رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فرض الكتاب رؤيته الخاصة على التاريخ من وحي الخيال وعندما نعود لدراستنا لرواية عزازيل نجد أن الكاتب فرض رؤيته الخاصة على التاريخ، وكتب روايته، وهو في الأصل ليس كاتبا روائيا، ليقدم من خلالها ما يريد أن يقوله للناس عن المسيحية، ففرض رؤيته على الأحداث وأختلق الوقائع التي تتفق مع فكره، أو كما يقولون ركب التاريخ وسار به في الاتجاه الذي يريده، بدأ برؤية سابقة على الرواية وقد كتب الرواية من أجلها! ولذا استغل فترة محددة من تاريخ المسيحية كانت تتسم بالصراع بين المسيحيين والوثنيين من جهة، والمسيحيين واليهود من جهة أخرى، كما كانت تتسم بصراع طائفي بين الطوائف المسيحية نفسها، بين الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة الرسولية ممثلة في كنيسة الإسكندرية وبطريركها العظيم القديس كيرلس عامود الدين، الذي واجه كل ذلك، وبين الهراطقة الذين كانوا أطيافًا متعددة من نوفاتيين وأوريجانيين وبقايا الآريوسيينوغيرهم، كما واجه النسطوريةالتي شغلت الكنيسة في الشرق سنوات عديدة، وصور موقف الكنيسة الأرثوذكسية من كل هؤلاء بالتشدد والقسوة مع خصومها، وصور بطريركها بالمتغطرس الجبار القاسي القلب دون أن يراعي الظرف التاريخي والحضارية والظروف التي وجد فيها كبطريرك في زمنها، مع أن هذه هي ابسط الأمور التي يجب أن يعرفها ويدرسها الباحث الجاد، ولكنه تجاهل الظرف التاريخي والحضاري وطبيعة العصر الذي وجد فيه هذا البطريرك والظروف التي واجهها وعاش خلالها. ركز فقط على هذه الفترة من تاريخ المسيحية وتجاهل بقية تاريخ المسيحية الذي عاني فيه المسيحيين من اضطهادات بدأت من رجم استيفانوس في السنوات الأولى للمسيحية وتشتت المسيحيون خارج أُورشليم واليهودية والاضطهاد الروماني البشع على يد نيرون وبقية أباطرة الرومان من هادريان وحتى عصر دقلديانوس الذي استشهد فيه عشرات الألوف من المسيحيين، حتى أعلن الإمبراطور قسطنطين منشور التسامح الديني سنة 313م، ثم استجد الاضطهاد من جديد بعد مجمع نيقية بسبع سنوات أي سنة 332م واستمر حوالي تسعة وأربعين سنة، بعد تحول الإمبراطور قسطنطين إلى مناصرة الآريوسية، وبعد مجمع خليقدونية سنة 445م عانت المسيحية في مصر اضطهادًا قاسيًا على يد الرومان من جديد بعد أن حاولوا فرض قوانين مجمع خلقيدونية وبطريركا خلقيدونيا بالقوة، وكذلك فترة الغزو العربي التي استشهد فيها مئات الألوف من المسيحيين على يد الفاتح الجديد حتى استتب له حكم مصر. وبرغم أن المسيحية في مصر عاشت بعض الفترات القليلة من الهدوء في الفترة من القرن السابع وحتى الآن إلا أن تقلب الولاة وعامة الشعب من غير المسيحيين جعل الاضطهاد يتكرر عشرات المرات وابلغ دليل على ذلك هو عدم وجود أية كنيسة أثرية واحدة في الإسكندرية، بل وفي مصر كلها، ترجع لما قبل حوالي 120 سنة إلا في مصر القديمة فقط! وبقية الكنائس المعروفة بالأثرية هدمت مرات عديدة وأعيد بناؤها مرات. تجاهل د. يوسف زيدان، ومن شايعوه، كل ذلك وركزوا على فترة واحدة من تاريخ المسيحية في الإسكندرية، هي الفترة التي زاد فيها عدد المسيحيين عن عدد اليهود والوثنيين معًا وصاروا الأكثرية للمرة الأولى في تاريخ مصر، والتي كانت فيها الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية هي المسيحية، واستغلال اليهود الذين كانوا موجودين في الإسكندرية للخلاف الذي كان قائما بين الوالي الروماني أورستُس والبابا كيرلس عمود الدين، وقتلهم لكم كبير من المسيحيين ومحاولتهم السيادة على الإسكندرية، ورفض المسيحيين لذلك، وفرض د. زيدان أفكاره عليها وتجاهل الظرف التاريخي تمامًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.كما تجاهل الظرف التاريخي نفسه وطبيعة تلك العصور، في القرن الخامس الميلادي، ونظرة المؤمنين المسيحيين لأصحاب الديانات الوضعية، ووصفهم بالوثنيين، هذه النظرة التي كانت وما تزال قاسية جدا عند ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، والتي وصف فيها غير المؤمنين بالإسلام بالكفار، وما تزال هذه النظرة حتى اليوم عند المتشددين، وابلغ دليل على ذلك هو العبارة التي تستخدم في الحروب التي يكون المتشددين طرفا فيها ورفعهم اللافتة التي تقول: "قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار!". ومع ذلك يطالب د. زيدان مسيحي القرن الخامس بتطبيق بيان حقوق الإنسان الصادر في القرن العشرين! لقد عانى المسيحيون من أضطهادات مريرة وهم يمثلون مجرد أقلية ضئيلة في بحر من الوثنية، فهل يتصور د. زيدان أنهم يقبلون ذلك وهم يمثلون الأكثرية؟! أنهم لا يطلبون أكثر من المساواة في الحقوق والواجبات، سواء كانوا أقلية أم أكثرية. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|