قضية ألسنة الملائكة
يقول الخمسينيون أن ألسنة الصلاة هي ألسنة الملائكة، وللرد نقول أن الكتاب المقدس لم يقل "إن كنت أتكلم بألسنة الناس، وألسنة الملائكة" بل قال "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة" (1كو 1:13). فكلمة "ألسنة" هنا التي ذكرت بصيغة الجمع، إنما تشير إلى اللغات العديدة التي يتكلم بها الناس، مضافًا إليها "لسان الملائكة" وليس "ألسنة الملائكة". لأنه لو كان للملائكة ألسنة متعددة لاحتاجوا أن يترجم بعضهم لبعض، ولما كانت بينهم وحدة في الفكر، وهذا غير ممكن. كما أن تعدد الألسنة وانقسامها لم يحدث إلا للبشر فقط عندما أخطأوا في بناء برج بابل بروح التعالي والكبرياء، فبلبل الله هناك ألسنتهم (تك 1:11-9).
ولو كانت موهبة الألسنة إلى تُعطى في الصلاة يقصد بها لسان الملائكة، ما كان بولس الرسول يشير إليها بصيغة الجمع "التكلم بألسنة" كما يتضح من الأمثلة التالية:
* "لأن من يتنبأ أعظم ممن يتكلم بألسنة" (1كو 5:14).
* "أشكر إلهي إني أتكلم بألسنة أكثر من جميعكم" (1كو 18:14).
* "إذًاً الألسنة آية لا للمؤمنين بل لغير المؤمنين" (1كو 22:14).
* "فإن اجتمعت الكنيسة كلها في مكان واحد وكان الجميع يتكلمون بألسنة، فدخل عاميون أو غير مؤمنين أفلا يقولون أنكم تهذون؟!" (1كو 23:14).
وعلاوة على ذلك فإن لغة الملائكة أي أسلوب التفاهم بينهم، هي بلا شك لغة مفهومة وغالبًا تكون لها قواعدها ومعانيها، وليست مجرد أصوات مرتبكة ورطانة بلا معنى. الأمر الذي أشار إليه بولس الرسول بقوله: "هكذا أنتم أيضًا إن لم تعطوا باللسان كلامًا يفهم فكيف يعرف ما تكلم به، فأنكم تكونون تتكلمون في الهواء. ربما تكون أنواع لغات هذا عددها في العالم، وليس شئ منها بلا معنى" (1كو 9:14،10).
كما أن الملائكة أرواح، والتفاهم بين هذه الأرواح يعلو على مرتبة الحس والصوت المسموع بالأذن الحسية، فلغتهم لغة خاصة بهم كأرواح غير مادية، فكيف للبشر إذن أن يتكلموا بهذه اللغة الملائكية؟! لذلك قال القديس بولس الرسول أنه حينما "أختطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها" (2كو 4:12). كما أن ما في السماء هو "ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو 9:2). وأين يوجد الملائكة؟ أليس في السماء يحيطون بالعرش الإلهي ويسبحونه ويمجدونه كل حين. فإذا كان هذا ما لم تسمع به أذن حسبما هو مكتوب في العهد الجديد فكيف يدّعى البعض أنهم يتكلمون بألسنة الملائكة التي لم تسمع بها أذن على الأرض؟ هل وصلوا الآن إلى ما لم يصل إليه الآباء الرسل على الأرض بعد صعود السيد المسيح إلى السماء. وكيف يسمع الجميع من الحاضرين تائبين وغير تائبين ما لم تسمع به أذن وما لا يسوغ لإنسان أن يتكلم عنه، على أن الملائكة إذا كلموا البشر، كمرسلين من الله برسالة إلى أحد من الناس، فإنهم يتكلمون بلغة البشر وبصوت مسموع.
ونورد قولًا للقديس يوحنا ذهبي الفم يحسم هذا الموضوع مؤكدًا أن ألسنة الصلاة هي لغات من لغات البشر المعروفة إذ قال: (أرأيت كيف يصل الرسول بالتدريج إلى نقطة حاسمة في حديثه عن التكلم بألسنة؟! فيوضح أنه بلا فائدة، ليس للسامعين فقط بل أيضًا للمتكلم بها في قوله: "أما ذهني فهو بلا ثمر" (1كو 14:14). لأنه إن نطق إنسان بالفارسية أو بأي لغة أجنبية ولم يفهم ما يقول فهو بالتأكيد سوف يكون بربريًا عند نفسه، وليس عند الآخرين فقط إذ أنه لا يعرف ما تكلم به. فكثيرون في القديم ممن كانت لهم موهبة الصلاة مع موهبة التكلم بألسنة، بينما كانوا يصلون كانوا يتكلمون بألسنة. فكانوا
يصلون بالفارسية أو باللاتينية، ولكنهم ما كانوا يفهمون ما يصلون به. فلهذا قال الرسول: "إن كنت أصلى بلسان فروحي تصلى، وأما ذهني فهو بلا ثمر"(1).
ويعلق ناشرو مجموعة أقوال الآباء على قول القديس يوحنا ذهبي الفم السالف الذكر بقولهم: (من هذه الفقرة ومثيلتها في العظة التالية يتضح أن ذهبي الفم قد فسّر التكلم بألسنة بلغات لم يسبق أن تعلمها المتكلم).
ونضيف إلى ذلك قول الكتاب "إني بذوي ألسنة أخرى وبشفاه أخرى سأكلّم هذا الشعب" (1كو 21:14، أش 11:28) وكان الكلام موجهًا إلى شعب إسرائيل. وكذلك قول الكتاب "ربما تكون أنواع لغات هذا عددها في العالم، وليس شئ منها بلا معنى" (1كو 9:14).