رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب الكنائس السبعة في سفر الرؤيا - أ. بولين تودري مقدمة هذه الرسائل السبعة وإن كانت موجهة إلى أساقفة الكنائس السبع بصفة خاصة، إلا إنها تُعتبر رسائل إلى خُدًام الله في كُل مكان وزمان، وإلى المؤمنين جميعًا بصفة عامة، كمرايا يَرى فيها كُل مؤمن انعكاس صورته ويمتحن نفسه ليرى أيًا منها ينطبق عليه، وما هي النقائص التي لديه والتحذيرات الموجهة له والمواعيد التي يحصل عليها عند غلبته. فيليق بنا أن نقرأها بتمعن ونحسبها رسائل الروح القدس الموجهة خصيصًا إلينا، كرسائل محبة وتوبيخ قبل فوات الأوان. "أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ. وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا:
(سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 11) |
21 - 07 - 2014, 03:52 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الكنائس السبعة في سفر الرؤيا - أ. بولين تودري
كنيسة أفسس "اُكتُب إلى ملاك كنيسة أفسس. هذا ما يقوله الممسك الكواكب في يمينه الماشي في وسط السبع المناير الذهبية. أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك وأنك لا تقدر أن تحتمل الأشرار وقد جرًبت القائلين أنهم رسل وليسوا رسلًا فوجدتهم كاذبين. وقد احتملت ولك صبر وتعبت من أجل اسمي ولم تكل. لكن عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى. فأذكر من أين سقطت وتب وأعمل الأعمال الأولى وإلا فإني أتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها إن لم تتب. ولكن عندك هذا أنك تبغض أعمال النقولاويين التي أبغضها أنا أيضًا. من له إذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس. من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله" (رؤ2: 1- 7). أهمية مدينة أفسس:أفسس قديمًا هي المركز الرئيسي لقيادة آسيا كلها، ومنها تخرج القيادة لآسيا كلها، فهي عاصمة مقاطعة آسيا التي هي الجزء الغربي من آسيا الصغرى فنستطيع أن نقول أن آسيا تعنى أفسس. لذلك كان من المناسب واللائق أن يبدأ بها رسائله المُمسك السبعة كواكب، بالذات لان كنيسة أفسس تتوسط الكنائس السبع. وتقع أفسس على طريق سفر يسلكه العالم كله، وبسبب ذلك مسافرين مسيحيين كثيرين كانوا يزورونها. البعض منهم كانوا يقصدونها هي بالذات، والبعض الآخر يعبرون عليها في طريقهم إلى مكان آخر. خاصة الذين يُسافرون من والي روما، معظمهم يعبرون على أفسس، حيث أطلق عليها "طريق الشهداء"، كما سماها القديس أغناطيوس بعد ذلك بسنين قليله، لأنها كانت في طريق هؤلاء الذين يعبرون منها إلى روما ليتسلوا أو يلهوا بهؤلاء الذين يأتون بهم من عامة الشعب للاستشهاد والموت. فطريق شهداء الشرق في العادة يكون عن طريق البر إلى أفسس ثم يرحلون عن طريق البحر إلى روما. ضمن هؤلاء المسافرين الذين يعبرون الطرق مارين بأفسس، كثير منهم ادعوا أنهم مُعلمين، ولكن كنيسة أفسس كانت تختبر الكل، وإذا تحققت من أن بعضهم كاذبين كانت تطردهم بلا تردد. كنيسة أفسس: بولس الرسول هو مؤسس كنيسة أفسس في رحلته التبشيرية الأولى، وحينما تركها بولس طلب من تلميذه تيموثاؤس أن يمكث فيها، وقد أرسل إليه رسالته الأولى وأوصاه كي يوصى قومًا ألا يُعلموا تعليمًا آخر ولا يصغوا إلى خرافات، والذين يُخطئون وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف (1تى1: 3، 4، 5: 20). وكان تيموثاؤس ممثلًا شخصيًا للرسول بولس، كما كان تيطس في كريت. وفي رحلة بولس التبشيرية الثالثة كان تيموثاؤس معه في كرازته في أفسس التي طالت ثلاثة سنوات (اع 19: 1، 8، 10، 20:17، 18، 31). لذلك رأى كثيرين من المفسرين أن ملاك هذه الكنيسة هو تيموثاؤس تلميذ بولس الرسول، والذي صار أسقفًا عليها سنة 57 م. بوضع يد بولس عليه (2تى 1:6). ولكن غير معروف مدة رئاسته، بلذات لأنه كان مريضًا بمعدته وأسقامه الكثيرة (1 تى 5: 23). ولأن الرؤيا بخصوص كنيسة أفسس قد كُتبت سنة 97 م. فلا يمكننا أن نُجزم بأن ما حدث من تهاون من الكنيسة، كان في عهد تيموثاوس أم بعده. حول مضمون الرسالة: 1 - ظهر أُناس في العصر الرسولي ادعوا أنهم رأوا رؤى مثل بولس وكُلفوا من قبل السيد المسيح بنشر دعوة الإيمان. وفى الوقت ذاته دعوا إلى آراء ردية والعودة إلى الأوضاع اليهودية كالتمسك بالختان وحفظ السبت والأهلة والأعياد الأمر الذي قاومه الرسل في رسائلهم وأشاروا إليه انه ليس من الله وإن هؤلاء رسل كذبة، فعلة ماكرون يُغيٍرون شكلهم إلى شبه رُسل المسيح (2كو 11:13)، وأنهم عن تحزب يُنادون بالمسيح لا عن إخلاص (فى 1: 6). وكنيسة أفسس من ضمن الكنائس التي عانت من هؤلاء الرسل الكذبة. ولكن ملاك هذه الكنيسة كشف خداعهم ورفع الستار عن أضاليلهم، واحتمل مقاومتهم بصبر وواصل رسالته دون ملل أو كسل. والقديس أغناطيوس في القرن الثاني كتب خطابا وجهَه إلى كنيسة أفسس سجًل فيها إعجابه بعُمقها وإخلاصها، حيث انه كان له شرف التعامل مع مبعوثين من كنيسة أفسس، وأرسل معهم هذه الرسالة التي تحمل معنى فرحهِ إذ استحق أن يُقابلهم، وقد أظهر أغناطيوس في رسالته أسباب إعجابه بهم، وهي نفس الأسباب التي قالها عنهم يوحنا الإنجيلي في رؤياه. إذ قال: [يجب علىً أن أكون متدربًا على نضالك من اجل الإيمان، واحتمالك، ومعاناتك الطويلة المُلفتة للنظر. لأنك عشت حياتك كلها طبقا للإيمان الحقيقي، ولم تَدخل أي بدعة أو هرطقة إليك، فقد راعيت أن لا تستمع إلى أي أحد يتكلم بما هو مخالف فيما يخص يسوع المسيح بالحقيقة. فأنت فعلا غير مُخادع. فقد علمت أن أشخاصا معينين عبروا إليك من سوريا وهم يرددون تعاليم شريرة، هؤلاء الذين عانيت منهم كي لا ينثروا بذارهم الشريرة عندك، وقد أغلقت آذانك عنهم.... فلذلك أنت كنت دائما بفكر واحد مع الرسل بقوة يسوع المسيح - القديس أغناطيوس]. وواضح من رسالة أغناطيوس أنه ذكر محاسن كنيسة أفسس فقط، ولم يذكر ضعفها الذي ذكره يوحنا في رؤياه. وهذا يعنى أن كنيسة أفسس كانت قوية في إيمانها حتى بداية القرن الثاني. وربما لم تصل رؤيا يوحنا إلى مسامع أغناطيوس بعد. 2 - خطأ كنيسة أفسس أنها لم تستمر بنفس روح القرون الأولى، وأصبحت باردة عن العصور السابقة، وفقدت غيرتها وحماستها الأولى. ونتيجة لهذا الضعف بقيت كنيسة أفسس بلا اسم، فقط رأس كنائس آسيا، وبقى أسقفها يحمل نفس الاعتبار والكرامة. وقد شهد بولس الرسول على ضعف كنيسة أفسس وهو في سجنهِ الأخير قبل استشهاده، حيث كتب لتيموثاوس يقول "جميع الذين في آسيا (ومنهم أفسس) قد ارتدوا عنى" (2تى 1: 15). أي ارتدوا عن تعاليمه. ولكنه بالرغم من هذا كتب رسالته الثانية لتيموثاوس لكي يؤكد له فيها ضرورة الجهاد بروح القوة لا اليأس، من أجل الحفاظ على الإيمان المستقيم، ومقاومة الهرطقات بحزم مع وداعة ومحبة، كما يُلهب فيه تلمذة الآخرين للمساندة في الخدمة. وكتب يشجع الكنيسة على احتمال الألم بغير تذمر أو شك. كما يُكرر عبارة "لا تخجل"، لأن الضيق لا يُقيد كلمة الإنجيل بل يسند الكثيرين للعمل بلا خجل من صليب ربنا يسوع المسيح. ولقد قال القديس إيرونيموس في ذلك: [إننا جميعنا مُعرضون للسقوط ولا يكون السقوط علامة على إننا لم نكن يومًا قائمين أو مُعتمدين بالروح كما يدًعى البعض، كما أن السقوط لا يستدعى إعادة المعمودية بل أن نتوب ونعمل. وبدون التوبة تتزحزح من مكانها]. وقد يفتر المؤمن ويتراخى في محبته للمسيح:أ- عندما يتثقل بالتجارب، ويستغل عدو الخير الفرصة ليُشككه في محبة الله. وكان عليه بدلًا من الفتور والشك أن يُردٍد مع داود قائلا:"أنت هو ملكي يا بخلاص يعقوب. بك ننطح مضايقينا. باسمك ندوس القائمين علينا. لأني على قوسي لا أتكل وسيفي لا يخلصني. لأنك أنت خلصتنا من مضايقينا وأخزيت مبغضينا. بالله نفتخر اليوم كله واسمك نحمد إلى الدهر" (مز 44: 4-7). ب- عندما يُلبى نداء طبيعتهِ بطريقة خاطئة ويُهمل قمع الجسد واستعباده بالصوم والجهادات المختلفة من مطانيات ودموع وتوبة، وكان عليه أن يستمع إلى كلمات بولس الرسول وهو يقول: "ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون ولكن واحدا يأخذ الجعالة. هكذا أركضوا لكي تنالوا. وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلا يفنى أما نحن فإكليلا لا يفنى. إذاَ أنا أركض هكذا كأنه ليس عن غير يقين. هكذا أضارب كأني لا أضرب الهواء. بل أقمع جسدي وأستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا" (1 كو 9: 24-27). ج- عندما لا يُضرم نار محبة الله في قلبهِ بالصلوات والممارسات الروحية كالتناول ودراسة كلمة الله والتغذي بها. مثلما يقول بطرس الرسول:" إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح.... كونوا أنتم أيضا مبنيين كحجارة حية بيتا روحيا كهنوتا مقدسا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1 بط 2: 3- 5). 3- أما أعمال النيقولانيين التي أبغضتها كنيسة أفسس وأبغضها الرب أيضا، فقد قال عنهم القديس أيرونيموس: [هم أتباع نيقولا أحد الشمامسة السبعة "أع 6: 7"، وهؤلاء يسلكون في الملذات بلا ضابط، ويُعلٍمون بأمور مختلفة كإباحة الزنا وأكل المذبوح للأوثان]. ولكن القديس إكليمنضس الإسكندري والقديس أغسطينوس يبرآن نيقولا من البدعة وينسبانها لأتباعه. 4- "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله". وما هي شجرة الحياة هذه إلا التناول من جسد الرب ودمه باستمرار. لأن السيد المسيح قال: "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي وشرب دمى فله حياة أبدية وان أقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمى مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت في وأنا فيه..... فمن يأكلني فهو يحيا بي.... هذا هو الخبز النازل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا. من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد" (يو 6: 53 – 59). _____ الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت: (1)W. M. Ramsay, “The Letters to The Seven Churches of Asia”. (2)"القاموس الموجز للكتاب المقدس"، 1983م. |
||||
21 - 07 - 2014, 03:55 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الكنائس السبعة في سفر الرؤيا - أ. بولين تودري
كنيسة سميرنا "واكتب إلى ملاك كنيسة سميرنا (هذا يقوله الأول والآخر الذي كان ميتاً فعاش أنا أعرف أعمالك وضيقتك وفقرك مع أنك غنى وتجديف القائلين: إنهم يهود وليسوا يهوداً بل هم مجمع الشيطان. لا تخف البتة مما أنت عتيد أن تتألم به هوذا إبليس مُزمع أن يُلقى بعضاً منكم في السجن لكي تُجرًبوا، ويكون لكم ضيق عشرة أيام. كُن أميناً إلى الموت فسأُعطيك إكليل الحياة مَن له أُذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس مَن يغلب فلا يُؤذيه الموت الثاني)" (رؤ 2: 8: 11). سميرنا اسم يوناني معناه "مر"، وهى مدينة في غرب آسيا الصغرى على بُعد 40 ميل شمالي أفسس، وكان بها اجتماع للرب، وهى تتبع الإمبراطورية الرومانية، الآن في تركيا. جالية يونانية هي التي أوجدتها في العصور القديمة، ويُطلق عليهم اسم الأيونيين (وهم الأسلاف القُدامى لليونانيين)، ولكنها دُمرت تماماً وسُبى أهلها، في حوالي القرن السابع قبل الميلاد: وهذه المدينة العظيمة تحطمت حوالي 600 ق.م. بواسطة الملك ألياتس. ولكن في القرن الثالث قبل الميلاد وُجدت مرة أخرى كمدينة يونانية في آسيا، بواسطة ليسيمانوس. وصارت من أكثر المدن ازدهارًا في آسيا الصغرى. فقد كانت الميناء الطبيعي في الطريق القديم للتجارة. وتحت الإمبراطورية الرومانية، صارت سميرنا أكثر شهرة بسبب فخامة مبانيها الحكومية. تُسمى الآن"أزمير"، أكبر مدينة الآن في تركيا. وكأي مدينة تجارية دخلت في رخاء ورفاهية بعد فترة طويلة من الخفاء والغموض. سميرنا، كانت نَصيرة الإيمان المسيحي في روما، من قبل ما تصبح روما الأعظم في شرق البحر المتوسط. ففي الغالب وصل الإنجيل إلى سميرنا في وقت مُبكر، واحتمال وصلها من أفسس على يد بولس الرسول، كما يقول: "وكان ذلك لمدة سنتين. حتى سمع كلمة الرب يسوع جميع الساكنين في آسيا. من يهود ويونانيين" (أع 19: 10). وكنيستها تعرضت لمقاومة شديدة من اليهود، كما قيل في الرسالة إليهم: "أعرف أعمالك... وتجديف القائلين أنهم يهود. وليسوا يهوداً بل هم مجمع الشيطان" (رؤ 2: 9). فكان وصفهم للمسيح على أنه مات وقام، قد سبًب لهم هذه المقاومة الشرسة والحسد من اليهود. وما جاء في (رؤ 2: 10) "لا تخف البتة مما أنت عتيد أن تتألم به... كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة"، تدل على الصيت الحسن الذي كانت تتمتع به الكنيسة، وقد ضرب أسقفها القديس بوليكربوس أعظم مثال في الأمانة والشجاعة، حينما رفض أن يُنكر الإيمان، واستشهد هناك سنة 155- 156 م. الناطق بالرسالة إلى سميرنا عرف نفسه بأنه: "هذا يقوله الأول والآخر. الذي كان ميتاً فعاش". وهذا القول لم يُقال لأي كنيسة أخرى (حيث اختص الله كل كنيسة بتعريف نفسه بشىء يخصها، فجاء مختلفاً في كل كنيسة) وكان هذا القول لكنيسة سميرنا، لأن أسقفها كان مُزمعاً أن يتعرض للعذابات والاستشهاد، فقال له"هذا يقوله الأول والآخر. الذي كان ميتاً فعاش، أي تشبه به فترث الحياة، وأوصاه: "كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة". أي أنك ستموت ولكن في النهاية ستحيا وتُكلل بإكليل الحياة. وأيضاً، "الذي كان ميتاً فعاش"، ينطبق على مدينة سميرنا نفسها، التي كانت مدينة عظيمة، ودُمرت لمدة أربعة قرون، ثم قامت مرة أخرى مدينة عظيمة في آسيا. ويبدو أن كنيسة سميرنا كان لها تاريخ معروف من الاضطهاد، إذ يقول له: "أنا عارف أعمالك وضيقتك وفقرك. مع أنك غنى". فكاتب الرسالة (يوحنا الحبيب) كان يعرف أنها تعرضت لاضطهاد مستمر فترات طويلةإنها كانت كنيسة فقيرة من الثروة والغنى، ولكنها غنية بالتقدير والاحترام. هنا نجد التقابل بين الغنى والفقر، مثلما جاء التقابل في مطلع الرسالة بين الموت والحياة. مُعاناة كنيسة سميرنا جاءت من جماعة يهود يظنون أنهم هم أصحاب الإيمان السليم، وتقدموا بوشاية ضد المسيحيين عند الأباطرة الرومان، لذلك قيل عنهم: "وتجديف القائلين: انهم يهود وليسوا يهوداً. بل هم مجمع الشيطان". حيث كانت جماعة اليهود في سميرنا لهم نفوذ وسطوة، أكثر من يهود آسيا عموماً. ونقدر أن نعتبر أن كراهية اليهود الأصليين للمسيحيين كانت بسبب أن الكثير من الذين اعتنقوا المسيحية هناك (في سميرنا) كانوا من اليهود وليس من الوثنيين. وهناك محاولات أخرى من الاضطهاد تنتظر كنيسة سميرنا، لأنه قال: "هوذا الشيطان مُزمع أن يُلقى بعضاً منكم في السجن"، والسجن بالطبع مُقدمة لعذابات كثيرة. أما السجن لمدة عشرة أيام، فالعشرة أيام تعنى مدة محددة، أي أن الاضطهاد سوف ينتهي. معنى هذا أن مدينة سميرنا قائمة وستبقى وبالتالي كنيسة سميرنا ستبقى. القوة والحياة والازدهار هي علامات مدينة سميرنا وكنيستها أيضاً. إن الفقر والاضطهاد الذي تعرضت له كنيسة سميرنا إلى حين، هو الذي طهرًها. لذلك كاتب الرسالة لم يقل للكنيسة أرجو أن تكون مؤمناً، بل قال له كن أميناً كما كنت، "كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة". أما "إكليل الحياة"، الذي جاء كمكافأة لأمانة الكنيسة وأسقفها وشعبها، ربما اتُخذ للمقابلة بينه وبين "إكليل الغلبة" الذي كان يُعطى في المباريات في المدينة. أو ربما للمقابلة بينه وبين "إكليل سميرنا"، الذي كان يًعطى للمباني الجميلة المبنية بشكل عنقودي فوق قمة التلال. كل هذه الأكاليل كانت موجودة أمام أسقف ومؤمني كنيسة سميرنا، لذلك نبًههم الروح، أن الغالبين في الإيمان حتى الموت من أجله لهم إكليل آخر بعد اجتيازهم الموت من أجل المسيح اسمه، "إكليل الحياة"، الحياة المنتصرة إلى الأبد. كلمات هذه الرسالة تُعطينا معاني كثيرة: 1 – الله ينظر من السماء، ويُتابع أولاده، ويُعلن بذلك وجوده معهم، ويُشجعهم. "أنا أعرف أعمالك وضيقتك وفقرك مع أنك غنى. وتجديف القائلين: إنهم يهود وليسوا يهوداً، بل هم مجمع الشيطان. لا تخف البتة مما أنت عَتيد أن تتألم به. هوذا إبليس مُزمع أن يُلقى بعضاً منكم في السجن لكي تُجربوا، ويكون لكم ضيق عشرة أيام. كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤ 2: 9، 10). *هكذا يتعامل الرب مع أولاده الأمناء، بالذات في فترات ضعفهم ووحدتهم. هكذا فعل مع يعقوب وهو هارب من وجه أخيه عيسو، تاركاً حضن أمه ومباركة أبيه إلى أرض غريبة، فظهر له الرب، إذ رأى رؤيا جميلة:"فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران وصادف مكاناً وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه، فاضطجع في ذلك المكان. ورأى حلماً، وإذا سُلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا الرب واقف عليها، فقال: (أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق. الأرض التي أنت مُضطجع عليها أُعطيها لك ولنسلك. ويكون نسلك كتراب الأرض، وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، ويتبارك فيك وفى نسلك جميع قبائل الأرض وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأرُدُك إلى هذه الأرض، لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به)" (تك 28: 10- 15). *وهكذا فعل الرب مع هاجر، وهى هاربة من وجه سارة التي أذلتها، فظهر لها ملاك الرب وعزاها: "فوجدها ملاك الرب على عين الماء في البرية. على العين التي في طريق شور. وقال: "يا هاجر جارية ساراى، منْ أين أتيت؟ وإلى أين تذهبين؟". فقالت: أنا هاربة من وجه مولاتي ساراى. فقال لها ملاك الرب.: "أرجعى إلى مولاتك واخضعي تحت يديها". وقال لها ملاك الرب: "تكثيراً أُكثر نسلك فلا يُعد من الكثرة". وقال لها ملاك الرب: "ها أنت حُبلى. فتلدين ابناً وتدعين اسمه إسماعيل. لأن الرب قد سمع لمذلتك" (تك16: 7- 11). *وليس من الضروري أن يظهر الرب ليُعلن وجوده فهو لم يظهر ليوسف البار أبداً في كل تجاربه مع إخوته، ولا في مسيرة حياته في غربته في مصر، ولكنه كان يُعضده في كل مكان يذهب إليه وكان يُنجح طريقه في كل ما تمتد يده إليه، حتى أصبح ثاني رجل في مصر بعد الفرعون. 2 – الله يُعرٍف نفسه للإنسان بالصورة التي يحياها هو، فيقول لكنيسة سميرنا التي تتعرض للاضطهاد والشجن والعذابات لأجل اسمه: "اكتب إلى ملاك كنيسة سميرنا:هذا يقوله الأول والآخر، الذي كان ميتاً فعاش". وكأنه يُذكٍر أسقف وشعب سميرنا بأنه سبق ومات من أجلكم واحتمل الآلام، ولكنه الآن يحيا في يمين عرش الله. فالرب يُقدم ذاته مثالاً لما نعانيه. ** الرسالة إلى كنيسة سميرنا، هي رسالة لكُل إنسان أمين في حياته، حريص على أن يُرضى الله في كُل تصرفاته. وإن اعترضته آلام بصور مختلفة مثل: اضطهاد في العمل، أو متاعب أسرية، أو تعرض لأمراض صعبة، ...... فعليه أن يستمع لصوت الرب القائل: "كنْ أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة". والعجيب أنك سترى في سيرة القديس بوليكاربوس أسقف سميرنا تفسير واضح لهذه الرسالة: فقد وُلد هذا القديس حوالي سنة 70 م. قيل ان سيدة تقية تدعى كالستو Calisto ظهر لها ملاك، وقال لها في حلم: "يا كالستو، استيقظي واذهبي إلى بوابة الأفسسسيين، وعندما تسيرين قليلاً ستلتقين برجلين معهما ولد صغير يُدعى بوليكربوس، اسأليهما إن كان هذا الولد للبيع، وعندما يجيبانك بالإيجاب ادفعي لهما الثمن المطلوب، وخذي الصبي واحتفظي به عندك..." أطاعت كاليستو، واقتنت الولد، الذي صار فيما بعد أميناً على مخازنها. وإذ سافرت لأمر ما التف حوله المساكين والأرامل فوزع بسخاء حتى فرغت كل المخازن. فلما عادت كالستو أخبرها زميله العبد بما فعله، فاستدعته وطلبت منه مفاتيح المخازن، وإذ فتحتها وجدتها مملوءة كما كانت، فأمرت بعقاب الواشي، لكن بوليكاربوس تدًخل وأخبرها أن ما قاله زميله صدق، وأن المخازن قد فرغت، وأن هذا الخير هو عطية الله، ففرحت وتبنته ليرث كل ممتلكاتها بعد نياحتها، أما هو فلم تكن المادة تشغل قلبه. من أعماله أيضاً أنه كان يذهب إلى الطريق الذي يعود منه حاملوا الحطب ويختار أكبرهم سناً ليشترى منه الحطب ويحمله بنفسه إلى أرملة فقيرة. سيامتهسامه بوكوليس شماساً، فكان يُكرز بالوعظ كما بقدوته الحسنة، وإذ كان محبوباً وناجحاً سامه كاهناً وهو صغير السن. سامه القديس يوحنا الحبيب أسقفاً على سميرنا (رؤ 2: 8-10). وقد شهد القديس إيرينيئوس أسقف ليون عن قداسة سيرته، وأنه تعلم على أيدي الرسل، وأنه تحدث مع القديس يوحنا وغيره ممن عاينوا السيد المسيح على الأرض. جاهد أيضاً في مقاومته للهراطقة خاصة مرقيون أبرز الشخصيات الغنوسية، وفى أثناء وجوده في روما سنة 154 م أنقذ كثيرين من الضلال عن تبعيتهم لمرقيون. استشهاده:إذ شرع الإمبراطور مرقس أوريليوس في اضطهاد المسيحيين ألح المؤمنون على القديس بوليكربوس أن يهرب من وجه الوالي، فاختفى عدة أيام في منزل خارج المدينة، وكان دائم الصلاة من أجل رعية المسيح. قبل القبض عليه أنبأه الرب برؤيا في حلم، إذ شاهد الوسادة التي كان راقداً عليها تلتهب ناراً، فقام من النوم وجمع أصدقاءه وأخبرهم إنه سيحترق حياً من أجل المسيح، وإنه سينعم بعطية الشهادة. بعد ثلاثة أيام من الرؤيا عرف الجند مكانه واقتحموا المنزل، وكان يمكنه أن يهرب لكنه رفع عينيه إلى السماء قائلاَ: "لتكن مشيئتك تماماً في كل شيء"، وسلًم نفسه في أيديهم، ثم قدًم لهم طعاماً، وسألهم أن يمهلوه ساعة واحدة يصلى فيها. تعجب الجند من مهابته ووداعته وبشاشته وعذوبة حديثه، حتى قال أحدهم: "لماذا هذا الاجتهاد الشديد في طلب موت هذا الشيخ الوقور؟". انطلق مع الجند الذين أركبوه جحشاً، وفى الطريق وجدهم هيرودس أحد أكابر الدولة ومعه أبوه نيكيتاش، فأركبه مركبته، وإذ طلبا منه جحد المسيح ورفض أهاناه وطرحاه من المركبة بعنف فسقط على الأرض وأصيبت ساقه بجرح خطير. عندئذ ركب الجحش وسط آلام ساقه وهو متهلل حتى بلغ إلى الساحة حيث كان الوالي وجمهور كبير في انتظاره. إذ نظره الوالي وقد انحنى من الشيخوخة وابيضت لحيته سأله، قائلاً:"هل أنت بوليكاربوس الأسقف؟" أجابه بالإيجاب. ثم طلب منه الوالي أن يرثى لشيخوخته وإلا سامه العذاب الذي لا يحتمله شاب، ثم أمره أن ينادى بهلاك المنافقين وأن يحلف بحياة قيصر. فتنهد القديس، قائلاً: "نعم ليهلك المنافقون". فذُهل الوالي وقال:" إذن احلف بحياة قيصر والعن المسيح وأنا أطلقك"، فقال: لقد مضى ستة وثمانون عاماً أخدم فيها المسيح، وشراً لم يفعل معي قط، بل اقتبل منه كل يوم نعماً جديدة، فكيف أهين حافظي والمحسن إلىً؟ وكيف أغيظ مخلصي وإلهي والديان العظيم العتيد أن يكافئ الأخيار وينتقم من الأشرار المنافقين؟ - اعلم انك إن لم تطع أمري فستُحرق حياً، وتُطرح فريسة للوحوش. - إني لا أخاف النار التي تحرق الجسد، بل تلك النار الدائمة التي تحرق النفس، وأما ما توعدتني به أنك تطرحني للوحوش المفترسة فهذا أيضاً لا أبالى به. احضر الوحوش، وأضرم النار، فها أنا مستعد للافتراس والحرق. - ينبغي أن تُرضى الشعب. - ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس، لماذا تنتظرون؟ أسرعوا بإنجاز ما تريدون. (قال هذا بشجاعة ووجهه يشع نوراً حتى انذهل الوالي عندما تفرس فيه). أُعد أتون النار، وأرادوا تسميره على خشبة حتى لا يتحرك من شدة العذاب، أما هو فقال لهم:"اتركوني هكذا، فإن الذي وهبني قوة لكي أحتمل شدة حريق النار سيجعلني ألبث فيها بهدوء دون حاجة إلى مساميركم". عندئذ أوثقوا يديه وراء ظهره وحملوه ووضعوه على الحطب كما لو كان ذبيحة تقدم على المذبحوكان يصلى شاكراً الله الذي سمح له أن يموت شهيداً. وإذ انتهى من صلاته أوقد الجند النيران من كل جانب ففاحت منه رائحة طيب ذكية، وإذ بأحد الوثنيين طعنه بآلة حادة فتدفق دمه وأطفأ النيران، وقد انتقلت نفسه متهللة إلى الفردوس، عام 166 م. يعيد له اليونان في 25 من شهر أبريل، والأقباط في 29 أمشير. رسالتهكتب القديس بوليكربوس أسقف سميرنا رسالة إلى أهل فيلبى، تكشف لنا عن حال الكنيسة البكر في أوروبا في القرن الثاني. امتازت الرسالة بغزارة حكمتها العملية، واقتباس الكثير من نصوص الكتاب المقدس، كما عكست لنا روح القديس يوحنا في وداعته كالحمل وهدوئه، مع حزمه في الإيمان والتمسك بالحياة المقدسة. _____ الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
3- القاموس الموجز للكتاب المقدس، 1983م. ص 370. 4- القمص تادرس يعقوب ملطى، "قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض الشخصيات الكنسية". |
||||
21 - 07 - 2014, 04:05 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الكنائس السبعة في سفر الرؤيا - أ. بولين تودري
كنيسة برغامس "وأكتب إلى ملاك الكنيسة التي في برغامس: هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدين: أنا عارف أعمالك، وأين تسكن حيث كرسي الشيطان، وأنت مُتمسك باسمي، ولم تُنكر إيماني حتى في الأيام التي فيها كان أنتيباس شهيدي الأمين الذي قُتل عندكم حيث الشيطان يسكن. ولكن عندي عليك قليل: أن عندك هناك قومًا متمسكين بتعليم بلعام الذي كان يُعلم بالاق أن يُلقى معثرة أمام بنى إسرائيل: أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان، ويزنوا. هكذا عندك أنت أيضًا قوم مُتمسكون بتعليم النقولاويين الذي أُبغضه. فتب وإلا فإني آتيك سريعًا وأحاربهم بسيف فمي. من له أُذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس. من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المَن المُخفى، وأُعطيه حصاة بيضاء، وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذي يأخذ" (رؤ2:12- 17). مدينة برغامس: برغامس مدينة في الإمبراطورية الرومانية في آسيا. إنها تشغل موضع متسلط قريب من نهاية البحر، في الوادي الواسع لكايوس، وفى الغالب هي في موقع مستعمرة من التاريخ القديم جدًا. حينما ثار فيليتاريوس على ليسيماخوس سنة 282 ق.م. أصبحت برغامس عاصمة مملكته، بينما في سنة 133 ق.م. سلمها أتاليوس الثالث إلى الرومان، والذين بدورهم أدخلوها ضمن مقاطعة آسيا. وفى البداية حوالي سنة 29 ق.م. بُني معبد للملك هناك على شرف أوغسطس الروماني. وهذا جعلها عاصمة، وهذا يدل على أنها صارت مركز إداري حكومي للمقاطعة، بينما أفسس وسميرنا كانوا المدائن الأولى في التجارة. برغامس كما هي المركز الإداري للإمبراطورية، فهي أيضًا المركز الديني لها، حيث بُني أول معبد في آسيا للإمبراطور الرومانى حيث ظلت لمدة 40 سنة هي مركز العبادة للإمبراطورية كلها. ثاني معبد بُني بعد ذلك في سميرنا، والثالث في أفسس، وهذين المعبدين كانوا ثانويين بالنسبة لمعبد برغامس. وكانت برغامس أيضًا مركز للعبادة الوثنية، لزفس وأثينا وديونيسس وأسليبوس، لذلك قيل أن في برغامس كان"كرسى الشيطان". مدينة برغامس مبنية على هضبة عظيمة عالية، ومن موقعها تتحكم في الوادي وفى الجبال الموجودة في الجنوب. المدن الأخرى في آسيا بها هضاب أيضًا، ولكن المدينة مبنية تحت أو حول هذه الهضاب، وهذا يُعطى مدينة برغامس جمال وقوة أعظم. وبالتالي الطبيعة الجغرافية للمدينة يُوضح كلمات الرسالة الموجهة لكنيستها. المدينة الصغيرة برغامس ما زالت باقية تحت موقع المدينة الأثرية. كنيسة برغامس: جاءت كنيسة برغامس في الترتيب الثالث لكنائس سفر الرؤيا السبعة، وهذا ينطبق جغرافيًا أيضًا. لأننا إذا بدأنا منْ شاطئ أفسس الكبير، مرورًا بسميرنا بطريق ساحل البحر شمالًا ومنها إلى برغامس، وعبورًا بطريق مهم آخر جنوب شرق نجد ثياتيرا ثم ساردس وفيلادلفيا ثم إلى لاودكيا، والتي على الطريق الرئيسي الذي يدور للخلف مباشرة حتى يصل إلى أفسس. وهذا هو الترتيب الذي تكلم به الروح للكنائس. ملاك كنيسة برغامس: "أكتب إلى ملاك الكنيسة التي في برغامس". قيل أنه كريوس الذي ذكره يوسابيوس المؤرخ. وقد كان قويًا في الإيمان، وختم حياته بالاستشهاد. تقديم الرب لنفسه لكنيسة برغامس: "هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدين". وأراد الروح أن يقول أنه صاحب السلطان الأساسي وهو الأجدر بالعبادة، إذ وصف نفسه بأن "بيده سيف ماضي ذو حدين". وفى هذا التعريف أشار الروح إلى وجود علاقة بين الكنيسة والدولة. يوحنا الحبيب استخدم كلمات الرب التي تُشير إلى أنه صاحب السلطان المطلق، وأنه صاحب القوة للحياة والموت. هذا تعريفه لنفسه، لبلدة هي العاصمة الرسمية للمقاطعة الرومانية وكرسي السلطان في المملكة القديمة في إدارة روما. وهى بداية مناسبة لهذه المدينة، فالرب هو صاحب السلطان على العالم كله يتكلم إلى الكنيسة الموجودة في البلد التي بها السلطان الرسمي لإدارة الإمبراطورية. إن الرب تكلم للكنيسة بأنه "هو الذي له السيف الماضي ذو الحدين". وهذا السيف الماضي ذو الحدين، هو الذي كان يستخدمه الجنود الرومانيين، فلم تكن تستخدم هذه الجنود أي من السيوف الشرقية، وهو سيف عربي اسمه" الأحدب". ولا كانوا يستخدمون أي من السيوف المستخدمة في بلاد أخرى، وبالذات السيوف المستخدمة عند الجنود اليونانيين. والسيف ذو الحدين عند الرومان له تقدير خاص، وهو رمز لأعلى درجة للسلطان الرسمي، وكان يلبسه القائد الروماني. وحُكًام المقاطعة الرومانية كانوا يُقسًمون إلى درجتين أعلى وأدنى، بحسب منْ يلبس هذا السيف أو من لا يلبسه. وعلى هذا حينما يستخدم الروح كلمات الافتتاحية: "هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدين"، فهو يقول: أنه هو صاحب السُلطان الأعلى على الحياة والموت، والذي يتخيله الناس أنه في يد قادة الرومان. وما هو السيف الماضي ذو الحدين في يد الرب، سوى كلمة الله، كما يقول بولس الرسول: "أخيرًا يا إخوتي تقووا في الرب وفى شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء، مع السلاطين مع ولاة العالم على ظُلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات. من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تُقاوموا في اليوم الشرير، وبعد أن تُتموا كل شيء أن تَثبتوا. فاثبتوا أحقاءكم بالحق، ولابسين درع البر وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام. حاملين فوق الكل ترس الإيمان، الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير المُلتهبة. وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله. مُصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة، لأجل جميع القديسين" (أف6: 10- 18). ويقول أيضًا: "لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين، وخارقة إلى مَفرق النفس والروح والمفاصل والمِخاخ، ومُميزة أفكار القلب ونياته". (عب4: 12). الروح يشهد لأمانة ملاك كنيسة برغامس: "أنا عارف أعمالك. وأين تسكن حيث كرسي الشيطان. وأنت مُتمسك باسمي ولم تُنكر إيماني حتى في الأيام التي كان فيها أنتيباس شهيدي الأمين الذي قُتل عندكم حيث الشيطان يسكن". ومن كلمات الروح: "أنا عارف أعمالك. وأين تسكن حيث كرسي الشيطان"، فهو يُبين أنه يعلم تمامًا حال المدينة. وكأنه يقول أنه يعلم منْ هو الذي يُقاوم الكنيسة هناك ومن يتبعونه. فقد كانت العبادة والممارسات الطقسية في المقاطعة، تتضمن تقديم الذبائح للإمبراطور على أنه الإله. وبالطبع المسيحي الذي كان يرفض هذه الممارسات محكوم عليه بالموت حيث يُعتبر خائن لوطنه وعدو للمقاطعة، وهكذا وجد الشيطان له منزلًا في الإمبراطورية، وكان يستخدم قوته في مقاومة الإله الحقيقي ومعارضة كنيسته. الاضطهاد في برغامس لم يكن من اليهود، كما حدث في سميرنا، بل كان من اجل أنهم مسيحيين، فحينما كانوا ينقادون إلى المحكمة الرومانية، كانوا يواجَهون بأحد خيارين، إما أن يتبعوا الديانة الرومانية أو يواجهوا الموت لأن المسيحي يُعتبر خائن لوطنه. وهذا النوع من الاضطهاد بدأ في برغامس، وكثيرين من الشهداء الذين ماتوا فيها ليسوا من أهل برغامس، بل كانوا يأتون بهم من مُدن رومانية أخرى. السجناء كانوا يأتون من كل مكان في المقاطعة إلى برغامس، حيث يُحاولون معهم أن يُنكروا الإيمان المسيحي أو يواجهوا الموت. وأنت مُتمسك باسمي. ولم تُنكر إيماني حتى في الأيام التي كان فيها أنتيباس شهيدى الأمين الذي قُتل عندكم حيث الشيطان يسكن". من هذه الآيات نُدرك أنه كان في برغامس أيام صعبة استشهد فيها الكثيرون من برغامس ومن خارجها. وأنتيباس الذي ذُكر اسمه ربما يكون أول الذين أتوا إلى برغامس، وقد اشتبهوا فيه بأنه مسيحي، وقُتل هناك لأنه رفض تقديم العبادة للإمبراطور. وقد حدثنا المؤرخ أندريا عن هذا الشهيد كشخص معروف لديه، وأنه استشهد حرقًا، وقد عُرض عليه أن يُنقذوه ولكنه رفض. ومن الآية أيضًا: "أنتيباس شهيدي الأمين الذي قُتل عندكم"، نفهم أن أنتيباس ليس من برغامس، ولكنه أتى إليها كسجين من مدينة أخرى. والروح هنا يشهد لملاك كنيسة برغامس، بأنه كان أمينًا للرب حتى في وقت الشدائد والاضطهادات، والذي ختم حياته بالاستشهاد أيضًا. كرسي الشيطان هذا موجود في كل مكان في العالم، حيث الشرور بأشكالها المختلفة، والأفكار الغريبة التي تُشجع على جحد الله وعدم قبوله ربًا لهم، وأصحاب البدع الغريبة، والانقسامات..... الروح يؤنب ملاك كنيسة برغامس على أمرين: "ولكن عندي عليك قليل: أن عندك هناك قومًا مُتمسكين بتعليم بلعام. الذي كان يُعلم بالاق أن يُلقى معثرة أمام بنى إسرائيل: أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان ويزنوا. هكذا عندك أنت أيضًا قوم مُتمسكون بتعليم النقولاويين الذي أُبغضه. فتُب وإلا فإني آتيك سريعًا وأحاربهم بسيف فمي". ذكر يوحنا الحبيب في الرسالة الموجهة إلى ملاك كنيسة برغامس، بأن الروح يعتب عليه لوجود مجموعتين ضلوا الطريق وموجودين في وسط الكنيسة، وهنا يُعاتبه لأنه لم يخدمهم كما يجب حتى يردهم عن ضلالهم، وأن تركهم في وسط الكنيسة قد يؤثروا بأخطائهم في مؤمني كنيسة برغامس. لذلك حذرهم الرسول من التعامل معهم، بل وأكثر من هذا أنبهم الروح على قبولهم هذه المجموعات في وسطهم. المجموعتين هما: 1-"ولكن عندي عليك قليل: أن عندك هناك قومًا مُتمسكين بتعليم بلعام. الذي كان يُعلم بالاق أن يُلقى معثرة أمام بنى إسرائيل: أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان ويزنوا". إن بعض الذين آمنوا بالمسيح، انحرفوا قليلًا، وكانوا متمسكين بتعاليم بلعام، وبلعام هذا نبي في إسرائيل، وهو الذي نصح بالاق الملك الذي أراد أن يتسلط على بنى إسرائيل ولم يقدر، فاستحضر بلعام النبي ليسأله كيف يغلبهم، فما كان من بلعام إلا أن قال له: لن تغلبهم إلا إذا جعلتهم يفعلون الخطية، وأن تُلقى معثرة أمام بنى إسرائيل، وما هي هذه المعثرة؟ هي أن تجعلهم يأكلون مما ذُبح للأوثان، وهذا مُحرًم بأمر الله عند الإسرائيليين، وأن تدفعهم لكي يزنوا، وبهاتين الخطيتين يضعف الشعب وينكسر وتقدر أن تتغلب عليه. وقد كان هناك في برغامس قوم يتبعون تعاليم بلعام (يُمكنك قراءة قصة بلعام وبالاق بالكامل في سفر العدد أصحاح 22 إلى أصحاح 25). 2-"هكذا عندك أنت أيضًا قوم متمسكون بتعاليم النيقولاويين الذي أُبغضه. فتب وإلا فإني آتيك سريعًا وأحاربهم بسيف فمي". وأتباع النيقولاويين، نسبة إلى نيقولاوس، أحد السبعة شمامسة الذين ذكرهم لوقا الطبيب في سفر أعمال الرسل (أع6: 1-8). وهم مسيحيون ولكنهم اعتنقوا أفكار النيقولاويين، ومن ضمن أعمالهم، أنه لا مانع أن يكونوا مسيحيين، وفى نفس الوقت يُقدمون بخورًا قليلًا للإمبراطور الوثني. ولا مانع أن يكون السيد المسيح والإمبراطور في مقام واحد. وأتباع النيقولاويين هؤلاء يسلكون في الملذات بلا ضابط ويُعلمون بأمور مختلفة كإباحة الزنا وأكل المذبوح للأوثان. ويبدو أن أسقف كنيسة برغامس أهمل في خدمة هؤلاء الناس وفى ردهم للإيمان المسيحي، لذلك يقول له روح الرب:"تُب وإلا فأنى آتيك سريعًا وأحاربهم بسيف فمي"وما هو سيف فم الرب إلا كلمته المقدسة، التي قال عنها الرسول: لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى ِمن كل سيف ذي حدين. وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمِخاخ. ومُميزة أفكار القلب ونياته. وليست خليقة غير ظاهرة قدامه. بل كل شىء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا"(عب 4:12،13). وهذا هو نفس ما يقوله الرب لكل نفس تتبعه وتؤمن به، ولكنها تحتفظ لنفسها ببعض الأفكار الغريبة البعيدة عن كلمة الله. أو تحتفظ ببعض العادات والضعفات بحجة التعود عليها ولا ترغب في التخلص منها. لا يوجد حل لمثل هؤلاء إلا سيف كلمة الرب التي تُنير لهم الطريق وتُعرفهم ما هو مرضى عند الله. أما عن هؤلاء المخالفين، فإن بولس الرسول يُحذرنا منهم قائلًا: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه أية خِلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟ فإنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله: إني سأسكن فيهم وأسير بينهم، وأكون لهم إلهًا، وهم يكونون لي شعبًا. لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا، يقول الرب، ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم وأكون لكم أبًا وأنتم تكونون لي بنين وبنات، يقول الرب، القادر على كل شيء" (2كو 6: 14-18). وأيضًا يُحذرنا منهم بطرس الرسول: "ولكن كان أيضًا في الشعب أنبياء كذبة كما سيكون فيكم أيضًا معلمون كذبة الذين يدسون بدع هلاك وإذ هم يُنكرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على أنفسهم هلاكًا سريعًا وسيتبع كثيرون تهلكاتهم الذين بسببهم يُجدف على طريق الحق وهم في الطمع يتجرون بكم بأقوال مُصنعة الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى وهلاكهم لا ينعس لأنه إن كان الله لم يُشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء ولم يشفق على العالم القديم بل إنما حفظ نوحًا ثامنًا كارزًا للبر إذ جلب طوفانًا على عالم الفجار وإذ رمد مدينتي سدوم وعمورة حكم عليهما بالانقلاب واضعًا عِبرة للعتيدين أن يفجروا وأنقذ لوطًا البار مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة إذ كان البار بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم يُعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة. يعلم الرب أن يُنقذ الأتقياء من التجربة ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين مُعاقبين. ولا سيما الذين يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة ويستهنيون بالسيادة جَسورون مُعجبون بأنفسهم لا يرتعبون أن يفتروا على ذوى الأمجاد، حيث ملائكة وهم أعظم قوة وقدرة لا يُقدمون عليهم لدى الرب حكم افتراء. أما هؤلاء فكحيوانات غير ناطقة، طبيعية، مولودة للصيد والهلاك يفترون على ما يجهلون فسيهلكون في فسادهم آخذين أجرة الإثم الذين يحسبون تَنعم يوم لذة أدناس وعيوب يتنعمون في غرورهم صانعين ولائم معكم لهم عيون مملوءة فسقًا لا تكف عن الخطية خادعون النفوس غير الثابتة لهم قلب مُتدرب في الطمع أولاد اللعنة قد تركوا الطريق المستقيم، فضلوا، تابعين طريق بلعام بن بعور الذي أحب أُجرة الإثم ولكنه حصل على توبيخ تعديه، إذ منع حماقة النبي حمار أعجم ناطقًا بصوت إنسان هؤلاء آبار بلا ماء غيوم يسوقها النوء الذين قد حُفظ لهم قتام الظلام إلى الأبد لأنهم إذ ينطقون بعظائم البُطل يخدعون بشهوات الجسد في الدعارة مَن هَرب قليلًا مِن الذين يسيرون في الضلال واعدين إياهم بالحرية وهم أنفسهم عبيد الفساد لأن ما انغلب منه أحد فهو له مستعبد أيضًا. لأنه إذا كانوا بعدما هربوا من نجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلص يسوع المسيح يرتبكون أيضًا فيها، فينغلبون، فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل لأنه كان خيرًا لهم لو لم يعرفوا طريق البر من أنهم بعدما عرفوا يرتدون عن الوصية المقدسة المسلمة لهم قد أصابهم ما في المثل الصادق (كلب قد عاد إلى قيئه) و(خنزيرة مُغتسلة إلى مراغة الحمأة). (2 بط 2). مكافأة مَنْ يغلب: "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن المُخفى وأعطيه حصاة بيضاء. وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذي يأخذ" وما هو الأكل من "المن المخفى"، سوى جسد الرب ودمه الأقدسين، المن السماوي: "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية أنا هو خبز الحياة آبائكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم. فخاصم اليهود بعضهم بعضًا قائلين كيف يقدر هذا أن يُعطينا جسده لنأكل؟ فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير لأن جسدي هو مأكل حق ودمى هو مشرب حق من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت في وأنا فيه. كما أرسلني الآب الحي وأنا حي بالآب فمن يأكلني فهو يحيا بي هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ليس كما أكلوا أبائكم المن وماتوا من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد" (يو6: 47-58). *أما "الحصاة البيضاء"، فكانت معروفة عند القدماء من يونانيين ورومانيين ويهود، فمثلًا: كانت تُعطى "حصاة بيضاء" في روما (من الحجر أو العاج أو أي مادة أخرى)، محفور عليها حرفين للمصارع المحترف، وهى اختصار لكلمة تعنى "حَاول وغلَب". وكانت تُعطى أيضًا لأي شخص عمل جيدًا طول حياته، والآن ينتقل إلى مستوى حياة أفضل. ويرى البعض أنها "الحصاة البيضاء" التي كان يستخدمها القضاة الرومان واليونان لإعلان براءة المتهم. ويرى ابن العسال أن "الحصاة البيضاء" تشير إلى الملكوت المكتوب عليه بلغة روحية جديدة لا يعرفها إلا أبناء الملكوت. ويرى الأسقف فيكتوريانوس أن: المن المخفى هو الخلود، والحصاة البيضاء هي التبني لله، والاسم الجديد المكتوب على الحصاة هو" مسيحي". حاجتين مهمتين في هذه "الحصاة البيضاء" أنها متينة ولا تفنى. وأيضًا المهم أن لون الحصاة بيضاء، وهو لون النقاوة والطهارة. وما هو الاسم الجديد المكتوب على "الحصاة البيضاء"، إلا اسم المؤمن بعد المعمودية حيث يولد إنسان جديد. _____ الحواشي والمراجع : 1- The New Bible Dictionary, 1962, p. 967, 978. 2- W. M. Ramsay, “The Letters to the seven churches of Asia, p. 291- 326. 3 – القمص تادرس يعقوب ملطى، "تفسير سفر الرؤيا"، ص. 33- 36. 4 – يوسابيوس القيصرى (264- 340م.)، "تاريخ الكنيسة"، تعريب القمص مرقس داود، ص 159، 160. 5 – متى هنرى، "التفسير الكامل للكتاب المقدس". |
||||
21 - 07 - 2014, 04:09 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الكنائس السبعة في سفر الرؤيا - أ. بولين تودري
كنيسة ثياتيرا "وأكتب إلى ملاك الكنيسة التي في ثياتيرا هذا يقوله ابن الله الذي له عينان كلهيب نار ورجلاه مثل النحاس النقي أنا عارف أعمالك ومحبتك وخدمتك وإيمانك وصبرك وأن أعمالك الأخيرة أكثر من الأولى. لكن عندي عليك قليل أنك تُسيب المرأة إيزابل التي تقول إنها نبية حتى تُعلم وتُغوى عبيدي أن يزنوا ويأكلوا ما ذُبح للأوثان وأعطيتها زمانًا لكي تتوب عن زناها ولم تتب ها أنا أُلقيها في فراش والذين يزنون معها في ضيقة عظيمة، إن كانوا لا يتوبون عن أعمالهم وأولادها أقتلهم بالموت. فستعرف جميع الكنائس أنى أنا هو الفاحص الكُلى والقلوب. وسأعطى كُل واحد منكم بحسب أعماله. ولكنني أقول لكم وللباقين في ثياتيرا كل الذين ليس لهم هذا التعليم، والذين لم يعرفوا أعماق الشيطان، كما يقولون: إنى لا أُلقى عليكم ثقلًا آخر وإنما الذي عندكم تمسكوا به إلى أن أجيء. ومنْ يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأُعطيه سُلطانًا على الأمم، فيرعاهم بقضيب من حديد كما تُكسر آنية من خزف كما أخذت أنا أيضًا من عند أبى، وأُعطيه كوكب الصبح. من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس"(رؤ 2: 18- 29). مدينة ثياتيرا: هي مدينة في آسيا تتبع المقاطعة الرومانية، وهى في الغرب من ما يُسمى الآن تركيا الآسيوية.وكانت تشغل موقع مهم في الممر المتصل بوادى هرمس وكايكوس، وكانت بجوار المعسكر(الحصن)، والأولى على التخوم الغربية لإقليم سيلوكيوس الأول في سوريا، والذي أوجدها في القرن الرابع قبل الميلاد، وأخيرًا بعد تغيير القيادات، أصبحت على التخم الشرقية لمدينة برغامس، وتحت هذه المملكة أصبحت تحت الحكم الروماني سنة 133 ق.م. ولكنها بقيت ذات موقع مهم على الطريق الروماني الرئيسي،لأنها تقع على الطريق من برغامس إلى لاودكيا عاصمة المقاطعة، وبعد ذلك إلى المقاطعات الشرقية. طبيعة مدينة ثياتيرا حربية، حيث أنها كانت مستعمرة لجنود مكدونيا (الآن بلغاريا واليونان والصرب)، حيث يحرسون الممر الطويل من الشمال إلى الجنوب بين وادي هرمس ووادى كايكوس، بين ساردس وبرغامس. معبودها هو الحارس تيريمنوس، فهو بطل له طبيعة إلهية مثل أبوللو تيرميناوس، وهو على شكل رجل راكبًا على حصان ويحمل على كتفيه فأس الحرب ذو الحدين، فهو المعبود المناسب لمقاطعة حربية، اللمعان والبريق وقوة التدمير للعدو، متجسدة في هذا المعبود. الطلى بالنحاس. وثياتيرا أيضًا مركزًا صناعيًا لأعمال صباغة الثياب والفخار، وأعمال الطلي بالنحاس. "أخيسار" المدينة الكبيرة ما زالت موجودة في نفس الموقع. ليديا بائعة الأرجوان، المرأة التي ذكرها بولس الرسول في (أع 16: 14)، هي امرأة من ثياتيرا، وقد كانت وكيل مُعتمد لصناعات ثياتيرا، وفى الغالب كانت تُرتب بيع بضائع الصوف المصبوغ. المنطقة المحيطة بثياتيرا أعطتها صفة الضعف، لأنها تقع في وسط وادي واسع بين جبلين متوازيين وليسوا بالعلو الكافي، وبالتالي سهل على الأعداء اقتحامها من أي اتجاه والتسلط والتغلب عليها من الجبال المنخفضة في الشرق والغرب. ذلك بالمقارنة بقلعة ساردس، أو جبل برغامس الضخم، أو مرتفعات جبال أفسس، أو قلعة سميرنا، أو المنحدر الشديد الذي توجد فيه فيلادلفيا، أو هضبة لاودكيا. ولكن الخبرة العسكرية لثياتيرا جعلتها مُحصًنة وقوية بالقدر الكافي لحماية ممر الوادي الواسع. وتحت جو السلام الطويل نتيجة الحماية الرومانية، أصبحت مركزًا للتجارة. كنيسة ثياتيرا: هي الكنيسة الرابعة في كنائس آسيا السبعة. والرسالة الموجهة إليها تُشير إلى حالة المدينة. ملاك كنيسة ثياتيرا: هو الأسقف إيريناؤس تلميذ القديس بوليكربوس، وكان حارًا بالروح، وقد أساءت إليه إيزابل. سيرة ايريناؤس الأسقف: الأسقف إيريناؤس وُلد بين 130، 142 م.، وهو تلميذ القديس بوليكربوس أسقف سميرنا، وقد وُلد في أسرة مسيحية. أثناء حكم مرقس أوريليوس (161- 180م.)، كان ايريناؤس كاهنًا للكنيسة. كثيرين من أعضاء الكنيسة تعذبوا في السجون أثناء حكم مرقس أوريليوس بسبب إيمانهم المسيحي. أرسلته الكنيسة في 177م. إلى روما ليتوسط بعدم رفض أتباع بدعة ماني، وبعد رجوعه، رُسم أسقفًا لثياتيرا بعد استشهاد أسقفها بوثينوس (87- 177م) والذي استشهد في عهد مرقس اوريليوس أيضًا، بذلك يُعتبر ثاني أسقف على ثياتيرا. كل كتاباته تقريبًا كانت ضد بدعة الغنوسية وأشهر هذه الكتابات كتابه "ضد الهرطقات". وقد اهتم أيضًا بإثبات قانونية الأناجيل الأربعة في الكنيسة، حيث ظهر أناس يعترفون بإنجيل يوحنا فقط، وآخرين بإنجيل متى فقط الذي كان أكثر انتشارًا في ذلك الوقت، وآخرين إنجيل لوقا فقط. وهو أيضًا أول من قال أن إنجيل يوحنا كتبه يوحنا الحبيب وإنجيل لوقا كتبه لوقا الطبيب. البعض قال أنه استشهد حوالي سنة 242 م، والبعض الآخر لم يذكر شيئًا عن استشهاده.. ما كُتب عن هذا الأسقف قليل، آخر حدث دونه عنه يوسابيوس القيصري بعد 150 سنة من موته، وهو في سنة 190 أو 191 سعى إلى فيكتور البطريرك كي لا يحرم مسيحيي آسيا الصغرى من الكنيسة الذين تعودوا على احتفالات القيامة في 14 نيسان بحسب التقويم العبري والذي يوافق عيد الفصح عند اليهود. الرسالة إلى ثياتيرا: الرسالة إلى ثياتيرا هي الأطول والأكثر غموضًا. ومن الناحية التاريخية هي رسالة تعليمية تهذيبية أكثر من الرسائل الأخرى. نحن لا نعرف الكثير عن تاريخ ثياتيرا أيام السيد المسيح، لأن المكتوب عنها في المخطوطات ضئيل جدًا. ولكن تشترك كنيسة ثياتيرا مع كنيسة برغامس، في أن الاثنين قد عانوا من هرطقة النيقولاويين. وقد وصف الروح نفسه في هذه الرسالة بقوله:" ابن الله. الذي له عينان كلهيب نار. ورجلاه مثل النحاس النقي". فالنحاس هو المعدن الصلب الذي يُستخدم كسبيكة لعمل السيوف، وبمعاملة معينة يصير لامعًا مثل الذهب. وتشبيه الروح بأن رجلاه من النحاس النقي، فهو يُشير إلى حرفة سبك المعادن، بالذات النحاس، في ثياتيرا، فقد كانت ثياتيرا مركزًا لصناعة وتجارة السبائك، حيث كانت تَعمل هناك مجموعات في المعادن وصُنع التماثيل من النحاس، والروح يقصد بذلك بأن رجليه من النحاس النقي، حيث أنه قادر على تحطيم كل شر بكل حزم. أما وصف الروح بأن:"ابن الله له عينان كلهيب نار"، لأن إيزابل تسللت بين الشعب لتثبٍت فكر النيقولاويين، لذلك يُقدم الله نفسه بأن له عينان كلهيب نار حتى يُفهم أن الله هو الفاحص للقلوب والكُلى، ويجب على الراعي أن يكون ساهرًا وواعيًا لكل كبيرة وصغيرة تمس حياة أولاده. وفى ذلك يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [يلزم أن يكون الأسقف حذرًا، له ألف من الأعين حوله، سريع النظر، أمين، فكره غير مظلم..... يلزمه أن يكون مُتيقظًا جدًا، حارًا في الروح، كما لو كان يستنشق نارًا..... يلزمه أن يكون حريصًا على الكل ومهتمًا بالجميع]. فضائل كنيسة ثياتيرا: تضمنت الرسالة إلى ثياتيرا، مديح وثناء واضح من الروح، حيث يقول:" أنا عارف أعمالك ومحبتك وخدمتك وإيمانك وصبرك. وأن أعمالك الأخيرة أكثر من الأولى". فأعمال أعضاء الكنيسة تتسم بالمحبة، وقد ذكرها الروح قبل الإيمان، لأن الإيمان لا يكمل إلا بأعمال المحبة، كما يقول يعقوب الرسول:" ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد إن له إيمانًا ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يُخلصه؟ إن كان أخ وأخت عريانين ومُعتازين للقوت اليومي، فقال لهم أحدكم (أمضيا بسلام استدفئا واشبعا)، ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد فما المنفعة؟ هكذا الإيمان أيضًا، إن لم يكن له أعمال، ميت في ذاته. لكن يقول قائل:أنت لك إيمان، وأنا لي أعمال. أرني إيمانك بدون أعمالك، وأنا أُريك بأعمالي إيماني. أنت تؤمن أن الله واحد حسنًا تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون! ولكن هل تريد أن تعلم أن الإيمان بدون أعمال ميت؟ ألم يتبرر إبراهيم أبونا بالأعمال، إذ قدًم إسحاق ابنه على المذبح؟ فترى أن الإيمان عَمِل مع أعماله، وبالأعمال أُكمل الإيمان، وتم الكتاب القائل(فآمن إبراهيم بالله فَحُسب له برًا)، ودُعي خليل الله. ترون إذًا أنه بالأعمال يَتبرر الإنسان، لا بالإيمان وحده. كذلك راحاب الزانية أيضًا، أما تبررت بالأعمال، إذ قَبلت الرسل وأخرجتهم في طريق آخر؟ لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت، هكذا الإيمان أيضًا بدون أعمال ميت" (يع2: 14- الخ). · وأيضًا مدح الروح خدمتهم وإيمانهم وصبرهم ونموهم المستمر حيث قال::" أن أعمالك الأخيرة أكثر من الأولى". فيجب أن تكون رغبة المؤمنين أن يفعلوا الآن أكثر مما فعلوا في الماضي. كما يقول المزمور:"أغنى للرب في حياتي. أرنم لإلهي ما دمت موجودًا"(مز 104: 33). وكما طلب منا السيد المسيح قائلًا: "ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم. وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر. ويدوم ثمركم. لكي يُعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي".(يو 15: 16).وكما يقول المزمور: "اطلبوا الرب وقدرته. التمسوا وجهه دائمًا. اذكروا عجائبه التي صنع. آياته وأحكام فيه"(مز 105: 4). ويقول أيوب الصديق: "إنه ما دامت نسمتي في. ونفحة الله في فمي. لن تتكلم شفتاي إثمًا. ولا يلفظ لساني بغش"(أي 27: 3، 4).ويقول بولس الرسول: "لذلك أنا أيضًا أُدرب نفسي ليكون لي دائمًا ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس"(أع 24: 16). وأيضًا يوصى تلميذه تيموثاؤس قائلًا: "لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك. لأنك إذا فعلت هذا تُخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا". (1 تى 4: 16). وبالرغم من ضعف مدينة ثياتيرا بين السبعة كنائس، لكن يَعِدها الروح بقوة عظيمة على كل الأمم. والوعد المقدًم للكنيسة بإلهام عالي على غلبة الكنيسة قد أبهج قلب شعب الكنيسة. الإمبراطور والدولة الرومانية والوطنية، وديانة الرومان الوثنية، وأعداء الكنيسة، وعامة الشعب المتوحش في المدينة، واليهودالكل ثائرًا وهائجًا على الكنيسة بأقصى درجة من الاضطهاد والذبح. ولكن قوتهم الغاشمة كانت كلا شيء بالنسبة للمسيحيين هناك، حيث كانوا يشعرون بالأمان والغلبة ويؤمنون بالحياة الأبدية في السماء. فكان المسيحيون هناك يعيشون الغلبة في حياتهم اليومية، وفوق الكل يشعرون بالغلبة في استشهادهم من أجل المسيح. هؤلاء الشهداء بضعفهم وقلة كرامتهم(في نظر العالم) حصلوا على الغلبة ومنحهم هذا الموت السلطان على الأمم. الوعد بالقوة للغالب في ثياتيرا على كل الأمم، جاء لأنها الأكثر ضعفًا بين البلاد، والأقل ميزة أو شهرة بين الكنائس السبعة، ما عدا فيلادلفيا التي جاءت في آخر اللستة. لذلك:لم يطلب الروح من شعب كنيسة ثياتيرا إلا الثبات في فضائلهم، حيث يقول لهم: "ولكنني أقول لكم وللباقين في ثياتيرا، كل الذين ليس لهم هذا التعليم، والذين لم يعرفوا أعماق الشيطان كما يقولون: إني لا أُلقى عليكم ثقلًا آخر، وإنما الذي عندكم تمسكوا به إلى أن أجيء"(رؤ 2: 24،25). هكذا دعانا السيد المسيح أن نثبت فيه، فقال: "أنا الكرمة الحقيقية وأبى الكرام كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه وكل ما يأتي بثمر يُنقيه ليأتي بثمر أكثر. أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به. اثبتوا في وأنا فيكم كما أن الغصن لا يقدر أن يأتى بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضًا إن لم تثبتوا في. أنا الكرمة وأنتم الأغصان الذي يثبت في وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا. إن كان أحد لا يثبت في يُطرح خارجًا كالغصن، فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق. إن ثبتم في وثَبَت كلامي فيكم تطلبون ما تُريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد أبى: أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبتي. كما أنى أنا قد حفظت وصايا أبى وأثبت في محبته كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحى فيكم ويكمل فرحكم"(يو 15: 1- 11). ويوصينا بولس الرسول قائلًا: "أخيرًا يا إخوتي تقووا في الرب وفى شدة قوته البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس. فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات. من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير، وبعد أن تُتمموا كل شيء أن تثبتوا. فاثبتوا مُمنطقين أحقاءكم بالحق، ولابسين درع البر، وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام. حاملين فوق الكل تُرس الإيمان. الذي به تقدرون أن تُطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة وخذوا خوذة الخلاص، وسيف الروح الذي هو كلمة الله مُصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح، وساهرين لهذا بعينه بكل مُواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين"(أف 6: 10- 18). ويوصينا يعقوب الرسول لكي نثبت إلى النهاية، إلى مجيء يوم الرب، فيقول:"فتأنوا أيها الإخوة إلى مجيء الرب هوذا الفلاح ينتظر ثمر الأرض الثمين، مُتأنيًا عليه حتى ينال المطر المُبكر والمُتأخر. فتأنوا أنتم وثبتوا قلوبكم، لأن مجيء الرب قد اقترب. لا يئن بعضكم على بعض أيها الإخوة لئلا تُدانوا. هوذا الديان واقف قدام الباب خذوا يا إخوتي مثالًا لاحتمال المشقات والأناة: الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب. ها نحن نُطوب الصابرين قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف. ولكن قبل كل شيء يا إخوتي، لا تحلفوا، لا بالسماء، ولا بالأرض، ولا بقسم آخر. بل لتكن نَعَمكم نَعَم، ولاكم لا، لئلا تقعوا تحت دينونة. أعلى أحد بينكم مَشقات؟ فلُيصل. أمسرور أحد فليرتل. أمريض أحد بينكم فليدع شيوخ الكنيسة فيُصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفى المريض، والرب يقيمه، وإن كان قد فعل خطية تُغفر له. اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات، وصلوا بعضكم لأجل بعض، لكي تُشفوا طلبة البار تَقتدر كثيرًا في فعلها. كان إيليا إنسانًا تحت الآلام مثلنا، وصلى صلاة أن لا تُمطر، فلم تُمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلى أيضًا فأعطت السماء مطرًا، وأخرجت الأرض ثمرها"(يع5: 7- 18). نقطة ضعف كنيسة ثياتيرا: العتاب في الرسالة جاء قائلا: "لكن عندي عليك قليل: أنك تُسيب المرأة إيزابل التي تقول أنها نبية. حتى تُعلٍم وتُغوى عبيدي أن يزنوا ويأكلوا ما ذُبح للأوثان. وأعطيتها زمانًا لكي تتوب عن زناها ولم تتُب. ها أنا أُلقيها في فراش. والذين يزنون معها في ضيقة عظيمة. إن كانوا لا يتوبون عن أعمالهم. وأولادها أقتلهم بالموت. فستعرف جميع الكنائس أنى أنا هو الفاحص الكُلى والقلوب. وسأعطى كُل واحد منكم بحسب أعماله". العتاب جاء بسبب وجود مجموعة تتبع تعليم النيقولاويين الذين يُدمجون العبادات اليهودية بالوثنية، وكانت على رأسهم إيزابل التي تدًعى أنها نبية. مَنْ هي إيزابل؟ * قيل أنها زوجة أسقف الكنيسة إيريناؤس، لأنه جاء في النص اليوناني والسرياني: " أنك تُسيب امرأتك إيزابل". فقد كان لها مكانة بحيث تتحرك بحرية في مُدن الأناضول، وكان لها حضور طيب في اجتماعات العشاء للوثنيين، ومعنى ذلك أنها كانت تقوم بالتعليم هناك، وكانت موجودة في جلسات العربدة والسُكر التي كانت تتبع العشاء كامرأة جذابة، وكانت تبث فكر النيقولاويين في أعضاء الكنيسة، وكانت تجذب الكثيرين لإتباعها، وعملها في التجارة كان يُتيح لها التعامل مع فئات كثيرة من الشعب. * قيل أنها سيدة وثنية ادعت المسيحية، وأظهرت غيرة في العبادة، مما جعل الأسقف يستأمنها على بعض الخدمات في الكنيسة، فصارت تُفسد وتُضلل. * يقال أنها سيدة مسيحية غنية، استخدمت غناها ونفوذها في التضليل. * يرى القديس أبيفانيوس أنها شخصية اعتبارية، تُشير إلى تلميذات المبدع فنتانيوس وأسماؤهم: بريسكلا ومكسيملا وكونتيلا. * يرى آخرون أيضًا أنها شخصية اعتبارية تُشير إلى جماعة، من المبتدعين، وقد دُعيت إيزابل لمشابهتها لإيزابل امرأة آخاب الملك (1مل 18-21)، لأنها كما أفسدت إيزابل حُكم آخاب الملك، فهؤلاء المبدعون يُفسدون الأعمال الرعوية ببث الأفكار الغريبة، ولأنهم يبثون روح الزنا في أذهان البسطاء. * ويرى الكاتب، أنها كاهنة معبد سيبل الكلدانية في ثياتيرا. E. Schurer’s paper on Thyatiran Jezebel, دعوتها للتوبة: الله أعطاها فرصة للتوبة ولكنها أهملتها، لذلك قال الروح "سوف أقتل أولادها"، وربما القتل هنا يعنى الإصابة بمرض عضال يصعب الشفاء منه، مثل "الحمى"، بالذات لأنها ممكن تُصيب أي عضو في الجسم بسيف قوة الله. لذلك قال الروح لمن يتغلًب على هذه الأفكار الغريبة "سأُعطيه سُلطانًا على كُل الأمم. ليرعاهم بقضيب من حديد". وثياتيرا لم تكن تستخدم السيف كرمز للقوة والسلطة العُليا في الدولة الرومانية، بل كانت تستعمل قضيب من حديد فقط. والعتاب تم توجيهه إلى الأسقف لأنه أخذ سُلطانًا من الرب ليُقاوم المستكبرين، كما يقول المزمور: "اسألني فأُعطيك الأمم ميراثك لترعاهم بقضيب من حديد ومثل آنية الفخار تسحقهم" (مز2: 8، 9). ولكن إذا قاوم الأسقف أعمال إيزابل، فالرب سوف يُعطيه كوكب الصبح، ومنْ هو كوكب الصبح المُنير إلا ربنا يسوع المسيح، حيث يقول: "أنا يسوع. أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور عنْ الكنائس. أنا أصل وذرية داود. كوكب الصبح المنير" (رؤ22: 16). ويسوع هو الذي يجلب معه النور في النفس. _____ الحواشي والمراجع : 1- The New Bible Dictionary, 1962, p. 1275. 2- W. M. Ramsay, “The Letters to the seven churches of Asia”, p. 327- 353. 3-القمص تادرس يعقوب ملطى، "تفسير سفر الرؤيا" الرؤيا"، ص 36- 39. 4-متى هنرى، "التفسير الكامل للكتاب المقدس، تفسير سفر الرؤيا"، ص 627. |
||||
21 - 07 - 2014, 04:13 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الكنائس السبعة في سفر الرؤيا - أ. بولين تودري
كنيسة ساردس "وأكتب إلى ملاك الكنيسة التي في ساردس: هذا يقوله الذي له سبعة أرواح الله والسبعة الكواكب أنا عارف أعمالك، أن لك اسماً أنك حي وأنت ميت. كُن ساهراً وشدد ما بقى الذي هو عتيد أن يموت، لأني لم أجد أعمالك كاملة أمام الله. فاذكر كيف أخذت وسمعت، واحفظ وتُب، فإني إن لم تَسهر، أُقدِم عليك كلص، ولا تعلم أية ساعة أُقدِم عليك. عندك أسماء قليلة في ساردس لم يُنجسوا ثيابهم، فيمشون معي في ثياب بيض لأنهم مُستحقون. مَن يغلب فذلك سيلبس ثياباً بِيضا، ولن أمحو اسمه من سفر الحياة، وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام ملائكته. مَن له أُذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" (رؤ3:1- 6). مدينة ساردس: ساردس مدينة في المقاطعة الرومانية في آسيا، الآن في غرب تركيا. وكانت عاصمة مملكة ليديا القديمة. المدينة القديمة كانت قلعة حصينة فوق وادي هرمس الواسع، ومبنية على جبل عالي، ومن الشمال يوجد جبل تمولس. الجبل الذي فوقه مدينة ساردس ظل قائماً لمدة 3000 سنة، وجانبيه له حوائط عمودية من الصخر، ما عدا برزخ يربط مع جبال أخرى من الجنوب. بجانب المسطح من الشمال، والوادي الصغير من الشرق والغرب، تظهر المدينة بحوائطها وأبراجها ومعابدها وبيوتها وقصورها، وتظهر من كل النواحي بأنها عالية جداً، بحيث يُمكن قذف حجر على ارتفاع 1500 قدم من حوائط البنايات. الصخرة المبنى عليها مدينة ساردس تُسمى صخرة، ولكنها في الحقيقة هي مكونة من طمى مدموج، ومن السهل ذوبانه بسبب الأمطار والجليد، مما جعله ينخفض تدريجياً، وبالرغم من هذا بقى جزء بسيط من الجزء العلوي، والذي عليه مدينة ساردس. وعلى ذلك فالزائر لا بد أن يكون هادئ الطبع وثابت لكي يعبر إلى المدينة. تحطيم الصخرة الضعيفة التكوين، لابد وأنه أثر في طريقة تفكير السكان، فجعلتهم غير مستقرين، وغير واثقين، وبلا كفاءة، وفى حالة تدهور، وهذا هو حال مدينة ساردس وحال الكنيسة هناك أيضاً. كانت مدينة ساردس تحت حُكم كروسيوس مركز سُلطة ليديا، ولكنها انتهت فجأة حينما حاصر الملك كيرس الفارسي المدينة واستولى على العاصمة سنة 549 ق.م. وذلك بالتسلل على السفح الشديد الانحدار ليلاً، حيث واجه مقاومة ضعيفة. نفس الشيء حدث حينما سقطت المدينة في سنة 214 ق.م. حينما اقتُحمت بواسطة أنتيوفس العظيم. وبالرغم من أنها تقع على الطريق التجاري المهم المؤدى إلى وادي هرمس، إلا إنها لم تكن أبداً في امتياز يستحق الالتفات مثل أيامها القديمة تحت الحكم الروماني. سقطت مدينة ساردس مرتين بسبب أن حُكامها ظنوا أنهم في أمان بسبب وجودهم في حصن منيع، وكان هذا غروراً كاذباً. فقد تسبب عدم الاهتمام وعدم اليقظة في سقوط المدينة مرتين، فقد اتكلوا على الحصن المنيع الذي يعيشون فيه، مما أدى إلى انهيار مقاطعة ليديا كلها، بما فيها مدينة ساردس. أهل ساردس لم يتعلموا من السقوط الأول، فالتجربة قد نُسيت، والرجال رجعوا غير مهتمين ومتهاونين، وحينما جاءت ساعة الهجوم، ساردس كانت غير جاهزة. ساردس أصبحت في المرتبة الثانية في الإمبراطورية بسبب الإهمال. وفى سنة 26 م. رُفض طلبها لبناء معبد للإمبراطور فيها، حيث فضلوا بناءه في منافستها سميرنا. لقد خرج العمران والتحضر من ساردس بواسطة الأتراك الذين حرقوا كل شيء وذبحوا المسيحيين هناك في وادي هرمس. الآن ساردس عبارة عن قرية صغيرة تُدعى "سارت"، بالقرب من الموقع القديم. الرسالة إلى ساردس: يُقال أن ساردس هي أول مدينة في ذلك الجزء من العالم قد تحولت إلى المسيحية بواسطة كرازة يوحنا الحبيب. ويُقال أيضاً أنها أول مدينة عمل بعض مؤمنيها ضد المسيحية. ملاك كنيسة ساردس: هو القديس ميليتون. وكل ما نعرفه عنه أنه كان مرجعاً كبيراً في القرون المسيحية الأولى. ترتليان ذكر أنه كان يُعتبر نبياً عند كثير من المؤمنين. ميليتون يُعتبر كاتب خصيب في النصف الأخير من القرن الثاني الميلادي، بالرجوع إلى أعماله التي كتب عنها يوسابيوس الإسكندرى وجيروم، ولكن القليل جداً هو الذي تبقى. وبقيت كتاباته إلى القرون الوسطى ذات اعتبار كبير. بعض كتاباته: *حوالي سنة 161 م. كتب دفاعاً عن المسيحية إلى ماركوس أوريليوس، يلتمس منه: "لا تضعنا نحن المسيحيين في وسط المتمردين وقطاع الطرق الرعاع". *حوالي 170 م. بعد سفره إلى فلسطين، وزار المكتبة في قيصرية، جمع ونسق كتب العهد القديم المعروفة منذ الآباء المسيحيين الأوائل. وهذا كتبه عنه يوسابيوس القيصرى. *كتب "ضد عبادة الأوثان"، لماركوس أوريليوس. ومع ان اسمه يذكر في الكثير من كتب السنكسار القديمة، إلا أن سيرته غير معروفة، وتاريخ نياحته سنة 180 م. وأسقف ساردس كان هو المطران ورئيس أساقفة ليديا، وكان ترتيبه السادس في الكرامة بين جميع الأساقفة في آسيا وأوربا، والتي كانت خاضعة لبطريرك أنطاكية. الروح يقول عن نفسه في مقدمة هذه الرسالة "هذا يقوله الذي له سبعة أرواح الله والسبعة الكواكب". تعريف الروح لنفسه بهذه الصورة يشبه جداً تعريف الروح لنفسه لكنيسة أفسس، حيث قال: "هذا يقوله الممسك السبعة الكواكب في يمينه. الماشي في وسط المنابر الذهبية". وذلك لأنه يوجد تقارب وتشابه بين الكنيستين. التاريخ كان يسير في نفس الخطوط في الكنيستين. الاثنين بدأوا غيورين ومتحمسين ثم انتابهم الفتور بعد ذلك، ولكن الفتور في ساردس كان أشد. الرسالة الأساسية لأفسس كانت بسبب عدم استمرارها في محبتها الأولى، ولكن الرسالة لساردس كانت انخفاض المستوى والغرور الكاذب والموت. الراسل للكنيستين يقف في المركز، ويُعلن عن نفسه بأنه المُدبر للكنيسة في العالم وبالذات لكنائس آسيا. فقوله: "الذي له سبعة أرواح الله"، فهو تعبير رمزي للتعبير عن القوة الإلهية التي تعمل في الإنسان، القادرة أن تُعطيه كل القوة والنصرة في نضاله ضد الشيطان أو ضد المسيح. ولأن خطية كنيسة ساردس كانت الكبرياء والغرور الكاذب، فقال الروح أنه: "له سبعة أرواح الله"، لأن الروح هو الوحيد القادر على تطهيرنا من كل الخطايا، كما يقول الرسول: " وإنما أقول اسلكوا بالروح فلا تُكملوا شهوة الجسد. لأن الجسد يشتهى ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يُقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون. ولكن إذا انقدتم بالروح فلستم تحت الناموس وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى، عهارة، نجاسة، دعارة، عبادة الأوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق، بدعة، حسد، قتل، سُكر، بطر، وأمثال هذه التي أَسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضاً إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله. وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لُطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف. ضد أمثال هذه ليس ناموس ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء أما بعضنا بعضاً، ونحسد بعضنا بعضاً". (غل5: 16- 26). وكما قال السيد المسيح: "الحق الحق أقول لك. إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح"(يو3: 5-6). أما قوله: " الممسك بالسبعة الكواكب"، يعنى أنه هو صاحب القوة الإلهية التي ترعى الكنائس السبعة وترعى أساقفتها، أي أن كلهم محفوظين في يد الله القوية. أخطاء كنيسة ساردس: "أنا عارف أعمالك. أن لك اسمًا أنك حي وأنت ميت. كن ساهراً وشدد ما بقى. الذي هو عتيد أن يموت. لأني لم أجد أعمالك كاملة أمام الله". الأسقف ميليتون كانت له أعمال صالحة كثيرة، وكتابات قيمة، كما سبق وذكرنا في سيرته، ولكنه أيضاً كان يؤمن بأفكار غريبة غير مقبولة من الكنيسة الأولى فمثلاً: كان يُنادى بالاحتفال بعيد القيامة المجيد في (14 نيسان)، وهو عيد الفصح عند اليهود. مع أن الكنيسة قد استقرت على الاحتفال بعيد القيامة يوم الأحد التالي لفصح اليهود. وكان يؤمن بالحكم الألفي للمسيح على الأرض قبل يوم القيامة الأخير، وهذا الفكر أيضاً مرفوض من آباء الكنيسة الأوائل. لذلك قال له الروح:"لك اسماً أنك حي وأنت ميت.....لم أجد أعمالك كاملة أمام الله" وبالطبع هذا الفكر الذي اعتنقه تبعه فيه مؤمنين آخرين في الكنيسة. وأيضاً وُجد في الكنيسة أناس مسيحيتهم غير كاملة، إذ أنهم رحبوا بوجود بدع وهرطقات بينهم، وانقادوا إلى طريق الضلال. لقد فقدوا كُل حياتهم وقوتهم، ودخلوا بعمق مع عادات الوثنيين، والتي من وجهة نظر المسيحية فاسدة وخليعة. لذلك وقعت كنيسة ساردس تحت التأديب، ولهذا اضطر المسيحيون الحقيقيون في الكنيسة أن يستبعدوا هؤلاء المرتدين من اجتماعاتهم، بحسب وصية بولس الرسول القائلة: كتبت إليكم في الرسالة أن لا تُخاطوا الزناة وليس مُطلقاً زُناة هذا العالم، أو الطماعين أو الخاطفين، أو عبدة الأوثان، وإلا فيلزمكم أن تخرجوا من العالم. وأما الآن فكتبت إليكم إن كان أحد مدعو أخاً زانياً أو طماعاً أو عابد وثن أو شتاماً أو سكيراً أو خاطفاً، أن لا تُخالطوا ولا تُؤاكلوا مثل هذا لأنه ماذا لي أن أَدين الذين من خارج؟ ألستم أنتم تَدينون الذين من داخل؟ أما الذين من خارج فالله يَدينهم. (فاعزلوا الخبيث من بينكم)" (1كو 5: 9-13). وقد يقول قائل، هل المطلوب أن نكون أمناء إلى حد الكمال في كل أمور حياتنا؟ نعم، هذا هو المطلوب، فقد طلب منا السيد المسيح حينما قال: " سمعتم أنه قيل تُحب قريبك وتُبغض عدوك وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات فإنه يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويُمطر على الأبرار والظالمين لأنه إن أحببتم الذين يُحبونكم، فأي أجر لكم؟ أليس العشارون أيضاً يفعلون ذلك؟ وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون؟ أليس العشارون أيضاً يفعلون هكذا؟ فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل"(مت 5:43-48). ويوصينا بولس الرسول قائلاً:" أيها الإخوة لا تكونوا أولاداً في أذهانكم بل كونوا أولاداَ في الشر. وأما في الأذهان فكونا كاملين"(1 كو 14:20). ويقول أيضاً: "ونطلب إليكم أيها الإخوة أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس أسندوا الضعفاء تأنوا على الجميع. انظروا أن لا يُجازى أحد أحداً عن شر بشر، بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات امتحنوا كل شيء، تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر. وإله السلام نفسه يُقدسكم بالتمام. ولتُحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح. أمين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضاً"(1تس 5: 14- 24). ويقول سفر الأمثال: "من يُضل المستقيمين في طريق رديئة ففي حفرته يقع هو. أما الكَمَلَة فيمتلكون خيراً"(أم 28: 10).ويقول أيضا ً" السالك بالكمال يَخلُص. والملتوي في طريقين يسقط في إحداهما"(أم 28: 18). العلاج: لم يذكر الروح أخطاء كنيسة ساردس فقط، بل قدم لهم طريق الشفاء، لأنه: "يريد أن الكل يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون"(1تى 2: 4). فقال: "كُن ساهراً وشدد ما بقى... فأذكر كيف أخذت وسمعت. واحفظ وتب. فإني إن لم تسهر. أُقدم عليك كلص. ولا تعلم أية ساعة أُقدم عليك". 1- حياة السهر واليقظة: العذارى الخمس الحكيمات، سهروا طول الليل ومصابيحهم موقدة، فاستحقوا أن يدخلن إلى العرس السماوي. أما الخمس الجاهلات، فقد أغلق الباب أمامهم لأن مصابيحهم كانت مُطفئة (مت 25). السهر يعنى مراقبة الإنسان لأعماله وأقواله بل وأفكاره أيضاً بصفة مستمرة، لكي يقتلع أي شائبة تُشوه حياته، كما يقول يعقوب الرسول: "لا يقل أحد إذا جُرب (إني أُجرب من قِبل الله)، لأن الله غير مُجرب بالشرور وهو لا يُجرب أحداً. ولكن كل واحد يُجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كَمَلت تُنتج موتاً لا تضلوا يا إخوتي الأحباء"(يع 1: 13 - 16). ويقول بطرس الرسول: "اصحوا واسهروا. لأن إبليس خصمكم كأسد زائر. يجول مُلتمساً من يبتلعه هو. فقاوموه. راسخين في الإيمان. عالمين أن نفس هذه الآلام تُجرى على إخوتكم الذين في العالم"(1 بط 5: 8- 9). 2- أذكر كيف أخذت وسمعت: طلب الروح من الأسقف ومن المؤمنين، أن يتمسكوا بتعاليم الآباء التي سبق وتعلموها، ولا يضلوا عنها. بل طلب أيضاً أن يهتموا بما سمعوه من وصايا الرب ويحفظونها. الرب أوصى موسى النبي بحفظ الوصايا، قائلاً: "اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد فتُحب الرب إلهك من كل قلبك ومن نفسك ومن كل قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا أُوصيك بها اليوم على قلبك، وَقُصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشى في الطريق، وحين تنام وحين تقوم، واربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك".(تث 6: 4- 9). وقد وبًخ الرب الكتبة والفريسيين لأنهم متمسكين بتقاليد وضعها الناس وتركوا وصايا الرب، قائلاً: "فأجاب وقال لهم حسناً تنبأ إشعياء عنكم أنتم المُرائين كما هو مكتوب: هذا الشعب يُكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عنى بعيداً، وباطلاً يعبدونني وهم يُعلمون تعاليم هي وصايا الناس. لأنكم تركتم وصية الله وتتمسكون بتقليد الناس: غسل الأباريق والكؤوس، وأمور أُخر كثيرة مثل هذه تفعلون. ثم قال لهم: حسناً رفضتم وصية الله لتحفظوا التقليد". (مر7: 6- 9). ويمدح بولس الرسول أهل رومية على تمسكهم بتعاليم الآباء قائلاً: "شكراً لله. أنكم كنتم عبيداً للخطية. ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلموها" (رو 6: 17). ويوصى بولس الرسول أهل فيليبي، قائلاً: "أخيراً أيها الإخوة، كل ما هو حق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مُسر، كل ما صيته حسن، إن كانت فضيلة وإن كان مدح، ففي هذا افتكروا. وما تعلمتموه، وتسلمتموه، وسمعتموه، ورأيتموه في، فهذا افعلوا، وإله السلام يكون معكم"(في 4: 8-9). ويطلب من أهل تسالونيكى أن يتمسكوا بما تسلموه، قائلاً: "فمن ثَم أيها الإخوة نسألكم ونطلب إليكم في الرب يسوع، أنكم كما تسلمتم منا كيف يجب أن تسلكوا وتُرضوا الله، تزدادون أكثر. لأنكم تعلمون أية وصايا أعطيناكم بالرب يسوع. لأن هذه هي إرادة الله: قداستكم. أن تمتنعوا عن الزنا، أن يعرف كل واحد منكم أن يقتنى إناءه بقداسة وكرامة، لا في هوى شهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله، أن لا يتطاول أحد ويطمع على أخيه في هذا الأمر، لأن الرب مُنتقم لهذه كلها كما قُلنا لكم قبلاً وشهدنا. لأن الله لم يَدعُنا للنجاسة بل في القداسة. إذاً من يُرذِل لا يُرذِل إنساناً، بل الله الذي أعطانا أيضاً روحه القدوس."(1 تس 4: 1- 8). وإذا لم تتبع كنيسة ساردس وأسقفها طريق التوبة المرسوم لهم، فالرب يقول لهم: "فإني إن لم تسهر. اُقدم كلص. ولا تعلم أية ساعة أُقدم عليك". يوم المجيء الثاني يأتي كلص لغير الساهرين، أما المتيقظين فينتظرونه بفرح، وفى ذلك يقول بولس الرسول: "وأما الأزمنة والأوقات فلا حاجة لكم أيها الإخوة أن أكتب عنها، لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء. لأنه حينما يقولون: (سلام وآمان)، حينئذ يُفاجئهم هلاك بغتة، كالمخاض للحُبلى، فلا ينجون. وأما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمة حتى يُدرككم ذلك اليوم كلص. جميعكم أبناء نور وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمة. فلا ننم كالباقين، بل لنسهر ونصح. لأن الذين ينامون فبالليل ينامون، والذين يسكرون فبالليل يسكرون. وأما نحن الذين من نهار، فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة، وخوذة هي رجاء الخلاص. لأن الله لم يجعلنا للغضب، بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح، الذي مات لأجلنا، حتى إذا سهرنا أونمنا نحيا جميعاً معه. لذلك عَزوا بعضكم بعضاً وابنوا أحدكم الآخر، كما تفعلون أيضاً"(1تس 5: 1- 11). ويؤكد بطرس الرسول هذا الكلام، قائلاً: "ولكن لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء: أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يَحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أُناس، بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلص في الليل، يوم الرب، الذي فيه تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر مُحترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كلها تنحل، أي أُناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مُقدسة وتقوى؟ مُنتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب، الذي به تنحل السموات مُلتهبة، والعناصر مُحترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة، وأرضاً جديدة، يسكن فيها البر. لذلك أيها الأحباء، إذ كنتم مُنتظرون هذه، اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب، في سلام. واحسبوا أناة ربنا خلاصاً، كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له"(2 بط 3: 8- 15). ويؤكد الرب في سفر الرؤيا، قائلا:" ها أنا آتى كلص. طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشى عرياناً فيروا عُريته"(رؤ16 - 15). وعد الرب للأمناء: " عندك أسماء قليلة في ساردس لم يُنجسوا ثيابهم. فسيمشون معي في ثياب بيض لأنهم مُستحقون. من يغلب سيلبس ثياباً بيضاً. ولن أمحو اسمه من سفر الحياة. وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام ملائكته". الله يرى وينظر ويفحص القلوب، ويعرف أن هناك في ساردس أسماء قليلة أمناء، إنه يعرف كل واحد باسمه ويعرف أعماله. ومن أجل هؤلاء الأمناء الثابتين لم تتدهور كنيسة ساردس. لذلك وعدهم الرب أنه سوف يعترف بأسمائهم أمام الآب وملائكته، وأنهم سيسيرون معه في ثياب بيضاء. اللون الأبيض معروف منذ القدم أنه رمز الطهارة ونقاوة القلب. كل الرومانيين كانوا يلبسون ثوب ثقيل لونه أبيض، يُسمى (توجا)، في أيام الأجازات وفى الاحتفالات الدينية، حيث كان يُطلق على المدينة في أيام الاحتفالات (المدينة البيضاء). ولكن بالطبع الجنود في الاحتفالات لا يلبسون الـ(توجا)، بل يلبسون بدلة رسمية حربية مُزينة ويسيرون في أيام الاحتفال بالنصرة (وهو الاحتفال بجوبيتر). وقد يكون هذا هو السبب في قول الروح: " يسيرون معي في ملابس بيضاء"، لأنهم يعرفون أن الملابس البيضاء رمز الطهارة والنصرة والغلبة. وأراد أن يقول للمؤمنين هناك، أن لبس الملابس البيضاء في ملكوت السموات نتيجة النصرة على الخطية، أفضل كثيراً وتستحق الجهاد، أفضل من لبسها للاحتفال بإله وثنى (جوبيتر). وبالطبع اللون الأسود مُناسب للذين ارتكبوا الجرائم. أما موكب النصرة هذا الذي سوف يسير فيه الأمناء في الملكوت، يبدأ هنا على الأرض، إذ يقول بولس الرسول: "ولكن شكراً لله الذي يقودنا في مَوكب نُصرته في المسيح كل حين، ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لأننا رائحة المسيح الذكية لله، في الذين يخلصون وفى الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت، ولأولئك رائحة حياة لحياة. ومَن هو كُفوء لهذه الأمور؟ لأننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله، لكن كما من إخلاص، بل كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح".(2كو2: 14 -17). وربما استخدام الروح لكلمة (الرداء أو الثياب)، إشارة إلى التجارة الرئيسية في المدينة، وهى صباغة الأقمشة الصوفية. سفر الحياة: "من يغلب... لن أمحو اسمه من سفر الحياة". وعن هذا السفر قال يوحنا الحبيب في رؤياه: "ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض، والجالس عليه، الذي من وجهه هَربت الأرض والسماء، ولم يوجد لهم موضع. ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله، وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة، وَدِين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. وسَلَم البحر الأموات الذين فيه، وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما. ودِينوا كل واحد بحسب أعماله. وطُرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني. وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طُرح في بحيرة النار" (رؤ 20: 11- 15). وقال أيضاً: "ثم وقفت على رمل البحر، فرأيت وحشاً طالعاً من البحر له سبعة رؤوس وعشرة قرون،وعلى قرونه عشرة تيجان، وعلى رؤوسه اسم تجديف. والوحش الذي رأيته كان شبه نمر، وقوائمه كقوام دب، وفمه كفم أسد. وأعطاه التنين قُدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً. ورأيت واحداً من رؤوسه كأنه مذبوح للموت، وجُرحه المميت قد شُفى. وتعجبت كل الأرض وراء الوحش، وسجدوا للتنين الذي أعطى السلطان للوحش، وسجدوا للوحش قائلين: من هو مثل الوحش؟من يستطيع أن يحاربه؟ وأُعطى فماً يتكلم بعظائم وتجاديف، وأُعطى سلطاناً أن يفعل اثنين وأربعين شهراً. ففتح فمه بالتجديف على الله، ليُجدف على اسمه، وعلى مسكنه، وعلى الساكنين في السماء.وأُعطى أن يصنع حرباً مع القديسين ويغلبهم، وأُعطى سلطاناً على كل قبيلة وأمة. فسيسجد له جميع الساكنين على الأرض، الذين ليست أسمائهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذُبح. من له أُذن فليسمع. إن كان أحد يجمع سبياً، فإلى السبي يذهب. وإن كان أحد يقتل بالسيف، فينبغي أن يُقتل بالسيف، فينبغي أن يُقتل بالسيف. هُنا صبر القديسين وإيمانهم"(رؤ 13: 1- 10). _____ الحواشي والمراجع : 1- The New Bible Dictionary, 1962, p.1145. 2- W. M. Ramsay, “The letters to the seven churches of Asia”, p. 369- 370. 3- Wikipedia/ st. Milito. 4-القمص تادرس يعقوب ملطى، "تفسير سفر الرؤيا"، ص 40- 42. 5-القمص تادرس يعقوب ملطى، "قاموس آباء الكنيسة وقديسيها"، القديس ميليتون. 6-متى هنرى، "التفسير الكامل للكتاب المقدس"، ص 628. |
||||
21 - 07 - 2014, 04:20 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الكنائس السبعة في سفر الرؤيا - أ. بولين تودري
كنيسة فيلادلفيا "واكتب إلى ملاك الكنيسة التي في فيلادلفيا: هذا يقوله القدوس الحق، الذي له مفتاح داود، الذي يفتح ولا أحد يُغلق، ويُغلق ولا أحد يفتح: أنا عارف أعمالك. هأنذا قد جعلت أمامك باباً مفتوحاً ولا يستطيع أحد أن يُغلقه، لأن لك قوة يسيرة، وقد حفظت كلمتي ولم تُنكر اسمي. هأنذا أجعل الذين من مَجمع الشيطان، من القائلين إنهم يهود وليسوا يهوداً، بل يكذبون، هأنذا أُصيرهم يأتون ويسجدون أمام رجليك، ويعرفون أنى أنا أحببتك. لأنك حفظت كلمة صبري، أنا أيضاً سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتى على العالم كله لتُجرب الساكنين على الأرض. ها أنا آتى سريعاً. تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك. مَن يغلب فسأجعله عموداً في هيكل إلهي، ولا يعود يخرج إلى خارج وأكتب عليه اسم إلهي، واسم مدينة إلهي، أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند إلهي. واسمي الجديد. من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس". (رؤ3:7 -13). مدينة فيلادلفيا: هي مدينة في المقاطعة الرومانية في آسيا، في الغرب من تركيا الحالية. وقد أخذت فيلادلفيا اسمها من أتاليوس الثاني (159 -138 ق.م)، والذي تَسمى من أخيه أومنيوس بلقب فيلادلفوس. هذه المدينة تقع في وادي" كوجامس" التابع لوادي هرمس من سنة 189 ق.م. تحت حكم أومينوس. وكانت المدينة في قلب برغامس، ولكنها لم تكن مقاطعة حربية لحماية الحدود مثل ثياتيرا، ولكن لوجود المدينة على طريق تجارى مهم، فكان لا بد من حماية هذا الطريق، ولكن الحماية الحربية ومقاومة الغارات كانت مطلوبة أساساً عند الحدود الشرقية. تقع فيلادلفيا في نهاية الجزء العلوي من الوادي الواسع الذي ينحدر من ساردس إلى البحر القريب من سميرنا، وتقع أيضاً عند مدخل هضبة خصيبة جداً، والتي أدت إلى ازدهارها في التجارة. هذه المنطقة تقع في حزام الزلازل، حيث دمر زلزال شديد المدينة سنة 17 م. وامتد تأثيره إلى سنين طويلة بعد ذلك، إذ كان له توابع كثيرة. فقد كتب "سترابو" أن الزلازل استمرت تحدث يومياً لمدة سنتين أو ثلاثة، وحوائط المنازل تشققت، وكل يوم كانت منطقة من المدينة تُعانى من الدمار. هذه التوابع والاهتزازات لمدة طويلة، دفعت بالسكان للحياة خارج المدينة في خيام، وكرسوا أنفسهم لزراعة إقليم فيلادلفيا الخصيب. ولكن القليل من السكان جازفوا بالبقاء في المدينة، ووجهوا اهتمامهم لحركة الأرض وحرسوا الحوائط من السقوط بوضع دعامات لها. وبالطبع فإن كثرة الكوارث والرعب منعوا أي تطور في فيلادلفيا. ولكن الإمبراطور طيباريوس اهتم بأن يُعيد الرخاء والرفاهية إلى مدن آسيا الاثني عشر، وذلك بإعطائهم منح مادية وإعفائهم من الضرائب. وسُميت المدينة بعد ذلك" نيو قيصرية"، أي أخذت اسماً جديداً. وتحت حكم الإمبراطور فسباسيان أخذت اسم " فيلادلفيا". المدينة بها عدد من المعابد الوثنية التي يقام فيها الاحتفالات الدينية. تُعتبر مدينة فيلادلفيا مركزاً لملوك برغامس في الدعم والتنظيم والتعليم، فهى مركز الحضارة اليونانية، ووسيلة انتشار اللغة اليونانية في الجزء الشرقي من ليديا وفريجية. إنها كانت مدينة التبشير بالمسيحية من البداية، وعندما تعرضت للهجوم من الأتراك بقيت رافعة علم المسيحية وكانت ثابتة أمام تهديداتهم. في القرن الرابع عشر الميلادي وقفت وحدها ضد الأتراك، وبقيت المدينة الوحيدة المسيحية في وسط أرض تركيا. ومرة ثانية حوصرت المدينة من جيوش الأتراك، وأناسها كانوا على شفا الموت جوعاً، ولكنهم كانوا قد تعلموا أن يُدافعوا عن أنفسهم، وألا يثقوا في أي ملك غريب أو أي حكومة خارجية، وقاوموا بنجاح إلى النهاية. وفى الفترة من 1379-1390م. خضغت المدينة لحكم مشترك بين تركيا واليونان، حيث أن الأتراك لم يستطيعوا أن يصمدوا وحدهم أمام المسيحيين هناك. ومنذ ذلك الوقت تحولت فيلادلفيا إلى الإسلام، وسُميت المدينة" الأشهير"، أي المدينة الحمراء"، نسبة إلى التلال المحيطة بها والتي لها اللون البني المحمر. وفى آخر فترة من حريتها نجحت بصعوبة في الحفاظ على تراثها القديم، وعلى إتباع قوانين الكنيسة عن طريق أساقفة ليديا، والتي كانت تتبع ساردس لأكثر من ثلاثة آلاف سنة. كنيسة فيلادلفيا: كنيسة فيلادلفيا، تُعتبر الكنيسة المقدسة بين الكنائس السبع، فقد مدحها الروح مرتين بأنها: "حفظت كلمتي واحتملت الوصية"، لذلك استحقت" تاج الحياة". كنيسة فيلادلفيا كانت لها "قوةيسيرة"، أي إمكانياتهم ضعيفة، وبالرغم من ذلك فإن هذه الكنيسة وكنيسة سميرنا يُحسب لهم أنهم الكنيستين اللتين بقيتا شاهدتين للمسيح وحصن للمسيحية حينما كانوا تحت حكم الأتراك الإسلاميين. لقد عانتا الكنيستين - فيلادلفيا وسميرنا- من وجود مجموعات يهودية، سواء كانوا سكان متغربين أو يهود المدينة، وقد تعرضت الكنيسة للمقاومة من كراهية اليهود لها وتسببوا في إزعاجها. ولقد عانت هاتين الكنيستين أكثر من الكنائس الأخرى من اليهود، بسبب أن أعداد اليهود فيهم كانت كثيرة، وأيضاً بسبب ضعف وفقر المسيحيين هناك. حالة فيلادلفيا تشرح معنى الرسالة التي أُرسلت إليها. فإن فيلادلفيا تقع في أقصى الجزء العلوي من وادي طويل، والمفتوح من الخلف على البحر. بعد المرور من فيلادلفيا فإن الطريق من الوادي يرتفع إلى أرض فريجية والهضبة العليا، التي بها أكبر تجمع في آسيا الصغرى. هذا الطريق ممتد من شاطئ سميرنا إلى شمال شرق آسيا الصغرى، وهو طريق مهم مثل الطريق الكبير الذي يربط أفسس بالشرق، وهو أكبر طريق آسيوي تجارى، واستمر إلى القرون الوسطى. طريق الإمبراطور من روما إلى المقاطعات المختلفة في الشرق والجنوب الشرقي، تلتقي في نقط معينة مع هذا الطريق الآسيوي التجاري، مروراً بترواس وبرغامس وثياتيرا إلى أن يصل إلى ساردس، ويتحد مع الطريق التجاري في فيلادلفيا إلى وسط فريجية. من خلال هذا الطريق حصل تواصل كبير بين روما عبوراً بفريجية حتى يصل إلى الشرق. وعلى ذلك فإن فيلادلفيا هي الحصن لمدخل الهضبة، وهذا المدخل أو الباب ما زال مفتوحاً باستمرار أمام الكنيسة، وبالتالي يتمكن المبشرين بأن يحملوا رسالة الإنجيل إلى مدن فريجية. وهذا الباب المفتوح من الرب للكنيسة ليس باطلاً، فالرب قد فعل هذا لكي يكون فرصة متاحة للكرازة. ولكن في الحقيقة أن كل كنيسة من الكنائس السبع كان عندها فرصة الباب المفتوح هذا، لأنهم يقعون على الطريق أيضاً، ولكن ربما أُعطى هذا "الباب المفتوح"، أى الدعوة للكرازة لكنيسة فيلادلفيا بالذات، لأجل ثباتهم وتمسكهم بمسيحيتهم في أحلك الظروف. ولقد زار القديس أغناطيوس هذه المدينة وهو في طريقه للاستشهاد في روما، وأرسل رسالة إلى كنيسة فيلادلفيا. "الباب المفتوح"، وفكرة الباب المفتوح، تعبير معروف من أيام بولس الرسول، حيث قال:" لكنني أمكث في أفسس إلى يوم الخمسين. لأنه قد انفتح لي باب عظيم فعال. ويوجد مُعاندون كثيرون"(1كو 16: 8- 9). وقال أيضاً:" ولكن لما جئت إلى ترواس. لأجل إنجيل المسيح. وانفتح لى باب في الرب" (2 كو2: 12). وأيضاً طلب من أهل كولوسي الصلاة لكي يفتح له الرب باباً للكرازة، حيث قال: "واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر. مصلين في ذلك لأجلنا نحن أيضاً. ليفتح الرب لنا باباً للكلام. لنتكلم بسر المسيح"(كو 4: 2-3). وبالتالي يُفهم معنى "الباب المفتوح" هنا بأنه باب للكرازة والتبشير. ويرى القديس يوحنا ذهبى الفم، أن هذا الباب هو الصليب الذي به يفتح لنا الرب باب الفردوس ويُدخلنا الملكوت، كما يُغلق في وجوهنا الجحيم وجهنم. ويرى القديس غريغوريوس صانع العجائب أن هذا المفتاح هو الكتاب المقدس وخاصة النبوات، لأن روح المسيح الذي كتب النبوات هو وحده القادر أن يوضحها ويكشفها. الرسالة إلى كنيسة فيلادلفيا: ملاك الكنيسة: "أكتب إلى ملاك الكنيسة التي في فيلادلفيا". قيل أن ملاك الكنيسة هو الأسقف كودرانوس، غير أن القديس ايرونيموس يقول بأن هذا الأب كان أسقفاً على أثينا وليس على فيلادلفيا. تعريف الروح لنفسه: "هذا يقوله القدوس الحق. الذي له مفتاح داود. الذي يفتح ولا أحد يُغلق. ويُغلق ولا أحد يفتح". *هو القدوس الحق، هو ربنا يسوع المسيح، كما قال بطرس الرسول في عظته عندما تَعجب الشعب من شفاءه للمقعد عند باب الجميل: " أنتم أنكرتم القدوس البار. وطلبتم أن يُوهب لكم رجل قاتل"(أع 3: 14). وقال أيضاً يوحنا الحبيب:" ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية"(1يو 5: 20). والقدوس الحق، هو الاسم الذي سبًح به السمائيين الرب في سفر الرؤيا: "والأربعة الحيوانات لكل واحد منها ستة أجنحة حولها، ومِن داخل مملوءة عيوناً، ولا تزال نهاراً وليلاً قائلة: قدوس، قدوس، قدوس، الرب الإله القادر على كل شيء، الذي كان والكائن والذي يأتي. وحينما تُعطى الحيوانات مجداً وكرامة وشكراً للجالس على العرش، الحي إلى أبد الآبدين، يخُر الأربعة والعشرون شيخاً قدام الجالس على العرش، ويسجدون للحى إلى أبد الآبدين، ويطرحون أكاليلهم أمام العرش قائلين: (أنت مُستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة، لأنك أنت خلقت كل الأشياء، وهى بإرادتك كائنة وخُلِقت"(رؤ 4: 8- 11). وحينما يُدرك الإنسان قداسة الرب، يلتهب قلبه بالعبادة والخشوع أمام القدوس المستحق لكل مجد وكرامة إلى أبد الآبدين. *الذي له مفتاح داود: أي الذي بيده مفتاح داود، ويُعطى السلطان لمن يشاء، ويثبته على كرسيه، كما وعد الرب الياقيم بن حلقيا قائلاً: "ويكون في ذلك اليوم أنى أدعو عبدي ألياقيم بن حِلقيا وأُلبسه ثوبك، وأشده بمنطقتك، وأجعل سلطانك في يده. فيكون أباً لسكان أورشليم ولبيت يهوذا. وأجعل مفتاح بيت داود على كتفه، فيفتح وليس من يُغلق، ويُغلق وليس من يفتح. وأُثبته وتداً في موضع أمين، ويكون كرسي مجد لبيت أبيه" (أش 22: 20- 23). وكما جاء على لسان الملاك الذي بشر العذراء بميلاد المسيحبأن مفتاح داود هو كرسي وسلطان داود، حيث قال: " ها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتُسمينه يسوع هذا يكون عظيماً. وابن العلى يُدعى. ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد. ولا يكون لملكه نهاية"(لو 1: 31-33). وجاء أيضاً أن الرب عرًف نفسه ليوحنا الحبيب في رؤياه: " أنا هو الأول والآخر. والحي وكنت ميتاً. وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين. ولى مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 17- 18). أي أن الذي له مفتاح داود، هو الحي إلى الأبد، وفى يده مفاتيح الهاوية والموت. الذي قَدم الرسالة إلى كنيسة فيلادلفيا هو الرب يسوع نفسه،" القدوس الحق"، الذي هو وحده الذي يفتح فرصة للكنائس لكي تخدم، وهو الذي يفتح القلوب لكي تقبله ملكاً عليها، وهو الذي يفتح باب الدخول لكي ننضم إلى الكنيسة المنتصرة. شهادة الروح لفضائل الكنيسة: *" لك قوة يسيرة. وقد حفظت كلمتي ولم تُنكر اسمي هأنذا أجعل الذين من مجمع الشيطان. من القائلين أنهم يهود وليسوا يهوداً. بل يكذبون. هأنذا أُصيرهم يأتون ويسجدون أمام رجليك ويعرفون أنى أحببتك" *يشهد الروح للكنيسة بأنها لها "قوة يسيرة وقد حفظت كلمتي ولم تُنكر اسمي". فالكنيسة قد عانت من كثرة الزلازل والتشتيت الذي نتج عنها، ولكنها بقيت أمينة لمسيحيتها. كما أنها عانت من اليهود أعداء الكنيسة وحفظت كلمة الرب. كما عانت من الأتراك ولكنها بقيت، لم تُنكر اسم الله. حقاً الكنيسة لها قوة يسيرة، ولكنها تمسكت بقوة الله، كما قال الكتاب:" لا بالقدرة ولا بالقوة. بل بروحي قال رب الجنود" (زك 4: 6). فالرب ينظر إلى تقدماتنا البسيطة من صلوات وصدقات وأصوام ويباركها ويراها ثمينة جداً في نظره، فهو"يستجيب لك الرب في يوم الضيق. ليرفعك اسم إله يعقوب. ليرسل لك عوناً من قدسه. ومن صهيون ليُعضدك. ليذكر كل تقدماتك. ويستسمن محرقاتك. ليعطك حسب قلبك. ويتمم كل رأيك" (مز 20: 1- 4). فمن أجل القليل من الأمانة والصلاة والمثابرة يُقدم الرب الكثير لمن حفظ كلمته ولم يُنكر اسمه. وحتى إن كانت الكنيسة لها قوة يسيرة في الكرازة بالمسيح، فالرب يُعضدها بقوة من عنده، كما يقول بولس الرسول:" ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئاً كأنه من أنفسنا. بل كفايتنا من الله. الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد. لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل ولكن الروح يُحيي"(2كو 3: 5-6). ويقول أيضاً: "لكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية. ليكون فضل القوة لله لا منا"(2كو 4: 7). لذلك: "هأنذا أجعل الذين من مجمع الشيطان، من القائلين إنهم يهود وليسوا يهوداً. بل يكذبون. هأنذا أُصيرهم يأتون ويسجدون أمام رجليك. ويعرفون أنى أنا أحببتك". لأجل أمانتهم سوف يُخضِع الرب أعداء الكنيسة لها، هؤلاء الأعداء الذين يوصفون بأنهم يهود ولكنهم بالحقيقة مجمع الشيطان. لكنهم سوف يقتنعون بخطئهم،" ويعرفون أنى أحببتك". وهذا هو وعد الرب لكل إنسان عاش بالأمانة، فالرب سوف يُخضِع له أعداؤه، وقد جاء هذا الوعد على لسان إشعياء النبي قائلاً:"هكذا قال السيد الرب: ها إنى أرفع إلى الأمم يدي وإلى الشعوب أُقيم رايتي، فيأتون بأولادك في الأحضان، وبناتك على الأكتاف يُحملن. ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مُرضعاتك. بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك، ويلحسون غبار رجليك، فتعلمين أنى أنا الرب الذي لا يَخزى مُنتظروه" (أش 49: 22- 23). ويؤكد الوعد قائلاً:" وبنو الذين قهروك يسيرون إليك خاضعين، وكل الذين أهانوك يسجدون لدى باطن قدميك ويدعونك مدينة الرب، صهيون قدوس إسرائيل. عوضاً عن كونك مهجورة ومُبغضة بلا عابر بك، أجعلك فخراً أبدياً فرح دور فدور، وترضعين لبن الأمم، وتَرضعين ثدي ملوك وتعرفين أنى أنا الرب مخلصك ووليك عزيز يعقوب. عِوضاً عن النحاس آتى بالذهب وعِوضاً عن الحديد آتى بالفضة، وعِوضاً عن الخشب بالنحاس، وعِوضاً عن الحجارة بالحديد، وأجعل وُكلاءك سلاماً وَوُلاتك براً. لا يُسمع بعد ظلم في أرضك، ولا خراب أو سحق في تخومك بل تُسمين أسوارك خلاصاً وأبوابك تسبيحاً. لا تكون لك بعد الشمس نوراً في النهار، ولا القمر يُنير لك مُضيئاً بل الرب يكون لك نوراً أبدياً وإلهك زينتك. لا تغيب بعد شمسك وقمرك لا ينقص، لأن الرب يكون لك نورا أبدياً، وتُكمل أيام نوحك. وشعبك كلهم أبرار إلى الأبد يرثون الأرض غُصن غَرسي عمل يدي لأتمجد الصغير يصير ألفاً والحقير أُمة قوية، أنا الرب في وقته أسرع به"(أش 60: 14- 22). ويمتد هذا الوعد، ويكون من نصيب المؤمنين المثابرين والثابتين في محبة الله في الحياة الأبدية، كما أعلن يوحنا الحبيب قائلاً:" ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا، والبحر لا يوجد في ما بعد. وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مُهيأة كعروس مُزينة لرجلها. وسمعت صوتاً عظيماً من السماء قائلاً: هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت. وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديداً. وقال لى أُكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة. ثم قال لي قد تم أنا هو الألف والياء البداية والنهاية. أنا أُعطى العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً. من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلهاً وهو يكون لى ابناً وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت، الذي هو الموت الثاني"(رؤ21:1- 8). *ويشهد الروح أيضاً للكنيسة،" لأنك حفظت كلمة صبري أنا أيضاً سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتى على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض". " لأنك حفظت كلمة صبري"، إنجيل المسيح هو كلمة صبره المقروءة منا، والذين يحفظون الإنجيل في وقت السلم، يحفظهم المسيح في وقت الضيق لذلك: قد أُعطى الوعد لكنيسة فيلادلفيا أنهم منقذين في وقت التجربة التي على العالم، وإنهم سيكونون ثابتين ولن يحتاجوا إلى الخروج إلى مدن أخرى، إذ أعطاهم الوعد بأنهم سيكونوا عموداً في هيكل الرب. والعمود هو ما يرتكز عليه البناء كله، وهذا رمزاً للاستقرار. وهذا العمود في هيكل الله، يشهد على أمانتهم وصبرهم وعلى تعضيد الرب لهم، وهى ذكرى لن تزول ولن تُهزم، كما حدث مع أعمدة كثيرة أُقيمت على شرف أباطرة وقادة رومانيين. وعلى هذه الأعمدة يُكتب اسم الله واسم مدينة أورشليم النازلة من السماء، والاسم الجديد الذي ليسوع المسيح. وهكذا سيظهر جلياً تحت أي لواء تجند هذا المؤمن الغالب، وتحت أي قوة جاهد جهاده الحسن وخرج غالباً. وكما أن مدينة فيلادلفيا أخذت أسماء جديدة مختلفة من خلال أباطرتها، فإن الكنيسة سوف تأخذ "اسماً جديداً"، عن طريق أعضائها الثابتين في مدينة الإله الحقيقي. لهذا: دُعي الرسل الأطهار أعمدة:" فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا. المعتبرون أنهم أعمدة. أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم. وأما هم فللختان"(غل 2: 9). ودًعيت أيضاً الكنيسة: "كنيسة الله الحي. عمود الحق وقاعدته" (1 تى 3: 15). وأخيراً:يطلب الروح من مؤمني الكنيسة: "ها أنا آتى سريعاً. تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك". وبهذا الرجاء يُحمس بولس الرسول أولاده على ضرورة الجهاد قائلاً هكذا:" ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون ولكن واحداً يأخذ الجعالة؟ هكذا اركضوا لكي تنالوا. وكل من يُجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى. إذا، أنا أركض هكذا كأنه ليس عن غير يقين. هكذا أُضارب كأني لا أضرب الهواء. بل أقمع جسدي وأستعبده، حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً" (1 كو 9: 24- 27). يليق بنا أن نتمسك بما عندنا من البركات التي نلناها بالمعمودية، وقوة الغلبة على الخطية، وكيف صرنا هياكل للروح القدس. لئلا في لحظة سهو وتهاون نفقد أكاليلنا كما فعل كثيرون، مثل: يعقوب الذي أخذ بركة عيسو (تك 25)، وأخذ داود إكليل شاول، وأخذ متياس الرسول إكليل يهوذا الإسخريوطي، وأخذ الأمم بركة القبول ضمن شعب الله بعد ما رُفض اليهود. _____ الحواشي والمراجع : 1-The New Bible Dictionary, 1962, p. 982. 2-W. M. Marsay, “The Letters to the seven Churches of Asia”, p. 391- 412.
|
||||
21 - 07 - 2014, 04:23 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الكنائس السبعة في سفر الرؤيا - أ. بولين تودري
كنيسة لاودكية "وأكتب إلى ملاك كنيسة اللاودكيين: هذا يقوله الآمين، الشاهد الأمين الصادق بَداءة خليقة الله. أنا عارف أعمالك أنك لست بارداً ولا حاراً ليتك كنت بارداً أو حاراً هكذا لأنك فاتر ولست بارداً ولا حاراً، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي. لأنك تقول: إني أنا غنى وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء. ولست تعلم أنك أنت الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان. أُشير عليك أن تشترى منى ذهباً مُصفى بالنار لكي تستغني، وثياباً بيضاً لكي تلبس فلا يظهر خزي عُريتك وَكَحل بِكحل لكي تُبصر. إني كل مَن أُحبه أُوبخه وأؤدبه. فَكن غيوراً وَتُب. هأنذا واقف على الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي. من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبى في عرشه. مَن له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس". مدينة لاودكية: هي مدينة في الإمبراطورية الرومانية في آسيا، والتي هي الآن غرب نهر تركيا. وُجدت في القرن الثالث قبل الميلاد بواسطة سيلوسيد أنطيوخوس الثاني، وسُميت لاودكيا على اسم زوجة أنطيوخوس الثاني، وتُسمى الآن بالتركية" أسكى حصار". بالنسبة لموقعها فهي تُعتبر مركز تجارى ناجح جداً بالذات في فترة حكم الرومان. فمثلاً بعد تدميرها بسبب الزلزال الشديد الذي حدث في سنة 60 م، رفضت المنحة المُقدًمة للمدينة من الإمبراطور لإعادة البناء. فمدينة لاودكية تقع على طريق هام جداً، طريق رئيسي يمر بآسيا الصغرى مُتجهاَ إلى الغرب إلى والشمال إلى العاصمة الرومانية برغامس، ومن الجنوب إلى ساحل آتاليا. وكانت مركزاً مهماً للمعاملات البنكية. هذا بالإضافة إلى أنها تقع في وادي ليكوس الواسع، المدينة مُحاطة بأرض خصبة. ومما يُميز منتجاتها التي تشمل الملابس الصوفية السوداء اللامعة، والعقاقير الطبية، والبودرة. موقعها له سلبية واحدة، وهو أن هذا الطريق المهم ليس له مصدر مائي ثابت، فالماء لا بد أن يأتي من خلال أنابيب من عيون ماء ساخنة، وربما تصل إلى "لوكورم". الموقع الآن مهجور وهناك مدينة حديثة" دنزيلى" حول ينابيع الماء. كنيسة لاودكية: لاودكية نتيجة وجودها على طريق تجارى هام، فكان يمر عليها مسافرين وتجار لا حصر لهم، ومن المتوقع أن الإنجيل وصلها في السنين الأولى، وربما حينما كان بولس الرسول يعيش في أفسس"وكان ذلك مدة سنتين، حتى سمع كلمة الرب يسوع جميع الساكنين في آسيا من يهود ويونانيين"(أع 19: 10). وربما عن طريق "أبفراس" "يُسلم عليكم أبفراس الذي هو منكم، عبد للمسيح، مُجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات، لكي تَثبتوا كاملين ومُمتلئين في كل مشيئة الله. فإني أشهد فيه أن له غيرة كثيرة لأجلكم، ولأجل الذين في لاودكية، والذين في هيرابوليس"(كو 4: 12،13) من الواضح أن الكنيسة هناك بقيت مغلقة في علاقتها مع كنائس المدن المجاورة "هيرابوليس"، "كولوسا". الرسالة من لاودكية "ومتى قُرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تُقرأ أيضاً في كنيسة اللاودكيين والتي من لاودكية تَقرأونها أنتم أيضاً" (كو 4: 16). هي عبارة عن نسخة من أفسس والتي تقبلتها كنيسة لاودكية. الرسالة إلى لاودكية (رؤ 3: 14- 22) تُشير إلى شخصية وأحوال المدينة. وبالرغم من نشاطها، فإن المدينة لم تُنتج قوة شفاء الماء الحار، مثل جارتها" هيرابوليس"، ولا قوة انتعاش الماء البارد الموجود في "كولوسا"، ولكن ماء "لوكورم"، نافع فقط للتقيؤ. والكنيسة مثل المدينة غير نافعة. ومثل المدينة، الكنيسة اعتبرت أنها" غير محتاجة لشيء"، مع أنها في الحقيقة تحتاج" الذهب"، والثوب الأبيض" و"الكحل"أكثر من احتياجها للبنوك وبائعي الأقمشة والدكاترة. ومثل المدن التي وفرت للمسافر بضائع رخيصة الثمن، فإن الكنيسة أغلقت أبوابها وتركت" ينبوع الماء الحي" خارجاً. من فاتحة الرسالة نفهم أن كنيسة لاودكية كانت تحتاج الثبات في الإيمان والحق. فالكنيسة كانت غير قادرة على مفاومة تجارب وغواية العالم، ولذلك فقد رُفضت بقوة من الله الحق الذي يرفض القلب المنقسم. لاودكية كمدينة هي أقل المدن السبعة معرفة في التاريخ، فوجودها أساسه هو حراسة الطريق والبوابة، وانتشار اللغة اليونانية والثقافة اليونانية في أرض فريجية، ولكنها لم تنجح. الحاجة الوحيدة التي برعت فيها أنها استطاعت أن تُكيف نفسها مع احتياجات الآخرين، لأنها ليست لها شخصية مستقلة. وهذا جعلها مدينة ناجحة في التجارة. ولكن بالنسبة ليوحنا الحبيب هي مدينة ليس لها بداية أو مرنة وغير مستقرة -كما ذكرنا أيضاً هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- بل صارت مُباحة لكل الأجناس وشعوبها من جنسيات مختلفة، وبالطبع يوحنا لم يهتم بنجاحها التجاري أو نجاحها في مجال البنوك والصرافة، بل هذا النجاح رآه يوحنا أنه سبب في برود محبتها. أومينيا مدينة في لاودكية، وهى كانت مدينة مسيحية كبيرة في القرن الثالث الميلادي، وهذا ما كتبه يوسابيوس ولاكتانيتوس من خلال مخطوطات عن هذه المدينة، والتي تُعبر عن شخصية لاودكية كلها، أثناء الاضطهاد العظيم في بداية القرن الرابع (303-313). حينما هددت الأوامر الإمبراطورية تجمع الشعب في الكنيسة. حيث أحاطت الكنيسة بالعساكر، وعلى المسيحيين الطاعة أو الموت، وبالتالي الكثير منهم لم يكن قادراً على مواجهة الموت. أما الموجودين في داخل الكنيسة فقد تم حرقهم بالكامل. يوسابيوس وجد عبارات مكتوبة فوق قبورهم تقول" الله فوق الكل"، وهذا يُبين قوة المسيحيين الأوائل هناك. هذه المخطوطات التي تصف المسيحيين هناك في (240- 300م). تنقل لنا انطباع أنه لم يكن هناك أي تضارب بين الثقافة اليونانية والمسيحية في إيمونيا، كما كان بعد ذلك. فلم توجد علا مات بُغض أو كراهة، بل كان هناك تصالح بين الفئات المختلفة، فمثلاً كان فيه توافق بين الديانتين في المدينة. وهذا لم يكن يحدث بدون التنازلات عن بعض المبادئ المسيحية لكي تتوافق مع حكومة الإمبراطورية، وهذا التوافق كان قوياً في إيمونيا. إذن المسيحية كانت قوية ومنتشرة في البداية في المدينة، وتم استئصال المسيحيين في مذبحة عظيمة، وبموتهم نفهم أنه لم يكن ثمة صلح أو توافق بين الديانتين في البداية. الرسالة إلى لاودكية تُبين حجم التوافق الذي صار بعد ذلك في المدينة. المقاومة للمسيحية كانت شديدة في البداية، إذ كان يتم قطع الأيدي والأرجل وتشويه الأعضاء. الكنيسة لامت الغضب الزائد على الشهداء، وإن كانت قد وضعت من يُقبل على الشهادة في إجهاد أكثر من اللازم لكي لا يسقط في الامتحان الصعب ويصير كافراً أو مرتداً في ساعة التجربة. بعد زلزال سنة 60 م. وتدمير أغلب بلاد آسيا، لاودكيا رفضت الهبات من الإمبراطور لإعادة البناء، لأنها كانت تعتمد على نجاحها في التجارة وظنت أنها غير محتاجة لشيء، بالرغم من أنها فقيرة وعمياء. وأصبح ليس لها إلا طريق واحد وهو أن تكف عن الثقة بنفسها، كان يجب أن تُدرك أنها فقيرة، وتبحث عن الغنى الحقيقي. بنوكها الكثيرة تُعطيها أموال كاذبة ولكن الروح يقول لها"تأخذ منه ذهباً مصفى بالنار"، أنه لن يُعطيها هذا مجاناً، بل مقابل التضحية والأمانة والاستشهاد. الكنيسة يجب أن تُدرك أنها ركعت وتطلب أن تلبس، ليس الملابس البنفسجية اللون التي تبيعها للعالم كله، هي محتاجة فقط لملابس بيضاء مثل إيمان ساردس لكي تُغطى عُريها، وهذا لا يكون إلا بثمن غالى حقيقي (الاستشهاد). والكنيسة يجب أن تتعلم أنها عمياء، ولكنه عمى لا يتم الشفاء منه، أنها تحتاج لعلاج، ولكن علاجاتها الطبيعية المشهورة لا تستطيع أن تفعل لها شيئاً، التهاب العينين له علاج عند الأطباء، ولكن العلاج الحقيقي الذي تحتاجه هو المعاناة من أجل الثبات في الإيمان. النصح أُعطى للكنيسة، ولكنها لم تنصت أو تفلح. وصف الروح لنفسه: وصف الروح لنفسه بالأمين وهى تعنى الحق، وقد وصف الرب نفسه بهذه الصفة "فالذي يتبرك في الأرض يتبرك بإله الحق والذي يحلف في الأرض يحلف بإله الحق..."(يش 65: 16)، "لأن مهما كانت مواعيد الله فهو فيه النَعَم وفيه الآمين..."(2 كو 1: 20)، وقد وصف نفسه بذلك لأن الكنيسة كانت غير شاهدة للرب بحق. والشاهد الآمين الصادق، والشاهد تعنى الشهيد الذي هو مستعد أن يشهد للحق ويُعلن ما رآه أو سمعه مهما كلفته شهادته. بداية خليقة الله: أي رأس الخليقة الذي يديرها ولا يكف عن الاهتمام بها "وأخضع كل شيء تحت قدميه وإياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكل"(أف 1: 22، 23)، فهو يهب لجسده السري نمواً في كل شيء، فكيف يعمل الرأس هذا كله ويبقى الجسد وأحد أعضائه خاملاً؟ إذن كل فتور روحي هو إهانة موجهة للرأس مباشرة. حال الكنيسة: الفاتر هو ليس مؤمناً أو غير مؤمناً بل هو كل شيء لكل أحد. وهو الإنسان الخالي من الخوف ومن الحب. وهو الإنسان الذي يغط في نوم عميق ويظن في نفسه أنه بار وتلميذ للرب، فهو مسكين لأنه مخدوع. وخطورة الفتور أنه يجعل الرب يتقيأه من فمه. ولماذا يتقيأه؟ لأنه يقول أنه غنى وقد استغنيت ولا حاجة لى إلى شيء ولست تعلم أنك أنت الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان. إنه في الحقيقة مفتقر لله وللعشرة معه التي تمنح النفس حكماً عادلاً على نفسها أمامه. والحل: اشتر منى ذهباً مصفى بالنار لكي تستغني، الحل للفتور هو الرجوع إلى الله لنستمد منه احتياجاتنا. ذهباً مصفى بالنار أي على الفاتر أن يختار طريق الألم الذي اجتازه المسيح على الصليب من أجلنا "فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو غنى لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2 كو8:9). الذهب هو الصبر المُقتنى بالآلام. وثياباً بيضاً التي سبق ولبسناها بالمعمودية. وكحل عينيك لكي تبصر، وما هو الكحل إلا الامتلاء من الروح القدس والتأمل في كلمة الله. والله دائماً يقرع على باب الفاتر لعله يفيق ويفتح له. _____ الحواشي والمراجع : 1 –The new Bible Dictionary, 1962. 2- N. M. Morsay, “The letters to the sevenChurches of Asia, p. 424-430. 3-القمص تادرس يعقوب ملطي "تفسير سفر الرؤيا"، ص.46- 52. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الكنائس السبعة فى سفر الرؤيا |
كتاب لغتنا القبطية المصرية - أ. بولين تودري |
كتاب مناجاة لطفل المذود - أ. بولين تودري |
كتاب الله حياتنا - أ. بولين تودري |
دراسة سفر الرؤيا الجزء الأول (الكنائس السبعة) |