مكتوب بإسلوب مسرحي. وقد وضحنا الأسلوب المسرحي، الذي فيه يتقدم شخصيات محددة، ويتكلمون من وقت لآخر، يظهر بعض منهم في المشهد، بينما يتوارى آخرون أو يقبلون، بحيث يتمثل العمل كله في التبادل بين الشخصيات المختلفة. كتاب النشيد إذاً على هذا النمط، وبقراءة محتواه سوف نحصل بحسب طاقتنا على سجل من الأحداث. والتفسير الروحي أيضاً سوف يتوافق مع ما أشرنا إليه في المقدمة، وهو أن رمزية العروس والعريس تشيران إما إلى علاقة الكنيسة بالمسيح، أو لإتحاد النفس البشرية مع كلمة الله.
بقراءة النص كقصة بسيطة، نرى عروساً تظهر على المسرح، بعد أن إستلمت لخطبتها كمهر هدايا كثيرة ملائمة من العريس الأكثر نبلاً، لكن لكون العريس يؤخر مجيئه لمدة طويلة، كانت العروس مُعلقة في البيت، تتألم في إشتياقها لحبه، فعملت كل ما في وسعها لكي تحضر نفسها أخيراً لرؤية زوجها، وتتمتع بقبلاته. ونحن نفهم أيضاً أن العروس بكونها لا يمكنها أن تتحرر من حبها، ولا أن تحقق بعد ما تشتاق إليه، نراها توجِّه نفسها للصلاة والتضرع إلى الله - التي تعرف أنه هو أب عريسها.
في هذا السياق، لنتأملها "رافعة أيادي طاهرة بدون غضب ولا جدال .. بلباس الحشمة مع ورع وتعقل" (1 تي 2)، مُزينة بأكثر الحُلي عظمة كما يليق بعروس نبيلة، ملتهبة شوقاً نحو زوجها، متألمة بجرح الحُب الداخلي، ساكبة صلاتها لله، قائلة بشأن زوجها: "ليقبلني بقبلات فمه".
هذا هو محتوى القصة الفعلية، المقدمة بإسلوب مسرحي. لكن لنرى، إذا كان المعنى الباطني أيضاً يمكن تقديمه بشكل ملائم على طول هذا النص.
الكنيسة هي التي تشتاق للإتحاد مع المسيح، لكن يجب ملاحظة أن الكنيسة هي "جميع كنائس القديسين" (1 كو 14: 33). لذا يجب أن تكون الكنيسة كشخصية إعتبارية هي التي تتكلم، وتقول: "أنا متخمة بالهدايا التي تلقيتها، كهدايا خطوبة أو كمهر قبل زواجي، لأنه منذ القديم، بينما يتم إعدادي ليوم زفافي مع ابن الملك وبكر كل خليقة (كو 1)، ملائكته القديسين وضعوا أنفسهم في خدمتي، وأعانوني، مقدمين لي الناموس كهدية خطوبة - إذ أن "الناموس - كما هو مكتوب - مرتباً بملائكة في يد وسيط" (غلا 19:3).
والأنبياء أيضاً خدموني، إذ أنهم هم الذين نطقوا بكل الأشياء التي كانت تكشف لي وتخبرني عن ابن الله، ذاك العريس الذي كانوا يريدون زفافي له، وقتما تؤخذ بعيداً كل تلك الأشياء التي تسمى هدايا خطوبة أو مهر. علاوة على ذلك، من أجل إشعالي بالحب والحنين نحوه، أعلنوا لي عن مجيئه بصوت نبوي، وهم مملوئون من الروح القدس، إذ سبق وتنبؤوا بأفعاله القديرة غير المحصاة وأعماله العظيمة. ووصفوا أيضاً جماله وحلاوته ولطافته، حتى ألتهبُ بالحب نحوه بشكل يفوق التحمل من خلال كل هذه الأمور.
لكن لكون العُمر على وشك الإنتهاء، ولم يُمنَّح لي بعد حضوره الخاص، لكنني أرى فقط خدامه يصعدون وينزلون عليَّ، بسبب هذا أسكب عريضتي لك أيها الآب - أب خطيبي - وأتوسل إليك لكي تتعطف أخيراً على حبي، وترسله لي، حتى لا يعود بعد يكلمني فقط من خلال خدامه الملائكة والأنبياء، بل يأتي هو ذاته ويكلمني مباشرة، ويقبلني بقبلات فمه، أي يصبَّ كلمات فمه في فمي، حتى ما أستمع إليه شخصياً وأراه وهو يُعلّم".
إن القبلات هي قبلات المسيح، التي منحها لكنيسته عند مجيئه وإتخاذه جسداً، وتكلم معها في شخصه الخاص بكلمات الإيمان والمحبة والسلام، بحسب وعد إشعيا الذي سبق وقال عندما أرسل للعروس قديماً: لا رسول، ولا ملاك، بل الرب نفسه هو يخلصنا (إش 33: 22).
كنقطة ثالثة في شرحنا، لنتكلم عن النفس البشرية، التي رغبتها الوحيدة هي في الإتحاد مع كلمة الله، وأن تكون في ألفة معه، وأن تدخل إلى عمق أسرار حكمته ومعرفته، كما إلى غُرَف عريسها السماوي، تلك النفس التي إستلمت قبلاً هداياه أي مهر خطبتها. إذ كما أن مهر الكنيسة كان هو أسفار الناموس والأنبياء، لنعتبر كذلك أن الناموس الطبيعي والعقل والإرادة الحرَّة هم هدايا خطبة النفس البشرية. وليكن التعليم الذي يأتي عليها من سادتها ومعلميها - والذي يتبع تلك الهبات الطبيعية - من أجل تهذيبها الأولي. لكن لكونها لا تجد في هذا الشبع الكامل والأمثل لإشتياقها وحبها، نراها تصلي لكي يستنير عقلها النقي والعذري بإضاءات وزيارات كلمة الله ذاته. إذ عندما يكون عقلها ممتلئ بالفهم والإدراك الإلهي، بدون وساطة الخدمة الملائكية أو البشرية، يمكنها الإعتقاد بأنها تتلقى قبلات كلمة الله ذاته.
لهذا السبب إذن، ومن أجل تلك القبلات، تقول النفس في صلاتها لله: "ليقبلني بقبلات فمه". إذ طالما أن النفس غير قادرة على تلقي التعليم القوي والنقي من كلمة الله ذاته، تتلقى للضرورة قبلات - أي تفسيرات - من فم المعلمين. لكن عندما تبدأ في تمييز وإدراك ما كان غامضاً، وأن تحل ما كان متشابكاً، وأن تفتح ما كان مُغلفاً، وأن تفسر الأمثال والألغاز وأقوال الحكماء على طول الخط بتفكيرها المختبر، لتعتقد آنذاك أنها تتلقى الآن قبلات العريس ذاته - أي كلمة الله.
علاوة على ذلك، تستخدم صيغة الجمع "قبلات"، لكي نفهم أن الإشراق الذي نحصل عليه لكل معنى غامض هو بمثابة قبلة مقدمة من كلمة الله، ممنوحة للنفس الكاملة. ربما بالإشارة إلى هذا، نجد أن النفس النبوية والكاملة مُعلنة هكذا: "فتحت فمي وأجتذبت لي روحاً" (مز 119: 131).
ولنفهم أن "فم" العريس يشير إلى القوة التي بها ينير العقل، فيُبسِّط لها ويكشف - كما ببعض كلمات الحب المقدمة إليها - كل ما هو مجهول ومظلم لديها، وذلك إذا كانت تستحق أن تختبر حضور قوته العظيمة. هذه هي القبلة الأصدق والأوثق والأقدس التي يمنحها العريس كلمة الله للعروس - أي للنفس النقية الكاملة. إن القبلة التي نعطيها بعضنا لبعض في الكنيسة في الأسرار المقدسة ما هي إلا رمزاً لهذه القبلة الأقدس.
لذا، عندما تكون هناك مسألة ما تخص التعاليم الإلهية ونجد المعاني تتكشف في قلوبنا بدون مساعدة المعلمين، يمكننا الإعتقاد آنذاك بأننا نتلقى القبلات من قبل العريس كلمة الله. لكن عندما نطلب معنى من هذا القبيل ولا نستطيع إيجاده، دعونا نجعل مثل هذه الصلاة صلاتنا الخاصة، ونتوسل من الله زيارة من زيارات "كلمته"، قائلين: "ليقبلني بقبلات فمه". إذ أن الآب يعرف مقدرة كل فرد، ويعرف الوقت المناسب للنفس لكي تتقبل قبلات الكلمة، بإضاءات وإلهامات من هذا النوع.
|