منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 28 - 01 - 2014, 05:04 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

مزمور 53 - تفسير سفر المزامير
عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات



بين المزمورين 14 و53

يكاد يكون المزمور 53 تكرارًا للمزمور 14، وهما يمثلان صرخة إلى الجاهل الذي ينكر وجود الله، إن لم يكن بالإلحاد العلني فبالسلوك العملي. فالإلحاد يدفع إلى اللاأخلاقيات، واللاأخلاقيات تدفع إلى إنكار وجود الله كنوع من التغطية أو تهدئة الضمير.
ويلاحظ في المزمورين الآتيين:
1. تكرر اسم الله سبع مرات في كل مزمور، غير أن المزمور 14 استخدم "يهوه" أربع مرات و”إلوهيم" ثلاث مرات، بينما في المزمور53 استخدم اسم "إلوهيم" في السبع مرات. وكما نعرف أن اسم "يهوه" يخص الله في علاقته بشعبه بكونه "الكائن" وسط شعبه يدخل معهم في ميثاق، أما "إلوهيم" فيخص الله كخالق[76].
2. في المزمور 14: 1 جاءت كلمة "أعمال" (دنسة) lila تقابلها هنا "آثام" awel.
3. في مزمور 14: 3 جاءت كلمة "حادوا"hakhalsar يقابلها هنا سقطوا بعيدًا (زاغوا)" hullosag .
4. العبارتان 5 و6 في المزمور 14 اُختصرتا هنا في عبارة واحدة.
مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
لماذا التكرار؟

يتساءل البعض: لماذا يتكرر ما ورد في المزمور 14 بعينه في المزمور 53 مع اختلافات بسيطة؟ هل يوجد تكرار في الوحي؟
1. يؤكد هذا التكرار أن يد التحريف لم تمتد إلى الكتاب المقدس، وإلاَّ لكانت قد حذفت ما نحسبه تكرارًا بلا معنى.
2. جاء المزمور 14 مناسبًا في وضعه حيث الحديث في القسم الأول (مز 1-41) هو عن الإنسان والخلاص، فعلى المستوى الشخصي يلزم أن يعترف الإنسان بفساد طبيعته، وبالتالي حاجته إلى مخلص شخصي. ففي المزمور السابق له كانت صرخات المرتل: "إلى متى يا رب تنساني؛ إلى الانقضاء؟! إلى متى تصرف وجهك عني؟!" (مز 1:13). وقد جاءت الإجابة في المزمور 14: لم يصرف الله وجهه عن الإنسان، إنما جهل الإنسان وفساد طبيعته هما السبب. يتطلع الله من السماء ولا يجد من يفهم أو يطلب الله. كما جاء المزمور التالي له (مز 15) يوضح سمات الإنسان التقي الذي يتأهل للسكنى في بيت الرب، خاصة "السلوك بلا عيب"، وهي سمة لا تنطبق تمامًا إلاَّ على الكلمة المتجسد، وكأنه لا خلاص من الجهالة إلاَّ بالاتحاد معه، فيتهيأ المؤمن للتمتع بالمقدسات الإلهية.
والحديث في القسم الثاني (مز 42-72) هو عن الكنيسة والخلاص، فإن كان الأشرار يريدون أن يقتلعوا الأبرار من الكنيسة، إلاَّ أن الله يغرسهم كشجر الزيتون المثمر في بيت الرب (مز 52)، مرة أخرى يؤكد على المستوى الجماعي أن فساد طبيعتنا، وليس الأعداء الظاهرون، هم الذين يحرموننا من التمتع بالحياة المقدسة التي للكنيسة الروحية. وكأن المزمور 14 يوضح سرّ فسادنا كأشخاص، والمزمور 53 يؤكد أنه لذات السبب تفسد الجماعة ككل!
3. اُستخدم كل مزمور منهما في مناسبة مختلفة، وإن تشابها إلى حد كبير!
مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
الإطار العام والتفسير

يمكننا الرجوع إلى المزمور 14 لعدم التكرار، وسأكتفي بتعليقات قليلة تُضاف إلى التفسير السابق.
1. بين عدم الإيمان واللاأخلاقيات
1-2.
2. فساد جماعي
3.
3. يأكلون شعب الله كالخبز
4-5.
4. تهليل الكنيسة بالحرية الروحية
6.
من وحي مز 53
مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
العنوان

"لإمام المغنيين على العود Mahalath. قصيدة لداود"، وفي الترجمة السبعينية: "في النجاز (النهاية) وعن مالات".
لم ترد كلمة "مالات Mahalath" قبل ذلك، إنما توجد أيضًا في عنوان المزمور 88 فقط. يرى البعض أنها تشير إلى نغمة اللحن، وآخرون إلى الآلة الموسيقية التي تستخدم عند تلحينه والبعض يترجمها "رئيس" أو "قائد" الغرفة الموسيقية.
يترجمها البعض "أمراضًا"، ويفهمونها إنها تشير إلى مرض الخطية وما تسببه من ضعف، أو أن المزمور كان يستخدم في وقت الضيق حين يشعر المؤمنون كأنهم قد دخلوا في ضعفٍ بسبب سخرية الأشرار بهم[77]. ويرىالقديس أغسطينوسأنها تعني من يدخل فيألمٍ خاصة آلام المخاض. فإن كان الأشرار يسببون آلامًا للكنيسة، لكنها تتحول إلى حالة ولادة، إذ تتمخض الكنيسة بأبناء جدد للكنيسة، يتشكل فيهم السيد المسيح.
* كلمة "مالات maeleth" (عنوان مز 53) كما جاءت في ترجمات الأسماء العبرية تعبّر عمن كانت متوجعة (في مخاض) أو في ألم، ولكي يعرف المؤمن من هو ذاك الذي يتوجع أو يتألم في العالم الذي نعيش فيه؛ إنه المسيح الذي يتوجع هنا. المسيح هنا في ألم! الرأس فوق، والأعضاء أسفل. فإن من لا يتوجع ولا يتألم لا يقول: "شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟" (أع 9: 4). ذاك (شاول) الذي كان يضطهده فيتوجع، هو نفسه اهتدى وصار يتوجع. إذ هو نفسه بعد ذلك استنار وتطعَّم في الأعضاء التي اعتاد أن يضطهدها، فصار يحبل بذات الحب، قائلًا: "يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل 4: 19).
القديس أغسطينوس
مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
1. بين عدم الإيمان واللاأخلاقيات

قَالَ الجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلَه.
فَسَدُوا وَرَجِسُوا رَجَاسَةً.
لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا [ع1].
كلمة "الجاهل" هنا "نابال" لا تعني مجرد الجهالة، أي عدم المعرفة، أو عدم الحكمة؛ وإنما تحمل فسادًا سلوكيًا، خاصة في مقاومة الإيمان بالله، ورفض إرادته في حماقة. وكما جاء في المزمور 74: 22 "قم يا الله. أقم دعواك. اُذكر تعيير الجاهل إياك اليوم كله". وقد دعا أيوب البار زوجته المتذمرة على ما سمح به الرب "إحدى الجاهلات" (أي 2: 10). قيل عن الجاهل: "ولا يُدعى اللئيم (نابال) بعد كريمًا، ولا الماكر يُقال له نبيل. لأن اللئيم يتكلم باللؤم، وقلبه يعمل إثمًا ليصنع نفاقًا، ويتكلم على الرب بافتراء" (إش 32: 5-6)؟

مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
"الجاهل" هنا يعني شخصًا تافهًا، مستهترًا، وضيعًا. إنسان رأسه مملوء وحلًا وقلبه دنس، يسلك في الظلمة[78].
"ليس إله": لا يؤخذ هذا التعبير بمعناه الحرفي، أي أن كل جاهل هو ملحد، ينكر وجود الله؛ إنما يعني هنا الإلحاد العملي، حيث لا ينكر البعض وجود الله، لكنهم ينكرون عنايته الإلهية، وإن لم ينكروا عنايته بألسنتهم فبقلوبهم وأفكارهم الداخلية، يرون في الله الكائن القاسي الذي يترصد للإنسان ليعاقبه على كل خطيةٍ أو ضعفٍ في حياته.
* من يفكر حسنًا ولا يعرف أن الله موجود؟! لكن يحدث مرارًا وتكرارًا أنه بالرغم من أن الحقيقة تُلزمنا بأن نتعرف على الله، إذًا الملذات الشريرة تحثنا على إنكار وجود الله، فننطق في قلوبنا بمشورة الشر لكي نتقبلها، هذه التي تضاد الإيمان[79].
القديس هيلاري أسقف بواتييه

* من يتجاسر ويقول بأنه ليس إله هو عديم الفطنة وجاهل. هذه هي سمة ربساريس وربشاقي، لأنهما قالا هكذا: "هل أنقذَ آلهة الأمم بلادهم والمتعبدين لهم، فكيف يحميكم إلهكم ويحمي مدينتكم؟!" أما بقلبيهما وضميرهما فقالا إنه ليس إله. فالنبي بإلهام الروح القدس سبق وعلم ما في ضميرهما (2 مل 18).
وأيضًا نقول إن الذين ينكرون لاهوت المسيح هم جهال، لأن مرامهم أن ينقضوا عظائمه الظاهرة التي تثبت لاهوته.
وأيضًا الذين يقولون: نعم الله موجود، خالق البداية، لكنه لا يهتم بها؛ هؤلاء يتكلون على القدرة البشرية، وهم جهال.
* الذي يقع في أعمال سمجة يقول في قلبه: "ليس إله"، ويخرج من الإيمان الحقيقي، ويسقط في الكفر، لأن بشنائعه يُفسد ما قد زرعه الله في قلوب البشر من الاعتقاد القويم والرأي السليم. لأن الإيمان لا يكون قائمًا إلاَّ بالأعمال، كما كان كرنيليوس وغيره لطهارة سيرتهم، وحسن أعمالهم، استناروا بنور الإيمان المستقيم., أما من كان مضادًا لذلك فإنه فاسد.
الأب أنثيموس الأورشليمي

* يبدأ الفساد بالاعتقاد الشرير، عندئذ تُنزع الأخلاقيات، وبعد ذلك تُفعل الشرور الأثيمة جدًا؛ هذه هي الدرجات...
فاسدون هم هؤلاء الرجال ونجسون بالآثام. إنهم يقولون: "إن كان ابن الله فلينزل من على الصليب". اُنظر فإنهم يقولون علانية: "إنه ليس إله".
القديس أغسطينوس

"فسدوا ورجسوا رجاسة، ليس من يعمل صلاحًا". يتحدث واضع المزمور عن الفساد العام الذي حلّ بالبشرية منذ سقوط آدم وحواء. "ورأى الله الأرض، فإذا هي قد فسدت، إذ كان كل بشرٍ قد أفسد طريقه على الأرض" (تك 6: 12).
يستخدم المزمور كلمة "إلوهيم"، أي الله الخالق، فإن كانت الشعوب قد رفضت الدخول في عهد معه، ولم تقبل سكناه في وسطهم، فهو كخالقٍ محبٍ لخليقته، يتطلع على بني البشر جميعًا، لعلهم يفهمون سماته كمحب للبشر فيطلبونه. وكما جاء في المزمور 33: "من السماوات نظر الرب. رأى جميع بني البشر. من مكان سكناه تطلع إلى جميع سكان الأرض" (مز 33: 13-14). إن كان ثمرة الجهالة أو الحماقة أن يظن الإنسان أن الله منعزل في سماواته لا يبالي ببني البشر، فإن المرتل من جانب آخر، يبرز أن الله في تواضعه يستخدم التعبيرات البشرية. إنه يتطلع إلى جنس البشر لكي يسكب فيهم الفهم والحكمة، فيدركون رحمته، ويقبلون الدخول في عهدٍ معه.
بقوله: "ارتدوا معًا" يبرز المرتل العمل الجماعي، وكأن البشرية قد اتفقت معًا على الارتداد عن الله خالقهم والمهتم برعايتهم. لقد رفضت البشرية الحق الإلهي، واتفقت معًا على السلوك في الطرق الملتوية.
اَللهُ مِنَ السَمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي البَشَرِ لِيَنْظُرَ:
هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ [ع2]
يرى القديس أغسطينوس أن هذه العبارة تثير تساؤلًا: هل الله لا يعلم كل شيءٍ، حتى يتطلع من السماء لينظر؟ يجيب على هذا السؤال أن الكتاب المقدس كثيرًا ما يشير إلى أعمالٍ الله بطريقة بشرية من أجلنا نحن. فعندما يقول: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (1 كو 2: 10)، لا يعني أن الروح يحتاج إلى أن يفحص ليعرف أعماق الله، إنما كُتب هذا لكي نشتاق نحن أن نفحص الأسرار الإلهية بروح الله القدوس. هكذا عندما يقول هنا أن الله ينظر من السماء إلى بني البشر، فيجدهم جميعًا وقد حلّ بهم الفساد. لم يكن الله غير عالمٍ بهذا، إنما هذا التعبير غايته أن يعلن للبشرية حقيقتهم، ويطلب كل إنسانٍ الخلاص من الفساد الذي حلّ به كما بإخوته.
مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
2. فساد جماعي

كُلُّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا مَعًا، فَسَدُوا،
لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا،
لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ [ع3].
كلمة "ارْتَدُّوا" أو "مالوا إلى الوراء" تدل على أن الإنسان قد خلقه الله مستقيمًا، لكن بإرادته حاد عن الاستقامة وتعطل، لأنه قد عطَّل السيادة التي مُنحت له من الله، وخضع كعبدٍ للانفعالات الذميمة. لقد عطَّل حذاقة بصيرته، إذ صار يفضل الشر عن الخير.
يقول القديس أغسطينوس إنه بهذا يهيئ كل إنسان للتمتع بالعمل الإلهي، فإن كان كل بني البشر قد فسدوا، لا يسرع الله في الحكم عليهم، بل يعمل ليقيم من بني البشر أبناء له. هذا ما يؤكده القديس أغسطينوس في تفسيره هذا المزمور! إن لم يتمتع البشر بالبنوة لله، يصير حال بني البشر الفاسدين هكذا: "ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد".
* قبل ظهور المسيح، كلمة الله بالجسد، كانت ظلمة الشيطان بالخطية والمعصية موجودة في جميع الأرض بغير نورٍ، وكما يقول النبي داود في المزمور الثالث عشر والمزمور الاثنين والخمسين: "تطلع الرب من السماء ليرى إن كان يجد من يفهم أو يطلب الله، فلم يكن ولا واحد" (مز 14: 2؛ مز 53: 3). فلما تجسد المسيح كلمة الله، النور المولود من الآب بغير انفصال منه، كالشعاع من الشمس، وأعطانا بالمعمودية الروح القدس، أضاء علينا وحرَّك بنا مخافته، وأشهر في قلوبنا نور مواعيده إشهارًا حقيقيًا، حتى صدقناه وحفظناه وأحببناه وحفظنا وصاياه[80].
القديس مار أفرام السرياني

مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
3. يأكلون شعب الله كالخبز

أَلَمْ يَعْلَمْ فَاعِلُو الإِثْمِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ الخُبْزَ،
وَاللهَ لَمْ يَدْعُوا؟ [ع4]
هنا المتحدث هو الله نفسه، الذي قدم للبشرية ما يشبع كل احتياجاتهم. خلق كل شيء على الأرض وتحت الأرض لينعم الإنسان به. وفوق الكل قدم لهم نفسه ليُشبع أعماقهم به وبحبه الفائق. لكن الإنسان في شره يود أن يأكل أخاه. وكما قيل في سفر إرميا "اسكب غضبك على الأمم التي لم تعرفك، وعلى العشائر التي لم تدعُ باسمك، لأنهم أكلوا يعقوب؛ أكلوه وأفنوه وأخربوا مسكنه" (إر 10: 25). كما قيل: "ابتهاجهم كما لأكل المسكين في الخفية" (حب 3: 14). "الذين يأكلون لحم شعبي، ويكشطون جلدهم عنهم، ويهشمون عظامهم" (مي 3: 3).
ماذا يحدث بالنسبة للصالحين الذين يفترسهم الأشرار؟
يجيب القديس أغسطينوس: [هذا الشعب الذي يُفترس، هذا الشعب الذي يعاني من الأشرار، هذا الذي يئن ويتألم وسط الأشرار، الآن يصيرون أولاد الله عوض كونهم بني البشر؛ بهذا فقد افترسوا (كبني البشر).]
وماذا بالنسبة للأشرار؟
كثيرًا ما يردد القديس أغسطينوس أن الذئاب البشرية إذ تفترس الحملان البشرية وتشرب دماءها، تتحول من ذئاب مفترسة إلى حملان وديعة، كما حدث مع شاول الطرسوسي. يود الأشرار أن يفترسوا الناس ويبتلعوهم على الدوام وبلا توقف، كما يأكلون الخبز يوميًا، لكنهم إذ يأكلونهم يصير بعضهم أبناء لله بقبولهم الإيمان وتمتعهم بالعماد.
* يُلتهم هذا الشعب الذي يُعاني من الأشرار، هذا الذي يتنهد ويتوجع وسط الأشرار، بهذا يُلتهمون.
القديس أغسطينوس

إذ حاصر الأشوريون أورشليم لم يراعوا الله بل أهانوه، لذلك أرسل ملاكه يرعبهم (2 مل 18).
الذي لا يدعو الله لأجل الله نفسه، وإنما لأجل أمورٍ زمنيةٍ، يفقد فرحه ببهجة الخلاص، وعوض السلام يحل الخوف بلا سبب حقيقي سوى حرمانه من الله مصدر السلام.
* البعض يدعون، ولكنهم لا يدعون ذاك الذي يُقال عنه: "والله لم يدعوا" (مز 53: 4). إنهم يدعون، ولكن لا يدعون الله. إنك تدعو ما تحبه؛ تدعو ما تنجذب إليه. فإن كنت تدعو الله لهذا السبب، لكي يأتيك المال؛ أن تنال ميراثًا، أو أن تأتيك رتبة عالمية، فأنت تدعو هذه الأمور التي تشتهيها أن تأني إليك، وتجعل من الله معينًا لتحقيق شهواتك، لا أن يكون صاغيًا لاحتياجاتك. ماذا إذا رغبت في شيء شرير، أما يكون رحيمًا بك ولا يعطيك إياه. وعندما لا يعطيه لك يصير الله كلا شيء بالنسبة لك، وتقول: كم من المرات أنا صليت، كثيرًا ما صليت لكنه لا يسمع![81]
* يليق بنا أن ندعو الله، فنسأله لا بركاته الزمنية، وإنما نطلبه لشخصه.
ألا يدعو هؤلاء الله يوميًا؟ إنهم لا يدعون الله.
تنبهوا، إن كنت أنا قادرًا أن أقول لكم بعون الله نفسه يلزم أن يُعبد الله مجانًا (وليس من أجل الخيرات)، ليُحب لأجل ذاته مجانًا، أي يُحب بنقاوة، لا ليعطي شيئًا ما، وإنما ليعطي ذاته. فمن يطلب الله أن يكون غائبًا لا يدعو الله.
القديس أغسطينوس

هُنَاكَ خَافُوا خَوْفًا، وَلَمْ يَكُنْ خَوْفٌ،
لأَنَّ اللهَ قَدْ بَدَّدَ عِظَامَ مُحَاصِرِكَ.
أَخْزَيْتَهُمْ، لأَنَّ اللهَ قَدْ رَفَضَهُمْ [ع5].
"أخزيتهم" إن كان الله يسمح للأشرار أن يضايقوا شعبه ومؤمنيه فإلى حين، لكن "الساكن في السماوات يضحك. الرب يستهزئ بهم. حينئذ يتكلم عليهم بغضبه ويرجفهم بغيظه" (مز 2: 4-5).
وكما قال الرب على لسان إشعياء بخصوص سنحاريب ملك أشور: "من عيَّرت وجدَّفت؟ وعلى من هلَّيت صوتًا؟ وقد رفعت إلى العلاء عينيك؟ على قدوس إسرائيل؟ على يد رُسلك عيرت السيد، وقلت بكثرة مركباتي قد صعدن إلى علو الجبال... ولكني عالم بجلوسك وخروجك ودخولك وهيجانك عليَّ. لأن هيجانك عليَّ وعجرفتك قد صعدا إلى أذني. أضع خزامتي في أنفك، الطريق الذي جئت منه" (2 مل 19: 22-23، 27-28).
كان الأشوريون مطمئنين وفي أمان، وإذا بالرعب يحلّ عليهم، ويَهلك منهم مئة وخمس وثمانون ألف جنديًا (2 مل 19: 35).
لم يكن هناك ما يثير الخوف من السيد المسيح الذي جاء لكي يخلص العالم، لا ليقيم لنفسه مملكه زمنية، ومع ذلك ارتعب من هيرودس وخطط لقتله، وارتعبت منه القيادات اليهودية وطلبوا صلبه.
يرى القديس أغسطينوسأن الذي يدعو الله لا يسقط في الرعب، حيث لا يوجد ما يسبب رعبًا حقيقيًا، إذ يقول:
[هل يوجد خوف إن فقد إنسان الغنى؟ لا يوجد خوف، ومع ذلك يخاف البشر في هذه الحالة. ولكن إن فقد إنسان الحكمة، فبالأولى يوجد خوف، ومع هذا فهم لا يخافون...
إنك تخاف لئلا ترد المال (الذي وهبك الله إياه)، وتريد أن تفقد الخلاص.]
"لأن الله يبدد عظام الذين يُرضون الناس" [ع5]
من لا يدعو الله يخاف حيث لا يلزم الخوف، لأنه يهتم أن يرضي جسده وشهواته والناس أيضًا لا الله، أما من يدعو الله، فلا يخاف أحدًا سوى الله الذي يطلب إرضاءه. الأول إذ يطلب إرضاء الناس يتحطم، ويفقد هيكله الروحي، وتتبدد عظامه.
* يبدد الله عظام الذين يُرضون الناس (مز 53: 5). لا يقصد هنا بالعظام تلك الخاصة بالجسم، إذ لا يوجد مثل لشخصٍ تتبدد عظامه هكذا. إنما يقصد هنا قوة العقل والقلب هذه التي بها يستطيع الإنسان أن يمارس الصلاح. هذه القوى التي للنفس هي الغيرة التي تقود إلى المثابرة الجادة، والنضوج الروحي، والصبر، والاحتمال. هذه السمات يبددها الله عند الذين يُرضون الناس[82].
* يبدد عظام الذين يرضون الناس... لأن الرغبة في إرضاء الناس هي دائمًا غذاء الكبرياء اللعين الذي يكرهه الله كما الناس، وهي رأس الكبرياء وجذوره. فمن يسقط ضحية هذا الهوى يشتهي الكرامة والمديح، وهذا أمر يبغضه الله، إذ يبغض المتكبرين، ولكنه يقبل المتواضع في فكره، ذاك الذي لا يطلب المجد؛ ويظهر له الرحمة[83].
القديس كيرلس الكبير

* يلزم (المؤمن) أن يقدم تشكرات لله المهوب الممجد، القدوس. ولا يمارس شيئًا بروح الجدال والمجد الباطل (في 2: 3)، وإنما من أجل مجد الله ومسرته. "فإن الله يبدد عظام الذين يسرون بالشر" (مز 53: 5)[84].
القديس باسيليوس الكبير

* يحذرنا الرسول قائلًا: "لا نكن مُعجبين" (غل 5: 26). ويوبخ الرب الفريسيين قائلًا: "كيف تقدرون أن تؤمنوا، وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من بعضٍ، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه؟!" (يو4: 44)وعن هؤلاء أيضًا يتكلم داود المبارك مهددًا: "بدد الرب عظام من يمالقون الناس" (مز 53: 5)[85].
* ينبغي على جندي المسيح الذي يرغب في أن يجاهد قانونيًا في هذه المعركة الروحية الحقيقية أن يجاهد بكافة الطرق لقهر هذا الكائن غير السوي المتقلب المتعدد الأشكال، هذا الذي حين يهاجمنا من كل جانب مثل شتى الشرور المتنوعة، نستطيع أن ننجو منه بعلاج كهذا: التفكير في قول داود: "بدد الرب عظام من يمالئون الناس" (مز 53: 5). في البداية يجب علينا ألاَّ نسمح لأنفسنا أن نعمل أيّ شيء بدافع من الغرور أو لإحراز أيّ مجد باطل. كذلك حين نكون قد بدأنا في شيء على نحو حسن، علينا أن نجاهد لتدعيمه بذات القدر من العناية، خشية أن يتسلل إلينا مرضالمجد الباطل، ويلاشي كل ثمار أتعابنا[86].
القديس يوحنا كاسيان

* إذا أردتَ ألاَّ يتعرّض لك أحدٌ، فتوسل إلى الله في الخفاء وصُم، فلن يؤذيك شيء. إذا قالت لك الشياطين أن تُرضي الناس فلا تقبل، واُذكر ما قاله الرب: "اِحترزوا من أن تصنعوا (أعمالكم الصالحة) قدام الناس، (بل) في الخفاء، فأبوكم الذي يرى في الخفاء هو يجازيكم علانيةً" (مت 6: 1-4). وإذا حرّضك الشيطان على أن تعمل على إرضاء الناس، اُنظر قول النبي: "سيُبدِّد الله عظام الذين يُرضون الناس، إنه سيُخزيهم، لأن الله يزدري بهم" (مز 53: 5 راجع الترجمة السبعينية)، وهو لا يستمع إلى صلاتهم، بل بالحري يسخط عليهم[87].
أنبا ثيئوفيلس البطريرك

* "فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يَرَوا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات". لو قال: "فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة" فقط، لبدا كأنه جعل مديح الناس هدفًا، هذا الذي يطلبه الهراطقة وملتمسو الكرامات والمتهافتين على المجد الزائل. وقد قيل عن هذه الجماعات: "فلو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح" (غل 1: 10)، ويقول النبي عن الذين أرضوا البشر "أخزيتهم، لأن الله قد رفضهم"، و"لأن الله قد بدد عظام الذين يرضون البشر"(مز 53: 5)، ويقول الرسول: "لأنكم مُعجبِين" (غل 5: 26)، كما يقول: "ولكن ليمتحن كلُّ واحدٍ عمله، وحينئذٍ يكون لهُ الفخر من جهة نفسهِ فقط، لا من جهة غيرهِ" (غل 6: 4)[88].
القديس أغسطينوس

مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
4. تهليل الكنيسة بالحرية الروحية

لَيْتَ مِنْ صِهْيَوْنَ خَلاَصَ إِسْرَائِيلَ.
عِنْدَ رَدِّ اللهِ سَبْيَ شَعْبِه،ِ
يَهْتِفُ يَعْقُوبُ،
وَيَفْرَحُ إِسْرَائِيلُ [ع6].
إن كان الجهل يفقد الجماعة (كما العضو) إيمانها بالله وسلوكها الروحي لتعيش في الفساد، لا تدعو الله لأجل ذاته، بل تطلب ما هو زمني، فتتبدد عظامها، وتفقد سلامها بل وكيانها، فإن الخلاص يهب الكنيسة تحررًا من سبي إبليس، فتمتلئ فرحًا وتهليلًا.
يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن كلمة "إسرائيل" هنا تُطلق على كل مؤمنٍ ينظر الله بعقله، وكلمة "يعقوب" تُطلق على كل من يصارع ويتعقب العدو. وكأن الكنيسة المتهللة هي التي ترى بالإيمان الله مخلصها، وتجاهد بنعمة الله في معركتها ضد إبليس عدوها.
لا يعني تعبير "ردّ الله سبى شعبه" أنه السبي البابلي، وإنما عودة الشعب إلى سابق مجده بعد أن أذله العدو إلى حين. هذا ما عناه الكتاب المقدس عندما تحدث عن سبي أيوب (أي 42: 10) حيث رده الرب إلى مجده السابق قبل دخوله في التجربة.
رد السبي يعني العودة إلى المجد والعز كما ورد (حز 16: 53؛ صف 2: 7؛ عا 9: 14؛ هو 6: 11). إن كانت الخطية تذل الإنسان وتدخل بالنفس كما إلى السبي، فإن التوبة أو الرجوع إلى الله، يهب العتق من السبي، والتمتع بالتهليل مع العز والمجد.
مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
من وحي مز 53

آلام مثمرة


* على الصليب قبلت أيها المخلص آلام الحب،
فتمخَّضت بنا نحن كنيستك وأولادك!
وهبت لنا أن نشاركك آلامك،
لنتمخَّض نحن أيضًا بأولادٍ جدد،
يتشكلون على مثالك!
* سمحت لنا أن يلتهمنا الأشرار كالخبز،
فيتحولون من أبناء للبشر إلى أبناء لله!
يلتهموننا كل يوم بلا توقف،
فتحول الضيق إلى شهادة حق مثمرة!
* لا يدعوك الأشرار،
لأنهم لا يعرفوك،
فيُحرمون من السلام الداخلي،
ويرتعبون بدون سبب!
أما نحن فنراك،
ونجاهد بنعمتك،
نتحرر من سلطان العدو،
وننعم بالفرح الدائم والتهليل السماوي!
مزمور 53 - تفسير سفر المزامير - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مزمور 53 - عدم الإيمان يقود إلى اللاأخلاقيات
تفسير سفر المزامير - مزمور 17 - التأديب يقود إلى رؤية الله
تفسير سفر المزامير - مزمور 11 - الإيمان أعظم من الهروب
مزمور 17 - تفسير سفر المزامير - التأديب يقود إلى رؤية الله
مزمور 11 - تفسير سفر المزامير - الإيمان أعظم من الهروب


الساعة الآن 08:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024