المشغوليات
المشغوليات طريقة ما كرة من طرق العدو في تحطيم الحياة الروحية. وأهم ما في مكرها أنها:
لا تحارب الروحيات، إنما لا تعطيها مجالا، فننساها.. !
ومثال ذلك، قد تجد نوعا من الناس مشغولا باستمرار. لا يجد وقتا يجلس فيه إلى الله، للصلاة، للقراءة، للتأمل، للتسبيح، أو لاى عمل روحى. كما لا يجد وقتا يجلس فيه إلى نفسه، ليفحص حالته، أين هو، وكيف هو، وبالتالي لا يجد وقتا لتغيير حالته، فهو لا يدرى ما حالته! إن الإبن الضال كانت بداية رجوعه، أنه جلس إلى نفسه وفحص الوضع الذي هو فيه، فقال (كم من أجير عند أبى يفضل عنه الخبز، وأنا هنا أهلك جوعا). ولما عرف سوء حالته بهذا الشكل، أستطاع أن يجد الحل، وهو (أقوم وأذهب إلى أبى) (لو 18:17:15).
من حكمة الشيطان، انه لا يترك لك وقتا لروحياتك.
إن الشيطان حكيم في الشر ، ويدبر خططه بتعقل. وقد قيل عن الحية إنها كانت (أحيل جميع حيوانات البرية) (تك1:3) فما هي الحيلة التي يستخدمها هنا؟ بالنسبة إلى بعض الناس، قد يكون الأغراء الواضح بالخطية سلاحا مكشوفا لا تقبله ضمائرهم المتيقظة، إذن لا مانع من أرجائه حاليا، ريثما يتم تخدير هذه الضمائر. وما العمل إذن يرى الشيطان أن الناس إذا خلوا إلى أنفسهم، فمن الجائز أن يفكروا في روحياتهم، أو ينصتوا إلى صوت الله يدعوهم إليه، أو أن يرجعوا إلى ضمائرهم فتقودهم إلى الله
إذن لابد من مشغولية، ولو كانت صالحة في ذاتها!
مثال ذلك: تلميذ مجتهد ، مشغول في دراسته وفي مذاكرته طول الوقت، لا يبقى له وقت لشئ آخر. فإن تخرج، تشغله الوظيفة والعمل الإضافي والدراسات العليا، ثم بعد ذلك ينشغل في تكوين بيت، و في الزواج، ومشغولية الأسرة والأولاد، بحيث لا يجد وقتا للعمل الروحى.. وأنت في كل ذلك تعاتبه، كيف لا يقتطع وقتا لله؟ وهو يجيب: وماذا عن تفوقى؟ وعن اخلاصى لدراستى وعملى وأسرتي؟ وهل الاخلاص للعمل والتفانى فيه يعتبر خطية من الناحية الروحية؟ والإجابة كلا طبعا، إنما الخطا في الآتي :
1-المشغوليات تستوعبك تماما ، وتأخذ كل وقتك وكل فكرك
2- لا توازن في توزيع وقتك، فلا وقت لروحياتك
3- المشغوليات تتلاحق وتتابع ، بحيث يبدو أنها لا تنتهى
إذن يجب أن تكون عادلا في توزيع وقتك: كما أنك مطالب بالإخلاص لعملك ولأسرتك، كذلك عليك أن تكون مخلصا لحياتك الروحية ولعلاقتك بالله، ولابد أن تخصص لذلك وقتا مهما كان الأمر
عجيبة هى المشغوليات في عصر التكنولوجيا الذي نعيش فيه، كل طاقات الإنسان تتحرك بسرعة عجيبة، كما تتحرك الآلة في هذا العصر الآلي. الكل يجرى، وراء ترفيهاته، وراء حياته الأسرية وحياته الخاصة. الكل في دوامة عجيبة، لا تعرف السكون ولا الهدوء ولا تجد راحة، ولا وقتا للروحيات.
حتى إن تفرغ الناس من العمل ، هناك الترفيهات والمسليات تشغلهم.
إن وجد الإنسان فراغا من الوقت في منزله، تلاحقه المشغوليات من الزيارات، والجيران، والأحاديث، وفض المشاكل العائلية، والمناقشات الكثيرة فيما يستحق، يضاف إلى هذا الراديو والتليفزيون، والجرائد والمجلات، وبحث موضوعات التموين والسياسة، وما لا ينتهي من أحاديث.. وان وجد الشخص فراغا من الوقت خارج البيت، فهناك المقهى والنادى والجمعية، ولقاء الأصدقاء، وهناك السهرات والحفلات والرياضة، والسينما والمسرح، والمتنزهات والفسح..
وفى كل ذلك تنسى الحياة الروحية وينسى الله أيضا.
ربما لا يأتي الله على فكرك وقتذاك. فمن أين يأتي؟ وإن تذكرت الله وواجباتك الروحية، تقول (حينما أنتهى مما أنا فيه، سأجد وقتا حتما لعملي الروحى). ولكنك ما أن تنتهى مما أنت فيه، حتى تلاقيك مشغولية أخرى، فتنشغل بها، وتلفك الدوامة، وتسحبك بعيدا عن الله.. وإذا بالكرة ما تزال تتدحرج، في إنحدار مستمر، لا تتوقف، ولا تملك ذلك..