الإيمان ونوال الروح القدس
إنهم كما يحاولون الغاء سر المعمودية، أو ما لهذه المعمودية من فاعلية، يحاولون أيضًا إلغاء سر المسحة المقدسة.
فيقولون إن الإيمان هو الوسيلة لحلول الروح القدس. ويعتمدون في ذلك علي قول الرب: (من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه. لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد..) (يو 7: 38، 39) ويعتمدون أيضًا على قول القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس: (إذ آمنتم، ختمتم بروح الموعد القدوس) (أف 1: 13)
الرد على الاعتراض
إن الروح القدس لا يناله المؤمن بمجرد إيمانه، بل ينالوه كخطوة تالية للإيمان. وقد تكون بينهما فترة طويلة ونفس النص الذي أورده الإخوة البلاميس يحمل هذا المعنى، إذا ورد فيه (قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد) (يو 7: 39) إذن هؤلاء به، لم ينالوا الروح القدس بمجرد إيمانهم، وإنما كانوا مزمعين أن يقبلوه..
ومتى قبلوا الروح القدس..؟ قبلوه في يوم الخمسين كالآباء الرسل، أو بعد الخمسين مثل كثير من المؤمنين الآخرين.
إنه عطية من الله ينالها المؤمن بعد الإيمان، وبعد المعمودية أيضًا. ولهذا قال القديس بطرس لليهود بعد إيمانهم في يوم الخمسين: (توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس) (أع 2: 38).
إذن الإيمان والتوبة والمعمودية، تمهيد لقبول الروح القدس.
وكان الروح القدس يمنح في بداية العصر الرسولي، بوضع يد الرسل. ثم صار يمنح بالمسحة المقدسة، كما شرح القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى (وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس) (1يو 2: 20) (وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم) (1يو 2: 27).
وسفر أعمال الرسل يقدم لنا مثالين أن الروح القدس ما كان ينال مع الإيمان، إنما هو عطية مستقلة تمامًا، قد ينالها المؤمنون بعد فترة من إيمانهم. وهذان المثلان هما إيمان السامرة (أع 8)، وإيمان أفسس (أع 19).
أ قيل عن إيمان السامرة: (ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس، لأنه لم يكن قد حل على أحد منهم، غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع. حينئذ وضعا الأيادي عليهم، فقبلوا الروح القدس) (أع 8: 14 17).
هؤلاء كانوا مؤمنين ومعتمدين، ولم يكن الروح القدس قد حل على أحد منهم. ونالوه بوضع أيدي الرسولين فيما بعد.
ب أما من جهة تلاميذ أفسس، فإن بولس الرسول سألهم: (هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟) فأجابوه: (ولا سمعنا أن يوجد الروح القدس) (أع 19: 2) وكانوا قد اعتمدوا بمعمودية يوحنا.. (فاعتمدوا باسم الرب يسوع. ولما وضع بولس يده عليهم، حل الروح القدس عليهم) (أع 19: 5، 6).
وهؤلاء كانوا قد آمنوا فقط. وعلى الرغم من إيمانهم، ما كانوا يعملون أنه يوجد الروح القدس. والإيمان لم يهبهم الروح.. كما يدعى الإخوة البلاميس!
لذلك اعتمدوا أولًا، ثم قبلوا الروح القدس بوضع يد الرسول القديس بولس. وبالنسبة إليهم كان الإيمان عملًا مستقلًا عن المعمودية عن قبول الروح..
إن الإيمان مجرد تمهيد لقبول الروح. ولا ينال الروح إلا من آمن أولًا. وحينئذ ينال الروح بعد المعمودية.
ولما قال الرسول: (إذ آمنتم، ختمتم بروح الوعد) (أف 1: 13) إنما قصد أن الإيمان كان التمهيد لختمهم بالروح.