رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني مقدمة كتاب المدخل إلى سفريّ المكابيين يستمد سفرًا المكابيين أهمية كبيرة في التقليد الكتابي، ليس فقط لكونهما وثيقة تاريخية بالغة الأهمية، وإنما أيضًا بسبب ثرائهما الشديد بالكثير من القيم الروحية والليتورجية وغيرها مما سنعرض له في حينه، وهما كذلك خلفية ضرورية وجيّدة للعهد الجديد. فقد تصارع كل البطالمة والسلوقيين -خلفاء الإسكندر الأكبر- على إخضاع منطقة اليهودية، وتعرّض اليهود لاضطهاد عقيدي وثني شديد، من قبل السلوقيين، والذين نشروا الثقافة الهيلينية وألغوا العمل بالشريعة، فتوقّفت العبادة في الهيكل وأُهملت كافة الطقوس، وانحرفت الأمة بكاملها عن طريق الرب. ومن ثمَ قام بعض الغيورين بالجهاد من أجل إصلاح شأن الأمة واستدرار مراحم الله. فبعد أن خاضوا عدة معارك نجحوا أخيرًا في خلع نير الوثنية وإعادة تدشين الهيكل واستئناف العبادة فيه، وهو ما سُمى بعيد التجديد (يوحنا 20: 22). ويلاحظ أنه وبينما وقف الله إلى جوار المكابيين في جهادهم في البداية، فإنهم لم يجدوا مثل هذا العون بعدما انحرفوا عن غايتهم النبيلة، إذ لم يكتفوا بما حققوه من مكاسب دينية ووطنية، بل داخلتهم الأطماع فانتهجوا سياسة توسَعيّة، جرّت عليهم الكثير من المتاعب، وازدادت حدّة الشقاق بين خلفائهم بسبب الصراع على السلطة، حتى وصل الأمر بهم إلى أن يستعدى بعضهم: الحكّام السلوقيين على البعض الآخر!! وانتهى الأمر باليهودية أن أصبحت ولاية رومانية. هذا وقد أفرزت لنا حقبة المكابيين: النواة الأولى للرهبنة، وذلك من خلال جماعة الأسينيين المنبثقة عن الحسيديين، والذين آثروا الاعتزال - في حياة ديرية بمغائر قمران - احتجاجا على انحراف المكابيين عن هدفهم المقدّس (وكانوا حلفاؤهم في البداية). كما قدَم سفر المكابيين الثاني كوكبة رائعة من الشهداء، ضمّت أطفال ونساء وشيوخ، وهم الذين اعتبرتهم الكنيسة: شهداءً مسيحيين قبل المسيحية!! وأقامت لهم الكنائس وعيّدت لهم واحتفلت بذكراهم في أول أغسطس من كل عام، لاسيّما في إنطاكية. وقد رأيت أن أفرد للمدخل كتابًا مستقلًا نظرًا لضخامة الموضوع، والذي حظى من الكتاب والمهتمين بهذه الحقبة بعشرات الكتب والمراجع، وإن كان عملي هذا في الواقع أقل بكثير مما كان يجب، غير أنى أترك الاستفاضة والدراسة الأكثر اتساعًا لآخرين جديرين بذلك، وحسبى بهذا العمل المتواضع إلقاء بعض الضوء على هذا القسم من الكتاب المقدس، وتلك الحقبة من التاريخ الكتابي. وفتح الطريق فقط أمام المعنيين والمهتميّن بها. أشكر الأخوة الذين اشتركوا معي في هذا العمل من جلب للمراجع والصور إلى مراجعة النصوص، وأخص بالذكر الأستاذ الدكتور مجدي فهيم بالإسكندرية، والذي قام بترجمة بعض المراجع عن السفرين. وأكرر من جديد: ليت هذه الأسفار - التي حذفها البروتستانت - تنال اهتمامًا أكبر في خريطة الخدمة والتعليم، والأنشطة والمهرجانات. بصلوات قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث، وشريكه في الخدمة الرسولية نيافة الحبر الجليل الأنبا إيسوزورس رئيس الدير، والذي تفضّل بمراجعة الكتاب. ولإلهنا المجد دائمًا أبديًا آمين. دير البرموس العامر صوم السيدة العذراء / 2002م الأنبا مكاريوس الأسقف العام |
27 - 03 - 2014, 05:23 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
الفترة التي سبقت ظهور المكابيين تشرح لنا نبوات كل من النبيين عاموس وهوشع كيفية انحطاط المملكة الشمالية، المعروفة بمملكة إسرائيل، وذلك بسبب انحراف الشعب وراء عبادة الأوثان. وقد قام ملك أشور بالاستيلاء على العاصمة السامرة سنة 722 ق.م. وبينما سبى رجالها وشتتهم في مختلف البلاد الخاضعة له، فقد أتى من نفس البلاد بالكثير من الوثنيين ليسكنهم في السامرة (ملوك ثان 17: 24) قارن مع (يوحنا 4: 18). وبعد ذلك بقليل وبالتحديد في سنة 701 ق.م. هاجم سنحارب مملكة يهوذا في الجنوب واستولى على مدنها الحصينة في حين فشل في الاستيلاء على أورشليم نفسها (ملوك ثان 17: 3 وص 18 و19) غير أن الشرور الناتجة عن فساد حكم منسى الملك جلبت الدمار على المدينة وأن كان هذا الدمار تأجل قليلًا إكرامًا ليوشيا الملك صاحب الإصلاحات الكثيرة وهو الذي قُتل لاحقًا في معركة مجدو حين وقف إلى جوار ملك أشور ضد ملك مصر، والذي سعى للاستيلاء على جنوب سورية - منتهزًا في ذلك الصراع القائم بين مملكتي أشور وبابل - وكان ذلك في سنة 608 ق.م. وعاد البابليون فهزموا القوات المصرية في معركة كركميش واستولوا على مملكة يهوذا وسورية، وعلى أثر ذلك قام نبو خذنصر بنقل كنوز بيت الرب والقصر الملكى وآنية خدمة الهيكل الذهبية إلى خزائنه في بابل (ملوك ثان 24: 13) وسبى معه أيضًا يهوياكيم الملك مع أشراف مملكة يهوذا، ولما تمرد صديقا الذي عينه على يهوذا، عاد الملك فأحرق أورشليم وهدم أسوارها، وأخذ صديقًا مقيدًا مع الآلاف من أشراف البلاد إلى مملكته، وذلك في سنة 585 ق.م. ومن ثم فرّ الكثير من اليهود إلى مصر ومن بينهم إرميا النبي (والذي أجبره اليهود الفارين على المُضِيّ معهم إلى هناك) وبذلك تمَ سبى يهوذا. فلما اجتاح كورش مملكة بابل ودمرها سنة 538ق.م. تحسنت أحوال اليهود هناك، حيث كان هو ملكًا عادلًا، فقد سمح لهم بالعودة إلى أورشليم وبناء الهيكل وترميم أسوار مدينتهم، وذلك سنة 520 ق.م. حيث عادت الخدمة إلى الهيكل بفضل جهود زربابل وبالتحديد في 10/ 3/ 519 ق.م. ومن ثم أصبح الهيكل مركزْ للعبادة ونقطة تلاقى الله مع الشعب. وقد كان لكل من النبيين حجي وزكريا دورًا فعالًا في ذلك، حيث عاش الشعب مع جيرانه في سلام مهتمًا بإعادة التعمير والبناء، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال سفريّ حجي وزكريا. فلما تحسنت الأحوال المدنية والدينية، شجع ذلك الكثير من اليهود على العودة إلى وطنهم لاسيما وأن ملوك الفرس منحوهم المزيد من الحريات. في هذا العصر عاش ملاخي النبي والذي يُحسب آخر الأنبياء بحسب القانون العبري في الأسفار. ثم جاء كل من عزرا ونحميا وأقاما إصلاحات دينية وقومية هائلة، وذلك بعد مئة عام، حيث اهتم نحميا سنة 444 ق.م. ببناء الأسوار وتحقيق الأنساب وتثبيت الطقس، بينما اهتم عزرا في سنة 457 ق.م. بتعليم الشعب وشرح الشريعة. في ذلك الوقت قطع الشعب عهدًا على أنفسهم بأن يجعلوا الشريعة دستورًا لحياتهم، وذلك في مشهد مؤثر للغاية عندما قرت الشريعة فبكى الشعب متعهدين بذلك (نحميا 8: 1-10). واستلزم الأمر تعيين فرقة من اليهود تسمى الكتبة تكون مهمتها ليس فقط تفسير الأسفار فقط وإنما حفظها أيضًا وإيصالها للأجيال المتعاقبة، والكاتب في المفهوم اليهودي هو "اللاهوتي" وكان للكتبة سلطان على ضمائر الشعب، حيث أفتوا حتى في دقائق الحياة، ولم يكن أحدا ليجرؤ على مناقشتهم في سلطاتهم فيما يختص بتفاصيل الشريعة الطقسية الدقيقة (كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يخرج من كنزه جددًا وعتقاء (متى13: 52) وبعد خراب الهيكل سنة 70 م. أصبح الكتبة هم المسئولون عن تعليم الشعب، وذلك بعد انتهاء دور الكهنوت بانتهاء الهيكل وتوقف الذبائح. وقد استمر النظام الذي أسَسه كل من عزرا ونحميا والربيين والكتبة اليهود هو المتبع والمعمول به، وكان عدد السكان قليلًا إذ تمسك الكثير من اليهود بموطنهم الجديد في بابل ولم يعودوا بموجب أمر كورش إلى أورشليم، كما كانت مساحة البلاد اليهودية صغيرة، حيث سكن سبطا يهوذا وبنيامين في بضعة أميال على امتداد أورشليم محافظين على روحهما القديمة الدينية والقومية وكذلك طقوسهما. ويلاحظ أنه خلال الفترة ما بين العودة من السبي والفتح المقدونى (538-333) لم يطالب الشعب بإقامة ملك لهم حيث اتضح لهم أن الملوك السابقين على السبي كان لهم الضلع الكبير في ضلال الأمة وجلب العار والدمار عليها، وفي هذا عودة إلى حالة الوحي لا التخطيط مثلما حدث عندما رفض الشعب نظام القضاة في أيام صموئيل النبي وطالبوا بملك يحارب عنهم ويخرج ويدخل قدامهم، وعندئذ أقام الله لهم شاول. ونعمت البلاد بالهدوء خلال هذه الفترة فتعمَقت معرفة الشعب في الشريعة والفضيلة، غير أن سلطة رئيس الكهنة في المقابل تزايدت في ذلك الوقت، وذلك في ظل تساهل ولطف وعطف الحكام الفرس، فقد كان رئيس الكهنة هو الزعيم السياسي للأمة مثلما هو زعيمها الديني. وأصبح هو مركز الوحدة القومية والمرجع الأعلى فيما يتعلق بالأمور الدينية والعادية، وكما يقول "الكانن سل" أن اجتماع الأنفة اليهودية والسياسة الفارسية المتسامحة زاد في أهمية هذه الوظيفة1، وحتى عهد البطالمة كان رئيس الكهنة يتمتع بمزيد من السلطة المحليةْ مادامت الضرائب توفى في موعدها، ومن ناحيتهم ظل |
||||
27 - 03 - 2014, 05:26 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
اليهود خارج فلسطين وفي مستعمرة ألفنتين تعد بابل أكبر تجمعات اليهود خارج فلسطين، تليها مصر، وليس أدل على ذلك من قيام الملك بطليموس فلادلفوس بترجمة التوراة إلى اليونانية، من أجل تشجيع اليهود على الإقامة في مصر، في وقت كانت فيه الأمور قد بدأت تستقر في بلادهم اليهودية، فقد كان يكن لهم مزيد من الحب والتقدير، أما عن الأماكن التي تركز وجودهم فيها بمصر فهما منطقتى الإسكندرية وأسوان ومصر القديمة (بابليون / بابل مصر). اليهود في مستعمرة الفنتين (الفيلة) Elephantine في مصر1 يرد في الرسالة إلى أرستياس Letter of Aristeas وهي من الأسفار الأبوكريفية، أن اليهود دخلوا إلى مصر مع الملك الفارسى قمبيز، بينما أتى آخرون من قبل إلى مصر (يهود من مملكة أشور) ليحاربوا كمرتزقة في جيش الفرعون بسماتيك ويقول هيرودوت Herodotus أن بسماتيك الثاني (593 - 588ق. م.) شن حربًا على الكوشيين (الأحباش) مما يحمل على الظن بأنه استعان باليهود في هذه الحرب، ثم وضعهم في معسكر "فيلة" بالقرب من الحدود المصرية الحبشية، فإن صحَ هذا القول، فإن المجتمع اليهودي في الفيلة قد ازداد من خلال مجندين جدد من فلسطين، حيث خدم جميعهم في الجيش الفارسى. والحقيقة أنه ومع ذلك فإن مجتمع اليهود في فيلة، قد حيّر الكثير من العلماء، وجميع النظريات التي طرحت كان لها معارضون، فقد كانت هناك صلات بين مصر وإسرائيل - ما بين سيئة وحسنة - منذ زمن بعيد على ذلك التاريخ، فعندما قرر يربعام Jerobaam أن يهرب من وجه سليمان وجد في مصر ملجأ، كما كان لكل من أورشليم والسامرة حزب موالٍ لمصر، وذلك قبل تدميرهما من قبل البابليين والآشوريين، وقد طلب إرميا النبي من صديقا ألاَ يلتفت إلى الحزب الموالى لمصر، بينما كان صديقا يتوقع معونة من مصر عند مقاومته لنبوخذ نصر، وإلى مصر أخذ إرميا حيث عاش هناك بقية حياته. وتوضّح إحدى برديات مجتمع الفيلة أن المجتمع اليهودي هناك يسبق في تاريخه غزو قمبيز بن كورش وخليفته لمصر، تقول البردية:"... بنى آباؤنا الأولون هذا الهيكل في حصن فيلة في الماضي في عهد مملكة مصر، وحين سار قمبيز إلى مصر وجده مبنيًا، لقد هدموا كل هياكل آلهة مصر ولكن لم يضر أحدً هذا الهيكل"1. وفى سنة 1907 / 1908م وأثناء عمليات الحفر والتنقيب في جزيرة الفيلة الواقعة مقابل مدينة أسوان (حزقيال 29: 10، 30: 6) عند النبع الأول للنيل، تم اكتشاف الكثير من البرديات المكتوبة باللغة الأرامية، والتي كُتبت من قبل الجماعة اليهودية في القرن الخامس قبل الميلاد، ما بين عامى (492 - 400ق.م.) وكانت تلك البرديات في أغلبها مستندات تجارية: ما بين "قروض ونقل ملكية وما شابه ذلك"، ومما يؤكد يهودية تلك المستندات: الأسماء اليهودية الواردة فيها مثل: هوشع، عزرا، صفنيا، يوناثان، زكريا، ناثان، وهي أسماء معروفة جيدًا لقارئي الكتاب المقدس. غير أن أكثر ما يلفت الأنظار في تلك البرديات تلك التي كتبت عام 407 ق.م.، وهي عبارة عن خطاب مرسل إلى بيوجفاىBiogvai حاكم اليهودية، ويعرض الخطاب كيف أن كهنة مصر وبإيعاز من الحاكم المحلى وبمعونة ابنه، قد قاموا بهدم الهيكل الذي بناه اليهود في جزيرة فيلة، ويرد في الخطاب:.. لقد دخلوا هذا الهيكل وسوّوّه بالأرض وحطموا الأعمدة الصخرية وكذلك سقفه المصنوع من خشب الأرز، وكل ما كان هناك أحرقوه بالنار، إما الأواني الذهبية والفضية فقد سلبوها جميعًا.. لقد اشمئز الكهنة المصريون من وجود هيكل لإله غريب في وسطهم، وقرروا أن يطهروا أرضهم من نجاسته، وبالطبع وجدوا لدى الشعب عداوة كافية ضد اليهود ليحققوا غرضهم...". وقد طلب يهود فيلة المساعدة لإعادة بناء هيكلهم:"...الآن خادمك يدونيا Yadoniah ومعاونوه وسكان جزيرة فيلة من اليهود جميعهم يقولون، وإن حسن في عين سيدنا فلينظر إلى هذا الهيكل ويعيد بناؤه، لإنهم لا يسمحوا لنا بإعادة بنائه. انظر إلى محبيك وأصدقائك هنا في مصر، فلترسل خطاب من لدنك إليهم بخصوص هيكل الإله يهوه.. ليبنوه في حصن فيلة، كما بُنى من قبل، والتقدمات والبخور وذبائح المحرقة سوف تُقدم باسمك وسوف نصلى من أجلك في كل حين مع زوجاتنا وأولادنا وجميع اليهود الذين هنا إذا فعلت ذلك وأعيد بناء الهيكل، وسوف تنال جزاءك وأجرك من الإله يهوه إله السموات، أكثر من أي رجل يقدم له محرقات وذبائح تساوي آلاف القطع الفضية أو الذهبية، ومن أجل هذا قد كتبنا لنخبرك وكذلك كتبنا مخبرين بكل شيء في خطاب باسمنا إلى "شلميا" و"دلايا" Shelemiah Delaia أبناء سنبلط حاكم السامرة، ولكن ارسوميس Arsumes حاكم إقليم مصر لم يعلم بكل ما فعلوه بنا..."اه -. هذا ويؤرّخ الخطاب في العشرين من شهر ماربشوان Marbeshwan في السنة السابعة عشر لملك داريوس. وبينما كان يهود جزيرة فيلة مهتمين جدًا بالهيكل وعبادة إله إسرائيل يهوه، فإنهم لم يحافظوا على نقاء عبادتهم التي أوصى بها أنبياء إسرائيل، فقد عبدوا آلهة أخرى مثل أشوبيثال Ishumbethal، هيرم بيثال Herembethal، أناثباثال Anathbathal، وكذلك الإله Anathyahu، وكانت Anath إلهة الخصوبة والحرب في كنعان، اخت وزوجة "بعل". ويعتبر وجود الهيكل والذبائح في فيلة دلالة على أن اليهود هناك رفضوا مبدأ الهيكل الواحد المركزى (فى أورشليم) لتقدم فيه الذبائح ليهوه، وعبر مراحل كبيرة في التاريخ كان هناك صراع بين أولئك الذين دافعوا عن الهيكل المركزى وأولئك الذين يرفضون المركزية بل يفضلون تعدد الأماكن والمرتفعات، فقد كانت فكرة أن الإله يهوه إله واحد، تتمشى مع فكرة وحدانية الهيكل، والمصلحين مثل يوشيا قد صمموا على هدم المرتفعات كمراكز للوثنية، وبالتالي فإن العناصر الوثنية في عبادة يهود فيلة تسهم في رفض فكرة أن هيكل أورشليم هو المكان الأوحد للعبادة والذبائح، غير أن يهود فيلة اعتبروا أنفسهم مستقيمى العقيدة. وتفيد كتابتهم بإنهم اهتمَوا بالفصح والفطير، وكان نظام الكهنوت وتقديم الذبائح الموجود في معبد فيلة، مأخوذ عن نظام الهيكل في أورشليم، ويؤكد التجاءهم إلى كل من أورشليم والسامرة: عدم التحيّز في الانتماء إلى أي من الطرفين في صراعهم. أما اللغة التي كتبت بها البرديات فهي الآرامية وليست العبرية، فقد كان اليهود الذين حضروا إلى مصر قبل سبى بابل يتكلمون العبرية بينما الآخرون الذين حضروا بعد ذلك كانوا يتكلمون الأرامية. ويثير البعض مشكلة أخرى من حيث تاريخ وجود اليهود في فيلة، إذ يرون أن بسماتيك الثاني كان يعتلى عرش مصر في الفترة التي سبقت سقوط أورشليم، فكيف يتخلى اليهود عن أرضهم ووطنهم ليحاربوا في جيوش بسماتيك ضد الكوشيين، ويرى أولئك أنه من الممكن أن يكون بسماتيك قد أتى بمجندين يونانيين مرتزقة، وبالتالي فلم يكن بحاجة ملحة إلى مجندين من اليهود. ولكن ديسترلى W.D.E.Desterley يطرح نظرية أخرى مفادها أن المستوطنين في منطقة فيلة، كانوا يتكونون من يهود ولكن من مملكة أشور، ويعتقد أن الأسرى المسبيين الذين أخذوا من إسرائيل بعد سقوط السامرة قد تم تجنيدهم بإرادتهم، أو ربما فروا من جيش أشوربانيبال، وبعد غزو الخير مصر اُقيمت حاميات وحصون آشورية في أماكن عديدة من المنطقة، غير أن تولى أشوربانيببال لمصر لم يدم طويلًا، وترجع انتصاراته إلى سنة 667ق.م. ولكنه ومع اقتراب سنة 663ق. م. طهّر بسماتيك الثاني كافة البلاد من الحصون الأشورية ويعتقد "ديسترلى" هذا أن بسماتيك نظر إلى حصن فيلة باعتباره يخص اليهود فجنّدهم وضمَهم إلى جيوشه. ومن المحتمل أن يكون يهود فيلة قد سعدوا بابتعادهم عن بلاد أشور، وقد كانت لغتهم في أشور هي الأرامية، ولذلك كتبت مخطوطاتهم بالأرامية. هذا وتشرح وجهة نظر ديسترلى هذه، السبب في طلبهم المعونة من أهل السامرة، ويحتمل أن الغالبية العظمى في مجتمع فيلة ترجع أنسابهم إلى السامريين، إذ أن أوصاف السامريين الواردة في الأسفار المقدسة تتفق مع العناصر الوثنية لمجتمع فيلة، ففي كلا المجتمعين ومع أنهم يخشون "يهوه" إلاَّ أنهم لا يجدون غضاضة في عبادة آلهة أخرى.! وفى النهاية فإنه وإن كان نحميا المصلح الديني قد بدا متشددًا، جادًا فيما يتعلق بجيرانه من السامريين والوثنيين، فقد ظهر في فيلة في المقابل الخطر الناجم عن ترك اليهود لمجتمعهم الذي يحيون فيه، وسكناهم بجوار مجتمع وثني في مصر حيث انضم يهوه إلى "هيكل كل الآلهة" الوثنيين!! |
||||
27 - 03 - 2014, 05:26 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
فلسطين و العصر اليوناني بينما كان الفرس يجدون صعوبة في إخضاع إمبراطوريتهم الممتدة، كان النفوذ اليوناني في تزايد مستمر على الرغم من محاولات الفرس الدائبة للتفريق بين مدن اليونان وإثارة إحداها ضد الأخرى، غير أن فيلبس المقدونى وهو غير يوناني بالطبع، استطاع توحيد تلك المدن واصبح الحلف اليوناني (فيما عدا إسبرطة) هو الأداة التي قضت على إمبراطورية فارس، غير أن فيلبس هذا قُتل في سنة 336ق.م. وذلك قبل أن يتم تنفيذ مخططاته، ومن ثمَ تولى ابنه الإسكندر مكانه، وكان ذا شخصية عظيمة مهيبة، يندر وجود قائد فاتح مثله على مدار التاريخ، فقد تدرب على يد أرسطوطاليس وتمتع باخلاق عالية دمثة، وكانت أولى امنياته هي توحيد البلاد تحت لواء الإمبراطورية اليونانية، بحيث تكون لها لغة واحدة وعقيدة واحدة، كذلك توزع الثروات بالتساوي بين رعاياها، ويقام فيها نظام قضائى عادل. بدأ الإسكندر بعمل تحالف ما بين المقدونيين (وهو منهم) واليونانيين والذين سيعمل لأجلهم ويسمى باسمهم، حتى أنه لما قتل أهل طيبة الحامية المقدونية، احرق الإسكندر مدينتهم وباع أهلها كعبيد، وكان ذلك بمثابة إنذار بأن التحالف بين المقدونيين واليونانيين يجب أن يُحترم. ثم بدأ زحفه بجيش صغير من المقدونيين يصحبهم بعض المؤرخين والجغرافيين وعلماء النبات، بعبور نهر الدردنيل وذلك بقارب صغير من نفس المكان الذي عبر منه احشويرش الملك ولكن من أعلى كوبرى مصنوع بإتقان، واحتل طروادة فقدّم ذبائح لآلهة اليونان وأبطالهم، وبذلك أعلن عن البدء في حرب جديدة. غير أن داريوس الثالث ملك الفرس لم يأخذ هذه الحملة مأخذ الجدّ، بل أنه أمر باسر الإسكندر وحمله إلى شوشن مرسلًا في ذلك جيشًا مكونًا من فرسان من الفرس وبصحبتهم مرتزقة يونانيين وقوات محلية لإعتقال الإسكندر، وتلاحم الجيشان عند نهر جرانيكوس Cranicus وبينما توقّع الفرس نصرًا سهلًا، إذا بهم ولكن الفرس ينهزمون بعد قتال شديد، ولم يهتم الإسكندر بضمَهم إلى صفوفه بل أمر بقتل المرتزقة اليونايين لخيانتهم، وبذلك صار الطريق ممهدا أمام الإسكندر إلى أسيا الصغرى ففتح مدنها، بينما ظلت هاليكارناسيوس Halicarnasus موالية لبلاد فارس، ولكن الإسكندر أحرقها أثناء حصارها. ثم تحرك تجاه الشرق مجتاحًا تلك النواحي حيث لم يواجه مقاومة حقيقية حتى وصل إلى بوابات كليكية في إيسوس Issus حيث تقدم داريوس بجيشه الفارسى متصدّيًا للإسكندر، غير أنه انهزم واُخذت منه دمشق عُنوة، واُسرت عائلة دريوس مع شرفاء من اسبرطة وأثينا وطيبة، إضافة إلى كمية هائلة من الغنائم، ويقال أن الإسكندر دخل خباء داريوس فوجد زوجته وابنتاه وابنه، فطمأنهم جميعًا وأوصى بهم خيرًا ومنع جنوده من المساس بهم، بل وأجزل لهم العطايا، بل إن المؤرخ بلوتارك يقول أن الإسكندر قد عاقب بعض جنوده بالموت لإسائتهم إلى نساء أعدائهم. وخلال الفترة التي اخضع فيها الإسكندر جميع مدن فينيقية (عدا صور) عرض داريوس مرتين التفاوض مع الإسكندر، عارضًا عليه الهدايا والمقاطعات والمال الوفير والزواج من ابنته في مقابل عودة عائلته، غير أن الإسكندر لم يلتفت إلى هذا العرض، إذ قد سبق فأعدّ خطة لغزو العالم كله (في تأبين الإسكندر قال أحد الفلاسفة "بالأمس لم يسع العالم الإسكندر فكيف اليوم يسعه هذا الصندوق الضيق"). اما إخضاع صور فقد احتاج إلى سبعة أشهر في ملحمة بطولية ظهر فيها بأس الإسكندر وشجاعته ومثابرته وعدم يأسه، وهي وقعة كفيلة وحدها بتحديد معالم شخصية الإسكندر وعظمته، وتقدم مثلًا هامًا في المثابرة، ولعل أهم ما يميز هذه الحملة على صور: هو إقامته طريقًا في البحر يصل بين اليابسة والجزيرة المقامة المدينة عليها، وبسقوطها سقطت أهم مدينة بحرية لها الكثير من النفوذ على المنافذ البحرية والتجارية. تلا ذلك حصار غزة ولمدة شهرين جُرح فيها الإسكندر واستبسل واليها، غير أن الإسكندر قد مثَل به بعد فتح المدينة، فقد سحله في شوارع المدينة وهو مربوط بحبل من عرقوبه، في حين كان الوالي نفسه فخورًا بذلك لتشبهه في ذلك ببعض الأبطال المشاهير.! ودخل الإسكندر إلى مصر والتي رحبت بمقدمه كمخلَص، ليس فقط بسبب كراهيتهم للفرس المحتلّين البلاد، وإنما بسبب ما صرَح به الكاهن المصري في معبد آمون في مصر، إذ أنه ما أن دخل الإسكندر كعادته إلى الهيكل لتقديم الذبائح حتى أعلن أن الإسكندر هو ابن آمون وأنه سوف يغزو العالم!!هنا سُرَ الإسكندر بهذه النسبة (النسب) واعتبر نفسه فرعونًا شرعيًا له هيكله في معبد الكرنك، وبدأ في التركيز على نسبته (نسبه) إلى مصر، أكثر من نسبه إلى الإغريق. وابتعد عن الأيديولوجية اليونانية بعد أن كان مقتنعًا بطريقة الحياة اليونانية، ومن ثم أعاد التنظيم الإدارى لمصر، معطيًا للمصريين النصيب الأكبر في حرية إدارة بلادهم، على أن يظل للمقدونيين النفوذ العسكري (أي أنهم يكونون مسئولين عن الجيش) وظلت مدينة الإسكندرية هي الأثر العظيم الباقي الذي يدلَ على علاقة الإسكندر بمصر، فقد حلّت المدينة التي بُنيت على اسم الإسكندر (الإسكندرية) كميناء مركزى للتجارة في حوض البحر المتوسط، بديلًا لصور التي دُمرت في فينيقية. وشجع الإسكندر اليهود على السكنى فيها، حيث أصبح لوجودهم التأثير الهام على تاريخ اليهودية المسيحية فيما بعد. وفى أورشليم اتجه الإسكندر عقب فتحه إيّاها إلى الهيكل، هناك رحب به رئيس الكهنة وفتح له سفر دانيال وشرح له كيف أنه هو المقصود بالكبش ذي القرنين، وفسر له النبوة، فسُرَ لذلك كثيرًا ولما طلب أن يقام له تمثال من الذهب في الهيكل تذكارًا له يقوم هو بنفقاته، اعتذر رئيس الكهنة بعدم جواز ذلك، ونصحه في المقابل بتوجيه المال إلى إصلاح أحوال الكهنة والخدمة في الهيكل حيث سيكون له بذلك الذكر الأفضل فوافق مسرورا، وهكذا تُظهره التقاليد اليهودية كشخص ودود، فيما يتعلَق بالصراع القائم ما بين اليهودية الأرثوذكسية والحضارة اليونانية. فى سنة 331ق.م. اتجه الإسكندر شمالًا من خلال سورية وفلسطين حيث شعر أنه بإمكانه مواجهة جيوش الفرس في أراضيهم، وهزم الإسكندر بالفعل الجيش الكبير لداريوس في معركة جوجاميلا Gugamela فيما بين النهرين، وبهزيمة داريوس لم يجد الإسكندر مانعًا أمامه فاستولى عندئذ على جميع مدن فارس وعواصمها مثل بابل وشوش وبرسابوليس وأكبتانا، وبالمثل فقد رحب به أهل البلاد وجاء كهنة "مردوخ" يقدمون الهدايا ومعهم أشراف المدينة ووعدوه بإعطائه جميع ثروات بابل، وصدر الأمر بتزيين الشوارع بالزهور وأن يأتوا بالإكليل ليرحبوا ب"الملك العظيم" وأحرق البخور على المذابح، ورتل المجوس، ولقاء ذلك أمر الإسكندر ببناء الهياكل التي أهملت منذ إيام أحشويرش، وبنى هيكل الإله مردوخ Bel Mardukh، وهو أحد أمجاد بابل مرة اخرى. وبعد عشرين يومًا من تركه لبابل اتجه الإسكندر إلى شوشن حيث كانت كنوز قصر الملك داريوس الأول في انتظاره، وبعد حصوله عليها اتجه نحو برسابوليس حيث كانت أغنى مدن العالم قاطبة، ولكنه - وعلى غير عادته - سلك هناك بوحشية، حيث ذبح جميع رجالها وسبى نساءها، وتصارع أتباعه على الغنائم. وفي سنة 330 ق.م. مات داريوس وأخذ الإسكندر لقب ملك الملوك أو الملك العظيم Basileus. وكان نهب برسابوليس هو علامة سيادته التامة على مملكة فارس، وقد ارتدى الإسكندر في فارس الزى الفارسى وعاش مثل حياتهم وكان يحكمهم كأمير شرقى وقامت هناك مؤامرة ضده حيث أراد ابن "برمنيون" (احد قواده) قتله والاستيلاء على المُلك فقتل الاثنين. وبعد بلاد فارس اتجه إلى المشرق حيث استغرقت الحرب ثلاثة سنوات مريرة ليستولى على بكتريا Bactria وسجديانا Sogdiana (تركستان الحالية) وكعلامة على التسوية تزوّج الإسكندر من الأميرة روكسانا Roxana من بكتريا، وقد كان اقليم بونجات Bunjat هو آخر الحدود التي وصل إليها الإسكندر حيث رفض الجيش التعمق أكثر من ذلك. وكانت السنين الأخيرة للإسكندر مأساوية، فقد عاد نصف جيشه من الهند عن طريق البحر في اسطول حديث البناء، ونجح الاسطول في الرحيل من Indus Della وحتى الخليج الفارسى بينما رحل باقي الجيش عن طريق البر، فلمَا عاد هو إلى شوشن سنة 324ق.م. وجد الفوضى تدب هناك، حيث تذمَر الحكام الذين تركهم، على حكمه، وثارت فضيحة عندما علموا أنه قتل المؤرخ كالسيتينوس Callistenos ابن أخيه نيفيوNephew، كما تذمّر اليونانيون من الإسكندر وأوامره، لاسيما عندما شعروا أن الإسكندر يريدهم أن يعاملونه كإله، واختلطوا بالفرس واتخذوا لأنفسهم منهم زوجات، ولما رتب أن يقوم برحلة بحرية حول الجزيرة العربية سنة 323ق.م. مات في الطريق اثر حمى (ويقال أنه مات مسمومًا) وكان ذلك في 21 إبريل من نفس العام ولم يكن قد تجاوز عامه الثالث والثلاثين، بينما كانت روكسانا زوجته قد ولدت له ابنه الوحيد. فى هذا الزمن القصير والذي لم يتخطَى أحد عشر عامًا هي مدة ملكه، استولى الإسكندر على ما لم يستطيع أحد من قبله الاستيلاء عليه من البلاد والحصون، ولم يجد متسعًا من الوقت لتحقيق أمنيته في خلق إمبراطورية متماسكة، ولكن هذه السنوات منذ عبوره الدردنيل وحتى موته، قد غيرت مجرى التاريخ وخلقت الحضارة الإغريقية، ويقال أن فليمون وزيره أخفى خبر موته عن الناس ووضعه في تابوت من الذهب وغطّاه بالعسل (حسب رواية يوسيفوس) وعند مجيئه إلى الإسكندرية كشف للناس الخبر، ووضع التابوت أمامهم ثم أشار إلى الحكماء والفلافسة وأصدقاء الإسكندر، لكى يقول كل منهم كلمة في رثائه وتأبينه1 (لمطالعة أروع ما يمكن أن يقال في مناسبة مثل تلك: راجع تاريخ يوسيفوس، بيروت 1873م.)، ويقال ان وصوله إلى الإسكندرية كان بعد سنتين من موته، وذلك بسبب الخلافات بين القادة وترتيب جنازته. |
||||
27 - 03 - 2014, 05:27 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
فلسطين تحت حكم خلفاء الإسكندر لم يترك الإسكندر خليفة من نسله سوى الابن الذي أنجبته له أروكسانا زوجته التي من بكتريا، وكان ما يزل طفلًا، ويروى سفر المكابيين الأول أن الإسكندر عندما شعر بدنو أجله قسَم المملكة بين أربعة من قواده الأشرار "فدعا أشراف ضباطه الذين تربوا معه منذ الصبا، وكان الإسكندر قد ملك اثنتى عشرة سنة حين مات، فتولى ضباطه المُلك كل واحد في منطقته، ولبس كل منهم التاج بعد وفاته، وكذلك بنوهم من بعدهم سنين كثيرة فأكثروا من الشرور في الأرض (1مكا1: 6-9). ويفيد التاريخ المدني بأنه بعد صراع طويل استمر لسبع سنوات ظهر هؤلاء الأربعة البارزين وهم انتيجونوس Antigonus وهو الذي أخضع الأراضي الواقعة بين البحر المتوسط وحتى وسط آسيا الصغرى، ثم كاسندر Cassander والذي كان يحكم مقدونية، ثم بطليموس لاجى Lagi والذي حكم مصر وسورية الجنوبية، ثم ليسيماخوس Lysimachus حاكم ثراكية. وكان سلوقس Seleucus والذي لعب دورًا بارزًا في الأحداث التي جرت في فلسطين في الفترة التالية لذلك، هو أحد قواد بطليموس، وبينما مثل البطالمة (البطالسة) في مصر: "بطليموس"، فقد مثًل سلوقس عائلة السلوقيين في سورية، وقد ظل اثناهما يتنازعان الحكم، حيث قام بطليموس بعدة هجمات ضد منطقة جنوب سورية للاستيلاء على فلسطين، بينما حاول سلوقس في المقابل غزو الجنوب للفوز بفلسطين أيضا، وفي سفر دانيال نجد نبوة عن قيام الملوك الأربعة والصراع المستمر بينهم، هكذا: "ويقوم ملك جبار متسلط تسلطًا عظيمًا ويفعل حسب إرادته، وكقيامه تنكسر مملكته وتنقسم إلى رياح السماء الأربع ولا لعقبه ولا حسب سلطانه الذي تسلط به لأن مملكته تنقرض وتكون لآخرين غير أولئك" (دانيال 11: 3، 4). ويعود سفر دانيال ليؤكد ذلك ويشير إلى نهاية مملكة الإسكندر وقيام الرومان: "فرفعت عيني ورأيت وإذا بكبش وقف عند النهر وله قرنان والقرنان عاليان والواحد أعلى من الآخر والأعلى طالع أخيرًا، رأيت الكبش ينطح غربًا وشمالًا وجنوبًا فلم يقف حيوان قدامه ولا منقذ من يده وفعل كمرضاته وعظم، وبينما كنت متأملًا إذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمس الأرض وللتيس قرن معتبر بين عينيه وجاء إلى الكبش صاحب القرنين الذي رأيته واقفًا عند النهر وركض إليه بشدة قوته ورأيته قد وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه فلم تكن للكبش قوة على الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه ولم يكن للكبش منقذ من يده" (دانيال 8: 3-7). ويروى كل من المؤرخين "أريان" و"كينتوس كورس":أن الإسكندر جعل الخلافة للأرشد منهم، وروى "ديودورس الصقلى" و"يستينوس" أنه دفع بخاتمه إلى "برديكاس" وأنه بعد وفاة الإسكندر وبينما كان القواد مجتمعين ليحدّدوا من يخلفه، دخل برديكاس عليهم وبيده خاتم الملك ووضعه على العرش المنصوب في ردهة الاجتماع، وكانت روكسانا زوجة الإسكندر حُبلى في الشهر الثامن، في حين كانت برسين زوجته الأخرى قد ولدت ابنًا أسمته "هرقل" ولكن الخلاف اشتد بين الجميع على النحو التالي: قد طلب الجميع أن يختاروا ملكًا يمتثل له الجميع، إلى أن تلد روكسانا، وكان برديكاس يأمل أن يفوز بلمُلك، ولكن "نيارك" (زوج أخت برسين) اعترضه، وراى الحضور أن يكون "هرقل" الطفل هو الملك الخليفة، ولكن بطلميوس اعترض ورفض أن يخضع المقدونيين لأي من الابنين، سواء أكان ابن برسين أو ابن روكسانا الذي لم يولد بعد، بل رأى أن يبقى العرش خاليًا وأن يُعهد بالولاية إلى من كانوا مشيرى الملك، فاستحسن وجهاء الدولة الرأي، غير أن الجنود استاءوا من ذلك وراوا أن يُعهد بتدبير المملكة إلى برديكاس وإلى "ليوناس" في أسيا، وإلى "انتيباتر وكراتر" في أوروبا، وذلك حتى تلد روكسانا ابنًا، وكان القائد "ملياكر" عدوًا لبرديكاس فأثار الجنود ضد الفرسان الموالين لبرديكاس (الجنود في الجيوش هم المشاه وهي جماعة تختلف عن الفرسان والذين يتميزون عليهم. ويقال في العادة "الرجال والفرسان" أي المشاة وراكبي الخيول.)، ورشح لهم "أريداى أخ الإسكندر لأبيه لخلوّه من الدم البربري فاختاروه رغم عدم أهليته للحكم، فلما شرعوا في توليته اعترض وجهاء الدولة، ولكن الجنود نصّبوه بالقوة، فدارت حينئذ معركة بين الفريقين، وكان من الضروري حلّ النزاع، واتفق كل من الجنود والفرسان على أن يتقاسم كل من "اريداى" و"ابن روكسانا" (إن ولدت ذكرًا) المُلك، بينما يحكم أنتيباتر في أوروبا. في حين يدير "كراتر" الأمور بأمر أريداى، وأمّا برديكاس فليكن في منزلة الوزير الأول، وأما "ملياكر" فيعمل كنائب له (ولكنه لم يمض وقت طويل حتى قام برديكاس بقتل ملياكر). ثم ولدت ركسانا ابنا أسموه الإسكندر، وأقروا له بالملك مع أريداى، ولم يكن لكليهما إلا اسم ملك، إذ كان الأول طفلًا بينما كان الثاني غير كفء، وكانت الإدارة الفعلية لكبراء الدولة على النحو التالي: ليسيماخوس: ثراكية وما حولها. انتيباتر وكراتر: مقدونية وبلاد اليونان. بطلميوس: مصر وما فتحه الإسكندر في أفريقيا. لاوميدون: سورية وفينيقية. وأما بقية مدن آسيا فقد تُرك عليها الولاة الذين سبق فعيّنهم الإسكندر. وكان سلوقس بن أنطيوخس رئيسًا على الفرسان المتحدين، وللإسكندر بن انتيباتر الرئاسة على فرق الجيش، وأما برديكاس فاتخذ قيادة الجيش في آسيا، إضافة إلى الوصاية على الملكين والسلطان المطلق بحجة الخاتم الذي تركه الإسكندر معه. و قامت منازعات وحروب متواصلة بين جميع أولئك القادة والولاة، حيث رغب كل منهم في الاستقلال وتسمية نفسه ملكًا، بل أن روكسانا نفسها قامت بقتل ضرتها ساتيرا امرأة الاسمندر وابنة داريوس ملك الفرس، كما قتلت كذلك اختها دريباتيس أرملة افستيون. وليعذرنا القارئ في إيراد هذه التفاصيل، فقد أردنا تسليط الضوء على الوضع في تلك اليام وما جرى فيها من الصراع الذي نشب في المنطقة قبل ظهور المكابيين، حيث كانت فلسطين بحسب موقعها هدفًا لكل من أراد أن يحمل على الآخر سواء سورية وبابل في الشمال او مصر وافريقيا في الجنوب. لقد تحالف "برديكاس" و"أدمان" وإلي الكبادوك لمحاربة كل من بطليموس وإلى مصر وكراتر وانتيباتر والي مقدونية وانتيكون والي بمفيلية وفريجيا، ولكن برديكاس قتل غيلة على يد بعض جنوده بعد أن هزم بطليموس سنة 321 ق.م. فأقيم انتيباتر مكانه وقام كذلك أنتيكون والي (أنتيغونوس) قائدًا للجيش في آسيا وأوصياه بملاحقة أدمان حليف برديكاس، فاتصلت لذلك الحروب بينهما، أُسر على أثرها أدمان وقام انتيغونوس بقتله سنة 315 ق.م. فاهتز من ثم وضعف ركنًا من أركان الأسرة الملكية. ثم ما لبث أن مات أنتيباتر سنة 313 ق.م. وبينما كان يحتضر أوصى بالملك ل "بوليسبركون" والولاية كذلك على مقدونية، مفضلًا إياه على ابنه لما فيه خير المملكة، كما أوصى أن يكون ابنه نائبا له، فاستعان ب أوليمبيا ابنة الإسكندر الأكبر فأصبحت من ثم مقاليد الأمور في يدها، عند ذلك قامت بقتل " أريداي" الملك سنة 317 ق.م. بعد ست سنوات وأربعة أشهر قضاها في ملك شكلي، ثم ما لبثت أن قتلت زوجته ثم أحد أبناء أنتيباتر ثم مئة من رجال إسكندر بن انتيباتر.!! عند ذلك قام الإسكندر هذا متجهًا إلي مقدونية قاصدًا الانتقام من أولمبيا، فتحصنت في قلعة، ولكن الجنود انحازوا إلي عدوها، غير أنهم استحوا من قتلها بعد خروجها كأمر الإسكندر، وعندئذ أرسل الإسكندر إليها بعض من أقارب مَن قتلتهم فقتلوها، وكان ذلك في سنة 316 ق.م. وأراد أيضًا قتل روكسانا وولدها واللذين كانا متحصّنين معها ولكنه لم يستطيع. ثم تزوج الإسكندر من " تسالونيس" أخت الإسكندر الأكبر رغية منه في الحصول على تأييد الأكبرين طمعًا في الملك بعد ذلك واستعجل أمره في مقدونية وبلاد اليونان، بينما اشتدت شوكة أنتيغونوس في آسيا، وفرّ سلوقس والي بابل من قدامه إلى بطليموس في مصر، بينما كان إسكندر باكوس وابن روكسانا أسيرين في مقدونية. و في سنة 315 ق.م. تحالف بطليموس وكاسندر وإلى مقدونية وليسيماخوس والى ثراكية لمهاجمة أنتيغونوس الذي اشتاق إلى أن يصبح مثل الإسكندر الأكبر، فطلب بطليموس من أنتيغونوس الذي اشتاق إلى أن يصبح مثل الإسكندر الأكبر، فطلب بطليموس من أنيغونوس أن يتخلى عن جزء من البلاد الأسيوية التي أخضعها، وطلب سلوقس أن يأخذ بابل التي ُطرد منها قبلًا، وعندما لم يلتفت أنتيغونوس إلى مطالب بطليموس، اشتعلت الحرب بينهما واراد أنتيغونوس الاستعانة باليونان وبعض القبائل واشترى كذلك أسلحة ولكنه لم ينجح وهُزم من قبل بطليموس وسلوقس، وكان ديمتريوس بن أنتيغونوس هو قائد الجيش، وقد جرت هذه الواقعة في حرب بحرية في غزة سنة 312 ق.م. وتقدم المنتصرون أكثر وأخذوا المدن السورية الهامة ومنها صيدون. و في المقابل ينقل يوسيفوس عن المؤرخ "أجاثا ركيديل" Agatha rachidel وصفه لغز بطليموس لأورشليم، فيقول: "أن الشعب بينما كان يصلى في السبت دخل "بطليموس لاجوس Lagus " إلى المدينة وأخذها، وبذلك ظهر لدى اليهود "عيبًا خطيرًا" في السبت، فاتفقوا من ثم على جواز الحرب في السبت متى كانت دفاعًا عن النفس. وهو ما أكده بعد ذلك المكابيين، بعدما هاجمهم السلوقيين وقتلوا منهم ألفي نفس. و يرد في رسالة أرستياس عن بطليموس:".. لقد غمر جوف سورية وفنيقية بكاملها ليجرب بسالته، فقتل البعض وأسر البعض الآخر وأذلّ الكل وأخضعهم، لقد نقل إلى مصر مئة ألف شخص من اليهود إلى مصر، وجند منهم ثلاثيين ألفًا من رجال البأس وأعطاهم السلاح ووضعهم في حصون في مصر " وتدل الحفائر والكتابات والبرديات المصرية على وجود أعداد كبيرة من اليهود في مصر البطلمية، بعض من هؤلاء قد حاربوا سابقًا، ومن المحتمل أن يكون "بطليموس لاجوس" قد أتى بالكثير منهم. فى سنة 314 ق.م. حقق أنتيغونوس بعض النصر عندما فتح صور بعد حصارها خمسة عشر شهرًا، وفي سنة 313 ق.م. كانت لهم حروب في بلاد اليونان ولكنها لم تكن حروبًا فاصلة، غير أنه في سنة 312 ق.م. عهد أنتيغونوس إلى ديمتريوس أبنه أن يمنع المصريين من دخول سورية، ولكن بطليموس ومعه سلوقس كسرا جيشه عند غزة فتقهقر إلى أشدود ومنها إلى طرابلس، ومن ثم أسرع سلوقس إلى ولايته في بابل والتي كان طرد منها قبلًا، فلما سمع أنتيغونوس بانكسار جيش ابنه هبّ لنجدته بجيش كبير، فانسحب بطليموس إلى مصر وهكذا استمرت سورية في حوذة أنيغونوس، واستمرت هذه المناوشات مدة أربع سنوات دون حسم ومن ثم عقد الطرفان صلحًا سنة 311 ق.م. بشرط أن يبقى حكم مقدونية لـ كاسندر حتى يبلغ إسكندر اكوس ابن الإسكندر الأكبر رشده، وأن يستمر أنتيغونوس على ولاية أسيا الصغرى وسورية، وليسيماخوس على ثراكية، وبطليموس على مصر وما يليها مع قبرص ورودس، أما سلوقس فلم يرد ذكره لأنه كان يظن أنه منهزم مع أنه كان قد عاد إلى بابل، وقبله أهلها باحتفال كبير وانضم إليه كثيرون فاستفحل مره في بابل وشرقى الفرات. من هنا أو من سنة تولّيه الحكم ثانية في بابل يبدأ تاريخ السلوقيين والذي يسميه البعض تاريخ الإسكندر وكان المسيحيين وغيرهم يؤرخون به ويسمى في سفرى المكابيين تاريخ دولة اليونان، حيث تبتدئ السنة الأولى في خريف سنة 312 وتنتهي في الخريف سنة 311، وأما اليهود فيحسبون السنة الأولى باعتبارها تبدأ في الربيع سنة 312 وتنتهي في ربيع سنة 311 ق.م. ولكن يعوّل في التاريخ بالأكثر على الحساب الأول. |
||||
27 - 03 - 2014, 05:28 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
المؤامرات والاقتتال بين خلفاء الإسكندر و لكن الهدنة والاتفاق لم ينه المطامع على أية حال، وكان الضحايا الأولى في ذلك هم: من بقى من أسرة الإسكندر الأكبر، فقد قتل كاسندر إسكندر اكوس وأمه روكسانا بالسيف وربما بالسم، وذلك بالرغم من الاتفاق المبرم بين الأطراف، ولم يبق من نسل الإسكندر الأكبر، إلاّ هرقل ابنه وأمه برسين زوجة الإسكندر، ولكن كاسندر قتلهما أيضا، وذلك عن طريق "بوليسيركون" نفسه سنة 309 ق.م. ما قتل أنتيغونوس كليوباترا أخت الإسكندر أرملة ملك "الإبير"، فقد استدعاها بطليموس ليتزوجها ظانا بذلك أنه يزيد من مؤيديه، ولكن انتيغونوس قتلها سرًا سنة 308 ق.م. وهكذا لم تدم الهدنة سوى مدة قصيرة، إذ عاد الجميع إلى الاقتتال، فقد حاصر ديمتريوس ابن أنتيغونوس أثنيا وفتحها، وأقام فيها حكومة جمهورية، وأعد أسطوله لمحاربة بطليموس فانتصر عليه في موقعة حربية أخذ بها سلامينا، ومن سمى نفسه ملكًا وكذلك سمى ابنه ديمتريوس، فقلده بقية الولاة في الجهات الأخرى، فقد سمى بطليموس نفسه ملكًا في مصر، وكذلك ليسيماخوس في ثراكية، وكاسندر في مقدونية، وأخيرًا تحالف كاسندر وبطليموس وليسيماخوس وسلوقس، ضد أنتيغونوس في سنة 302 ق.م. فدارت معركة فاصلة بينهم سنة 301 حيث قتل فيها ديمتروس، واقتسم الملوك المملكة: 1. فأخذ ليسماخوس اسيا الصغرى حتى جبال طوروس مضافة إلي ثراكية. 2. وأما سلوقس فاخذ سورية الشمالية وما بين النهرين وما شرقيها حتى الهند. 3. وأخذ بطليموس اليهودية وفينيقية أي سورية الجنوبية حتى عكا إلى مصر وما يليها. 4. وبقى كسندر في مملكته إضافة إلى ما يسترده من بلاد اليونان، ثم أخذ صقلية لأخيه و أصبحت الممالك اربعة كما تنبأ عنها دانيال النبي. و رأى بطليموس أن ضمّ اليهودية إلى ولايته سوف يقى مصر الكثير من المخاطر، فأرسل نكانور إلى سورية بجيشين برى وبحرى، فهزم "لاوميدون" وأخذه أسيرًا وفتح المدن الساحلية، وأصبحت سورية تحت سلطانة ولم يتحرك بقية الولاة تجاه ذلك، ولما حاول اليهود مقاومة بطليموس تعاطفًا مع لاوميدون، هاجمهم بطليموس وحاصرهم طويلًا، ولكنه مع ذلك لم يفلح في فتح أورشليم، ولما علم بموضوع السبت من حيث امتناع اليهود عن الحرب فيه، حاربهم وانتصر عليهم (كما سبق الإشارة) وعند ذلك هادنه اليهود واخلصوا له. |
||||
27 - 03 - 2014, 05:31 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
متى بدأ تاريخ البطالمة حين أراد أنتيغونوس أن يهاجم مصر بعد تراجع بطليموس عن حرب قبرص، حشد مائتى ألف جندي، وأراد أن يباغته من جهة إحدى روافد النيل، ولكن العواصف أخذت بسفنه وجنوده، وأذاع بطليموس بين جنود أنتيغونوس أن الجندي الذي يلجأ إليه فسوف ينال "مئة منا" والضابط "وزنة" واحدة تساوي اربعة أضعاف ما يناله الجندي العادي، وعندئذ تبعه كثيرون حبًا به، فيئس أنتيغونوس لاسيما وقد تفشّى المرض بين جنوده، واحتاج إلى المؤن فعاد يائسًا كئيبًا إلى بلاده، وخسر كثيرا من جنوده وسفنه، يقول بطليموس الفلكى أن بطليموس الملك جعل ذلك اليوم وهو اليوم السابع من تشرين الثاني سنة 305 بدءا للتاريخ البطلمي أو (البطلسي) وهي السنة التاسعة عشر لوفاة الإسكندر. وكانت سورية الشمالية من نصيب سلوقس، وأما فلسطين وحتى عكا وجوف سورية فكانت تحت ولاية بطليموس، وكانت مملكة سلوقس فسيحة تشمل سورية كما سبق وبلاد ما بين النهرين ومملكة الفرس وحتى الهند، وسميت مملكة سورية، لأن سلوقس بنى أنطاكية وأقام بها هو وحلفاؤه السلوقيون، وسمى المدينة أنطاكية نسبة إلى أبيه (و ربما إلى ابنه) "أنطيوكس" والتي تكتب كثيرا "أنطيوخس" وكانت عاصمة الشرق في ذلك الوقت سواء بالنسبة للسلوقيين والقياصرة الرومان، وكان أنتيغونوس قد بنى على مقربة منها مدينة أسماها أنتيكونية أو "أنتجونية" غير أن سلوقس هدمها ليبنى مكانها مدينة سماها بإسمه: سلوقية. |
||||
27 - 03 - 2014, 05:32 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
الحالة الدينية لليهود في بداية فترة البطالسة عاش اليهود في سلام إبان الفترة التي سبقت حكم انطيوخس أبيفانيوس، فقد كان رؤساء الكهنة يدبرون الأمور الداخلية للبلاد، وتزايدت سلطتهم فكان رئيس الكهنة هو زعيم الأمة السياسي مثلما هو زعيمها الديني - كما سبق الاشارة- فقد خوله حكام مصر وسورية (بحسب انتماء فلسطين للحكم البطلمى أو السلوقس) حتى لقد صار رئيس الكهنة بالنسبة لليهود يمثل ملوكهم القدماء، وأصبح هو المرجع الرئيسى فيما يتعلق بمصالح الوطن وضمانًا لسلامه، ولولا انحرافهم لاستمروا طويلا يعملون لخير بلادهم. و من أبرز الشخصيات الدينية البارزة في ذلك العصر هو سمعان البار simeon the just والذي مدحه يشوع بن سيراخ كثيرًا، حيث يرجع إليه الفضل في بناء أسوار أورشليم التي هدمها بطليموس الأول، ويقال أنه رمم وأصلح الهيكل وقاد أعمال اكتشاف مستودع مياه كبير كان يمد أورشليم بالمياه، لاسيما في أيام انقطاع المياه أو حصار المدينة (1). وبالاضافة إلى منصبه كرئيس للكهنة كان سمعان هو المعلم الأول للشعب، وهو القائل بأن العالم يرتكز على ثلاث دعامات وهى:"الناموس والخدمة المقدسة والصدقة". ولكن سمعان الكبير هذا، يحيط به الكثير من اللبس، فقد كان يحيا في أواسط القرن الثالث قبل الميلاد، بينما عاش شخص آخر يدعى سمعان الثاني سنة 200 ق.م. ولا يعرف أي من هذين الاثنين هو سمعان البار، ولكن الثنان ينتميان إلى حونيا الأول (يكتب في جميع المراجع العربية أونيا ولكن نطقه في العبرية هو حونيا، إذ أن الحرف (ح) لا يوجد في اللغات اللاتينية فيستعاض عنه ب (أ)) رئيس الكهنة. وكان بيت حونيا (عائلة حونيا) في تنافس مستمر - يصل إلى الصراع - مع جماعة تسمى: حزب طوبيا، فقد كان الأخير مواليًا لمصر وكان يمثل الطبقة الثرية بين المجتمع اليهودي، وكان للطوبيين صلة القرابة بحزب "طوبيا العموني" الذي سبّب المتاعب لنحميا. ويرد في بردية من عصر بطليموس الثاني، ذكر لرجل يهودي يدعى طوبيا وكان قائد فرسان في جيش البطالمة الموجود في "عمون" شرق الأردن. وفي "عرق الأمير" بالأردن اكتشف مدفن كبير يرجع إلى القرن الثالث ق.م. مكتوبًا عليه بالأرامية "طوبيا". ويُظن أن اتباع طوبيا العمونيين Tobians كانوا من جباة الضرائب يقومون بنفس العمل الذي قام به العشارون بعد ذلك في زمن العهد الجديد، وظل الصراع قائما بين الحزبين (بيت طوبيا وبيت حونيا) حتى تصاهرا، غير أن التنافس على السلطان السياسي والمدني ظل قائما حتى ملك أنطيوخس أبيفانيوس حين أصبحت عائلة طوبيا هي المسئولة. ويروى يوسيفوس أن حونيا الثاني رفض دفع عشرون وزنة من الفضة لبطليموس الرابع، وكانت فيما يبدو عبارة عن الجزية المفروضة على رؤساء الكهنة وكان برفضه الدفع كمن يتنكر لبطليموس، وبذلك نجح "يوسف" وهو من بيت طوبيا في الحصول على منصب جابي الضرائب في كل فلسطين. ( وكان على جابي الضرائب الحصول بشكل دوري على تصريح لمواصلة مهنته، وكان المنصب له نفوذه، هذا واستمر يوسف فيه عشرون عامًا أثناء حكم البطالسة ثم تحت الحكم السلوقي بعد غزو أنطيوخس الثالث لفلسطين. وبذلك وبهذه الوسيلة بدأ منصب رئيس الكهنة يباع !، فحين غضب أنطيوخس ابيفانيوس من"حونيا" لأنه طرد حزب طوبيا من المدنية، عيّن ياسون Jason رئيسًا للكهنة برشوة كبيرة، ولكنه سرعان ما استطاع شخص يدعى "منلاوس Menelaus " سلبه المنصب عن طريق رشوة أكبر أعطاها لأنطيوخوس، فصار واحدًا من أتباعه الأذلاء المتزلفّين. و في السنوات التي تلت موت سلوقس وتولّى أنطيوخس ابنه مكانه، كانت هناك ثلاث قوى عظمى في مملكة الإسكندر الكبر، وهى: بطالمة مصر، والسوقيين في سورية، وعائلة انتيغون في مقدونية، وكان هناك صراع مستمر على السلطة بينها، وفي القرن الثالث قبل الميلاد، كان الصراع بين قوتين السلوقيين والأنتيغونييون من جهة والبطالمة من جهة أخرى، ففي سنة 275 ق.م. احتل بطليموس سورية ولكنه صُدّ أولًا من قبل القوات السورية، غير أن قوته البحرية أطالت أمد المعركة، والتي انتهت دون أن تحسم، وأن كانت قد انتهت بسلام بين الطرفين في سنة 272/ 271 ق.م. ولكن المناوشات عادت من جديد في عهد أنطيوخس الثاني ولم تحسم أيضا، بل عقدت معاهدة سلام بين القوتين بسبب زواج برنيس ابنة بطليموس من أنطيوخس هذا. وفى سنة 246 مات انطيوخس وخلفه سلوقس الثاني، وفي السنة التالية مات بطليموس الثاني وخلفه بطليموس الثالث يورجيتيس، واندلعت الحرب بين السلوقين والبطالمة عندما عُلم أن برنيس وطفلها قد قُتلا في مؤامرة دبرتها "لاوديس" (الأخت غير لشقيقة لأنطيوخس) حتى تضمن أن يعتلى ابنها هي عرش سورية لا ابن برنيس، مما اوغز صدر البطالمة إذ شعروا بالإهانة لقتل ابنة بطليموس، وثارت بسبب ذلك حرب لاوكية، حيث خضعت سورية تمامًا للبطالمة. وساد سلام منذ سنة 240 ق.م. إلى أن مات بطليموس الثالث سنة 221 وخلفه ابنه بطليموس الرابع المعروف بـفيلوباتير |
||||
التعديل الأخير تم بواسطة Mary Naeem ; 27 - 03 - 2014 الساعة 05:46 PM |
|||||
27 - 03 - 2014, 05:42 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
أنطيوخس الثالث وغزو فلسطين كان أنطيوخس الثالث يبلغ من العمر ثمانى عشر عامًا حين اعتلي عرش سورية، وذلك في سنة 223 ق.م. كما كان يعمل كحاكم لبابل تحت إرشاد أخيه سلوقس الثالث، وبعد إخماد إحدي الثورات في الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية حاول أنطيوخس أن يغزو "جوف سورية" في صيف سنة 221 ق.م. فقد وصل في زحفه حتى حامية وادي مارسياس Marsyas في لبنان، غير أن "ثيؤدوتس" قائد القوات المصرية في سورية أجبره علي الانسحاب. ثم قام بمحاولة أخري سنة 219 وكانت الحملة هذه المرة أكثر نجاحًا، فسقطت سلوقية التي في "بيرية" في يد أنطيوخس، وبذلك تحول ولاء ثيؤودتس المصري إلي أنطيوخس بدلًا من ولائه لبطليموس فيلوباتير، وأعطى مدن بتولمايس (عكا) وصور إلي أهل سورية، ولكن "نيقولاوس" أحد القادة المصريين منع أنطيوخس عند حامية "دورا" الواقعة جنوب جبل الكرمل، فلما وصلت إليه أخبار وجود جيوش مصرية قوية في انتظاره عند بيلزيوم Palusium وافق أنطيوخس علي الهدنة، وأنسحب من ثمَ إلي سلوقية تاركًا الإقليم الذي استولي عليه لثيؤدوتس، وأعاد "سوسابيوس" تكوين جيشه لدخول معركة حاسمة. وفي سنة 218 ق.م. قاد "نيقولاوس" الجيش المصري إلي لبنان لمواجهة السوريين، وذكر المؤرخ بوليبيوس Polybius المواجهة قائلًا: "عندما أجبر ثيؤدتس الأعداء علي الارتداد إلي أسفل الجبل ليقابلهم من مكان أعلي، استدار الذين مع نيكولاس وفرَوا هاربيين وقتل ما يقرب من ألفين أثناء المعركة، وأسر كذلك عددً لا يقل عن ذلك، بينما أنسحب الباقون حتى صيدون Zidon. وطارد أنطيوخس الجيش المُنهزم حتى شاطئ فينيقية تاركًا نيكولاس في صيدون، بينما استولي أنطيوخس علي صور وعكا، ثم توغل حتى أتى إلي Philoteria طبرية علي بحر الجليل، وعبر الأردن وأخذ مدن "عبر الأردن" القوية والتي تشمل: جادارا Gadara وفيلادلفيا ورباث آمون Rabbat Ammon، ثم عاد في الشتاء إلي عكا. في ربيع سنة 217 ق.م. واصل أنطيوخس غزاواته فاحتل فلسطين، وشاملة غزة، قبل أن يصل إلي رفح Raphia، ولعله إلي ذلك أشار دانيال النبي "وبنوه يتهيَجون فيجمعون جمهور جيوش عظيمة ويأتي آت ويغمر ويطمو ويرجع ويحارب حتى إلي حصنه، ويغتاظ ملك الجنوب ويخرج ويحاربه أي ملك الشمال ويقيم جمهورًا عظيمًا فيسلم الجمهور في يده، فإذا رُفع الجمهور يرتفع قلبه ويطرح ربوات ولا يعثر" (دانيال 10: 11-12). وتقابل الجيش المصري بقيادة بطليموس فيلوماتير شخصيًا (221 -203 ق.م.) مع الجيش السوري وذلك جنوب "رفح" حيث مُنيت جيوش أنطيوخس بهزيمة منكرة، ويذكر بوليبيوس أن بطليموس بقي ثلاثة أشهر في سورية وفينيقية يعدَ العدة في المدن. ويذكر سفر المكابيين الثالث (وهو سفر غير قانوني) كيف زار بطليموس مدن سورية بعد انتصاره في رفح، وستعاد البطالمة السيطرة علي كل سورية وفينيقية فلسطين. وكان لزامًا علي اليهود والحال هكذا، أن يرسلوا كبار قومهم ليقدَموا له التهنئة بانتصاراته، أما بطليموس فقد أصرَ علي الدخول إلي قدس الأقداس، ولكنه ارتدَ من أمام الموضع محتارًا مرعوبًا (راجع 3مكا 1: 9-11، 24). |
||||
28 - 03 - 2014, 05:06 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
كيف حُفظت أورشليم خلال حروب العصر السلوقي إلي المعركة السابق ذكرها أشار سفر زكريا (9: 1-8 و11: 1-3) حيث يشير إلي سقوط حدراخ علي حدود دمشق وصور وصيدون ووقوع قلعة صور وانكسار أشقالون، لاسيما عندما يذكر انهزام غزة وعقرون وأشدود في فلسطين، ثم لبنان شمالًا، ويضيف النبي تلميحًا جدير بالذكر والإعجاب وهو كيف أن الله نفسه حلَ حول بيته (أورشليم) وأنقذه من كافة المعارك وكافة الغزوات المتتالية (زكريا 9: 8). كما يُفهم من هذه النبوة كيف كان الله قد بدأ يمهد السبيل ليخضع لنفسه صور وصيدا، وكافة هذه البلاد لتؤمن به حيث كان انكسارها تمهيدًا لتطهيرها (9: 4) ثم يزداد الأمر وضوحًا عندما يقول "وأنزع دماءها من فمها ورجسها من بين أسنانها، فتصير هي أيضًا لالهنا، وتكون كعشيرة في يهوذا وعقرون كيبوسي (الذين تهوَدوا سابقًا) راجع (زكريا 9:7 حسب الترجمة الإنجليزية المصححة). كما تشير النبوة إلي إذلال هذه البلاد الفلسطينية التي علي الساحل، والتي أذلت إسرائيل أكثر من ألف سنة ولم تخضع لها خضوعًا تامًا، ولكن الإذلال هنا يتم عن طريق القضاء علي تعصبَها العرقي والعنصري وذلك بإدخال أعراق وسلالات أخري في تصميم عرقها، يتضح ذلك من ملابسات غزو المصريين ثم اليونانيين ثم السوريين لهذه البلاد وإقامتهم فيها. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|