العذراء في عرس قانا الجليل
كانت احتفالات الزواج في ذلك الوقت تتمّ على مدى أسبوع كامل، وكانت المآدب تُقدَّم لضيوف كثيرين، وكانوا يقضون الأسبوع في احتفال بالحياة الجديدة للزوجين؟ وكانت المدينة كلّها تقريباً تُدعى لحضور الاحتفالات، فقد كان رفض الدعوة إلى حفل الزواج يُعتبرُ إهانة، وكانت ضيافة عدد كبير من الناس تحتاج إلى تخطيط دقيق. وكان نفاذ الخمر ورطة كبرى كما أنه خرق لأصول الضيافة المتوارثة وغير المكتوبة. وهنا نرى يسوع يستجيب للحاجة. كان يسوع في مهمّة كبرى، وهي خلاص العالم بأجمعه. ولكنه قضى بعض الوقت في حضور العرس، واشترك في احتفالاته. وقد نسقط في تجربة الظنّ بأنه ينبغي علينا ألاّ نستقطِعَ من وقت عملنا "المهمّ" جزءاً من أجل المناسبات الاجتماعيّة. ولكن لعلّ هذه المناسبات جزء من إرساليّتنا. فكان العرس واجتماع جميع الناس في قانا، هو المكان الأفضل ليُظهر يسوع أولى آياته فللوقتِ آمنَ كثيرون.
لعلّ العذراء لم تكن تطلب من المسيح معجزة، بل أن يُساعد الآخرين في هذه المصيبة الكبرى بالبحثِ عن بعض الخمر. يقول التقليد أن يوسف النجّار، كان في ذلك الوقت قد مات. ومن ثمّ فإن العذراء قد اعتادت أن تلجأ إلى ابنها في الأمور الصعبة. فقد كانت تعلم أنه ليس فقط مجرّد إنسان، بل هو ابن الله، وهو بالتأكيد له أسلوب خاص في حلّ الأمور. وبالرغم من أن مريم لم تدرك ما سيفعله يسوع، إلاّ أنها وثقتْ بأنه سيعمل الصواب. إن من يؤمن بيسوع، وإن وجدَ نفسه في بعض المواقف لا يفهمه، عليه أن يواصل الثقة في أنّه يعمل بأفضل الطرق. نلاحظ من هذا المقطع الإنجيلي أن يسوع هو المحور. ونرى ذلك في، قالت أمّ يسوع، أمّهُ، تلاميذه، اخوته، أي أن العذراء لم تسمّى قط في هذا المقطع مريم، بل أم يسوع. فلا أحد يُعرَّف إلاّ بهويّة السيد المسيح. وهنا نجد تواضع مريم والرسل.
الخمرة القديمة هي العهد القديم، والخمرة الجديدة هي العهد الجديد. لذا عرف العهد القديم أنّه ناقص وغير كامل وأنه بحاجة إلى من يكمّله، وهذا الكمال يكون بيسوع المسيح. يظهر النقص في عدد الأجران: عددها 6 (7-1=6) فالعدد 6 يدلّ على النقص وعدم الكمال.
في اليوم الثالث :
هذا اليوم يذكّرنا بسر القيامة الذي حدث بعد ثلاثة أيّام من موت المسيح. الكنيسة لا تولد إلاّ من سرّ الفصح. المعجزة هنا ليست فقط تحويل الماء إلى خمر، ولكن عندما أظهر المسيح مجده للمرّة الأولى، وآمن به تلاميذه والحاضرين معه. بمريم العذراء، أصبح العيد والعرس ممكناً بين الله (العريس) والبشريّة (العروس). فهي التي قادت الخدم (إسرائيل) إلى اتباع كلام المسيح والخضوع والطاعة لأوامره.
تساءل أحد آباء الكنيسة :
"هل شرب الجمع الخمرة الجديدة كلّها؟"، أجاب: "لا، فنحن ما زلنا نشرب منها إلى اليوم". بالمسيح والعذراء، أصبح العرس أبديّاً حيث لا ينقصه شيء. أصبح عرساً وعهداً وفرحاً أبديّاً. (الملكوت، السماء حيث العرس والفرح الأبدي والاحتفال بالذبيحة الافخارستيّا)