أتى المسيح لينوب عن البشرية
إنه ناب عنا في دفع ثمن الخطية، في الموت، فمات عنا. ولكن هذا لم يكن هو الشيء الوحيد الذي ناب عنا فيه. بل أنه ناب عنا في كل عمل صالح، في تكميل الناموس كله... فاختتن وهو غير محتاج إلى الختان، وصام وهو غير محتاج إلى الصوم، واعتمد وهو غير محتاج إلى عماد، وهكذا دواليك.
ولعل نيابة الرب عن الإنسان هي التي جعلته يسمي نفسه في أحيان كثيرة "إبن الإنسان"، مشيرًا إلى أنه جاء نائبًا عن الإنسان أو نائبًا عن البشرية فهو ليس إبن فلان من الناس، وإنما هو إبن الإنسان عمومًا. وقد ناب عن الإنسان في موته وفي حياته وفي كل ما كان مطلوبًا منه...
· ولنبدأ أولًا بموضوع العماد، كمثال...
ذهب السيد المسيح إلى يوحنا ليعتمد منه. ولكنه بلا شك لم يكن محتاجًا مطلقًا إلى العماد. معمودية يوحنا كانت للتوبة، والتوبة عمل يقوم به الخطاة وليس الأبرار. ويسوع المسيح القدوس البار، الذي هو وحده بلا خطية، لم يكن محتاجًا إلى التوبة، وبالتالي لم يكن محتاجًا إلى معمودية يوحنا.
كان يوحنا صوتًا صارخًا في البرية ينادي: "توبوا لأنه قد أقترب ملكوت السموات" (مت3: 2). "اصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة" "كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقي في النار". وهذا الصوت لم يكن بأي حال موجهًا إلى السيد المسيح، الذي اعترف له يوحنا قائلًا: "أنا محتاج إلى أن أعتمد منك" (مت3: 14). ويوحنا كان يأتي إليه ليعتمدوا "معترفين بخطاياهم" (مت3: 6) والسيد المسيح لم تكن له خطية يعترف بها...
فمادام لم يكن محتاجًا إلى التوبة، ولا إلى المعمودية، فلماذا ذهب إلى يوحنا؟ ولماذا اعتمد؟
لقد فعل ذلك "ليكمل كل بر"، لينوب عنا في إطاعة الناموس. إن البشرية فشلت في إرضاء الله الآب، فجاء الابن يرضيه: "إبن الإنسان" وقد وقف كاملًا أمامه... فناب عنا في تقديم هذه التوبة... كما سينوب عنا في آخر الزمان في تقديم خضوع البشرية للآب. وهكذا يقول الرسول: "ومتي أخضع له الكل، حينئذ الابن أيضًا سيخضع للذي أخضع له الكل" (1كو15: 28).
إن الخطية كانت لها نتيجتان: هلاك الإنسان، واغتصاب قلب الله. وجاء السيد المسيح ليصلح الأمرين معًا:
جاء ليخلص الإنسان الهالك، إذ ناب عنا في الموت وفي دفع ثمن الخطية. وجاء ليصالح قلب الله الغاضب بأن يقدم له ناسوتًا كاملًا يرضيه، وهكذا ناب عنا في تكميل الناموس وفي كل عمل صالح. قام بالعملين معًا: أرضي قلب الله بحياته الطاهرة، وأنقذ حياة الإنسان، بموته الكفاري.
· وكما ناب السيد المسيح عن البشرية في التوبة والعماد وتكميل الناموس، ناب عنها أيضًا في الصوم. لم يستطيع الإنسان أن يكبح جماح جسده، فأكل من طعام نهي الله عنه، فسقط. وجاء السيد المسيح ليصلح هذا الخطأ، فبدأ خدمته بالصوم حتى عن الطعام المحلل للجميع. نحن نصوم لنروض الجسد ونلجمه ونربيه. أما جسد السيد المسيح فلم يكن جامحًا حتى يكبح جماحه، فلماذا إذن صام؟ ونحن نصوم لكي تصفو الروح وتسمو. وروح السيد المسيح في صفائها وسموها ليست في حاجة إلى صوم يوصلها إلى العلو الذي توجد فيه بطبيعتها. إذن لماذا صام؟ لقد صام عنا، أربعين يومًا وأربعين ليلة. وفي ذلك الصوم قدم لله الآب نيابة عنا جسدًا طاهرًا لا يخضع لشهوة طعام، استطاع أن يبرهن عمليًا على أنه: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (مت4: 4).
لقد ناب السيد المسيح عنا في تقديمه للآب صورة الإنسان الكامل المطيع لوصاياه، وفي نفس الوقت قدم للبشرية الصورة الإلهية التي خلقوا على مثالها.