رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أزمة رجال فى هذه الأيام يمر العالم بأزمات مختلفة؛ فنسمع عن الأزمة الاقتصادية، والأزمة الأخلاقية، والسياسية، ولكنى أرى أن الأزمة الحقيقية التى يمر بها العالم اليوم هى أزمة رجال. فالعالم اليوم و الكنيسة أيضاً فى أشد الاحتياج إلى رجال يصححون مسيرة الشعوب ويقودون الكنيسة والمجتمع إلى النور. وفى رأى هى أزمة حقيقية، لقد قيل عن الفيلسوف العظيم " ديوجين" انه كان يسير فى شوارع أثينا فى رابعة النهار، وهو يحمل مصباحه المضئ، وعندما سئل عمن تبحث، أجاب إجابته الخالدة" أبحث عن الرجل". فالرجل الذى يصحح مسيرة الجماعة، ويواجه الشعب بالخطأ، ويعلن الحق فى شجاعة، ولا يساوم على المبادئ، ولا يعرف السلبية، عُملة نادرة الوجود. بل قل هى أزمة إذ يقول الرب:" وطلبت من بينهم رجلاً يبنى جداراً ويقف فى الثغر أمامي عن الأرض لكيلا أخربها، فلم أجد" (حز22: 30). ولقد عبر الكواكبى عن هذه الأزمة فى إحدى قصائده قائلاً: " فما بال الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس، ويدفعون الالتباس، ويفكرون بحزم، ويعملون بعزم، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يطلبون". إن الصحوة الكبرى والنهضة الحقيقية التى نرجوها لكنيستنا لن تبدأ إلا برجال لهم مواصفات خاصة. فما هى مواصفات الرجل المطلوب، والذى نحتاج إليه اليوم؟ أولاً: الرجل الذى يستطيع أن يعلن الحق بشجاعة: لقد قال الرب يسوع لتلاميذه: " تعرفون الحق والحق يحرركم" ويكتب الرسول بولس عن الكنيسة أنها:" عامود الحق وقاعدته" اى هى التى تثبت الحق فى المجتمع، وأيضاً تعلنه. فلماذا فى هذه الأيام نرى الحق يداس تحت الأقدام، ونصمت؟ وفى مرات نضع رؤوسنا فى الرمال، وفى مرات يكون شعارنا لا أرى، لا أسمع، ولا أتكلم. فلماذا نصمت؟ هل نصمت خوفاً على مصالحنا وعلى مستقبلنا؟ أم نصمت عملاً بقول المثل:" الذى بيته من زجاج لا يرمى الناس بالحجارة" ما أحوجنا فى هذه الأيام إلى رجال أمثال إيليا الذى يقف بكل شجاعة فى وجه آخاب الملك، ويواجه بأخطائه ويقول له: " لم أكدر إسرائيل بل أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الرب، وبسيرك وراء البعليم"(1مل18: 18). ولم يكن إيليا يخاف على نفسه من الملك، رغم ما سمعه عما فعلته ايزابيل بأنبياء الرب. وعندما أخطأ أخاب مرة أخرى وتآمر هو وزوجته على قتل نابوت اليزرعيلى واخذ كرمه، ظهر له إيليا مرة أخرى وقال له: " هل قتلت ورثت أيضاً... هكذا قال الرب: فى المكان الذى لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضا... لأنك قد بعت نفسك لعمل الشر فى عينى الرب" (1مل21: 19، 20). ولا شك فى أن مصدر القوة والشجاعة التى كان يتمتع بها إيليا، هى فى إدراكه لوجوده أمام الرب على الدوام. لقد كان يقول دائماً. " حى هو رب الجنود الذى أنا واقف قدامه" (1مل18: 15). لقد كان يدرك أن الله حى، وأنه يقف أمامه وهو الأعظم والأكبر من اى إنسان وأي ملك، لذلك كان يرى أخاب صغيراً أمامه، فيواجهه بشجاعة. إن كل من يلتصق بالرب يستطيع أن يواجه المخطئ بخطئه. ألم يقف المعمدان فى وجه هيرودس الطاغية، قائلاً له:" لا يحل لك" وألم يقف ناثان النبى أمام داود الملك بعد خطيته العظيمة، قائلاً له: " أنت هو الرجل". لقد كان جون نوكس المصلح الاسكتلندي الشهير يواجه الملكة الرهيبة " مارى" بكل جرأة، لدرجة أنها قالت" اننى أفضل أن ألاقى جيشاً مكونا من عشرة آلاف جندى عن أن أواجه " جون نوكس" وعندما مات جون نوكس، كتبوا على قبره:" هنا يرقد الرجل الذى لم يكن يهاب فى حياته وجه إنسان قط". ثانياً: الرجل الذى لا يعرف المساومة على المبادئ: تأمل اليوم فى كيفية اتخاذ القرار فى الكنيسة أو المجمع أو السنودس، فستجد أن القرار يتم على أساس توازن القوى، والقوة الأكبر هى التى تتحكم فى القرار. وقراراتنا تتم على أساس محاولة إرضاء كل الأطراف والقوى المختلفة، لذلك ترانا نبحث عن الحلول الوسط، ونحاول مسك العصا من المنتصف، رغم أن الحلول الوسط حلول مؤقتة وقصيرة الأمد، ولكن المشكلة هى محاولة إرضاء كل الناس. إننا فى اشد الاحتياج إلى الرجل الذى يبغض اللون الرمادى، ولا يعرف المساومة على المبادئ، ويبحث عن الحل الجذرى. لقد صرخ إيليا فى وجه الشعب قائلاً:" حتى متى تعرجون بين الفرقتين"(1مل18: 21). والعرج ببساطة هو التأرجح والتذبذب، فالأعرج هو من أصيب فى إحدى رجليه بكسر أو عاهة، لذلك يسير سيراً غير متوازن أو غير معتدل. والتلون والتأرجح والازدواجية، كل هذا كان مرفوضاً عند إيليا. يقول المرنم " المتقلبين أبغضت، وشريعتك أحببت" وصلى قائلاً " وحد قلبى لخوف اسمك" انه يريد القلب الواحد، والفكر الواحد، والاتجاه الواحد. إن العرج بين الفريقين مرفوض فى المسيحية، فإما ابيض وإما اسود. لقد قال احدهم:" إن الحياد الدينى لعنة". والرب يسوع بنفسه يقول:" من ليس معى فهو على، ومن لا يجمع فهو يفرق" و يقول لملاك كنيسة اللاودكيين:" ليتك كنت بارداً أو حاراً هكذا لأنك فاتر"(رؤ3: 15، 16). يا كنيسة المسيح، يا من عرفت الحق، يجب أن تعيشيه وتعلنيه بلا تساهل أو تداخل أو غموض. ثالثاً: الرجل الذى لا يتأثر برأى الأغلبية متى كان هو على حق: لا أحد ينكر تأثير الجماعة على الفرد. أليست الجماعة هى التى أثرت على هارون، حتى جعلته يصنع العجل الذهبى، وبدأ الشعب يرقص أمامه ويقول:" هذه آلهتك يا إسرائيل التى أصعدتك من ارض مصر"(خر32: 40). أليست الجماعة أيضا بإلحاحها هى التى جعلت بيلاطس يسلم يسوع ليصلب رغم انه لم يجد فيه علة للموت، حتى انه غسل يديه قائلاً:" انى برئ من دم هذا البار" (مت27: 24). إننا اليوم فى اشد الاحتياج لرجال لديهم القدرة على الوقوف فى وجه الغالبية، متى كانوا هم على حق، حتى يصوبوا ويصححوا مسيرة الجماعة، ويقودوا الجماعة إلى النور. اعلم انه دور متعب، وفيه مخاطرة، فهل تقبل التحدى؟ لقد عاد يشوع وكالب بن يفنه بعد تجسس الأرض، وقدما تقريراً يختلف عن تقرير الغالبية، ولم يتأثرا برأى الغالبية، وكان هذا التقرير يعرض حياتهما للخطر.(عد14: 10). لقد قيل للقديس اثناسيوس ذات يوم:" إن العالم ضدك" فأجاب:" وأنا ضد العالم" واستطاع أن يقف بشجاعة فى وجه التيار. إن انقيادنا للجماعة ومحاولة إرضائها، سيقودنا إلى الخراب والدمار. ويذكر لنا الوحى أن هيرودس بعد أن قتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف، لما رأى أن ذلك يرضى اليهود، عاد وقبض على بطرس أيضا( اع12: 3). وفيلكس الوالى لما أراد أن يرضى اليهود ترك بولس مقيداً (اع24: 27). إننا نحتاج إلى الرجل الذى لا ينساق وراء الغالبية، متى كان هو على حق، ويقف فى وجه التيار لكى يصحح ويصوب مسيرة الجماعة، مهما كلفه ذلك ولو على حساب نفسه وشعبيته، وسيأتى اليوم الذى يعرف فيه الجميع مدى صدقه وحبه وإخلاصه وولائه للجماعة. رابعاً: الرجل الذى لا يعرف الهروب والسلبية: يقول المثل البلدى" الباب الذى يأتى منه الريح سده وأستريح" و"دارى على شمعتك تقيد" وللأسف كم من الناس يأخذون بهذه الأمثال. إن الكنيسة لن تنهض ولن تتقدم إلا برجال لا يعرفون السلبية ولا الانسحاب. ما أحوجنا إلى رجال من أمثال نحميا الذى لما قال له شمعيا بن دلايا:"لنجتمع إلى بيت الله إلى وسط الهيكل ونقفل أبواب الهيكل لأنهم يأتون ليقتلوك فى الليل يأتون ليقتلوك" فأجاب إجابته الخالدة الرائعة والتى تحمل كل معانى البطولة والرجولة:"أرجل مثلى يهرب؟ ومن مثلى يدخل الهيكل فيحيا ألا ادخل"(نح6: 10، 11). ما أكثر المرات التى فيها تراجعنا عن موقفنا، ونحن أصحاب الحق ولكن خوفا من خطر التمسك به وإعلانه. إن الهروب ليس من الرجولة بشئ. عندما استدعى لوثر بأمر البابا للذهاب إلى ورمس للمحاكمة حاول أصدقاؤه منعه من الذهاب، لكنه أجاب:" حتى إذا كان هناك كثرة من الشياطين فى ورمس بعدد بلاط الأسطح، فما زلت أنوى الذهاب إلى هناك" وعندما ذهب إلى هناك فى 17 ابريل 1520، وطلب منه إنكار كل الكتابات التى كتبها، رفض وقال لهم:" ما لم اقتنع بشهادة الكتاب المقدس، أو بسبب واضح، فانا ملتزم بأقوال الكتاب المقدس التى اقتبستها. وضميرى أسير كلمة الله. انى لا أستطيع وسوف لا أنكر اى شئ، فانه ليس مأموناً ولا صواباً أن نخالف الضمير". وعندما مُنع جون وسلى من دخول الكنائس فى انجلترا والوعظ فيها، بدأ يجمع الناس فى الخلاء ويعظهم، وقال" العالم ابرشيتى". لقد واجه بولس فى افسس مضايقات كثيرة وأعداء كثيرون، وكنت أتوقع انه أمام هذه المعاكسات يترك افسس، ولكنه يكتب قائلاً:" ولكننى امكث فى افسس إلى يوم الخمسين لأنه قد انفتح لى باب عظيم فعال، ويوجد معاندون كثيرون"(1كو16: 8، 9). يا من تريدون النهضة، إن النهضة لن تبدأ ولا برجال لا يعرفون السلبية، ولا الانسحاب، ولا الخوف على أنفسهم. رجال يعلنون الحق بشجاعة لا يساومون على المبادئ ويقفون فى وجه تيار الغالبية متى كانوا هم على حق، مهما كلفهم ذلك. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|