يقولون ألم ينزل على المسيح بن مريم إنجيل واحد، فلماذا يوجد أربعة أناجيل؟
1- أن الإنجيل لم ينزل ولم يهبط على السيد المسيح، ولم يقف أمامه ملاكًا يمليه الإنجيل آية آية وكلمة كلمة، وكيف يمكن أن ملاكًا يمليه وهو رب الملائكة جميعًا..؟! السيد المسيح هو موضوع الكتاب كله، فالعهد القديم بأكمله مذخَّر فيه النبوات والرموز عن المسيا، والعهد الجديد يتحدث عن عمل المسيا، والتلاميذ والرسل سجلوا القليل لكيما نعرف ونؤمن وننال الحياة الأبدية " وأما هذه فقد كُتِبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي يكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو 20: 31).
2- كتبة الإنجيل الأربعة يشبهون أربعة علماء قاموا بزيارة لمدينة عريقة مثل مدينة الإسكندرية، وكان كل منهم متخصص في علم معين، وكتب كل منهم انطباعه، فالأول المتخصص في التاريخ كتب عن تاريخ المدينة منذ أن أنشأها الإسكندر الأكبر وكانت من قبل قرية صغيرة تدعى " ماريا " ثم تعرض لتاريخها العريق والمعارك الحربية التي جرت على أرضها، والمعارك التي دارت في مياهها الإقليمية.. الخ، والعالم الثاني المتخصص في الآثار راح يصف لنا الآثار الرومانية في المدينة مثل المسرح الروماني وآثار كوم الشقافة وعمود السواري وقلعة قايتباي كامتداد لفنار الإسكندرية العظيم.. الخ، والعالم الثالث المتخصص في علم الاجتماع فراح يتكلم عن الإسكندريين وطباعهم وعوائدهم.. الخ، والعالم الأخير المتخصص في الفنون اخذ يكتب عن الفن السكندري وعلاقته بالبحر والصيد، والفلكلور الشعبي.. الخ. فهل معنى هذا أن هناك أكثر من مدينة يكتب عنها هؤلاء الأربعة؟.. كلا أن المدينة واحدة، ولكن كل منهم يتناول جانب معين من جوانب المدينة، والأربعة لا يناقضون بعضهم البعض إنما يكملون بعضهم البعض، كما ذكرنا أيضاً هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهكذا الإنجيل هو واحد، وكل واحد من كتبة الأناجيل تناول جانب معين، فمتى الإنجيلي كتب لليهود المتنصرين، ولذلك أهتم بإثبات أن يسوع هو المسيا المنتظر الذي تنبأ عنه الأنبياء، ولذلك أشار إلى نحو 45 شاهدًا من العهد القديم تشهد للسيد المسيح، وكتب مرقس الإنجيلي للرومان الذين يمجدون القوة، فقدم لهم يسوع ابن الله القوى الظافر الذي قهر الأمراض والموت وأخضع الطبيعة وطرد الشياطين، وكتب لوقا الإنجيلي لليونان المحبين للحكمة الذين اهتموا بالمُثل العليا بلغة سلسة نالت إعجاب اليونان المثقفين، وأظهر لهم الرب يسوع في كماله ورحمته ومحبته، وكتب يوحنا الإنجيلي للعالم اجمع وتبًّحر في اللاهوتيات مظهرًا ألوهية المسيح وأزليته قبل ظهوره بالجسد، وذكر ما لم تذكره الأناجيل الإزائية أي صاحبة النظرة المتشابهة وهى أناجيل متى ومرقس ولوقا.
3- عندما يشهد في قضية أكثر من شاهد يمنح القضية قوة ويؤكد الحقيقة، وفي قضية صحة الإنجيل نقف أمام أربعة شهود دونوا شهاداتهم في أماكن متفرقة وأزمنة متفاوتة، والشهود الأربعة يتفقون تمامًا لأن لهم الروح الواحد، وفي الأناجيل الأربعة تحقَّق قول الرب يسوع " ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا" (اع 1: 8).
وقد يتساءل البعض لماذا لم يكتب المسيح الإنجيل؟.. تصوَّر يا صديقي لو أن السيد المسيح كتب الإنجيل وأخذ يحكى معجزاته الواحدة تلو الأخرى.. ألم يكن بهذا قد فتح الأبواب لبعض المشككين في صدق هذه المعجزات، والبعض الآخر ليتهمه بحب الذات والتفاخر والكبرياء؟!