الخلط بين التوبة والخلاص
1 ما أكثر الذين يخلطون بين التوبة والخلاص. فإن تاب إنسان وتغيرت حياته، يقولون عنه إنه قد خلص، وهو نفسه يقول: (أنا قد خلصت) ويسجل تاريخ ذلك في مذكرته، ويدعوه البعض أن يقف على المنبر ليحكى (اختباره)، أو يحكى قصة خلاصه، لينتفع بها الآخرون..!
2 وربما تكون توبة جزئية، أقصد توبة من خطية معينة تتعبه، أو من الخطيئة الرئيسية في حياته!
ربما تكون الخطية البارزة في حياته، أو التي تشعره بأنه خارج دائرة أولاد الله، هي خطية الزنا، أو شرب الخمر، أو لعب القمار، أو السرقة.. إلخ. فإن عملت التوبة في قلبه أو تأثر، وأبطل هذه الخطية البشعة، يظن أنه قد خلص، ويقول أمام الناس: (قد خلصت)!
3 ومع (خلاصه) من هذه الخطية، قد تكون له خطايا أخرى!
مثل خطية الغضب مثلًا، أو محبة المديح والمجد الباطل، أو بعض خطايا اللسان أو عدم التدقيق في الحياة، أو غير ذلك.. ولكنه يقول قد خلصت، لمجرد خلاصه من الخمر والقمار أو النساء!
4 وتحضرني في هذا المجال قصة قرأتها في كتاب:
كان يتحدث مؤلفه عن إمكانية الخلاص في لحظة، فاستشهد بقصة رواها أحد الآباء الكهنة المعروفين عن إنسان كان مدمنا على التدخين، ثم خلا إلى نفسه، ورأى أنه يحرق قوته وصحته فيما يدخن، فقرر الامتناع عن ذلك، وألقى بعلبة السجاير بعيدًا، قائلًا لها: "اذهبي، لا أرجعك الله".
وقال ذلك المدمن التائب: ,, ومنذ تلك اللحظة لم أعد إليها ابدأً،، وأعتبر المؤلف تلك القصة دليلًا على إمكانية الخلاص في لحظة!! أو دليلًا على الخلاص في لحظة من محبة الخطية!!
والعجيب أن تلك القصة، تكررت في كتاب المؤلف مرتين، كما لو كانت دليلًا قويًا دافعا! فهل الخلاص في مفهومه، هو مجرد ترك التدخين؟! وهل الخلاص من محبة الخطية، هو مجرد الخلاص من التدخين؟! وربما تكون لهذا المدمن خطايا أخرى كثيرة لا تزال محتاجة إلى جهاد كبير حتى الدم (عب 12: 4) كما تحتاج إلى معونة كبيرة من النعمة..
وكم من أناس تخلصوا من مثل هذه الخطية، وحكوا اختباراتهم، ثم انفجروا في إحدى اللحظات في خطية غضب وسخط، لم يخلصوا منها بعد..
وحتى لو خلصوا من الغضب، هناك خطايا أخرى، وهناك ضعفات في حياتهم وحياة كل إنسان تحتاج إلى إصلاح.
5 وهم أنفسهم يقولون إن (التقديس) يحتاج إلى مسيرة العمر كله..! فهل يؤخذ الإقلاع عن التدخين دليلًا على الخلاص؟! وهل ترك التدخين يدخل تحت عنوان التبرير أم التقديس؟! وهل هو داخل في استحقاقات الفداء والدم؟ ومتى وكيف؟
6 إن الخلاص له معنى واسع، التوبة هي جزء منه، أو هي عامل موصل إليه ضمن عوامل أخرى.
لا يجوز إذن وضع الكلام عن التوبة، سواء كانت كلية أو جزئية، في موضع الكلام عن الخلاص. وإلا فأين الحديث عن الإيمان والمعمودية، والدم والكفارة والفداء، وسائر الأمور الأخرى المتعلقة بالخلاص، مثل عمل النعمة، أو عمل الروح القدس في موضوع الخلاص..؟! إن كان مجرد ترك خطية واحدة يعتبر خلاصًا!
7 ينبغي أن يكون مفهوم الخلاص واضحًا أمامنا بمعناه الواسع..
هذا الخلاص الذي عمل الرب ومازال يعمل من أجله، وهذا الخلاص الذي نجاهد بكل قوانا، وبكل ما أوتينا من نعمة لكي نصل إليه، بعد أن أخذنا جزءًا منه، واضعين أمامنا قول الرسول: (تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (فى 2: 12) هذا الخلاص الذي من أجله (مصارعتنا ليست مع لحم ودم، بل مع أجناد الشر الروحية) (أف 6: 12) وتحتاج إلى سلاح الله الكامل لكي نقدر أن نقاوم، وأن نثبت، وأن نطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة.. (أف 6: 13، 16)..
8 ليس هو مجرد تخلص من خطية معينة، أو من جملة خطايا، فهذا هو الجانب السلبي. ويبقى جانب إيجابي، ليس الآن مجاله..
إن الخلاص كما قلنا - موضوع واسع، التوبة جزء منه.
والتوبة أيضًا موضوع واسع، يقظة القلب جزء منه، وانسحاق القلب وندمه جزء آخر، وترك الخطية جزء ثالث، وعدم محبة الخطية جزء رابع، والاعتراف والتناول والتحليل عناصر أخرى في التوبة. تشترك فيها الكنيسة مع التائب بمساعدته على التوبة ونوال الغفران.
وواضح أن كل هذه العناصر، لا تتم في لحظة.
ومن له أذنان للسمع فليسمع.