منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 11 - 03 - 2014, 04:34 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل

صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ

نلاحظ أن عبارة "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ" قد تكررت في الأناجيل الأربعة استنادًا إلى نبوة إشعياء النبي التالية:
"صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلًا لإِلَهِنَا. كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ وَيَصِيرُ الْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيمًا وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلًا. فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ" (إش40: 3-5).
أشارت الأناجيل المقدسة إلى نبوة إشعياء النبي عن يوحنا المعمدان الذي قال عنه الملاك في بشارته لأبيه زكريا الكاهن إنه يتقدم أمام الرب "بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إلى الأَبْنَاءِ وَالْعُصَاةَ إلى فِكْرِ الأَبْرَارِ لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا" (لو1: 17).
وقد ورد في إنجيل معلمنا متى الرسول الإشارة التالية إلى نبوة إشعياء النبى: "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. قَائِلًا: تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ. فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإشعياء النَّبِيِّ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً" (مت3: 1-3).
وفى إنجيل معلمنا مرقس الرسول ورد في بدايته:
"كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَيَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" (مر1: 2-4).
وإنجيل معلمنا لوقا البشير ورد فيه:
"كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي الْبَرِّيَّةِ. فَجَاءَ إلى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ إشعياء النَّبِيِّ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ وَتَصِيرُ الْمُعْوَجَّاتُ مُسْتَقِيمَةً وَالشِّعَابُ طُرُقًا سَهْلَةً. وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللهِ" (لو3: 2-6).
أما إنجيل معلمنا يوحنا الرسول
فقد أورد حوارًا بين يوحنا المعمدان واليهود الذين سألوه: "مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ كَمَا قَالَ إشعياء النَّبِيُّ" (يو1: 22، 23).
نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
يُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ

نبوة إشعياء ربطت بين رسالة يوحنا المعمدان والإعداد لخدمة السيد المسيح بالمناداة بمعمودية التوبة "أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ". وأشارت أيضًا بوضوح إلى ظهور مجد الرب لجميع البشر كوعد من فم الرب مع الإشارة إلى أن المسيح هو كلمة الله بقوله: "وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ".
مثلما قال بولس الرسول عن الآب: "كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابنهِ" (عب1: 2). بمعنى أن المسيح هو كلمة الله وهو "صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ" (كو1: 15).
ولكن لم ترد هذه النبوة فقط في سفر إشعياء، بل تنبأ ملاخى النبي أيضًا قائلًا: "هاأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إلى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (ملا3: 1).
لذلك فإن القديس مرقس قد ضم في إنجيله النبوتين معًا، نبوة ملاخى النبي ونبوة إشعياء النبى، وقال بصيغة الجمع: "كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ" (مر1: 2).
واقتبس من ملاخي وكتب عبارته "هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ" (مر1: 2)، وإن كانت في إنجيل مرقس قد جاءت في صيغة الآب السماوي مخاطبًا الابن وفي سفر ملاخى وردت في صيغة الابن كمتكلم "هاأنذا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي".
واقتبس من إشعياء وكتب عبارته "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً" (مر1: 3).

نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
ونلاحظ في نبوة ملاخي أن كلمة "مَلاَكِي" تشير إلى يوحنا المعمدان، وكلمة "َمَلاَكُ الْعَهْدِ" تشير إلى السيد المسيح. على اعتبار أن كلمة "ملاك" في اللغة العبرية "מלאך" تعنى "سفير" أو "مرسل" أو "مُفوّض". ولا أحد ينكر أن السيد المسيح كان سفيرًا فوق العادة مرسلًا من الآب السماوي لخلاص البشرية.
لقد اهتم الإنجيليون الأربعة بنبوة إشعياء النبي عن يوحنا المعمدان وإرساليته كمقدمة تُمهّد لظهور السيد المسيح الله الكلمة المتجسد الذي قال عنه يوحنا الإنجيلي: "وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا" (يو1: 14).
نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّه مَسَحَنِي

"رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ" (إش61: 1، 2).
حينما دخل السيد المسيح مجمع اليهود دفع إليه الخادم سفر إشعياء فقام ليقرأ. وجاءت قراءته في هذا الموضع من السفر. ثم طوى السفر وسلّمه إلى الخادم وجلس وقال لليهود: "إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ" (لو4: 21).
وبهذا أشار السيد المسيح إلى أن هذه النبوة في سفر إشعياء لم تكن عن إشعياء النبي كما لو كان هو المتكلّم، ولكن تكلّم إشعياء بلسان السيد المسيح مشيرًا إلى مسحه بالروح القدس في نهر الأردن واستعلانه مسيحًا للرب.
ومما يثبت صحة كلام السيد المسيح في سمع اليهود أن يوحنا المعمدان قد شهد بذلك وقال:
"َأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ.. إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلًا وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ" (يو1: 31-34).
وهكذا أثبت يوحنا المعمدان كنبي؛ أن نبوة إشعياء النبي قد سجّلها الوحي الإلهي بالتحديد عن السيد المسيح الذي اعتمد من يوحنا في نهر الأردن.
والجميل في نبوة إشعياء إنها لم تتكلم عن مسح السيد المسيح فقط؛ بل شرحت أبعاد المسحة والإرسالية، وهذا يتضح من الربط الموجود في النبوة "رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ...". والربط المقصود هو كلمة "لأَنَّ" في عبارة "لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي".
نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ

يقول المزمور "من أجل شقاء المَساكين وتنهد البائسين؛ الآن أقوم يقول الرب، أصنَع الخلاص علانية" (مز11: 5).
ويقول الرب في سفر الخروج: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ. فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ" (خر3: 7، 8).
حقًا كان البشر مساكين وهم محكوم عليهم بالموت والهلاك الأبدي، ينتظرون تحقيق وعود الرب بالخلاص.
قال يعقوب أب الآباء على فراش موته: "لِخَلاَصِكَ انْتَظَرْتُ يَا رَبُّ" (تك49: 18). "الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ، بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا" (1بط1: 10، 11)
لقد بشر السيد المسيح المساكين الأحياء من البشر وبدأ يكرز ويقول: "اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللَّهِ فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ" (مر1: 15).
واستمر السيد المسيح أكثر من ثلاث سنوات يبشر بالخلاص للبشر الأحياء، ثم "ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ" (1بط3: 19)، أي أنه نزل إلى الجحيم من قبل الصليب وكرز للأرواح التي في الجحيم وبشرهم بالخلاص الذي تم.
وحتى إيليا النبي الذي صعد حيًا إلى السماء كان ينتظر إتمام الفداء لذلك فعندما ظهر مع موسى أثناء تجلى السيد المسيح على الجبل "تَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ" (لو9: 31). أي كانا يتكلمان معه عن الخلاص بالصليب الذي كان الرب عتيدًا أن يكمله في أورشليم.
وقد تنبأ زكريا الكاهن والد يوحنا المعمدان في يوم ميلاده قائلًا: "وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ. لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ. بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلَهِنَا الَّتِي بِهَا افْتَقَدَنَا الْمُشْرَقُ مِنَ الْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ" (لو1: 76-79).
كانت البشرية تجلس في الظلمة وظلال الموت وتحركت أحشاء إلهنا وتحنن وأرسل ابنه مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس ليتمم الفداء وننال التبني.
هؤلاء هم المساكين الذين جاء الرب من أجلهم ليرفعهم من مذلتهم وعبوديتهم، ويمنحهم البنوة وحياة الحرية والقداسة.
نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ

إذن فالمسألة ليست مجرد مسح الرب يسوع في نهر الأردن ولكن إرساله بدأ بالتجسد؛ إذ "أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غل4: 4). لذلك قال يوحنا المعمدان عن السيد المسيح: "الَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ" (يو3: 31). أي أن السيد المسيح قد جاء من السماء مُرسلًا من الآب والروح القدس.
نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
مَسَحَنِي

في سن الثلاثين عامًا كان بنو هرون يبدأون خدمتهم الكهنوتية في خيمة الاجتماع أو في الهيكل بأورشليم. وهكذا بدأ السيد المسيح خدمته الخلاصية في السن الثلاثين عامًا من جهة ولادته الإنسانية من العذراء مريم.
ورقم ثلاثين لا يخفى أنه حاصل 3×10 (ثلاثة × عشرة). ورقم ثلاثة يشير للثالوث القدوس، أما رقم عشرة فيشير إلى كمال العدد (العد على أصابع اليدين)، ومضاعفاته تُكوِّن الأرقام الحسابية.
في سن الثلاثين في حياة السيد المسيح ظهر الثالوث عند عماد السيد المسيح في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان،فالسماوات قد انشقت وجاء صوت الآب من السماء "هَذَا هُوَ ابني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت3: 17) والروح القدس نزل من السماوات بهيئة جسمية مثل حمامة واستقرت على رأس السيد المسيح.
"رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّه مَسَحَنِي" (إش61: 1)، لقد مسح الآب بالروح القدسالسيد المسيح (ناسوتيًا) ملكًا وكاهنًا ونبيًا. وهذا ما أشارت إليه هدايا المجوس عند زيارتهم للسيد المسيح بعد ولادته وسجودهم له.
فالذهب كان إشارة إلى ملكه، واللبان إشارة إلى كهنوته، والمر إشارة إلى آلامه التي تنبأ عنها وخاصة موته بالصليب وقيامته في اليوم الثالث.
فالسيد المسيح مارس الكهنوت على طقس ملكى صادق وهو رئيس الكهنة الأعظم. ومارس المُلك عندما مَلَكَ على خشبة الصليب ومَلَكَ على قلوب المؤمنين باسمه وهو في نفس الوقت ملك الملوك ورب الأرباب وليس ملكًا فقط. ومارس النبوة حينما تنبأ عن آلامه وصلبه وموته وقيامته، وعن خراب أورشليم، وعن نهاية العالم، ولكنه في نفس الوقت هو رب الأنبياء ومرسلهم.
فى نهر الأردن ربط السيد المسيح بين المعمودية والثالوث القدوس، لذلك قال لتلاميذه: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسم الآبِ وَالابن وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مت27: 19).
فالمعمودية وهي معمودية واحدة يجب أن تكون على اسم الثالوث القدوس بثلاث غطسات كل غطسة منها على اسم أحد الأقانيم الثلاثة. فوحدانية المعمودية تشير إلى وحدانية الثالوث في الجوهر، وثلاثية الغطسات تشير إلى تمايز الأقانيم الثلاثة في الإله الواحد المثلث الأقانيم.
وقد مهّد السيد المسيح لفكرة الخلاص بالمعمودية؛ بإرساله يوحنا المعمدان ليعمّد بالماء لمغفرة الخطايا، وفي نفس الوقت الذي كانت الذبائح الحيوانية تقدَّم في الهيكل أيضًا لغفران الخطايا. فالذبائح كانت إشارة إلى ذبيحة الصليب، ومعمودية يوحنا كانت ترمز لمعمودية العهد الجديد بالماء والروح. وكما سارت معمودية يوحنا جنبًا إلى جنب مع الذبائح في الهيكل؛ هكذا فإن المعمودية المسيحية تستمد فاعليتها من ذبيحة الصليب باستحقاقات دم المسيح، لأن المعمودية هي اتحاد بالمسيح بشبه موته وقيامته.
ولما طُعن السيد المسيح بالحربة في جنبه بعد أن سلّم الروح على الصليب جرى من جنبه المقدس دم وماء "وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ" (1يو5: 8) والماء والروح أي المعمودية المسيحية، والدم أي دم المسيح على الصليب وفي سر الافخارستيا.
نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
هَذَا هُوَ ابني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ

عندما قَبِل السيد المسيح أن ينزل إلى مياه المعمودية في وسط الخطاة جاءت شهادة الآب له وهو صاعد من الماء أنه هو البار الوحيد الذي بلا خطية "هَذَا هُوَ ابني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت3: 17)، وهو موضوع سرور الآب منذ الأزل باعتبار أن الآب يرى فيه كل كمالات الجوهر الإلهي مثلما قال القديس أثناسيوس الرسولي: وهو أيضًا موضوع سرور الآب باعتباره آدم الجديد ونائب البشرية ورأس الكنيسة الذي صنع كل مشيئة الآب وهو في الهيئة كإنسان أي بحسب ناسوته مقدمًا طاعة كاملة لأبيه السماوي ليشفى عصيان آدم وباقي البشر.
إذن فالسيد المسيح هو موضوع سرور الآب بحسب لاهوته، وأيضًا بحسب ناسوته. فهو موضوع سرور الآب من كل ناحية.
لقد جعل السيد المسيح الإنسان عمومًا في شخصه المبارك مقبولًا لدى الآب، وموضوع فرحه وسروره ورضاه، بعد أن كان الإنسان تحت الغضب الإلهي الذي أوجدته خطية البشرية.
لذلك نصلّى في القداس الغريغوري ونقول: [باركت طبيعتي فيك، أكملت ناموسك عنى، أريتني القيام من سقطتي].
نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
ما بين تعبير "عبدي" وتعبير "ابني" أو "فتاي"

وردت الآية التالية عن السيد المسيح في سفر إشعياء النبي وهو قول الآب بفم إشعياء: "هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ" (إش42: 1).
لقد تعجب أصحاب موقع يهاجم الكتاب المقدس على الإنترنت، وقد يتعجب معهم البعض أيضًا، من قول الله الآب عن ابنه الوحيد المتجسد لقب "عَبْدِي". ولكن نحن نرد على تعجبهم فنقول بكل وضوح وصراحة إن هذا اللقب يخص السيد المسيح من حيث إنسانيته فقط، مثلما شرح القديس بولس الرسول عن السيد المسيح: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ مساواته لِلَّهِ اختلاسًا. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فى2: 6-8).
إذن السيد المسيح لم تكن له طبيعة البشر قبل التجسد؛ لذلك يقول عنه معلمنا بولس الرسول: "إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ".. وكلمة "صُورَةِ" التي وردت في هذا النص باللغة اليونانية هي "مورفى" μορφή, وتعنى الصورة التي تحمل نفس الطبيعة التي للأصل. وهو بذلك مساوٍ للآب في الطبيعة وفي المجد بحسب لاهوته، ولم يحسب هذه المساواة اختلاسًا؛ لذلك كان من المقبول بالنسبة له أن يخلى ذاته ويخفى مجده الإلهي الأزلي ويوجد في "صورة عبد" بأن يأخذ الطبيعة البشرية الكاملة من السيدة العذراء مريم بفعل الروح القدس.. وبذلك وُجد هو نفسه في الهيئة كإنسان.
وبتجسد الله الابن الكلمة أمكن أن يخاطب الآب بقوله: "إلهي"؛ سواء في صرخته الشهيرة على الصليب "إِلَهِي! إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" (مز22: 1، مت27: 46، مر15: 34)، أو في حديثه عن الآب مع مريم المجدلية بعد قيامته المجيدة من الأموات: "إِنِّي أَصْعَدُ إلى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ" (يو20: 17).
وقد ورد أيضًا في نفس سفر إشعياء لقب "عبدي" على فم الآب بقوله: "وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا" (إش53: 11).
المسألة بمنتهى البساطة أن السيد المسيح هو الله الابن من حيث لاهوته ويحمل أيضًا لقب "عبد" من حيث ناسوته، لأنه صار إنسانًا حقيقيًا وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وحدها وبذلك أمكنه أن ينوب عن البشرية حاملًا خطايا العالم لكي يكفّر عنها ويصالحنا مع الله أبيه بدم صليبه المحيى.
ولقب "عَبْدِي" في سفر إشعياء في النص العبري هو "בעﬧ عيبيد"، باللغة العبرية. وورد في النص اليونانى لترجمة سفر إشعياء في الترجمة السبعينية "παîς بيس" والكلمة اليونانية معناها عبد أو خادم أو غلام أو فتى.. ونظرًا لأن أناجيل العهد الجديد قد كتبت باللغة اليونانية واقتبس الإنجيليون النبوات من سفر إشعياء من الترجمة السبعينية؛ لذلك وجد مترجم العهد الجديد نفسه أمام كلمة تحمل عدة معاني. ولأن كلمة "عبد" في اليونانية هي أيضًا "ذولوس" δουλος مثل "خريستوذولو" أي عبد المسيح الذي يتسمى به كثير من اليونانيين؛ لذلك رجّح المترجم للعهد الجديد إلى اللغة العربية في الترجمة البيروتية ترجمة كلمة "بيس" παîς إلى "فتى" عند اختياره لأحد معانيها الأربعة.
نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
الترجمة العربية في العهد القديم وفي العهد الجديد

وللأسف فقد أقام البعض الدنيا ولم يقعدوها على الإنترنت بشأن الترجمة العربية[2] للاقتباس الموجود في العهد الجديد من سفر إشعياء النبي بدعوى أنه قد جرى تحريف النبوة من "هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي" (إش42: 1) إلى "هوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ.." (مت12: 18)، وذكروا أن هذا التحريف هو بقصد الإدعاء بأن المسيح هو ابن الله وليس عبد الله. ولكن طبعًا لقب ابن الله قد ورد في الإنجيل صراحة مرات عديدة. وتحقيقًا لنفس النبوة عندما اعتمد السيد المسيح في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان وعند صعوده من الماء إذا السماوات قد انفتحت له وصوت من السماء قائلًا: "هَذَا هُوَ ابني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت3: 17) وهي نفس عبارة "هوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي" (مت12: 18) الواردة في الإنجيل أيضًا.
وعلى العموم فقد ورد في سفر إشعياء قول الله الآب: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابنا وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسمهُ عَجِيبًا مُشِيرًا إِلَهًا قَدِيرًا أَبًا أَبَدِيًّا رَئِيسَ السَّلاَمِ" (إش9: 6). فما قول هؤلاء الذين يهاجمون ترجمة العهد الجديد وما فيه من الاقتباس المذكور من سفر إشعياء.. ما قولهم في هذا النص الصريح في سفر إشعياء أن المسيح هو ابن الله في قوله: "يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابنًا.."..
وهل يقبل هؤلاء المشككون أيضًا ما ورد في سفر إشعياء عن السيد المسيح في قول الله الآب عنه: "وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ" (إش53: 11، 12)، "ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إلى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ" (إش53: 7-10). وقد وردت كلمة "عبدي" باليوناني في الترجمة السبعينية لهذا النص (إش53: 11) كفعل "δουλεύω ذوليفو"، مثل الاسم "ذولوس" أي عبد وليس "بيس" أي فتى أو غلام أو عبد. وهنا نرى روعة الترجمة السبعينية المرتشدة بالروح القدس. إذ في عبارة " عَبْدِي.. الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي" (إش42: 1) استخدمت كلمة "بيس". وفي عبارة "عَبْدِي الْبَارُّ.. وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ" (إش53: 11، 12) استخدمت كلمة "ذولوس". لأن الأولى تشير إلى بر المسيح الشخصي والثانية تشير إليه كحامل لخطايا غيره. وهكذا تأتى الترجمة السبعينية كموسيقى لسيمفونية الوحي الذي سجله إشعياء بالشعر العبري.

نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
:
إذا كان السيد المسيح قد أخذ لقب "عبد" فإن هذا اللقب قد اقترن بنبوات واضحة عن صلبه، وأنه قد مات ودُفن في القبر، وأنه بموته قد كفّر عن خطايا العالم. ونحن لا يضرنا شيء أن يقول الآب عنه "عبدي" لأننا نؤمن بتجسده الحقيقي وبأنه أخذ صورة عبد ليخلصنا، ولكنه هو نفسه بحسب لاهوته لا يتألم ولا يموت مثلما لا تموت أرواح الشهداء إذا ماتت أجسادهم، ولا يقع عليها الضرب والجراحات أثناء تعذيب هذه الأجساد.
نبوات عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته في الجليل
جليل الأمم

كتب إشعياء النبي عن معمودية السيد المسيح وبداية خدمته فقال: "وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ ظَلاَمٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ. كَمَا أَهَانَ الزَّمَانُ الأَوَّلُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي يُكْرِمُ الأَخِيرُ طَرِيقَ الْبَحْرِ عَبْرَ الأُرْدُنِّ جَلِيلَ الأُمَمِ. اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ" (إش9: 1، 2).
وقد أورد إنجيل متى عماد السيد المسيح ومن بعده صعوده إلى البرية إلى جبل التجربة ثم بعد ذلك موضع سكناه وخدمته الأولى في الجليل "وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ انْصَرَفَ إلى الْجَلِيلِ. وَتَرَكَ النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرِنَاحُومَ الَّتِي عِنْدَ الْبَحْرِ فِي تُخُومِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيمَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإشعياء النَّبِيِّ: أَرْضُ زَبُولُونَ وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ طَرِيقُ الْبَحْرِ عَبْرُ الأُرْدُنِّ جَلِيلُ الأُمَمِ، الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ" (مت4: 12-16).
فى منطقة الجليل علّم الرب يسوع كثيرًا، وألقى موعظته على الجبل، وصنع معجزات كثيرة حتى إن ثماني عشر من ثلاث وثلاثين معجزة من المعجزات المسجّلة في الأناجيل الأربعة للسيد المسيح قد صنعها في تلك المنطقة، إلى جوار آلاف المعجزات التي ذُكرت إجمالًا.
وعبارة "جَلِيلُ الأُمَمِ" تشير إلى أن تلك المنطقة قد سكن فيها كثير من الأمم من غير الشعب الإسرائيلي وخالطوهم وكان يُظن أنه لا يمكن أن يقوم نبى من الجليل. لهذا قال رؤساء الكهنة والفريسيون لنيقوديموس عندما دافع عن السيد المسيح: "فَتِّشْ وَانْظُرْ! إِنَّهُ لَمْ يَقُمْ نَبِيٌّ مِنَ الْجَلِيلِ" (يو7: 52).
لذلك قال إشعياء النبي عن الجليل: "كَمَا أَهَانَ الزَّمَانُ الأَوَّلُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي يُكْرِمُ الأَخِيرُ" (إش9: 1) وقد ذكر أسماء سبطى زبولون ونفتالى لأن هذه المنطقة في الجليل كانت من نصيبهم في توزيع الأرض على أسباط إسرائيل الاثني عشر في القديم.
وقد أوضح القديس متى الإنجيلي كيف خدم السيد المسيح كثيرًا في منطقة الجليل فقال: "وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ الْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي الشَّعْبِ. فَذَاعَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ سُورِيَّةَ. فَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ الْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْمَجَانِينَ وَالْمَصْرُوعِينَ وَالْمَفْلُوجِينَ فَشَفَاهُمْ. فَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْعَشْرِ الْمُدُنِ وَأُورُشَلِيمَ وَالْيَهُودِيَّةِ وَمِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ" (مت4: 23-25).
كان شعب منطقة الجليل يرزح تحت ظلال الموت لكثرة اختلاطهم بالأمم؛ وركّز السيد المسيح كرازته بالإنجيل هناك أولًا قبل أن يذهب للخدمة في اليهودية وفي الهيكل في أورشليم إلى أن يتمم رسالته الخلاصية بدخوله أورشليم كملك ثم الحكم عليه بالموت في مجمع اليهود هناك، وصلبه خارج أسوار أورشليم وما تبع ذلك من أحداث..
ولكن لا يفوتنا أن السيد المسيح بعد قيامته من الأموات وظهوره لمريم المجدلية ومريم الأخرى قال لهما: "اذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إلى الْجَلِيلِ وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي" (مت28: 10)،وقد سبق ذلك أيضًا قول ملاك القيامة للمرأتين: "اذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إلى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ" (مت28: 7). وكأن السيد المسيح يريد أن يعيد ذكريات الأيام الأولى في خدمته هناك.
وبالرغم من ظهوراته المتفرقة للتلاميذ ثم ظهوره لهم وهم مجتمعين في أورشليم؛ مرة في غياب توما الرسول ومرة في حضوره. إلا أنه بالفعل قد ظهر لهم بعد ذلك في الجليل على شاطئ البحر. كما ذكر ذلك القديس يوحنا الإنجيلي "بَعْدَ هَذَا أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ... هَذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتلاَمِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ" (يو21، 1، 14).
بعد ذلك توالت ظهوراته للتلاميذ كما ورد في سفر الأعمال "إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ بَعْدَ مَا أَوْصَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ. اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ" (أع1: 2، 3).
إذن لقد اقترن اسم الجليل مع أحداث كبيرة في خدمة السيد المسيح في موعظته على الجبل، وفي معجزة قانا الجليل، وكثير من المعجزات، وبعد قيامته في بشارة الملاك للمريمات وفي ظهوره الثالث لمجموعة من الرسل الاثني عشر الذين عاش عدد منهم يعملون في صيد السمك في الجليل مثل بطرس ويعقوب ويوحنا، قبل أن يدعوهم السيد المسيح ليجعلهم صيادين للناس.
من كان يظن في عصر إشعياء النبي أن تحدث كل هذه البركات في منطقة الجليل المسماة "جَلِيلُ الأُمَمِ"؟ ومن المعروف أن "الأمم" هو تعبير عن الشعوب الوثنية في ذلك الزمان!!
حقًا إن المسيح في سفر إشعياء ليس فقط قد دعى اسمه "عجيبًا" بل كان عجيبًا بالفعل أن يرد كل ما ورد عنه في سفر إشعياء مما ذكرناه وما لم نذكره وما سوف نذكره لاحقًا..
_____
2) الترجمة البيروتية التي أشرف عليها المستشرق فانديك.

التعديل الأخير تم بواسطة Mary Naeem ; 11 - 03 - 2014 الساعة 04:42 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
نبوات السيد المسيح قبل الصلب
صور معمودية السيد المسيح
معمودية السيد المسيح
نبوات عن السيد المسيح
إتمام نبوات السيد المسيح


الساعة الآن 08:55 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024