الأوقات التي جعلها الآب في سلطانه
قبيل صعود السيد المسيح إلى السماء، أوصى تلاميذه أن لا يبرحوا من أورشليم إلى أن ينالوا قوة متى حل الروح القدس عليهم، "أما هم المجتمعون فسألوه قائلين: يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 6، 7).
كان السيد المسيح قد أخلى ذاته من المجد الأزلي الخاص به مع الآب والروح القدس، وذلك حينما ظهر في الجسد.. في صورة عبد.. في هيئة إنسان متضع، مطيع للآب السماوي.. لذلك خاطب الآب في مناجاته قبل الصليب قائلًا: "مجدّني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 5).
وكان وهو في دائرة الإخلاء ينسب السلطان والمجد إلى الآب، إلى أن يعود إلى مجده مرة أخرى، بصعوده إلى السماء كقول الكتاب "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رُفع في المجد" (1تى3: 16).
فعندما صعد الابن الوحيد الذي تجسّد، دخل إلى مجده السمائي. ولهذا قيل "رُفع في المجد". لهذا قال الكتاب "صعد الله بالتهليل، الرب بصوت البوق" (مز46: 5). وقيل أيضًا "ارفعوا أيها الملوك أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد" (مز23: 7). إن ملك المجد هو الذي رفع في المجد.
حينما صعد السيد المسيح جسديًا، دخل بجسده إلى المجد كسابق لنا، وكرأس للكنيسة، وكرئيس كهنة أعظم.. "دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12).
وهناك في مجده مارس سلطانه الإلهي مثل الآب تمامًا بنفس المجد والكرامة ولهذا يصلى الكاهن في القداس ويقول) وصعد إلى السماوات وجلس عن يمينك أيها الآب ورسم يومًا للمجازاة، هذا الذي يأتي فيه ليدين المسكونة بالعدل. ويعطى كل واحد كأعماله ((القداس الباسيلي).
فى وجوده على الأرض قبل الصعود قال للتلاميذ: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7). أما عند دخوله إلى الأقداس السمائية، أي بدخوله إلى مجده فإن سلطان الآب هو سلطانه كما هو منذ الأزل.
ولكنه حينما أخلى نفسه من المجد كان ينسب السلطان الإلهي إلى الآب.
وفى مجيء السيد المسيح الثاني للدينونة قال عن مجيئه عبارتين متساويتين: "متى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه" (مت25: 31) و"إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته.." (مت16: 27). فمجده في مجيئه الثاني للدينونة هو نفسه مجد أبيه،وليس هذا غريبًا عمن قيل عنه أنه هو بهاء مجد الآب (انظر عب 1: 3).
السيد المسيح باتضاع عجيب كان يتكلم عن سلطان الآب أثناء وجوده على الأرض مخليًا ذاته.
وكانت رسالته في إخلائه لنفسه هي أن يتمم الفداء بطاعة حتى الموت، موت الصليب "لذلك رفّعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء، ومن على الأرض، ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (فى2: 9-11).
وقيل أيضًا عن السيد المسيح أنه هو "رب المجد" (1كو2:8).
وبما أنه هو "رب المجد"و"رب لمجد الله الآب".. كان من الطبيعي جدًا بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، أن يجلس في يمين العظمة في الأعالي (انظر عب1: 3)، وأن يحدد بنفسه يومًا للمجازاة، هو يوم مجيئه للدينونة.
وفى رؤيا دانيال النبي تكلّم عن سلطان السيد المسيح ومجده فقال: "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام. فقرّبوه قدّامه. فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 13، 14).
لقد أعطى السيد المسيح تلاميذه نموذجًا ومثالًا في الاتضاع، وفي الخضوع لمشيئة الآب السماوي، وفي التخلي عن مظاهر التباهي بالمعرفة حينما قال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7) ناسبًا السلطان لأبيه، مع أن سلطان أبيه هو سلطانه، ومجد أبيه هو مجده، وملكوت أبيه هو ملكوته.. بل إن ملكوت الآب يُنسب إلى الابن كقول الكتاب "ملكوت ابن محبته" (كو1: 13).