تذكر درجات روحية أعلى منك
كلما حوربت بالفضيلة أو المعرفة تذكر أنك لا شيء بالنسبة إلى ما هو مطلوب منك، وبالنسبة إلى الدرجات العليا التي وصل إليها آخرون..
نشكر الله أنه في كل فضيلة من الفضائل، قد ترك لنا القديسون أمثلة عالية جدًا ومستويات تكاد تكون فوق إدراكنا.. إن قارنا أنفسنا بهم، ربما تصغر نفوسنا في أعيننا.
وهكذا في المعرفة أيضًا وصل آباؤنا وبعض معاصرينا إلى درجات أعلي منا بمراحل..
لذلك قارن نفسك هو أعلى منك حتى تتضع وحذار أن تقارن نفسك بمن هو أقل منك كي لا ترتفع..
وهنا قد تقف أمامك مشكلة أخري لتحاربك وهي قولك حقًا أنا ضعيف وقليل المستوي بالنسبة إلى مستويات القديسين وقصص التاريخ. ولكنني أشعر أنني أعلي بكثير من مستوي الوسط الذي أعيش فيه، فكيف أقاوم إذن الشعور بالذات داخل نفسي؟
حتى هؤلاء الضعفاء الذين تنتقدهم ربما فيهم فضائل وصفات تنقصك وهذا هو الدرس الذي ألقاه السيد المسيح على الفريسيين..
هذا الفريسي الذي افتخر على العشار قائلًا: أشكرك يا رب أني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطئين الزناة ولا مثل هذا العشار (لو18: 1 ) أراه السيد المسيح أنه على الرغم من صومه وعشوره، فإن العشار كان أفضل منه في اتضاعه وفي انسحاق قلبه. كذلك أظهر الرب لذلك الفريسي الذي استضافه، أن المرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها، كانت أفضل منه، وتفوقه حبًا وكرمًا واتضاعًا (لو7: 44 - 47)..
لذلك إذا قارنت نفسك بإنسان ووجدت أنك تفوقه في أشياء، افحص ربما يكون هو أفضل منك في أمور أخري..
لا تقل أنا أكثر منه علما، بل قل إنه أكثر منى بساطة ونقاوة قلب.. لا تقل أنا أفضل منه في أصوامه وصلواتي بل قل هو أفضل مني في احتماله وتسامحه..
وثق أنك لو تخيلت عن كبريائك، ستجد في غالبية الناس فضائل تنقصك.
وهكذا وجد مارافرايم السرياني في المرأة الخاطئة المتبرحة فضيلة تنقصه! ووجد القديس الأنبا أنطونيوس في المرأة التي تعرت أمامه لتستحم.. وجد فيها صوت الله إليه! وهكذا أيضًا وجد القديس مقاريوس الكبير عند راعي البقر تعليمًا ينفعه في حياته. ووجد القديس موسي الأسود عند الصبي زكريا عطية من الروح القدس يحتاج إليها.
إن الله كثيرًا ما كان يختار صغارًا لكي يوبخ بهم الكبار..
لقد اختار رئيس النوتية الأممي، لكي يوبخ به يونان نبي الله العظيم (يون1: 6). واختار إيمان المرأة الكنعانية، ليوبخ به إيمان جيلها كله واختار لعازر المسكين ليوبخ به الرجل الغني العظيم، واختار جهال العالم ليخزي بهم الحكماء بل اختار المزدري وغير الموجود، ليبطل من يظن أنه موجود (1كو1: 27، 28).
لذلك لا تظن أنك كبير، لئلا تقول لنفسك مع ذلك الجبار: أيها البرج العالي، كيف سقطت..
وإن ظننت أنك كبير وقوي، تذكر أن الشيطان في غروره يهوي جدًا إسقاط الكبار والأقوياء، لذلك هو يحاربهم بكل شدة وبأشد عنف... ولهذا قال الكتاب عن الخطية أنها:
" طرحت كثيرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء" (أم7: 26).