رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يوسف في مدرسة الآلام كان يوسف واحداً من أقدم التلاميذ الذين دخلوا مدرسة الألم العظيمة في الحياة، وكان واحداً من الذين تخرجوا منها بامتياز إن صح أن نستخدم هنا النهج العلمي في تقدير الدرجات!!.. وقد قضى يوسف في مدرسة الألم ثلاثة عشر عاماً متواصلة، ومع أن مدارس الألم تختلف باختلاف الآلام وأنواعها في الأرض، وباختلاف الهدف أو الغاية من هذه الآلام، فإذا صح أن تعطي هذه المدارس أسماء مختلفة،.. فيمكن أن نذكر منها "مدرسة العقوبة" التي يأخذ فيها المرء الجزاء والقصاص لما يرتكب من آثام وفجور. وهناك "مدرسة التأديب" وهي نوع من المدارس لا يقصد بها العقوبة في حد ذاتها، بل يقصد منها الإصلاح والتقويم، وهناك "مدرسة الامتحان" وهي التي تكشف لصاحبها والآخرين عن قدراته، وما يكمن في أعماقه من قوة أو ضعف،.. وهناك مدرسة أخيرة يمكن أن نطلق عليها "مدرسة التدريب"، وربما كانت هذه المدرسة الأخيرة هي مدرسة يوسف طوال الثلاث عشرة سنة حتى وقف أمام فرعون في الثلاثين من عمره!!.. وقد رأى يوسف في مدرسة الألم ثلاث حقائق عظيمة أساسية: الحقيقة الأولى: الألم الموزون،.. فالألم الذي يسمح به الله ليس مجرد ضربات عشوائية تنهال على المتألم الباكي، بل هو في الحقيقة ألم محدد موزون،.. وإذا صح أن الإنسان وهو يستخدم أفران الطهي أو الصناعات المختلفة، يحدد درجة الحرارة التي لا يجوز أن تقل أو ترتفع عن الحد المطلوب، فإن الله أكثر دقة واهتماماً بدرجة الألم التي يتوقف عندها الميزان، لأنه لا يسمح بأن نجرب فوق ما نطيق إذ أنه مع التجربة يعطي المنفذ!!.. وقد وزن الله الألم تماماً في قصة يوسف، ومع أنه كان ألماً قاسياً محرقاً، أفصح عنه المرنم: "بيع يوسف عبداً. آذوا بالقيد رجليه. في الحديد دخلت نفسه"... إلا أن الله وازن الألم من الدقيقة الأولى بحضوره ومعونته ومساندته وتشجيعه.. ولقد رأى الشاب كيف أعطاه نعمة في بيت فوطيفار، وكيف أعطاه نعمة في عيني رئيس بيت السجن، وكيف ساعده وأعانه وأنجحه على الصورة الواضحة التي لم يحس بها هو فحسب، بل أحس بها كل من تعامل معه وتقابل!!.. لقد ذهب الله مع الغربة والنفي، والتشريد والسجن وأحس الغلام القديم أن هناك شيئاً عجيباً من التوازن في المدرسة التي دخلها، فإذا أهمله الإنسان فإن الله لا يمكن أن يهمل ويترك،.. وأن السلام العميق الذي يواجه النفس المنكوبة، هو التوازن الخفي الحقيقي الذي يصنعه الله حتى لا ترجح كفة الألم بما فيها من ثقل الضغط أو القسوة أو التعب أو المعاناة أو اليأس أو القنوط،.. وكانت الحقيقة الثانية أن المدرسة كانت مدرسة التدريب العميقة الواضحة فيما وصل إليه الشاب من نضوج وإدراك، وتخطيط وتنفيذ،.. وأين الشاب الذي لا يستطيع أن يخبي ما في صدره فيسرع بالكشف عنه دون ترو أو مبالاة، حتى ولو وضع الأساس العميق للعداوة بينه وبين إخوته بهذا الكلام؟.. أيناه من الشاب الحريص داخل السجن الذي وهو يعرض رواية ظلمة على رئيس السقاة لا يتهم قريباً أو غريباً، وكل ما يقوله "لأني سرقت من أرض العبرانيين وهنا لم أفعل شيئاً حتى دفعوني في السجن".. وهو أعقل من أن يحدث الغريب عن عورة إخوته، وأفطن من أن يخوض في اتهام من هو في مركز ليس من صالحه أن يثصير ثائرته وغضبه مرة ثانية.. أو في لغة أخرى: لقد تعلم كيف يضبط لسانه على نحو يدعو إلى الإعجاب،.. وأكثر من ذلك فإن الشاب بمجيئه إلى مصر كان وجهاً لوجه أمام أعظم حضارة عرفها التاريخ في ذلك الوقت،.. لقد كانت مصر في أيامه أم الدنيا ورائدتها في العلم والفن، والاختراع والصناعة، والتجارة والترف، والحضارة وعبادة الأوثان،.. وكانت بالنسبة للشاب الآتي من الصحراء مركز انبهار وتجربة، وكان عليه أن يواجه الصراع النفسي العميق بين ما يأخذ منها وما يرفض، بين ما يقبل عليه ويمتنع، وإذا دققنا النظر في الرواية الكتابية نجد أن الشاب تعلم الكثير بين بيت فوطيفار والسجن، فتعلم كيف يعمل ويشتري، ويبيع ويربح، ويكنز ويجمع، وإذ لم يكن له من سبيل في الدخول إلى قصر فرعون وهو سجين، جاءه من القصر إلى السجن رئيس السقاة ورئيس الخبازين، وعرف منهما نوع الحياة التي تعيشها الطبقة العالية في مصر،.. وفي كل الأحوال نزل الشاب المترفه الحر بقميصه الملون إلى قاع البئر، بئر الآلام والمتاعب، والخدمة، والاستعباد، وعرف كيف تتلون الحياة وتتبدل، ويتحول الحر عبداً، والعبد حراً، وكيف تدور الساقية علواً وانخفاضاً، وهي تنزح ما في البئر إلى حيث يشاء الله في إرادته العالية العجيبة، في حياة من تعصرهم الآلام وتدربهم الأحزان والتجارب!!.. وهذا يأتي بنا إلى الحقيقة الثالثة من الألم وهي الألم المنتج، أو العصارة التي يطرحها هذا الألم للخير والمنفعة،.. والقاريء لقصة يوسف من واجبه ألا يقرأ قصة شاب دفعته الصدفة إلى شكيم فدوثان، فبيت فوطيفار فالسجن، فقصر فرعون.. بل عليه أن يقرأ القصة كجزء من خط العناية في شاب أرسل أولاً، وفي أمة تتبعه ثانياً، وقد كانت هذه العناية عجيبة ودقيقة بالنسبة للشاب، وهو في التصور تتخبطه الأحداث، أو تتلقفه الحوادث، ولكنها في الخط الإلهي العميق المرسوم، كانت قصة الشاب المرسل من الله، وبيته الذي سيسكن في أرض جاسان، وهي الأرض الواقعة في الجزء الشرقي من الدلتا أو مكان محافظة الشرقية اليوم، ويبدو أنها لم تكن أرضاً مأهولة السكان. وإن كانت في الوقت ذاته مراعي خضراء عظيمة للماشية وكانت الحكمة الإلهية أن يأتي هذا البيت ليكونوا على مقربة من أعظم مدينة في ذلك التاريخ، وليتكونوا هناك -لا كمجموعة من الأفراد- بل كأمة تأخذ بنظم الحياة وأوضاعها وأساليبها، على يد أعظم أمة في الأرض في ذلك الحين، وفي الوقت عينه كان لابد أن ينفصلوا عن تأثيراتها الوثنية المفسدة، وكانت جاسان أفضل بقعة من هذا القبيل، حيث يرعون الماشية بعيداً عن المصريين، وفي عزلة منهم، لأن هؤلاء كانوا يعتبرون رعاية المواشي دنساً ورجساً، وثم كانوا يأبون الاختلاط بها وبرعاتها، وكانت جاسان أقرب نقطة للانطلاق بعيداً عن مصر عندما يحين الوقت لخروجهم منها!!.. |
09 - 07 - 2013, 04:43 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: يوسف في مدرسة الآلام
كان يوسف واحدا من أقدم التلاميذ الذين دخلوا مدرسة الألم العظيمة فى الحياة وكان واحدا من الذين تخرجوا منها بامتياز...
ومازلنا مع المواضيع الرائعة من شخصيات الكتاب المقدس...شكرا مارى |
||||
10 - 07 - 2013, 01:37 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يوسف في مدرسة الآلام
شكرا على المرور
|
||||
16 - 07 - 2013, 01:30 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: يوسف في مدرسة الآلام
كان يوسف واحداً من أقدم التلاميذ الذين دخلوا مدرسة الألم العظيمة في الحياة، وكان واحداً من الذين تخرجوا منها بامتياز
عظيم جدا لا بركات الا بعد الالم ربنا يباركك حبيبتي ماري |
|||
17 - 07 - 2013, 11:11 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يوسف في مدرسة الآلام
شكرا على المرور
|
||||
28 - 08 - 2013, 07:07 AM | رقم المشاركة : ( 6 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: يوسف في مدرسة الآلام
ميرسي كتير ربنا يبارك خدمتك الجميلة
|
|||
04 - 09 - 2013, 11:37 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يوسف في مدرسة الآلام
شكرا على المرور |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|