مأساة 51 شاباً قضوا 11 عاماً فى سجون ليبيا.. «أبوالغيط» رفض تسلمهم بعد الثورة فعادوا إلى الزنازين
الشباب حاولوا السفر إلى اليونان عام 2004 واعتقلتهم السلطات الليبية بأمر من مدير المخابرات
حملوا أحلامهم البسيطة، ووضعوا أموالهم التى جنوها بعرقهم وكدهم طوال سنوات عمرهم فى جيوب سماسرة الهجرة غير الشرعية، ورحلوا عن مصر بسبب ضيق العيش، وذهبوا وراء حلم «أكل العيش» الذى قادهم إلى الهلاك داخل معتقلات ليبيا، ليظلوا طوال 11 عاماً فى انتظار مصيرهم المجهول. سنوات مرت وأنظمة تغيّرت، وما زال لغز اختفاء 51 شاباً مصرياً داخل السجون الليبية، يبحث عن إجابة، خرجوا مثل مئات الشباب الذين هربوا بطريقة غير شرعية، طلباً للرزق والبحث عن عمل، لكن حظهم العثر قادهم إلى الوقوع فى يد القوات الليبية عام 2004، ولم يترك أهاليهم باباً إلا طرقوه طلباً لحل أزمة أبنائهم.
.. وأمهات العمال فى حالة حسرة على أبنائهن
تعود أحداث الواقعة إلى 7 يناير 2004، حينما خرج 51 شاباً مصرياً من محافظات البحيرة، والمنصورة، والمنوفية، للسفر إلى اليونان عن طريق سماسرة الهجرة غير الشرعية، وكان مركب الصيد الذى يحمل اسم «أسعد الكريم 410»، الذى خرج بهم من شواطئ دمياط، هو وسيلتهم البحرية لتسليمهم إلى المركب اليونانى فى عرض البحر، لينقلهم إلى اليونان، مقابل 15 ألف جنيه للفرد الواحد، دفعوها كاملة قبل المغادرة، وأتت لحظة الانتقال إلى المركب اليونانى فى عرض البحر المتوسط داخل المياه الإقليمية للجماهيرية الليبية، ليختلف السماسرة على ثمن المقاولة، حيث أرادوا مبلغ 3 آلاف جنيه أخرى من الشباب المسافرين، فمنهم من كان يحمل أموالاً ومنهم من لم يكن معه، وتأخرت عملية التسليم بسبب عجز الأموال مع الشباب المصريين، إلى أن أشرقت شمس النهار لتكشف المركبين فى عرض البحر، وما إن رأتهما قوات حرس الحدود الليبية حتى هاجمتهما على الفور، وأسرت المركب بمن عليه من طاقم البحارة والشباب المهاجرين، فيما هرب المركب اليونانى بجوازات سفر المصريين ليتركهم يواجهون مصيرهم المجهول، وتسلمت القوات الليبية 51 شاباً من شباب مصر، واحتجزتهم داخل السجون بأمر من رئيس الاستخبارات الليبية موسى كوسا فى ذلك الوقت، ومنذ ذلك الحين لم يروا شمس الدنيا إلا فى أعقاب ثورة ليبيا عام 2011، بعد أن خرجوا من السجون الليبية إلى الحدود المصرية، محاولين الدخول إلى مصر، إلا أن السلطات المصرية فى ذلك الوقت امتنعت عن تسلمهم بسبب عدم وجود جوازات سفر لديهم، وفى اتصال هاتفى من القوات الليبية بوزير الخارجية آنذاك أحمد أبوالغيط، رد عليهم قائلاً: «إحنا ماعندناش حد بيسافر بطريقة غير شرعية فى مصر»، على حسب ما ورد من مصادر داخل الوزارة وقتها، ليعودوا مرة أخرى إلى السجون، ويواجهوا مصيرهم المجهول.
«الوطن» بحثت عن أسر هؤلاء الشباب المحتجزين بليبيا، فوجدت الكثيرين من أهالى الشباب فارقوا الحياة حزناً على ما حل بأبنائهم.
قال عبدالحميد حسن شاهين، والد «ياسر» أحد الشباب المحتجزين فى ليبيا: «لم أفقد الأمل يوماً فى رجوع ابنى إلى أحضان أسرته، فمنذ أن بلغنى أمر اعتقاله ولم أدخر مالاً أو جهداً فى البحث عنه، حيث ذهبت إلى ليبيا مرتين، وتوجّهت إلى معظم السجون هناك، إلى أن علمت أنه موجود مع باقى الشباب المصريين بسجن تاجوراء، أو سجن القائد كما يطلقون عليه فى ليبيا، نظراً لأن كل نزلائه من المعتقلين السياسيين يدخلونه بأمر القذافى شخصياً». وأضاف: «مكثت هناك فترة طويلة فى رحلة البحث عن ابنى ووصلت إلى أعلى المناصب بقوات الأمن الليبية، وتعاطفوا جميعاً مع حالتى، مما دفعهم إلى إخبارى بأمر هذا السجن، وعلمت منهم أن هناك 3 سجون أخرى تابعة للقذافى لا يستطيع أحد الاقتراب منها أو الإشارة إليها، وهى الحصان الأسود، وأبوسليم، وزوارة، مما زاد من قلقى وخوفى على ابنى وشباب المصريين، وحاولت بشتى الطرق أن أصل إلى السفير المصرى لدى ليبيا، إلا أن محاولاتى جميعاً باءت بالفشل، إلى أن تعرّفت على الكثير من أهالى الشباب المحتجزين، وقررنا الاعتصام أمام وزارة الخارجية».
وقال عبدالله محمد قطب إنه التقى عائشة القذافى التى كانت تعمل فى مجال القانون وحقوق الإنسان، ليعرض عليها مأساة الشباب المصرى، وتفاعلت مع الواقعة، وتابع قائلاً: «عائشة عرفت أن نجلى محتجز داخل سجن تاجوراء، وتوقفت مسيرتها نحو إخراجه، وأخبرتنى وقتها أن سجون القائد السياسية لا يستطيع أحد الاقتراب منها ولو بالكلام، ولا سلطان لأحد عليها غيره، وبما أنه من المستحيل مقابلة القذافى وقتها، فقد عدت من حيث أتيت والحسرة والألم يملآننى، خصوصاً بعد أن توجهت إلى السفير المصرى لدى ليبيا محمد رفاعة الطهطاوى، وتمكنت من محادثته بالهاتف الداخلى بالسفارة، وأخبرته أن ابنى معتقل بأمر من موسى كوسا، وعندها صرخ قائلاً: اغلق الخط بسرعة، ونزل إلىّ مسرعاً وأمرنى بألا أذكر اسمه داخل ليبيا إذا أردت أن أغادرها سالماً، وعندها أيقنت أن ابنى سار فى طريق الهلاك، وظننت أنى لن أراه مجدداً».
وقال على عبدالسلام القلاوى: «الإعلام ترك قضية أبنائنا الذين راحوا ضحية البحث عن لقمة العيش، وانشغلوا بقضية فيلم حلاوة روح، وكأن أزمات مصر كلها انتهت ولم تبق إلا هذه القضية». وأشار إلى أنهم حاولوا نشر قضيتهم فى الكثير من الصحف وإذاعتها فى بعض البرامج بالفضائيات أثناء حكم «مبارك»، إلا أن أمن الدولة وقتها حال بينهم وبين تداول قضيتهم فى الإعلام.
يقول عيسى محمد رجب، والد «محمد»، أخشى أن يكون من اعتقل أبناءنا عقب ثورة ليبيا هم عناصر الإخوان، التى انتشرت على الحدود الليبية - المصرية فى أعقاب الثورة، واتخذ قائدهم إسماعيل الصلابى الإرهابى المعروف، ومسئول مخابرات الإخوان فى ليبيا، العديد من السجون الخاصة به، وعكف على اعتقال كل معارضيه بها. وأضاف أن هذا الأمر يعد كارثة حقيقية على الشباب المصريين هناك. وأشار إلى احتمالية إجبارهم على الانضمام إلى الجيش المصرى الحر المزعوم، وجعلهم فى الصفوف الأمامية ليكونوا ضحية وفداءً لهم من رصاص القوات المسلحة المصرية، فى حالة تنفيذ مخططهم الإرهابى.
وأعلن أهالى الشباب المحتجزين فى ليبيا، أنهم سيعتصمون أمام وزارة الخارجية، حال عدم الاستجابة لهم، مطالبين المشير «السيسى» -لما له من علاقات- بالتدخل الفورى والسريع لإنقاذ أبنائهم من غياهب السجون الليبية، قائلين: إنه آن الأوان لكى يصبح المصرى غالياً على وطنه وحكومته، موجهين النداء إلى «السيسى»، قائلين «نور عينك معتقلين فى ليبيا، فلا تتخلَّ عنهم».
الوطن