رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصلاة الكرازية يدون لنا سفر الأعمال، صلاة الكنيسة حينما خرج بطرس ويوحنا من السجن، وشرحا للجميع الحوار الذي دار بينهم وبين قادة اليهود. تقول تلك الصلاة: ”امنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة بمد يدك للشفاء ولتُجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع” (أع 4: 29 - 30) لقد كان طلب الكنيسة هو المجاهرة بكلمة الله، والمجاهرة παρρησιας كما جاءت في أصلها اليوناني، تعني الشجاعة والجرأة والثقة النابعة من الحرية. فالكنيسة لم تُصَل من أجل سلامها الزمني، ولم تطلب من أجل إطفاء نيران الاضطهاد المزمعة أن تشتعل، ولكن طلبتها كانت من أجل انتشار كلمة الخلاص بلا عوائق، سواء كانت عوائق خوف أو تردد بشري، من جرّاء الضيق. كما أن الكنيسة طلبت من الرب أن تكون الكلمة مؤيّدة بالآيات والعجائب التي تصنعها يد القدير، باسم الربّ يسوع المُخلّص، حتى تثمر مجداً للرب يسوع وإيماناً بشخصه الإلهي. فالكلمة إن لم تكن مؤيّدة بالروح القدس لن تستطيع أن تحفر لنفسها مكاناً في صخور القلوب القاسية. إلاّ أن مفهوم الكنيسة عن الآيات والعجائب هو مفهوم ممتد يتعدى تطبيب الجسد، فأعظم عجيبة -بحسب قول القديس باخوميوس- هي “توبة الإنسان”. فنحن لسنا في حاجة الآن لكسر قوانين الطبيعة لإعلان صدق كلمة الإنجيل، لأن عقل الإنسان في هذا العصر هو المتحكّم الأول في إيمانه. لذا فإن المعجزات في هذا العصر يعتبرها البعض نوعاً من الغيبية التي تُحقِّر قيمة العقل والعلم، وخاصة في المجتمعات المتقدمة. من هنا تكون الآية والمعجزة التي يصنعها الله والتي تترجاها الكنيسة في طلبتها هي أن تظل كنيسة حية صادقة أمينة حانية عفيفة قانعة محبة، كما تطلب من أجل معجزة خلاص العالم من قيود الظلمة نحو فجر الحرية في المسيح يسوع. إنّ النموذج العملي والتطبيق السلوكي لكلمة الإنجيل، هو المعجزة التي يلتمسها العالم من الكنيسة، وهو الآية القادرة أن تجعله يعيد التفكير في علاقته بالله في المسيح يسوع. إن الكنيسة يجب أن تحافظ على تلك الصلاة دائماً أثناء سعيها وبحثها عن الخروف البشري الضال وعن الدرهم الإنساني المفقود. يجب أن تكون طلبتها المزدوجة والدائمة هي: - خروج كلمة الخلاص بقوة وجرأة وشجاعة من وعائها الإنساني الهش - أن يعمل الله لتأييد تلك الكلمات بآيات وعجائب لمجد اسم المسيح، ليختفي الجميع وليظهر هو وحده؛” ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص” (يو 3: 30) يروي لنا سفر الخروج عن حالة موسى النبي بعد ذلك اللقاء الفريد مع الله، فيقول: ” وكان لما نزل موسى من جبل سيناء ولوحا الشهادة في يد موسى عند نزوله من الجبل أن موسى لم يَعْلَم أن جلد وجهه صار يلمع في كلامه معه. فنظر هرون وجميع بني إسرائيل، موسى، وإذا جلد وجهه يلمع، فخافوا أن يقتربوا إليه” (خر 34: 29 -30) إن ما حدث مع موسى -نبي الخروج- يدعونا للتوقف ؛ فحوار موسى مع الله صيَّر وجه موسى في حالة تجلٍّ.. كان وجهه يضيء بلمعان!! فالحديث مع الله يُقدِّس المادة التي تتألّف منها أجسادنا الترابيّة فتتوهّج بضياء لم تختبره المادة من قبل، وهج الانغماس في الحضور الإلهي، والدخول في أعماق النور غير المخلوق. إن هناك علاقة لُّغوية بين الوجه والحضور، فكلاهما ترجمة لكلمة προσωπον اليونانية، وكأنّ الحضور يُعْلَن في الوجه، فوجه موسى كان يُعْلِن عن حضورٍ إلهيٍّ. لذا فإنّ حضور الله يجب أن يكون له ملامح في وجوهنا، ليس بلمعان الجلد المرئي كما في العهد القديم مع موسى، ولكن بإشراقة الروح المبتهجة. من هنا ندرك سرّ المقولة القديمة أنّ المسيحيين كانوا يُعرفوا من وجوههم، وذلك حينما يلتقون بغير المسيحيين!! هذا الحضور الإلهي يتكثّف بشدة في الصلاة الصادقة النابعة من قلبٍ يشعر بالاحتياج الدائم لله. فالصلاة هي اتّصال بالله الثالوث، بل هي شركة مع الله الثالوث، يحدث فيها حوار إنساني إلهي؛ إنساني من خلال الكلمة والمشاعر والاستجابة لنداءات النعمة وإلهي من خلال الفعل الروح في القلب والحياة.. وإن كانت الصلاة هي استحضار لله، الحاضر دائماً، والكرازة هي محاولة لدفع العالم لتذوّق ذلك الحضور. فتكون الصلاة والكرازة صنوان لا يمكن أن يفترقا. لذا فإن فالكرازة لا يمكن أن تنفصل عن الصلاة، كما أنَّ الصلاة لا تُحلّق في الأعالي إن لم تكن معنيّة بخلاص الآخرين. إن الصلاة التي نختبر فيها أحشاء الله، التي تئن من أجل رجوع خليقته إلى حضنه الدافئ، هي القادرة أن تضعنا في حالة من التجلِّي، هي القادرة على أن تبعث ضياء الروح على قسمات وجوهنا، فيراها الآخرون وينبهروا من ضياء لم يألفوه قبلاً في أزقّة الحياة الأرضية!! ضياءٌ ممتلئٌ بالسلام الذي لا يستطيع العالم أن يهب مثله!! ضياء به قوة جذب نحو الكائن غير المرئي، الذي تتحقّق فيه الإنسانيّة بملئها، وتكتمل فيه الغاية التي يبحث عنها البشر، غاية الوجود.. إن الصلاة، هي ضرورة كرازية لكي ما يتولّد في قلوبنا حسُّ الحبّ نحو الخليقة أجمع، وحينما يتحرّك ذلك الحسّ في قلوبنا، سنذهب ونشهد بكل حياتنا المغمورة في الحضور الإلهي، لذاك الذي افتدانا من اللّعنة القابعة في وادى الموت، ليرينا سرّ الحياة الأفضل.. سرّ الحياة الجديدة في معيّته. “وبقوّة عظيمة كان الرسل يؤدّون الشهادة بقيامة الربّ يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم“. أع 4: 33 يروى لنا القديس متى عن حادثة شفاء الغلام المصروع بالشياطين، فيقول: ”ولما جاءوا إلى الجمع تقدّم إليه رجلٌ جاثيًا له وقائلاً: يا سيّد ارحم ابني فإنه يصرع ويتألّم شديدًا ويقع كثيرًا في النار وكثيرًا في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي إلى متى أكون معكم إلى متى احتملكم قدّموه إليّ ههنا. فانتهره يسوع، فخرج منه الشيطان، فشفي الغلام من تلك الساعة” (مت 17: 14 - 18) إنّ حالة العالم بدون مُخلِّص هي حالة ذلك الغلام المصروع بالشياطين. إنّه عالمٌ بلا إرادة ذاتيّة على التحكُّم في المسيرة، بلا قدرة على تجنُّب المخاطر، بلا قوّة تخلّصه من الألم الكياني الذي يُمزّقه ويلقي به على ضفاف الحيرة واليأس والشك. ”إنكم كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح، أجنبيين عن رعويّة إسرائيل، وغرباء عن عهود الموعد، لا رجاء لكم، وبلا إله في العالم“ (أف 2: 12) العالم كله قد وُضع في الشرير، هكذا تحدّث القديس يوحنا في رسالته الأولى (1 يو 5:19)، وصار الشيطان يعبث بمقدّرات البشر، فهو رئيس سلطان الهواء، وقادة ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر. صار يجول في أركان العالم المخلوق يصنع شروراً ويخلق عداوات ويُعمي بصائر ويُفجّر ظلمات جديدة. جمَّل الشهوة ليبيعها للبشر، وزيّن الخطيئة ليُزوِّجها للبشر، فصارت البشريّة مستعبدة ومصروعة بالشهوة والخطيئة والإثم والتعدي. ولم يكتف بهذا، ولكنه عمل جاهداً على تقبيح المسيحيّة، والتشكيك في الإنجيل، وبث شعور من استحالة تطبيق الوصيّة في الواقع العملي. كما سعى ليجعل من الربّ يسوع شخصيّة من شخصيّات التاريخ، والمسيحيّة حركة اجتماعيّة حضاريّة وليدة عصر معيّن، والإنجيل كتاب تراثي وتاريخي يحتل مكاناً في المكتبة وسط الكثير من الكتب الأخرى. كل هذا الجهد الشيطاني الدؤوب ونحن غافلون عن العالم الذى يحتاج لمن يلقية في بحيرة النور، ليغتسل من الظلمة التي منعته من رؤية الحق. فالحق وحده هو الذي يوقِظ الوعي الإنساني من جديد، حتى يُقرِّر ذاتيّاً مصيره الأبدي. من هنا كانت الصلاة من أجل العالم هي إحدى دعائم الحركة الكرازيّة الأساسيّة، إنها تُحرِّك اليد التي تُحرِّك العالم كما قيل، إنها بمثابة دخول في المعركة اللاّمرئيّة مع الشيطان، لأنها تقيّد الشيطان وتحد من قدراته في العمل على إهلاك البشريّة. إن هذه الصلاة التي تُحجِّم قدرات الشيطان ضروريّة للغاية حتى يمكن للكلمة بعد ذلك أن تأتي ثمارها في قلبٍ غير منجذب لبؤرة الشرّ الروحيّة، فالصلاة والكلمة هما وجهان لعملة واحدة هي الكرازة. وهو ما أكده التلاميذ حينما كانوا بصدد اختيار شمامسة للخدمة” وأما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة” (أع 6: 4). إن المسيحي حينما يصلى من أجل العالم المصروع بالخطيئة، يتخذ موقف ذلك الرجل الذي تقدّم إلى الربّ يسوع وجثا عند قدميه. فشعورنا بالعالم يجب أن يكون كشعور الأب ببنيه. حتى نستطيع أن نُصلّي عن العالم بأنين قلبي صادق.. حتى نستطيع أن نثابر في سعي الصلاة عن العالم، ونحن نرى تحرُّكه البطيء المتثاقل والمتردّد نحو الأبديّة. فالشيء الوحيد القادر أن يثبت قلوبنا في الصلاة من أجل العالم غير المكترث بدعوة الإنجيل، هو التزامنا بالعالم بأحشاء أبويّة، حتى لا ننفض غبار أرجلنا على عتبته سريعاً، ونعلن أنه لا فائدة!! إن الرجل الذي تقدّم ليطلب من أجل ابنه، كان جاثياً أمام الربّ يسوع، وصارخاً يا سيّد ارحم.. لقد طلب من التلاميذ أن يشفوا له ابنه، ولم يستطيعوا!! لقد فقدوا قدرتهم على إخراج الأرواح في تلك اللحظة، فكان الحلّ الوحيد هو انتظار يسوع والتضرُّع إليه من أجل شفاء الغلام. إننا في صلواتنا من أجل العالم، إن كنَّا نصلي من أجله بالفعل!! كثيراً ما نردّد تلك الصلوات ترديد شفاه، نذكر خلاص العالم في صلواتنا كطلبة مستحيلة، فتخرج صلاة بلا إيمان، وبلا تضرُّع وبلا سجود وبلا صراخ: ”يا سيّد ارحم”. ولهذا لا نجد الاستجابة الكافية تتحقّق أمام أعيننا، فتفتر صلواتنا بالأكثر، ونسير في دوائر مفرّغة من اللاّإيمان واللاّشعور واللاّصلاة، من أجل العالم. إن أول شروط الصلاة لكيما تستجاب، هو الإيمان بقدرة الله على الاستجابة إن توافقت مع مشيئته الخلاصيّة للعالم، بدون هذا الإيمان لا يمكن لصلواتنا أن تحلّق في الأعالي وتستنزل الاستجابة. لقد كشف المسيح للتلاميذ بعد تلك المعجزة عن سر شفاء الغلام، حينما قال: ”وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم” (مت 17: 21) إن سرّ الانتصار على الشيطان في معركة الكرازة، هو الثبات في الصلاة الواثقة من عمل الرب، والصوم المُكَّرس من أجل الآخرين. وهذا يعني أننا يجب أن نجتهد من أجل تحرير العالم من سلطان الشيطان، يجب أن نبذل عرق الصلاة ونسكب آلام الجوع أمام الرب، فيتحقّق من المحبة التي تسكن قلوبنا من جهة الآخرين. ومن الجهة الأخرى، حينما يرى الشيطان آلامنا وجهادنا من أجل العالم، يتلّوى من الحسرة، فهو لا يطيق أن يرى حبّاً صادقاً مجّانيّاً. وحينها يُرخي قبضته، قسرًا، عن النفوس التي ألقى عليها شباكه، وفي تلك اللّحظة يتدخّل الروح القدس لتقديم حياة جديدة لأولئك الذين عاشوا زمانهم كله في خدمة حياة بالية وفانية. لقد صلّى بولس وسيلا في السجن، فكانت ثمرة صلاتهم إيمان السجّان وأهل بيته، وقبولهم نعمة العماد. فحينما صلّى بولس وسيلا، اهتز السجن بزلزلة عظيمة وانفكّت قيودهم، فكان هذا الحدث كفيلاً بتحفيز الإيمان في قلب السجّان، ثم سأل السؤال الهّام:” ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟؟“، وجواب هذا التساؤل يكون من خلال الكلمة (وجه العملة الآخر)” وكلّماه وجميع من في بيته بكلمة الرب” (أع 16: 32). إذاً فالكرازة تبدأ كفعل سرّي خفي في الصلاة التي تهز أركان العالم، فتهتز الثوابت التي وضعتها البشريّة لمسيرتها، وحينما تهتز تلك الثوابت، يتساءل الإنسان: ماذا أفعل؟؟ هنا يبدأ دور الكلمة الممسوحة بروح الله، لتُعلِّم الإنسان طريق الخلاص. |
28 - 06 - 2014, 06:31 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: الصلاة الكرازية
ربنا يعوض تعب خدمتك |
||||
28 - 06 - 2014, 07:49 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الصلاة الكرازية
شكرا على المرور
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
جولة المسيح الكرازية |
رسالة الملاك الكرازية فقد حوت الآتي |
في قصة يونان رحمة الله ونجاح المهمة الكرازية |
القديس الأنبا تكلاهيمانوت الإثيوبي وخدمته الكرازية والرهبانية |
القديس يوحنا الحبيب وخدمته الكرازية |