رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أساسيات التفسير الروحي للكتاب المقدس عند الآباء نسرد بعض المبادئ الأساسية لفهم التفسير الروحي لكيرلس: * لقد كان القديس كيرلس كأسكندري أصيل هو تابع متحمس للتفسير الروحي للكتاب المقدس، وأيضًا في إطار الإيمان الخريستولوجى يشرح لنا التفسير الروحي، فكما أن ناسوت المسيح يؤكد ألوهيته تاريخيًا، هكذا أيضًا الحرف أو التاريخ يعلنان المعنى الروحي الإلهي المقصود من الكلام المكتوب. * والتفسير الروحي، بحسب القديس كيرلس، يتخذ الحرف أو التاريخ أساسًا له إذ فيه يتعرف على سر المسيح "سر التدبير الإلهي" فالتجسد يعلن هدف "skopoV" التدبير الإلهي ويتعرف عليه عندما ننظر إلى أقوال وأعمال المسيح المدونة في الكتاب المقدس وفق هذا التجسد "الإخلاء" (عن الإيمان المستقيم 30، P.G. 76, 1373C). * لذلك، بحسب القديس كيرلس، يجب أن نعبر من الكلمة الكتابية والتي تصف اللوغوس بطريقة بشرية (anqrwpinwV) أي وفق نقاييس بشرية، إلى الفهم الروحي الإلهي (qeoprepwV). إذن التفسير الروحي عند القديس كيرلس يستلزم التمييز الواضح وأيضًا الوحدة غير الممتزجة بين عالمين: المحسوس والمادي، والروحي والذهني، كما تحقق هذا الاتحاد في شخص الواحد ربنا يسوع المسيح. وبناء على ذلك فتطبيق التفسير الروحي ينظر إليه على أنه تجلى وتغير العنصر التاريخي والإنساني (الحرفي) إلى العنصر الإلهي والروحي والذي هو متحد معه بغير امتزاج ولا انفصال. والآن نسرد بعض المبادئ الأساسية لفهم التفسير الروحي لكيرلس: 1- يؤكد القديس كيرلس على أن الكتاب المقدس يتكلم عن الله بشريا لأن الله لا يستطيع أن يتكلم أو يعلن عن نفسه إلا بطريقة بشرية قريبة ومفهومة لدى الإنسان (تفسير المزامير، P.G. 69, 792). وهذه الطريقة لا تقلل من المجد والسمو الإلهي، ولكن على العكس، فإن عجز العقل البشرى واللغة البشرية هما السبب الذي جعل الكتاب يتكلم بطريقة بشرية عن الله. * وهكذا فالكلام عن الله يحاكى ويتكيف بحسب الحاجة مع مقاييس الكلام البشرى. ولكي نعرف سمو المجد الإلهي علينا أن نفهم الشواهد التاريخية والإنسانية عن الله المدونة في الكتاب المقدس وذلك بطريقة خاصة. إذ أن الإنسان موجود في كثافة جسدية وتحكمه قوانين بيولوجية، ويجب عليه ألا ينحصر في الفهم البشرى للكلمات "اللاهوتية" ولا يعيها بطريقة حرفية صارمة أو بطريقة تاريخية فقط ولكن وفق العنصر الإلهي. ستظل الكلمة البشرية قاصرة وغير كافية لوصف الإلهيات، فتعبيرها دائمًا نسبى، فهي داخل حدود اللغز والنموذج والعلامة والمثال. وبواسطة الكلمة نستطيع أن نفهم جانبًا ما من العنصر الإلهي والروحي. فالكلمة الكتابية لا تعلن ماهية الله بالضبط، ولكن مفاهيم عن الله (ضد نسطور 3:1 P.G. 76, 33C). * والذي حدد هذه المفاهيم ليست الكلمات اللغوية أو المفاهيم التاريخية في حد ذاتها، ولكن المعنى الروحي المختفي والعميق السري، وذلك بحسب التدبير، والذي يقودنا إلى الفهم الصحيح للأقوال الإنسانية (تفسير إشعياء 1:3، P.G. 70, 565C). * إذن التفسير الروحي للكتاب ليس هو قضية لغوية صارمة، تقتصر فقط على الفهم الحرفي أو التاريخي، ولكن هدف التفسير هو "المعرفة الإلهية" والتي تستلزم عدم بقاءنا في الحرف أو التاريخ، ولكن نمر فيه إلى الروح، فما يرمى إليه التفسير هو المعرفة الخلاصية لعمل التدبير الإلهي. ولا يمكن أن نظل في الحرف (الكلمة المكتوبة) لأن الغرض منها هو الصعود الدائم نحو الأسمى، من المحسوس إلى الروحي. فالحرف يخدم سر التدبير الإلهي، والمحسوسات البشرية تتغير وتتجلى بفضل التجسد، نحو الحالة الإلهية في المسيح يسوع (تفسير متى، P.G. 75, 429C). * فبحسب القديس كيرلس الكلمة في الفلسفة اليونانية هي بلا جسد (asarkoV) أما الكلمة الكتابية فهي متجسدة (ensarkoV) فهي حاملة لقوة سر الألوهية، فهي المثال والنموذج للروحيات، فترتفع العقل من الماديات إلى الروحيات. 2- يشدد القديس كيرلس على عدم احتقار الحرف أو التاريخ، فلكي نصل إلى التفسير الروحي لابد أن نفهم أولًا الخاصية التاريخية واللغوية للنص، وعن طريق هذا الفهم يستطيع المفسر أن يتعرف على قوة الكلمة التي تقود إلى رؤية الروحية. فالتفسير التاريخي والحرفي عند القديس كيرلس مهم لأنه: أ- يعتبر الظل الذي يقود إلى عمق الروحيات (العبادة بالروح والحق 3، P.G. 68, 540B). ب- يؤمن حقيقة المفاهيم الروحية الإلهية بعيدًا عن التأمل الروحي المريض، لأن التاريخيات أو الحروف هي نماذج وظلال للحقيقة. ج- له هدف تربوي، وتعليمي، وأدبي لأن مختاري الله سواء في العهد القديم أو الجديد هم نماذج وقدوة للحياة المسيحية الحقيقية. * الكلمة المكتوبة لها مفهومين: تاريخي وروحي، والذي يقودنا إلى التفسير الصحيح هو الإيمان لأن الإيمان يسبق المعرفة إذ بواسطة الإيمان يصل الإنسان إلى المعرفة الكاملة (شرح إنجيل يوحنا 4،2:4، P.G. 73, 576D). الإيمان بالإتحاد بين الطبيعتين الإلهية والإنسانية بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير في شخص المسيح أعاد الوحدة بين المحسوس والروحي، وأيضًا بين أنشطة الإنسان الجسدية والحياة الروحية،لكي نصل إلى المفهوم العميق والسري للكلمة الكتابية، هناك احتياج دائم لتطبيق الهدف العام، بمعنى أن نتعرف داخل شخصيات وأحداث وروايات الكتاب على فعل التدبير الإلهي وبالتحديد سر المسيح. هذه الطريقة تمنع وجود أي مسافة فاصلة أو اختلاط بين العهدين القديم والجديد، فالعهد القديم والعهد الجديد بينهما علاقة لا تنقطع، والتقليد الإسكندري الذي ينتمي إليه كيرلس يستند على تفسير (2كو 6:3) "الذي جعلنا كفاه لأن نكون خدام عهد جديد. لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحيى"، (غل 1:10) "لأن الناموس إذ له ظل الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء، لا يقدر أبدًا بنفس الذبائح كل سنة التي يقدمونها على الدوام أن يكمل الذين يتقدمون". فالعهد القديم هو نص نبوي شكل الظل والمثال والنموذج، فهو يتنبأ عن سر المسيح، وهذا يسرى على أسفار موسى الخمسة وأيضًا على كل الكتب النبوية. (العبادة والروح والحق 6، P.G. 68, 440A) (تفسير إشعياء 5:2، P.G. 70, 545D). * العهد القديم هو ظل العهد الجديد، ولكن في حالة فهمه بالتفسير الروحي، لأن طبيعة الكلمة الكتابية هي لغز وظل ومثال.. وبدون اللجوء للمحتوى الذي يعلن بواسطة الكلمة تظل بلا فائدة (شرح يوحنا 4:5، P.G. 73, 661). عند القديس كيرلس هناك ثلاث أسباب تجعلنا نتمسك بالعهد القديم: 1- بالعهد القديم نرى أن سر المسيح ليس شيئًا جديدًا ولا مستحدثًا، بل هو موجود من البداية وقد عبر عنه في شكل اللغز والظل في الأحداث والأعمال التعبدية وأيضًا الأعياد في العهد القديم (تعليقات على سفر الخروج ص2، P.G. 69, 424B)، (على سفر ملاخي ص2، P.G. 72, 364C). 2- كان المسيح حاضرًا في أحداث وشخصيات العهد القديم ولكن أيضًا باللغز والمثال، وذلك بسبب ضعف السامعين (تفسير لوقا، P.G. 72, 901C). 3- حضور المسيح في العهد القديم يبرهن على أن الكتب المقدسة أوحيت بنور روح المسيح (العبادة بالروح والحق 4:5، P.G. 68, 1313D). وهكذا يشدد القديس كيرلس على أن نقبل العهد القديم لا بالمفهوم الحرفي بل بالمفهوم الروحي. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
هو التفسير الخاطئ للكتاب المقدس |
سمات التفسير الآبائى للكتاب المقدس |
التفسير الثعلبي للكتاب المقدس |
مدارس التفسير وسمات التفسير الأرثوذكسي للكتاب المقدس |
ما هو سر التفسير الخاطئ للكتاب المقدس |