26 - 05 - 2012, 12:38 PM
|
|
|
..::| VIP |::..
|
|
|
|
|
|
التكامل في حياة الفضيلة
السبت 26 مايو 2012
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
كلمتكم من قبل عن خطورة الآية الواحدة في التفسير.. وأريد أن أكلمكم اليوم عن خطورة الحياة بالفضيلة الواحدة منفصلة عن باقي الفضائل ,أو خطورة أية فضيلة منفصلة عن الحكمة والإفراز.
فالتواضع مثلا بغير حكمة قد يوصل صاحبه إلي أن يستهتر الناس به ويصبح هزءا بينهم, بل ويشجعهم أن يخطئوا إليه,وكذلك الوداعة بغير إفراز إذن ينبغي أن يمتزج التواضع بالحكمة.. وتمتزج الوداعة بالحكمة يعلمنا الكتاب أننا خلقنا علي صورة الله وشبههتك1
والله تبارك اسمه تتكامل فيه الفضائل مجتمعة بغير انفصال.
العدل والرحمة
فعدل الله مثلا مملوء رحمة ورحمته أيضا مملوءة عدلا.
عدله عدل رحيم ورحمته رحمة عادلة ولا انفصال بينهما.
لقد أخطأ آدم وحواء.. عدل الله اقتضي أن يعاقبهما ولايقل أحد منكم إنها كانت خطية بسيطة!ويعذران إذ كانت غواية الحية أطغي علي بساطتهما وهما لايعرفان خيرا ولا شراوالحية كانت أحيل جميع حيوانات البريةتك3:1كل هذا حق ولكن الخطية هي الخطية مهما كانت الظروف والعدل ينبغي أن يطبق في عقوبتها..
ولكن في نفس الوقت الذي طبق الله فيه عدله فإنه برحمته فتح للإنسان باب الخلاص فقال إن نسل المرأة سيسحق رأس الحيةتك3:15.
وعلي الصليب اجتمع عدل الله ورحمتهمز85:10كل العدل مع كل الرحمة لم ينقص عدل الله شيئا ولا نقصت رحمته,
إن الله دائما يغفر ولكن لاتوجد مغفرة مجانية بل المغفرة لها ثمن وقد دفع الرب ثمنها عنا هو حمل خطايانا ووفي العدل الإلهي حقه.. بالنسبة إلينا صرنا متبررين مجانا بالنعمةرو3:24أما بالنسبة إليه فقد اشترانا بثمن1كو6:20.
وكان ثمنا غاليا إننا حينما نتكلم عن رحمة الله ومغفرته نقول كما في المزمورلم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنامز103:10. ولكننا نعرف أنه في ذلك قد أستوفي عدله تماما من الفادي فنقولكلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلي طريقه والرب وضع عليه إثم جميعناوهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامناأش53:5,6.
الحب والتأديب:
الله يحبنا وفي نفس الوقت يؤدبنا ولا نظن إطلاقا أن المحبة تمنع التأديب فالكتاب يقوليابني لاتحتقر تأديب الرب.لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله إن كنتم تحتملون التأديب فأي ابن لا يؤدبه أبوه..؟!ولكن إن كنتم بلا تأديب..فأنتم نغول لابنونعب12:5-8.
الحب والحزم.
قد يكورن إنسان طيبا يحب الكل ويعاملهم برفق ولكنه إن لم يتصف بالحزم فلن يصلح للإدارة وبخاصة لو كان ضميره يتعبه إن اتخذ موقفا حازما!كما لو كان الحزم في الإدارة ضد الروحيات!!كلا بل ينبغي أن يجتمعا معا في الإنسان الروحي..الحنو والحزم الطيبة والإدارة الأبوة والرئاسة.
السيد المسيح كان حانيا ومحبا وفي نفس الوقت كان حازما
حنوه واضح كما شرح الإنجيل ذلك في مناسبات متعددة وقد قيل عنه إنه لما رأي الجميع تحنن عليهم,إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لهامت9:36.
وكما ظهر تحننه ظهر حزمه بصورة قوية جدا في تطهير الهيكل إذأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة لصوصمت21:12-13.
وهكذا اجتمع الحب والحزم معا,كما قيل في الشعر:
يا قويا ممسكا بالسوط في.. كفه والحب يدمي مدمعك.
ونقرأ عن يوسف الصديق أنه كان محبا جدا وحازما جدا.
كان حازما جدا مع إخوته الذين سجدوا بين يديه وبكوا وقالوا له:اصفح عن ذنب عبيدك ..ولكنه في نفس الوقت الذي أدبهم فيه وأوصلهم إلي التوبة بكي وقال لهملاتخافوا..أنتم قصدتم لي شرا ولكن الله قصد به خيرا لاتخافوا أنا أعولكم وأولادكمتك50:17-21.
كان طيبا وكان حازما جدا في الإدارة كمسئول عن التموين, وكان رقيقا إذ قيل عنه لما عرف إخوته بنفسه أنهأطلق صوته بالبكاءتك45:2,1علي الرغم من أنه أدبهم بكل حزم.
وربنا يسوع المسيح اجتمع فيه الحب مع الانتهار والتوبيخ.
من جهة الحب قيل عنه إنه أحب خاصته الذين في العالم أحبهم حتي المنتهييو13:1.
ولكنه مع ذلك وبخ بطرس بشدة لما أراد ذاك أن يمنعه عن الصليب,وقال له اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لاتهتم بما لله بل بما للناسمت16:23.
مع أن تلميذه يوحنا كان يتكيء علي صدره وقد لقبه الإنجيل بأنهالتلميذ الذي كان يسوع يحبهإلا أنه عندما رفضت إحدي قري السامرة أن تقبل الرب وقال له هذا التلميذ وأخوه يعقوب:أتشاء يارب أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة كما فعل إيليا أيضا؟التفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من أي روح أنتما لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلصلو9:53-56.
نقول هذا لأنه قد يفسد بعض الأبناء في الأسرة حينما تختلط عند الأبوين مشاعر المحبة مع الحزم!
أو قد يوزعان هاتين الفضيلتين بينهما فلا تجتمعان معا في أحدهما فيكون الأب رمزا للحزم والأم رمزا للحنو!ويحدث عندما يخطيء الابن أن تقول الأمإذا سمع أبوك سيغضب ويعاقبكدون أن تقول لهما تفعله هو خطأ سواء سمع به الأب أو لم يسمع..
السيد المسيح كان يحب الجموع ولكن عندما طلبوا منه آية قال لهم موبخاجيل فاسق وشرير يطلب آية ولا تعطي له إلا أية يونان النبيمت16:4كما أنه وبخ بشدة المدن التي صنعت فيها أكثر قواته ولم تتب..فقال وأنت يا كفر ناحوم المرتفعة إلي السماء ستهبطين إلي الهاوية لأنه لو صنعت في سادوم القوات المصنوعة فيك لبقيت إلي اليوممت11:23.وهكذا وبخ أيضا كورزين وبيت صيدا.
الحب والمخافة:
وصية المحبة أهم الوصايا فقد قال إنها الوصية الأولي والعظمي:أن تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك.والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك وبهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كل والأنبياءمت22:36-40ومع ذلك فهناك الوصية التي تقولبدء الحكمة مخافة اللهمز111:10أم9:10.
الحب والمخافة تجتمعان معا ولا تتناقصان:
أما الآية التي تقولالمحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج1يو4:18. فالمقصود بها أن تطرح الرعب إلي خارج وتبقي مخافة الله كفضيلة وتتحول إلي لون من المهابة فنحن نحب الله ونخافه أي نهابة. ولو زال منا خوف الله لتحولت حياتنا إلي الاستهتار.
إننا ندخل إلي الكنيسة في خشوع ونقول للرب كما في المزمور:
أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل إلي بيتك وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتكمز5:7.
أقول هذا لأن كثيرين لا يتصرفون في الأماكن المقدسة بمخافة الله,ولذلك لايستفيدون من الوجود فيها بل يستهترون ويعثرون غيرهم!نحن أيضا نحب كلام الله وكتابه المقدس ونقول مع داود النبي فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرةمز119لو لم تكن شريعتك هي تلاوتي لهلكت حينئذ في مذلتيومع ذلك فقبل قراءة الإنجيل في الكنيسة يصيح الشماس قائلا:قفوا بخوف من الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس
إن الحب والمخافة يجتمعان معا في الكنيسة وفي الاستماع إلي الإنجيل المقدس وفي التناول من الأسرار المقدسة وفي حياتنا مع الله وشعورنا نحوه إنها فضائل لاتتناقض ولكن تتكامل.
وبنفس الشعور في صلاة الشكر في كل يوم سواء في الكنيسة أو في بيوتنا أو في كل موضع نقول للرب أمنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس وكل أيام حياتنا بكل سلام مع مخافتك..
إن محبتنا لله لاتمنع مخافتنا له.وكذلك مع الوالدين.
الابن يحب أباه وفي نفس الوقت يخافه أي يهابه..
بينه وبين أبيه دالة ومودة وأيضا هيبة ومخافة ,
ونفس الوضع مع المرشدين والأستاذة والرؤساء: يوجد الحب ولكن في نطاق من المهابة لايتعداه وإلا فقد الناس احترامهم لكبارهم وفقدوا كثيرا من القيم الروحية.
الوداعة والشجاعة:
السيد المسيح كان وديعا جدا وقد طلب منا أن نتعلم منه هذه الوداعة مت11:29وقد قيل عنه أنه9لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته قصبة مرضوضة لايقصف وفتيلة مدخنة لايطفيءمت12:20,19ومع ذلك كان شجاعا جدا في الدفاع عن الحق وقد وبخ القادة المخطئين في أيامه. وقال لهمويل لكم أيها القادة العميان..تغلقون ملكوت السموات قدام الناس,فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلونمت23:16,13
سمح للشيطان أن يجربه فلما تجاوز انتهره وطرده.وقال له
اذهب يا شيطان مت4:10فذهب..وكانت الشياطين تخافه وتصرخ وتقول له:أجئت قبل الوقت لتهلكنالو4:33:34.
كان وديعا وكان قويا في نفس الوقت في تكامل عجيب
في وقت كان يحاور معارضيه بكل رقة وهدوء ,إقناع ,
وفي وقت آخر كان يقول لهمولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذامت21:27.
وفي مناسبة أخري كان يقول لهمتضلون إذ لاتعرفون الكتبمت22:29بل يقول أيضا في قوة إن ملكوت الله منكم ويعطي لأمة تصنع أثمارهمت21:43
وبنفس الأسلوب من الوداعة والقوة كان الآباء والأنبياء.
إبراهيم أبو الآباء في وداعة سجد أمام بني حثتك23:7.
وفي قوة لما سمع أبرآم أن أخاهلوطاقد سبي جمع رجاله المدربين. تك14:14واستطاع أن يهجم علي ملوك ويحاربهم ويهزمهم.
وموسي النبي قيل عنه أما الرجل موسي فكان وديعا جدا أكثر من جميع الناس الذين علي وجه الأرضعد12:3ولكن لما سمع الشعب يعبدون العجل الذهبيحمي غضب موسي..وأخذ العجل الذي صنعوه وأحرقه بالنار وطحنه حتي صار ناعما وذراه علي وجه الماءخر32:20,19ووبخ أخاه الأكبر هارون حتي ارتبك أمامه.
وداود النبي الذي قيل عنهاذكر يارب داود وكل دعتهمز132:1كان يضرب أحيانا علي العود ويضرب أحيانا بالمقلاعوكان يجمع بين الوداعة والقوة.
المهم أن يكون الإنسان وديعا في غير ضعف وقويا في غير عنف يجمع بين الوداعة والشجاعة والقوة في تكامل بغير تناقض.
الخدمة والتأمل:
السيد المسيح له المجد كان يجمع بين الأمرين في تكامل قيل عنه إنه كان يطوف المدن كلها والقري يعلم في مجامعها ويكرز ببشارة الملكوت.. ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعبمت9:35.
وقيل عنه أيضا إنه كان يقضي الليل كله في الصلاةلو6:12وكانت له خلوة في جبل الزيتون وفي بستان جثسيمانييو8:1
وإيليا النبي كانت له خلوته علي جبل الكرمل, وكانت له خدمته القوية الناجحة التي وبخ بها آخاب الملك والتي بها طهر البلاد من أنبياء البعل وأنبياء السواري1مل18.
وبولس الرسول كانت له حياة التأمل التي استطاع بها أن يختطف إلي السماء الثالثة2كو12:2وكانت خدمته الواسعة التي تعب فيها أكثر من جميع الرسل1كو15:10.
والإنسان الروحي يجب أن يجمع بين الأمرين معا:فلا تكون خدمته علي حساب التأمل ولا التأمل علي حساب الخدمة,بل تكامل بينهما نقول هذا لأن بعض الخدام في انشغالهم الشديد بالخدمة يهملون صلواتهم وعبادتهم ويهتمون ويضطربون لأجل أمور كثيرةلو10:41.
البساطة والحكمة:
ليست البساطة هي السذاجة أو ضحالة التفكير.إنما البساطة هي عدم التعقيد, لذلك يمكن الجمع بينها وبين الحكمة في تكامل ,ولهذا قال السيد الرب:
كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحماممت10:16.
تكون للإنسان حكمة في عقله وبساطة في قلبه وقد يتكلم إنسان بكل حكمة ولكن بأسلوب بسيط ويتصرف في عمق الحكمة وفي نفس الوقت ببساطة ووضوح فالبساطة المسيحية بساطة حكيمة والحكمة حكمة بسيطة لاتعقيد فيها كما يفعل بعض الفلاسفة!
وليست البساطة معناها أن يصدق الشخص كل شيء!وبهذا يلهو به بعض الماكرين ويخدعونه فالبساطة لاتمنع الفحص والتأكد بأسلوب بسيط في غير مشاعر الشك والحذر والظنون والتخوف المستمر من الناس ولهذا يقول الرسولامتحنوا كل شيء وتمسكوا بالحسن1تس5:21
وقال القديس يوحنا الحبيب في رسالته الأوليلا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله1تس4:1إن الذين صدقوا كل ما يقال لهم صاروا مقودين بواسطة غيرهم وضاعت شخصياتهم وضلوا..!
حتي فضيلة الطاعة قيل فيهاأطيعوا والديكم في الربأف6:1وقيلينبغي أن يطاع الله أكثر من الناسأع5:29
أما عبارة المحبة تصدق كل شيءفيمكن أن نأخذها من جهة محبتنا لله إذ نصدقه في كل ما يرشدنا إليه وفي كل مواعيده وتشجيعاته أما بالنسبة إلي الناس فالمحبة تصدق كل شيء لايتعارض مع محبتنا للهلأنه قال من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني...مت1:37.
إن البساطة ينبغي أن ترتبط بالحكمة لأن كثيرين من الناس يخطئون ويعتذرون بقولهم:لقد فعلنا ذلك ببساطة!!
فالبساطة ليس معناها الجهل أو عدم الحكمة وليس معناها التصرف بغير تبصر وبغير دراسة وبغير فحص..!
|