رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
واقع الخطية وطبيعتها 2 – واقع الخطية وطبيعتها: الخطية واقع بشري، لكنها واقع زائل لأنه وهمي مُخادع في مظهره ونتيجته مؤلمة، وهي عبارة عن علاقة سلبية مع الله، أي في اتجاه معاكس لمشيئته ومخالفة لوصية الحياة التي قدمها للإنسان ليحفظه من كل عبث الموت المفسد للنفس. وللأسف أن جيلنا هذا وقد فقد الاحساس بالله، فقد أيضاً بالفعل نفسه الإحساس بالخطية. وموقف الإنسان من الخطية دائماً ما يكون مؤشر لموقفه من الله. والفكرة التي يكونها الانسان عن الخطية مرتبطة بفكرته عن الله. إن للعهد القديم إحساساً مرهفاً بالخطية, كما لهُ إحساساً عميقاً بالله. وفي بادئ الأمر لم تكن الخطية متميزة تمييزاً كافياً عن مجرد مخالفات مادية لأوامر ومناهٍ صادرة من فوق (2 صموئيل 6: 7). ثم نُظر إليها كعصيان وتمرد، وأخيراً تبينت كنكران للجميل وقلة أمانة، ونكران النعمة ورفض الحب والانحصار في الذات وتحقيق الرغبات الشخصية المائلة نحو الموت الذي يتبعه الفساد بالضرورة. والعهد القديم كشف أن الخطية لا تستطيع أن تطال الله في ذاته:
وعموماً إذا كانت الخطية لا تؤثر علي الله بالذات، إلا انها تنقض خطة محبته بالنسبة لي أنا، فالخطية رفض للحب من قِبَل الانسان، وهي تضع حاجزاً بينه وبين الله، بحيث أن الله الكلي القداسة لا يستطيع أن يكون في شركة مع الإنسان: [ إن آثامكم فرقت بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم حجبت وجهه عنكم، فلا يسمع ] (أشعياء 59: 2 )
إن حقيقة الخلق علي صورة الثالوث القدوس، يدعونا للتقدم في المحبة، للتقدم من الصورة الإلهية إلي المثال الإلهي، لكن الانسان اختار لا طريقاً مؤدياً إلي الأعلى، بل طريقاً مؤدياً إلي الأسفل، طريق وهمي مُخادع، مثلما من يرى السراب في الصحراء وهو عطِش، فهو يسعى أن يصل إليه بكل طاقته لكي يروي ظمأه، ولكنه يسعى ويجتهد بكل معاناه وبذل الجهد، ولكنه لا يصل أبداً بكونه مخدوع، ومع ذلك السراب يجعله يستمر في السعي إليه بلا توقف، مع أنه يستمر في زيادة العطش الذي قد يصل به للموت لأنه لن يشرب أبداً . لقد أنكر الإنسان العلاقة مع الله التي هي في عمق جوهره الحقيقي مزروعة فيه، وعِوضاً من أن يكون مركز موحد مع إخوته البشر والله، انتهي إلي سلسلة من الانقسامات: انقسام شخصي أو ذاتي (منقسم على نفسه)، انقسام بينه وبين الآخر، وانقسام بينه وبين عالم الطبيعة. وأخيراً إلي الانقسام الحاسم بينه وبين الله (الذي هو جوهر كل انقسام)، أي تم هدم علاقة الشركة بينه وبين الله الحياة فأدت طبيعياً إلى الفساد. لقد طعن عطية الحرية. وإذ كان حراً أصبح عبداً: [ أن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية ] (يوحنا 8: 34) ومشكلة الخطية أنها لم تقف عند حد، بل صارت إلى ما هو أخطر، لأن بسببها حاول الإنسان ان يُدين الله: فلقد حَمَّل آدم حواء كل المسئولية عما حدث: [ المرأة التي جعلتها معي هي التي أعطتني من الشجرة فأكلت ] (تكوين 3: 12)، وهو بذلك جعل الله هو السبب الجذري للخطية (وهذا ما يحدث في كل زمان)، إذ يتهم الإنسان الله بوجود الخطية في حياته وكأن الله هو السبب فيها، وبذلك عاش مختبراً الانفصال لا عن الله فقط، بل عن الإنسان أيضاً. يقول فلاديمير من موسكو philaret of moscoo : [ لقد اغلق الانسان علي نفسه جداول النعمة الالهية ]، وذلك بالطبع عندما حمَّل آدم المسئولية لحواء، ففصل نفسه عن نفسها أولاً، وجعل كل واحد منها فرداً منفصلاً عن الآخر، في الحياة وفي المصير، يسعي للتحرر منه وتجاوزه كي ينمو هو، وذلك حينما ألقى عليها التهمه بدون أن يتحمل أي مسئولية لكي يتجنب ملامة ضميره ولكي يلقيها وحدها لتحمل المشكلة كلها. عموماً الله في البدء خلق الإنسان الجامع ليكون رأس البشرية وبذلك حوي الانسان الأول في ذاته كل الطبيعة البشرية لأنه أصلها وأبيها. وكان شخصاً فريداً في كل شيء. وكما يقول القديس النيصي: [ الإنسان المخلوق لا يملك اسماً خاصاً، ولكنه إنسان كوني. ولذلك فهذه التسمية العامة للطبيعة البشرية تعني لنا أن نفهم أن الله .. قد ضمَّن كل الإنسانية في الخليقة الأولي .. إذ إن الصورة ليست في جزء من الطبيعة ] فالطبيعة البشرية أساسها وجذرها في آدم وحواء قبل السقوط. ولم تكن مجزأة بينهما. كان كل منهما شخصاً - علي صورة الثالوث القدوس – لهم كل الطبيعة الإنسانية، متحدين مع بعضهما في انسجام واتفاق مبدع في حرية إرادة ومشيئة منسجمه، ولكن الخطية أتت كعنصر غريب لتحوّل الاشخاص إلي أفراد، إلي كائنات تتنازع علي امتلاك الطبيعة، من هو السيد والرئيس والمرؤوس، فحولت الكل إلي كائنات يعتقد كل واحد منها أنه يملك الطبيعة لذاته وحده.
لقد توقف كل شيء عن كونه عطية لي من الله. لقد صار كل شيء وسيلة لأُحقق به وفيه رغباتي الشخصية أو شهواتي الخاصة المُدمرة. وتناسيتُ أنها هبة من الخالق لأُعيد تقديمها إليه في شكر واعتراف حسن في المحبة. لقد بدأت باستعمال كل شيء كما لو كان ملكي أنا استهلكه وأُبدده وأُشوه منظره الطبيعي. ولم أعد أري الأشخاص والأشياء كما هي بحدًّ ذاتها وفي جمالها الطبيعي، وكما هي في الله. بل أصبحت أراها فقط كوسيلة للمتعة والإشباع (الأناني) اللذين لن ألبيَّهما أبداً بهذه الطريقة. حتي جسدي صار مبيعاً تحت الخطية (رومية 7: 4)، صار أداة لي لشهواتي بدلاً من أن يكون هيكل مقدس طاهر لحلول الله، ولقد انطلقت به نحو العالم الغاش المادي الكامن فيه روح الشر والفساد بدلاً من أن انطلق به نحو الله، وأرفع العالم معي في سرّ التقوى وهبة القداسة: [ لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم ] (1يوحنا 2: 16) لقد دخلتُ كإنسان خاطئ دائرة معينة من العطش والشهوة الخاصة، التي بمقدار ما تشبع أزداد جوعاً لتلبيتها، ولم يعد العالم ناقلاً لي جلال مجد الله وبهاءُه. ولم يعد نافذة أُعاين الله من خلالها. لقد صار ظليلاً، كامداً، باهتاً؛ لقد توقف عن أن يكون مانحاً للحياة، وصار موضوعاً وخاضعاً للفساد والموت كالإنسان [ من التراب أنت والي التراب تعود ] (تكوين 3: 19) هذه هي الحالة الحقيقية للإنسان الساقط، ولكل شيء مخلوق. فحالما يقطع نفسه عن مصدر الحياة الواحد يفقد الحياة؛ لقد سقط الانسان بعد الخطية، وإنهار جسدياً وأخلاقياً. لقد صار خاضعاً للألم والمرض والانحلال الجسدي؛ حتى أنه صار فرح المرأة بالولادة ممزوجاً بآلام المخاض (تكوين 3: 16)، وهذا كله لم يكن من خطة الله الأولية للبشرية. ولكن بسبب السقوط، صار الإنسان أسيراً لكل هذا وهو الذي تسبب وحده لنفسه بهذه الأوجاع؛ وفي النهاية صار خاضعاً للموت: [ لأنه بخطية واحدٍ مات الكثيرون ] (رومية 5: 15)، فسرى الموت في جميع البشر، والكل بدأ يموت، حتى الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم: [ لكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي ] (رومية 5: 14) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|