إن كان الكتاب المقدس لم يذكر صراحة كلمة ( رهبنة ) ذلك لأن الفكرة لم تكن تبلورت بالمعنى المفهوم حاليآ ، لكن الكتاب المقدس قدم لنا بعض الأبطال الذين قدموا حياتهم كلها كذبيحة حية مرضية على مذبح العبادة و النسك ، أحبوا الصلاة و حولوها إلى حياة ، عشقوا حياة الهدوء و السكون و حياة الألتصاق بالله ، كما عاشوا بالبتولية و الطهارة كل أيام حياتهم ، و هذه الفضائل هى من أهم مقومات الرهبنة و التكريس و أركانهما الأساسية ..... و إذا أخذنا أمثلة من العهد االقديم و العهد الجديد نجد الكثير ، و لكن نأخذ أولآ مثال و هى أم العذارى *القد يسة الطاهرة مريم العذراء * الحمامة الحسنة الهادئة اليمامة النقية الطاهرة ، فيخبرنا تاريخ حياتها أن والديها قدماها إلى الهيكل عندما أصبح سنها ثلاث سنوات ، و مكثت بالهيكل عابدة بأصوام و صلوات فى وداعة و هدوء ، و ظلت هكذا إلى أن أصبح سنها أثنتى عشرة سنة ، فسلمها الكهنة الى يوسف النجار كخطيبة له ، و ظلت العذراء مريم فى بيت يوسف النجار الفقير بتولآ طاهرة هادئة عابدة الى أن بشرها الملاك بميلاد مخلص العالم منها ، و نلاحظ فى الصور و الأيقونات التى تمثل لحظة البشارة أن القيسة مريم كانت واقفى تصلى ، كانت فى وضع صلاة حين دخل إليها الملاك و بادرها بالتحية العجيبة قائلآ ( السلام لك أيتها الممتلة نعمة ، الرب معك ، مباركة أنت فى النساء ) ( لو : 1 : 28 ) و التسبحة التى قالتها العذراء فى بيت زكريا الكاهن خير دليل على روح الصلاة و العبادة و الأتحاد بالله التى كانت تتمتع به ، و حينما لدت العذراء طفلها الإلهى العجيب . لم يحل ميلاده بتوليتها ، كما تقول قسمة الميلاد ( ولدته و هى عذراء و بتوليتها مختومة ) و ذلك تقديرآ من الرب للبتولية ، و ظلت محتفظة بصمتها و هدوئها ، مصلية شاكرة الرب و يخبرنا عنها الكتاب المقدس ( و كانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور متفكرة بها فى قلبها ) ( لو 2 : 52 ) ... فكانت تعيش مع الرب حوادثه متألمة ، و كانت وقتها كله تستغرقه فى لذة تأمل و متابعة أحداث الخلاص المجيد، و لم يبق لديها وقت تتكلم فيه أو تحدث الناس عن نفسها ، و حتى بعد صلب المخلص و قيامته من الأموات و صعوده إلى السموات و حلول الروح القدس عليها و على بقية التلاميذ للكرازة و التبشير، أما هى فبقيت فى بيت يوحنا هادئة عابدة مصلية متأملة إلى أن تنيحت بسلام و أنتقلت إلى الأمجاد السماوية ..... هكذا كانت حياة القد يسة العذراء مريم ... و لنا فى المرات القادمة أمثلة أخرى من العهد الجديد