" لا تكونوا في همّ أبداً، بل ارفعوا حاجاتكم إلى الله كلّما صلّيتم وابتهلتم وحمدتم" (غل 4/6). بمعنى آخر، عبّروا عما يجيش في داخلكم من مشاعر حتّى وإن كان الله يعلم ما أنتم بحاجة إليه. قولوا له ما تريدونه. إنّكم لن تخبروه أمراً جديداً، ولكنّكم بكلامكم هكذا تقرّون بأنّه مصدر كلّ خير. وما هي خلاصة ما نطلبه؟ أن نعيش، أن نعيش في حال أفضل، أن نعيش ملء الحياة. ونحن نسأل المحبّة نفسها أن تهبنا ذلك، متخلّين أمام الآب عن كلّ ما فينا من غضب وعنف وطموح وطمع وحتّى عن كلّ ما لدينا من احتياج. علينا أن نكون عراة أمام الآب. وكلّ موقف يخالف ذلك هو رياء.
ويستجيب الآب لطلباتنا فيمنحنا الروح القدس. إنّه لن يتدخّل بطريقة معجزيّة ليحرّك المقود كي نتفادى حادث سيارة. وسيستمرّ المستبّد في استبداده، ولن تختفي المجاعة ولن يزول الظلم. إلاّ أنّ المصلّي ينال روحاً بحسب احتياجه. روح يجعلنا قادرين على التعامل مع حياة طويلة أو قصيرة، صحّة أو مرض، نجاح أو إخفاق ... فعمل الروح لا يقتصر على تدبير الأمر، بل استعمال الأوضاع الكارثيّة التّي نجد أنفسنا فيها كي نعيش انطلاقاً منها محبّة أعظم، انطلاقاً من وضعنا وحالنا، بما فينا من قوّة وضعف. فالروح يُعطى لنا كي نبني أنفسنا أكثر فأكثر لنكون على صورة الله ومثاله.
فلننظر إلى المسيح القائم من بين الأموات. فقد استعمل كلّ شرّ الإنسان ووحشيّته وكبرياءه ونزواته وعماه ... ليحعل المحبّة التي تحرّرنا برّاقة. إنّه محرّرنا. حتىّ الموت أزاحه فبرزت الحياة. لم يتدخّل الآب ليوقف كارثة الصليب. بل نُبِذَ هو بأبوّته. لكنّ المحبّة أقوى من الموت، والعناية الإلهية قيامة