رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإيمان الصحيح بربنا يسوع المسيح «فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن اللّـه الحي» (مت 16: 16) قال المهاتما غاندي المفكّر الهندي الشهير لمبشرين غربيين: «أريد مسيحكم لا مسيحيتكم» وطُلب إليه مرة ليلقي خطاباً في جمهور من الناس من مختلف الأديان والمذاهب، ففتح الإنجيل المقدس وقرأ موعظة الرب يسوع على الجبل، وصرّح بأنه يقرأها باستمرار. إن المهاتما غاندي ومن شابهه من قادة الفكر والشعوب، والفلاسفة والعلماء، غير المسيحيين الذين تعرّفوا على الرب يسوع عبر الأجيال، من خلال تعاليمه الإلهية الأدبية، وسيرته الطاهرة النقية، رأوا فيه نبياً عظيماً، ومصلحاً اجتماعياً كبيراً، ليس إلاّ، وبتبني هذه الآراء تورّط بعض المبتدعين المعاصرين والقدامى فحوّلوا بشارة الخلاص إلى إنجيل اجتماعي وانحطوا إلى درك الهرطقة، وضلوا طريق الحق، وتستّروا تحت الاسم المسيحي في نشر بدعهم الشنيعة، ومسيحيتهم زائفة والمسيح براء منهم وهم المعنيون بقوله: «كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم (يوم الدين) يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرّح لهم إني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم»(مت7: 22و23) ويحذرنا الرب يسوع أيضاً من الضالين والمضلين قائلاً: «احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم»(مت7: 15و16). أما الرسول بولس ففي هذا الصدد يكتب إلى أهل الإيمان في غلاطية قائلاً: «غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح، ولكن إن بشّرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشّرناكم، فليكن أناثيما، كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضاً إن كان أحد يبشّركم في غير ما قبلتم فليكن أناثيما»(غلا1: 7 ـ 9). أجل لقد سما الرب يسوع بالإنسان إلى المُثل العليا، فأعطى الطوبى للمساكين بالروح ولأنقياء القلب، والودعاء وغيرهم من الأتقياء، وأبغض الخطية ودانها، ولكنه أحب الخاطئ ودعاه إلى التوبة، فلم يكتفِ بإدانة خطية الزنى مثلاً بل دان النظرة الشهوانية الشنيعة التي هي أصل هذه الخطية وبدؤها بقوله: «قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم»(مت5: 27 ـ 29) ووضع الرب يسوع القاعدة الذهبية في كيفية معاملة الإنسان أخاه الإنسان بقوله: «فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم بهم. لأنه هذا هو الناموس والأنبياء»(مت7: 12). وكانت حياة الرب يسوع على الأرض وفقاً لتعاليمه المقدسة، ولم يرَ العالم شخصاً تاريخياً أو حتى خيالياً تمثّلت فيه صفات الرب يسوع المسيح العجيبة وأخلاقه السامية ولن يرى. وقد أقام له المجد، من ذاته مثالاً صالحاً للبشر بسيرته الطاهرة وسريرته النقية مبرهناً بذلك على إمكانية تطبيق وصاياه الإلهية وتعاليمه السماوية التي تؤدي بحافظها إلى الكمال الإنجيلي، فليس ناموس الرب يسوع خيالياً لا يمكن العمل به، ولا هو عبء ثقيل يستحيل حمله، فنير الرب هيّن وحمله خفيف والرب يسوع يدعونا للاقتداء به قائلاً: «تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هيّن، وحملي خفيف» (مت11: 28 ـ 30). أجل إنه لأمر خطير جداً، وبعيد عن روح الإنجيل المقدس، أن نعتقد أن الرب يسوع مساو لموسى وإيليا وسائر الأنبياء، فهو ليس مجرد إنسان بار ونبي عظيم، بل هو معصوم من الخطأ حتى أنه تحدّى مرة أعداءه وأعلن أمامهم وأمام أتباعه قائلاً: «من منكم يبكّتني على خطية»(يو8: 46) وإن عصمة المسيح من الخطية تدل دلالة واضحة على أنه أسمى من إنسان وقد قال له المجد مرة: «ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله»(مت19: 17)، والرسول بولس يكشف النقاب عن ألوهته بقوله: «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، اللّه ظهر في الجسد، تبرّر في الروح، تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، أُومِن به في العالم، رُفع في المجد»(1تي3: 16)، وآية الرسول بولس هذه هي خلاصة عقيدة التجسّد الإلهي. ويوضّح لنا الرسول يوحنا الغاية القصوى من كتابة الإنجيل المقدس بقوله: «وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن اللّه ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه»(يو20: 31). وقد وجّه الرب يسوع أنظار أتباعه بكل وضوح للتأمّل بشخصه الإلهي، فهو ابن اللّـه الوحيد، وقد جاء من السماء لخلاص البشرية قائلاً: «لأنه هكذا أحبّ اللّه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية»(يو3: 16) كما أعلن الرب للملأ أنه هو نور العالم (يو8: 12 و9: 5) وأنه «الطريق والحق والحياة»(يو14: 6) وأنه «القيامة والحياة»(يو11: 25) «ومن آمن به ولو مات فسيحيا»(يو11: 25). وفي ضواحي قيصرية فيلبس لم يسأل يسوع تلاميذه عن رأيهم في تعاليمه السامية، ولا عن رأيهم في معجزاته الباهرات، ولكنه سألهم عمّا يقوله الناس عنه، ثم عمّا يقولون هم عن شخصه الإلهي قائلاً: «من تقول الناس عني أني أنا ابن الإنسان، فقالوا: قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء. فقال لهم: وأنتم من تقولون إني أنا. فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن اللّـه الحي، فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يُونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت 16: 13 ـ 18) وقد أعطى الطوبى لسمعان بطرس لأن لحماً ودماً لم يعلنا له تلك الحقيقة الإلهية، والعقيدة الإيمانية السمحة بل السماء التي شهدت ليسوع على أثر عماده من يوحنا، إذ انشقّت السموات وهبط الروح القدس على هامة يسوع مثل حمامة ليميّزه عن الجمهور، وجاء صوت الآب من السموات قائلاً: «أنت ابني الحبيب الذي به سررت»(مت3: 17 ومر 1: 11 ولو3: 22). كما أعلن الآب السماوي شهادته عن ابنه ثانية يوم تجلّي الرب يسوع على الجبل أمام ثلاثة من تلاميذه وظهر معه موسى وإيليا قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا»(مت17: 5). فالمسيح يسوع ربنا أسس دينه المبين على العقيدة السمحة القائلة إنّه ابن اللّـه الوحيد. فقد جاء إلى العالم ليملأ قلوب الناس وأفكارهم بشخصه الإلهي فكل شخص لا يؤمن بأن يسوع المسيح هو ابن اللّـه الحي يعدّ غريباً عن المسيح، وكذلك فإن كل مؤسسة تدّعي بأنها في عداد كنائس المسيح ولا تؤمن بأن يسوع المسيح هو«اللّه ظهر في الجسد»(1تي3: 16) على حد تعبير الرسول بولس، وهو مساو للآب في الجوهر، على حد تعبير قانون الإيمان النيقاوي، فتلك المؤسسة لا تمتّ إلى المسيح بصلة. والمسيح أزلي أبدي وقد صرّح بذلك بقوله: «قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن»(يو8: 58) وكلمة أنا كائن هي ذات الكلمة (اهيه) التي أطلقها اللّه تعالى على ذاته قائلاً لموسى: «هكذا تقول لبني اسرائيل أهْيهْ أرسلني إليكم»(خر3: 14). كما أن الرب يسوع صرّح بمساواته للّه الآب بقوله: «من رآني فقد رأى الآب»(يو14: 9) «كل ما للآب هولي»(يو16: 15) «ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي»(يو14: 6). وقال أيضاً: «وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حقّ لأني أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب»(يو8: 14) ولما نهج سرّ المعمودية المقدس وجعله باباً للدخول إلى حظيرته أي كنيسته المقدسة أظهر مساواته للآب والروح القدس، وبيّن عقيدة الثالوث الأقدس الإله الواحد بقوله لتلاميذه: «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس»(مت 28: 19). حقاً إن الإيمان الصحيح بربنا يسوع المسيح لخّصه مجمع نيقية المسكوني الأول (325م) في قانون الإيمان الذي وضعه مستنداً بذلك على قوانين الإيمان المختصرة الموضوعة من الرسل الأطهار وتلاميذهم الآباء القديسين، والتي كان يتلوها كل من يتقدّم لنيل سر المعمودية المقدس في بدء طقس هذا السر وقانون الإيمان النيقاوي هذا يتلوه المؤمنون صباح مساء وفي كل مرة يرفعون فيها الصلاة للّه وبه يعلنون إيمانهم بالرب يسوع المسيح المولود من الآب قبل كل الدهور، فهو ابن اللّـه الوحيد وقد وُلد بالجسد من الروح القدس ومن العذراء مريم، وخلّص العالم بآلامه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء، وسيأتي في اليوم الأخير ليدين الأحياء والأموات ذلك الذي ليس لملكه انقضاء. أجل إن التبشير بسيرة الرب يسوع الصالحة ومُثله الأدبية السامية دون إعلان حقيقة الإيمان بألوهته وبنوته الأزلية للآب السماوي هو انتقاص من قدره، وابتعاد عن ينابيع تعاليمه الإلهية وأوامره السماوية، بل نكرانه وهو القائل: «وأقول لكم كل من اعترف بي قدام الناس يعترف به ابن الإنسان قدّام ملائكة الله، ومن أنكرني قدام الناس يُنكَرُ قدام ملائكة اللّه»(لو12: 8 و9). فنحن في حال مواجهة مع ضمائرنا، وقلوبنا، وأفكارنا، فعلينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً مهمّاً جداً يقرر الجواب عليه مصيرنا الأبدي، فهل نحن نؤمن إيماناً صحيحاً بالمسيح يسوع ابن اللّـه الوحيد؟ وهل نقبله مخلّصاً لنا وللعالم؟ لقد شكّ الرسول توما مرة بقيامة الرب يسوع من بين الأموات، ولكنه لازم إخوته التلاميذ فتحنن عليه الرب يسوع وظهر له في اليوم الثامن من قيامته، وخاطبه بحنان وعاتبه عتاباً لطيفاً، فسجد توما أمامه «وقال له: ربّي وإلهي، قال له يسوع: لأنك رأيتني يا توما آمنت، طوبى للذين آمنوا ولم يروا»(يو20: 28 و29). أيها الأحباء: نحن لم نرَ الرب يسوع بعيوننا المجردة، ولكننا نراه بعيون الإيمان ونؤمن به بأنه ابن اللّه الوحيد ومخلّص العالم، كما علّمنا له المجد بإنجيله المقدّس، وكما تسلّمنا من الرسل الأطهار والآباء الأبرار. فلنسأله ليزيد إيماننا ويؤهّلنا كي نقرن الإيمان بالأعمال الصالحة فإن يعقوب الرسول يقول: «هكذا الإيمان أيضا إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته، لكن يقول قائل أنت لك إيمان وأنا لي أعمال، أرني إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني، أنت تؤمن أن اللّـه واحد حسنا تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون ولكن هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل إن الإيمان بدون أعمال ميت»(يع2: 17 ـ 20). ألم تعترف الشياطين به قائلةً: «ما لنا ولك يا يسوع ابن اللّـه أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذّبنا»(مت8: 29 ). أي قبل يوم الدينونة،???؟ ولكنه كان ينتهرها ويأمرها لتخرج من الناس. لننتهز أيها الأحباء فرصة قدوم الصوم الأربعيني المقدس فنجدّد عهدنا مع الرب يسوع ابن اللّـه الوحيد، ونحمل صليبه المقدس ونتبعه، كما فعل آباؤنا الذين ولدونا بالجسد، والذين ولدونا بالروح وقد كانوا جميعاً أبراراً عاملين بوصايا الرب ومتمسكين بفرائضه من صوم وصلاة وتوزيع الصدقات، وأن نبتعد عن الضالين والمضلّين المعاصرين الذين انحرفوا عن جادة الحق، وجددوا البدع والهرطقات القديمة التي حرمتها الكنيسة المقدسة منذ فجر وجودها، وعبر الدهور والأجيال، وأن نطلب إلى اللّـه ليزيدنا إيماناً، ويرسل إلينا روحه القدوس الذي قال الرب يسوع عنه: «وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم»(يو14: 26) ويقول الرسول بولس: «لذلك أعرفكم أن ليس أحد وهو يتكلّم بروح اللّـه يقول يسوع أناثيما. وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاّ بالروح القدس»(1كو 12: 3). وأخيراً علينا أن نقرن إيماننا الصحيح بربنا يسوع المسيح بقداسة السيرة لتكون مسيحيتنا نقيّة وحقيقية، غير مزيّفة، بل مرضية عنها لدى مسيحنا الذي أوصانا قائلاً: «فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات»(مت 5: 16) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|