رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الروح والنار يطلب منا الرسول أن نكون " حارين في الروح" (رو12: 11). لأن روح الله حينما يحل في الإنسان يشعله بالحرارة. القوات المرسلة من الله، كانت تظهر أحيانًا بهيئة نار. فعندما أرسل الله قواته السمائية لإنقاذ السامرة أيام أليشع النبي حينما أصعده الله إلى السماء، إنما صعد في "مركبة من نار" في العاصفة إلى السماء (2مل2 : 11). وقد قيل في المزمور عن هذه القوات السمائية: خلق ملائكته أرواحًا، وخدامه نارًا تلتهب" (مز104: 4). إنها أرواح قريبة من روح الله، ومرتبطة به حبًا وإرادة، وإلهنا نار آكله ( عب12: 9). لذلك فهذه الملائكة هي أيضًا نار تلتهب... تعمل عمل الرب بسرعة، وبكل قوة. ولذلك ناجاها داود النبي في المزمور قائلًا "باركوا الرب يا ملائكته، المقتدرين قوة، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مز103: 20) . أي أنها ما أن تسمع أمرًا من الله، حتى تنفذه في الحال، كما هو، بهذه الروح النارية، وبدون تردد، ولا تمهل ولا إبطاء. والله أرادنا أن نكون بهذه الروح، حينما علمنا أن نصلى قائلين: "لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض" أي لتكن هذه المشيئة منفذة على الأرض، كما يفعل الملائكة في السماء، الذين هم نار تلتهب. حقًا، ما أجمل عبارة"... وخدامه نار تلتهب"... هكذا ينبغي أن يكون خدام الله على الأرض، كما خدامه في السماء. وهذا ما حدث في يوم الخمسين. حل الروح القدس على التلاميذ كألسنة من نار، فألهبت أرواحهم وقلوبهم. ألهبتهم للخدمة ومنحتهم قوة، وصاروا نارًا... شعلات من نار تسرى في كل جهات العالم، حتى اشتعل العالم نارًا، في الكرازة وخدمة الكلمة والشهادة للرب... والكنيسة المقدسة لكي تذكر الناس بالنار وباللهيب الذي ينبغي أن يكون باستمرار في قلوبهم، نلاحظ ملاحظة عجيبة وهي: إن الكنيسة لا تخلو منها النار مطلقًا، على الأقل في المجمرة وفي الشموع... وفي كليهما نرى عنصر البذل والعطاء، سواء في الشمعة التي تبذل ذاتها لكي تنير لغيرها، أو في حبة البخور التي تحترق لكي تقدم رائحة ذكية لله وللناس. ونلاحظ في الشموع كما في السرج قديمًا أ أنها تضئ بالزيت يرمز إلى الروح القدس. أما البخور، فهو يحترق بالنار، والنار ترمز إلى الروح القدس أيضًا... كما أن نار المجمرة ونار الشمعة، يذكراننا في كل حين بالحرارة التي ينبغي أن تتصف بها حياتنا، حينما نكون كالشمعة نورًا للناس، وحينما نكون كالبخور "محرقة وقود، رائحة سرور للرب" (لا1: 9، 13، 17). النار في الشمعة تعطى نورًا، كما تعطى حرارة ودفئًا... وهكذا الشمس التي شبة الرب بها" (ملا 4:2) "لأن الرب الإله شمس ومجن" ( مز84: 11) هذه الشمس تقدم لنا نورًا وحرارة وبنفس الوضع روح الله، يضئ لنا الطريق فيما يرشدنا، ويعطينا حرارة روحية في كل عمل نعمه. وجود النور والنار، في الكنيسة باستمرار، يرمز إلى عمل الروح القدس فيها... النار ترمز إلى الروح، وإلى عمل الروح، وإلى من يعمل فيهم الروح... ومن هنا كانت نار الشموع عند الأيقونات ترمز إلى القديسين الذي يعمل فيهم روح الله القدوس. كما أن نار الشموع على المذبح، ترمز إلى الملائكة المحيطين بالذبيحة المقدسة. وهم أرواح قدسيه يعمل فيهم أيضًا روح الله القدوس وعنهم قال الوحي الإلهي في المزمور: الذي خلق ملائكته أرواحًا، وخدامه نارًا تلتهب" (مز104: 4). وعندما أرسل الله قواته السامرة أيام أليشع النبي، ظهرت بهيئة "مركبات نارية" (2مل6: 17). فقال إن الذين معنا أكثر من الذين علينا. نتذكر أيضًا أن إيليا النبي صعد إلى السماء في مركبة نارية (2مل2: 11). اصعده روح الله وملائكة الله، فإذا في مركبة من نار. وطغمة السارافيم معناها المتقدون بالنار أو المحرقون. هؤلاء الملتهبون بالمحبة الإلهية والذين عملهم التسبيح الروحي. والمرة الوحيدة التي حدثنا فيها الكتاب المقدس عن السارافيم، أخذ فيها الكتاب المقدس عن السارافيم، اخذ فيها واحد من السارافيم جمرة نار من على المذبح، مسح بها شفتي إشعياء النبي، فتطهر بالنار، بروح الله (اش6: 6، 7). هكذا كانت الروح النارية التي للسارافيم في خدمتهم السريعة. لم يحتملوا إطلاقًا أن يسمعوا عن ذلك أنهم واقفون أمام الله، وأنهم منشغلون بتسبيحه وأنه لم يطلب منهم أن يقوموا بهذا العمل... وإنما للتو "طار واحد من السارافيم" ولم يعد إلا وهو مطمئن على أنه انتزع إثم هذا الإنسان وكفر عن خطيئته... وإشعياء هذا، إذ مست الجمرة شفتيه، اشتعل هو أيضًا بالنار المقدسة وما أن سمع قول الرب " من أرسل؟ ومن يذهب لأجلنا" حتى استجاب بسرعة وقال " هاأنذا أرسلني" (أش6: 8). ألستم ترون يا أخوتي أن الحرارة هي الفرق جسديًا بين الحي والميت؟ فالميت فاقد لحرارته تمامًا...! أليست الحرارة هي الفارق بين الحي والميت...؟ جسد الإنسان الميت تجده باردًا تمامًا، لا حرارة فيه... أما الجسد الحي، ففيه دفء وحرارة وهكذا الروح أيضًا. يتميز الإنسان الذي يعمل فيه روح الله، بحرارته الروحية، كما قال الرسول " حارين في الروح". لذلك عيشوا في الحرارة التي في الروح... في هذه الحرارة عاشت لكنيسة الأولى، في العصر الرسولي، وفي القرن الرابع الميلادي بالذات، الذي نميزه بلونين هامين من الحرارة هما: الحرارة العجيبة في الدفاع عن الإيمان ضد الهرطقات مميزة في حياة القديس أثناسيوس مثلًا، وحرارة العميقة جدًا في حياة النسك والرهبنة والتوحد، كما تبدو في سيرة القديس أنطونيوس وآباء برية شهيت... الإنسان الذي يعمل فيه روح الله، ينبغي أن يكون حارًا في الروح... وهكذا يعلمنا الرسول قائلًا "حارين في الروح" (رو12: 11). وهذه الحرارة تشمل الحياة الروحية كلها. فيكون الإنسان حارًا في صلاته، حارًا في خدمته، حارًا في محبته نحو الله والناس، حارًا في معاملاته وفي مشاعره. كل ما يعمله من خير يتصف بالحرارة... ونلاحظ أن الإنسان حينما يقل عمل الروح فيه، تقل تبعًا لذلك حرارته ويفتر... فيقولون: هذا الإنسان عنده فتور يتطور إلى برودة روحية، وإلى موت... لذلك أشعلوا حرارة الروح في قلوبكم باستمرار... واحتفظوا بشعلتكم موقدة على الدوام لا تنطفئ. وفي ذلك يقول الرب "لتكن أحقاؤكم ممنطقة، وسرجكم موقدة" (لو12: 35). خذوا لكم مثلًا من ذبيحة المحرقة التي كانت نارها لا تنطفئ أبدًا. باستمرار يلقون حطبًا ووقودًا. ويشعلونها بمحرقة صباحية وأخرى مسائية، وبشحوم وذبائح أخرى... نار دائمة، تتقد على المذبح، لا تطفأ... " لا6).. هكذا هي الحياة التي يعمل فيها روح الله... وإن لم تستطيع أن توقد حياتك الروحية باستمرار وتزيد لهيبها اشتعالًا، فعلى الأقل استمع إلى وصيه القديس بولس الرسول وهو يقول... "لا تطفئوا الروح..." (1تس5: 19). أي ابتعدوا عن كل ما يقلل حرارتكم الروحية، عن كل الأسباب التي تجلب لكم الفتور الروحي. ابتعدوا عن الرياح المضادة التي تطفئ عمل الروح فيكم. ولعل البعض يسأل: هل تتفق النار مع المحبة؟ نعم تتفق. فالمحبة نفسها نار، وقد تشبهت بالنار في سفر النشيد، وقيل "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة" (نش8: 7). والمحبة تعطي حرارة في القلب. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الجنة والنار |
الحمامة والنار _ أغسطينوس |
عمود السحاب والنار |
الحمامة والنار _ أغسطينوس |
الحمامة والنار _ أغسطينوس |