حب الاستطلاع وروح المغامرة
ينقسم المتعاطين إلى متعاطي استكشافي، وأخر بالمناسبة، وثالث منتظم، فالمتعاطي الاستكشافي هو الذي دفعه حب الاستطلاع وروح المغامرة إلى تجربة المخدرات كتجربة جديدة مثيرة، وكنوع من المقامرة والبطولة معتمدًا في هذا إلى ثقته في نفسه، وبعد خوض التجربة الأولى قد يقف الإنسان أمام ثورة ضميره، فيقرّر ويصرُّ على عدم تكرارها ثانية، وقد ينزلق الإنسان إلى تكرار التجربة من آن إلى أخر بحسب المناسبات في الأعياد والأفراح فيصبح متعاطيًا بالمناسبة، وقد ينزلق الإنسان لدرجة أخطر وهي تناول المخدرات في أوقات منتظمة فيصل إلى مرحلة الإدمان التي تقوده إلى طريق الدمار، ونسبة المتعاطي الاستكشافي للمتعاطي بالمناسبة للمتعاطي المنتظم تختلف بحسب الوسط الاجتماعي، ونوعية الأصدقاء، ولكن عمومًا في مصر تصل هذه النسبة إلى 1:4:16 فكل ستة عشر شخصًا يتناولون المخدرات لأول مرة على سبيل التجربة ينقطع منهم 11 شخصًا عن تكرار التجربة، بينما يظل أربعة أشخاص يتعاطون بالمناسبة بالإضافة إلى شخص يصل إلى مرحلة الإدمان(1).
فقد يقول الإنسان ما المانع من التجربة؟ وما المانع من قبول عزومة بريئة في جلسة تسلية مع الأصدقاء، أن الإنسان الواثق في نفسه، ويظن أنه يختلف عن الآخرين ويعتقد أنه لن ينحدر إلى هاوية الإدمان.. لمثل هذا الإنسان نقول له هل لابد أن تقلب العقرب بين يديك لتتأكد أنه عقرب؟
جاء في كتاب إمبراطورية الشيطان(2) قصة أحد الشباب الذي كان يملك سيارة نصف نقل يعمل عليها، وسمع ما يحدثه الهيروين من متعه ولذة ونشوة، فأراد أن يجربه، وفتش عليه بنفسه، وجربه وهو يقول "ظننت أن شيئًا في الدنيا لن يستطيع أن يسيطر عليَّ، فأنا شاب وقوي، واستمريت على استعمال الهيروين واستمرت المتعة، وبعد فترة وجيزة، تغير وضعي كله، فقلَّت شهيتي للطعام، وبدأ جسمي يضعف ويهزل، وبدأت النقود تقل في يدي، فقررت أن أترك الهيروين لكنني عجزت عن ذلك. لقد استعبدني ذلك المخدر اللعين، وبعد عدة محاولات للتوقف، لم تفلح كلها، أدركت أنني أصبحت من المدمنين، وأنه لا مفر أمامي من متابعة الطريق، وشاءت الأقدار أن يُلقى القبض عليَّ، فسجنت وكم تعذبت في السجن، كان جحيمًا، وكان شيئًا أصعب من الموت.
أن قطع الهيروين عن مدمنه شيء رهيب لا يعرفه إلاَّ من عاشه. لكنني لم أمت، وشفيت من الإدمان، وعندما خرجت من السجن بعد سنة كاملة، قررت أن لا أعود إلى الهيروين أو إلى غيره إطلاقًا. لكنني.. في لحظة ضعف لم أدرك مداها عدت إلى الهيروين، وأصبحت علاقتي به أقوى من قبل، وهاأنذا كما تراني محطمًا تمامًا، لا زوجة ولا أصدقاء ولا صديقات وأعمل ليلًا ونهارًا لأحصل على ثمن الهيروين، وأدفع كل وارداتي ثمنًا لهذا السم القاتل.. كل ساعات عمري قلق وتوتر وتربص، ولا أعلم ماذا سيحمل لي الغد".
وحكت لي إحدى الطبيبات عن شاب جامعي يعيش في أسرة مستقرة، والده موظف ووالدته موجهة بالتربية والتعليم، والناحية المادية ميسرة له.. دفعة حب التجربة للبحث عن المخدرات التي يسهل توافرها في الساحل الشمالي، فكثير من الذين يتظاهرون ببيع التين على الطريق يروجون للمخدرات، كما أنها متوافرة في داخل البلد، فجرب هذا الشاب البانجو والحشيش لمدة عام والأسرة لم تكن تتوقع هذا، وبالتالي لم تدرك أن أبنها سقط في المصيدة، ولكن لحسن الحظ أن هذا الشاب كان يعاني من اضطرابات في القلب،كما أنه تعرض لنزيف نتيجة الإدمان، وبدأت حالته الصحية تسوء يومًا فيومًا، فاعترف لأمه وطلب العلاج، وكم كانت الصدمة قاسية على الأم التي تقول "إنني ربيت أجيالًا فكيف أفشل في تربية ابني الوحيد الذي ليس له إلاَّ أختًا واحدة" وكان هذا الابن يشعر بالذنب ويقول "أنا عارف أن سمعتي صارت رديئة، ولا شك أن هذا سيؤثر على مستقبل أختي في الزواج".
وأفهمتْ الطبيبة الأسرة كيف تؤدى دورها في علاج الابن بتقديم الحب والاحتضان، والبعد عن أي نظرة احتقار أو استصغار، ولأن الابن كان صادقًا مع نفسه وكان يطلب الشفاء من كل قلبه المعتل، فقد أتم مرحلة علاج أعراض الانسحاب، وكذلك مرحلة التأهيل، وعاد يستكمل نجاحه الدراسي بعد أن أخذ درسًا لن ينساه.
_____
الحواشي والمراجع :
(1) د. أحمد عكاشة - الإدمان خطر
(2) كتاب إمبراطورية الشيطان -الإدمان وتعريفه- دار لبنان للنشر ص 369