من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني . لأنَّ من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلك نفسه من أجلييخلصها ) " لو 9: 23-24
عيد الصليب من الأعياد المهمة في الكنيسة والتي تحتفل به يوم 14 أيلول من كل عام بمهرجان خاص يسمى ( شيرا دصليوا ) تشعل النيران على الكنائس والبيوت وفوق المرتفعات أبتهاجاً بهذه الذكرى وتقام صلوات وطقوس خاصة ومسيرات بهذا العيد . صليب المسيح هو فخرنا وعلامة أنتصارنا لأن الرب به تحدى الأعداء والموت فغلب بصموده وقيامته . وهكذا تحول الصليب الذي كان رمزاً للعنة الى رمزاً للأنتصار . في القديم كان يحسب كل من يعلق عليه ملعوناً ، لكن بعد قيامة الرب تحول الى رمز القوة والغلبة والى راية ترفع على معابدنا وصدورنا وفي منازلنا ، لا وبل صار جزء من صميم حياتنا . ليصبح ليس مجرد قصة تاريخية ، ولا مجرد عقيدة في علم اللاهوت بل وسيلة للخلاص . تحمّل الرب ثقل الصليب بصبر فعلينا نحن أيضاً أن نتحمله في هذه الأيام القاسية التي يمر بها بلدنا وبه تتحدى كنيسة الرب في الموصل وضواحيها مكائد الأبالسة ، فنجح جميع المؤمنين في حمل الصليب . أجل نجح كل المؤمنين المطرودين من ديارهم بحمل الصليب ولم يشأ أحداً منهم أن يساوم رب المجد الذي صلب من أجله بالممتلكات ، بل تركوا كل شىء لأجل أسم المسيح البار ، وكانت كل الرؤوس مرتفعة ومستعدة لحمل الصليب من أجل أن يبقى أسم المخلص عالياً فتباهى بهم كل المسيحيين في العالم ، وأفتخر بهم رب المجد لأنهم تحدوا المصائب وأنتصروا على تهديدات داعش فحملوا صلبانهم وأتجهوا نحو المجهول دون خوف أو تردد .
ما أبهى صورة مسيحيي نينوى المنتصرين أنها صورة المسيح الجبار المصلوب الذي نجح بحمل الصليب في طريق الجلجثة الطويل وعلى قمتها أختار الصليب لكي يكون مذبحاً له فوصفه الأديب اللبناني جبران خليل جبران في كتابه العواصف هذا الوصف الرائع ، فقال : :
وأنت أيها الجبار المصلوب الناظر من أعالي الجلجثة الى مواكب الأجيال ، السامع ضجيج الأمم ، الفاهم أحلام الأبدية . أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابة من ألف ملك على ألف عرش في ألف مملكةٍ . بل أنت بين النزع والموت أشد هولاً من ألف قائد في ألف جيشٍ في ألف معركةٍ ...
هكذا أقتدى الشعب المؤمن اليوم في أرض الرافدين بسيدهم فتركوا كل شىء وتحدوا الموت لأن محبتهم لعقيدتهم كانت قوية كالموت فخرجوا من بيوتهم متحدين الأبليس وحاملين ثقل الصليب متممين قول الرسول ( فلتخرج اذن الى خارج المحلة ، قاصدين المسيح ونحن على أستعداد لتحمل العار معه ! فليس لنا هنا مدينة باقية ، وأنما نسعى الى المدينة الآتية ) " عب 13: 13-14" . أما الأنسان الذي يفضل محبة ثروة بيته على محبة المسيح فتحقر تلك المحبة أحتقاراً وتصبح له شهادة للموت الأبدي كما حصل ليهودا الأسخريوطي الذي أحب المال أكثر من مخلصه .
هكذا أدركوا مسيحيي الموصل وضواحيها كالقديسيين ما هو العرض والطول والعمق والعلو لمحبة المسيح الفائقة المعرفة ( أفس 17:3) وهكذا رفعوا اليوم هامة المسيح وأسم كنيسته وصليبه عالياً .
لا توجد محبة بدون البذل ، وهذا البذل لأجل الله نسميه الصليب . وكل أبنائنا الذين عاشوا على أرض ما بين النهرين عاشوا تحت ثقل الصليب والكثيرين منهم نالوا اكليل الشهادة وكانت صلبانهم أكثر ثقلاً من صلبان اليوم ، لهذا علينا أن لا نفكر بالهزيمة من أرض الوطن بل أن نصمد للوطن من أجل أتمام رسالة الآباء وتنوير العائشين في ظلمة معتقدات أخرى هكذا نعزز رسالة المسيح في أرض الآباء ونتحدى سبل الشيطان . فعلى كل مؤمن أن يصلب الجسد من الأهواء ( غل 24:5) فيتحمل الصليب بضبط النفس وقهر الرغبات وتحدي الأزمات من أجل محبة الرب ورسالته . والصليب هو دليل محبة الرب لنا ودليل محبتنا له . لذلك لا يليق بالمؤمن هذه الأيام أن يتذمر في حمل الصليب ، بل يفرح به لأنه سائر في طريق الملكوت الذي رسمه الرب لمؤمنين وسيكافىء الحاملين . لهذا قال القديس بولس ( لذلك أسر بالضيقات ) فبولس لم يكن يفرح بالصليب فقط بل كان أيضاً يفتخر به .
أما الأخوة اللذين يشجعون هجرة رسل المسيح من الوطن فهم أعداء رسالة الرب . لأن المسيح لا يريدنا أن نعيش معاً في بلدان الرفاه ، بل أن ننتشر في بلدان العالم كله حاملين صليبه ورسالته مبشرين بكلمته كخراف بين الذئاب الخاطفة . فالويل لمن يسعى الى تفريغ البلاد من المؤمنين ، والويل لمن يرفض الصليب ويبحث عن سعادة هذا الزمان . أخيراً نطلب من الرب المصلوب بعد هذا العيد أن ينشر شعاء نور صليبه لينور به العقول ويفتح عيون العميان ليروا نوره ويؤمنوا به ، وأن يزرع السلام لعودة هؤلاء الى ديارهم منتصرين وترفع على كنائسهم الصلبان التي أزالتها أيادي الشر فيعود النور الى تلك الأديار ( أنتم نور العالم ) . ولربنا المصلوب المنتصر المجد دائماً .
وردا أسحاق عيسى