هل عقيدة التجسد مستوحاة من العبادات الوثنية كما قالوا عن فرعون انه ابن امون أو ابن رع، والاسكندر الأكبر ابن آمون، وقالوا عن بوذا انه ابن الله؟
ج: أ- معظم الديانات الوثنية القديمة كانت تؤمن بتجسد ابن الإله الذي تعبده.. فمن أين جاءت هذه الفكرة المتكررة؟ إنها جاءت في الوعد الإلهي بخلاص البشرية وإن نسل المرأة يسحق رأس الحية، فبعد الطوفان تفرق بنو نوح شرقًا وغربًا وهم يحملون هذه الوعود، وعندما انحرف نسلهم وعبدوا الطبيعة، وسجدوا للمخلوق دون الخالق ظهرت هذه الوعود في عباداتهم المختلفة بصور مختلفة مع تكرار ذات الفكرة. كما إن في الإنسان دافع فطري يدفعه إلى تلبية رغباته واحتياجاته حتى لو كان الإنسان يجهل هذه الاحتياجات على وجه التحديد، ولكن شعوره بالاحتياج للخلاص من واقعه الأليم ومستقبله المظلم جعله يتصوَّر تجسد ابن الإله.
ب - الهدف من دعوة الملك بأنه ابن الإله هو الدعوة لتثبيت ملكه وإضفاء صفة الألوهية عليه ليخضع الشعب له ويهابه، وليس من أجل خلاص الإنسان. أما الهدف من التجسد هو خلاص الإنسان وإسعاده.. إذًا هناك فرقًا كبيرًا بين تجسد الآلهة في العبادات الوثنية التي تعتمد على الصراع وتنازع السلطة، وبين عقيدة التجسد المسيحي التي تعتمد أساسًا على عظم محبة الله للإنسان.
ج - الذين يتهمون المسيحية بمثل هذه التهم الباطلة لا يقدمون الحجة ولا الدليل على اتهاماتهم ولا يقدمون أي مقارنة علمية بين اعتقادات هؤلاء واعتقاد المسيحية في التجسد، معتمدين في هذا على جهل من يسمعونهم أو يقرأون لهم، ولا يدرون مثلًا أن البوذية لا تعترف بالله أصلًا.
د - وجود النبؤات في العهد القديم التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألف عام قبل الميلاد وتخبرنا عن تجسد الرب الإله من عذراء في بيت لحم في زمن محدد، وتحقق هذه النبؤات في العهد الجديد تثبت صحة هذه العقيدة الإلهية.
ه - الذين نشروا المسيحية من التلاميذ والرسل كانوا من اليهود الذين اقتصرت ثقافتهم غالبًا على العهد القديم فقط، فصياد السمك البسيط من أين له أن يعرف عقائد التجسد عند اليونان أو الهنود أو غيرهما؟ .. حقًا لو كان الذين نشروا المسيحية من الوثنيين لربما كان لهم الحجة في الربط بين عقائد المسيحية والوثنية.
و - عاش التلاميذ والرسل في أرض فلسطين، ولم يجولوا شرقًا أو غربًا أو جنوبًا أو شمالًا ليعرفوا عقائد المجوس والهنود وقدماء المصريين وأهل بابل حتى يقتبسوا منهم عقائدهم . ولو كانت المسيحية قد انبثقت من بلاد وثنية مثل مصر والهند وبابل ربما كان لهم حجة فيما يقولون.
وقد ناقش الأستاذ عباس محمود العقاد هذه الأفكار التي يطرحها البعض ورد عليها قائلًا " وقد تعب أصحاب المقارنات والمقابلات كثيرًا في اصطياد المشابهات من هنا ومن هناك ولم يكلفوا أنفسهم جهدًا قط فيما هو أولى بالجهد والاجتهاد. وهو استخدم المقارنات والمقابلات لإثبات سابقة واحدة مطابقة لما يفرضونه من نشأة المسيحية، فمتى حدث في تاريخ الأديان أن أشتاتًا مبعثرة من الشعائر والمراسم تُلفِق نفسها وتخرج في صورة مذهب مستقل دون أن يعرف أحد كيف تلفقت وكيف انفصلت كل منها عن عبادتها الأولى؟ ومن هو صاحب الرغبة وصاحب المصلحة في هذه الدعوة؟ وأي شاهد على وجوده في تواريخ الدعاة المعاصرين لسنة الميلاد؟ وكيف برزها هذا العامل التاريخي الديني الخطير على حين فجأة قبل أن ينقضي جيل واحد؟ ولماذا كان يخفي مصادر الشعائر والمراسم الأولى ولا يعلنها إلاَّ منسوبة للسيد المسيح" (1).