رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
موسى والدعوة العليا كان موسى مدعوا ولا شك من بطن أمه، وكانت أجراس الدعوة ترن في أذنيه في كل وقت،.. لكن الخطأ الكبير الذي وقع فيه موسى كان وقت الدعوة أو وقت الرسالة التي ينبغي عليه أن يؤديها، وشتان بين الظن والتأكد، وبين الخاطر والرؤيا: "ولما كملت له مدة أربعين سنة خطر على باله أن يفتقد إخوته.. فظن أن إخوته يفهمون أن الله على يده يعطيهم نجاة" وهرب موسى، وعاش في مديان أربعين سنة أخرى كاملة: "ولما كملت أربعون سنة ظهر له ملاك الرب في برية جبل سيناء في لهيب نار عليقة".. لقد خطر بباله أو ظن أنه إذا كان الله يدعو الإنسان، فإنه ولا شك يدعوه في قمة اللياقة، والمواءمة، وهو لا يجد وقتاً أليق من الأربعين عاماً التي اكتملت فيها رجولته، وتهذب بكل حكمة المصريين، ووصل إلى أعلى مركز في بيت فرعون، وكل هذه تقطع في تصوره بأن يوم الحرية قد جاء لإخوته في المنفى والأسر والاستعباد، غير أن الله لا يخضع الدعوة للحدس والظن، ولا يحكمها بالمقاييس والمعايير البشرية، وها نحن نراه في دعوة موسى يقلب كافة الموازين!!.. وقت الدعوة فالدعوة لا تأتي لموسى في الأربعين من عمره، حيث يظن أنه في قمة قوته، وفي كمال لياقته صحياً وذهنياً وروحياً، بل إن الدعوة تأتيه وهو يدخل الثمانين من عمره، حيث ولى الشباب، وانتهى الوقت، وأخذ طريقه يتدحرج في تصوره إلى النهاية والغروب،.. إن الله لا يعمل عندما يظن البشر أنهم أقوياء، يستطيعون أن يعملوا أو يبدعوا أو ينتجوا، بل إنه على العكس يتدخل عند إفلاس الإنسان، وعجزه، وضياعه، وقصوره،.. على أن هذا لا يعني أن الله يدعو الكسالى والمهملين والخاملين والعاطلين، بل يدعو على الدوام من ينهمك في العمل الصغير الوديع المؤتمن عليه،.. وقد جاءت الدعوة إلى موسى عندما كان يرعى غنم يثرون حميه، وستأتيني وتأتيك ونحن نمسك بالأمانة والغيرة، كل ما يضع بين أيدينا من أعمال صغرت أو كبرت على حد سواء!!.. مكان الدعوة لقد جاءته الدعوة في جبل الله حوريب، أو في معنى آخر، إننا لن نحتاج -كما قال أحدهم- إلى كاتدرائية عظيمة، أو مكان عال لكي نرى الله ونبصر مجده، بل في كل مكان حيث نرتفع بقلوبنا وشركتنا معه، سنجد الجبل المقدس ونعلو عليه، ومن المهم أن ندرك أيضاً أن الله التقى بموسى في العزلة والهدوء والبعد عن الناس، ونحن لا نعلم لماذا ساق الرجل الغنم إلى ما وراء البرية؟!! أليجد المرعى الأفضل والأخصب؟!!.. أم لرغبته في أن تتاح فرصة للتأمل الأعمق الأوسع؟.. على أي حال -إن ما يعنينا من الأمر أن الرجل أضحى يميل للنظر، وقوله: "أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم" ينبيء عن نفس مرهفة الحس، صادقة الاستعداد، سريعة التأمل والتجاوب مع ما تبصر أو تشاهد.. وهذا ما ينتظره الله من النفس التي يوجه إليها دعوته ورسالته!!.. مظهر الدعوة ظهر الله لموسى في العليقة، وكانت العليقة تتوقد بالنار ولم تكن تحترق، وقد كان المنظر أسمى إعلان لحضور الله لإنقاذ الشعب وتحريره وخلاصه،.. إذ كان أول كل شيء إعلان الرحمة الفائقة الحد، إذ لم يظهر الله في بلوطة أو شجرة من الأشجار العالية السامقة الارتفاع، المتعالية المنظر، بل ظهر في العليقة الصغيرة والوديعة القصيرة المظهر،.. وعندما ظهر بعد ذلك بخمسة عشر قرناً من الزمان أخذ الصورة عينها، إذ جاء الله السرمدي متجسداً في وليد بيت لحم، بين السائمة مضجعاً في مزود، إذ لم يكن مضجع في المنزل،.. وبالإجماع "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد"!! ومع أن النار تأكل كل شيء، لكن العليقة كانت تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق!! والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً".. فإذا كان الله قد حضر غيوراً في النار الملتهبة لإنقاذ شعبه، فإنه لم يحضر دياناً لكي يحرقهم ويقضي عليهم، وإذا كان اللاهوت قد حل في الناسوت في يسوع المسيح، فإنه قد جاء ليخلص، وليس ليدين!!.. هل رأيت هذا المظهر الرائع الذي لم يكتف موسى أن يخلع حذائه من قدميه، وهو يتقرب منه، بل أكثر من ذلك غطى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله؟ هو.. هو بعينه الذي تكرر على بطاح بيت لحم حيث ذهب الرعاة مسرعين، ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً في مزود، فلما رأوه أخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي، وكل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة، وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها، ثم رجع الرعاة وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم!!.. وهو هو الذي خشع أمامه المجوس وخروا، وسجدوا، وفتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومراً!!.. نداء الدعوة لم تضح الدعوة لموسى ظناً أو خيالاً أو حدساً أو تخميناً، بل أضحت رؤية مؤكدة، ونداء واضحاً، ومن العجيب أن موسى لم يتقبلها بحماس ابن الأربعين من العمر، بل على العكس تهرب وتراجع إلى الدرجة التي أغضبت الله عليه، لقد أدرك بما ليس فيه لبس كيف أن الله سيسنده بالمعجزات، تلو المعجزات، بل وأكثر من ذلك سيسنده بأخيه هرون الذي ينتظره بشوق بالغ، وفرح عميق، وما أجمل ما يقول ف.ب. ماير بهذا الصدد: "إن الله يعرف أين إخوتنا من "الهوارنة" أشقاء النفس الذين نحتاج إليهم لإتمام رسالة الحياة، قد يكونون بعيدين عنا، ولكن الله سيحضرهم إلينا، سيحضرنا إليهم، فلنعش معتمدين على عنايته ومحبته، وهو سيرتب لنا في نهاية كيف نلتقي وإياهم على جبل الله" في بعض البقاع المقدسة، حيث الشركة والألفة والثقة، في المكان الذي يختاره هو لنا، وسينسينا العناق والفرح وقبلة اللقاء أربعين عام المنفى والعزلة والحزن". وإذ نحاول أن نعرف تماماً مركزنا من هذا النداء،.. إنه يتمثل في شيء صغير واحد،.. في عصا موسى،.. لقد تحولت هذه العصا من عصا موسى إلى عصا الله،.. أو في لغة أخرى إن موسى أضحى هو بذاته عصى في يد الله، والعصا في حد ذاتها لا تصنع شيئاً، ولكنها في يد الله تصنع كل شيء أو تصنع المعجزات.. إن الله هو "أهيه الذي أهيه" أو الكائن الذي كائن، أو بمعنى آخر غير المتغير في طبيعته وذاته، هو هو في الماضي كما في الحاضر والمستقبل، لا يناله ضعف أو نقص أو تحول أو قصور، الذي ليس عنده تغيير أو ظل دوران،.. والله الكائن يحتاج مع ذلك إلى "عصا" إلى رجل يستخدمه استخداماً كالعصا، وهو دائماً في متناول يده، وهذه هي سياسته الدائمة في كل أعماله في الأرض!!.. إنه يبحث عن إنسان ليدعوه ويرسله ويعمل به.. أجل نحن على استعداد أن نقول إن موسى لا يستطيع أن يعمل شيئاً من دون الله.. على أنه من الحق، وبكل إجلال وتوقير لله.. إن الله لا يمكن أن يعمل شيئاً من دون موسى!!.. من أرسل ومن يذهب من أجلنا؟!! هذا هو نداؤه الدائم البحث عن الرجل في كل العصور والأجيال!!. هل ملت للمنظر العظيم؟!! هل رأيت العليقة المتوقدة التي لا تحترق؟!! هل أدركت الرسالة المطلوبة منك في مصر؟ إنها لم تعد رسالة موت لموت بقدر ما هي رسالة حياة لحياة!!.. يا ترى.. هل تقف على مفترق الطرق، لتنتهي إلى القرار الذي لا يمكن أن تندم عليه، والذي يؤهلك للوقوف على الشاطيء الأبدي، لتشترك في أعظم ترنيمة يرنمها الخالدون في العهد القديم أو الجديد على حد سواء؟ وأعني بها الترنيمة العظيمة الخالدة ترنيمة موسى والحمل!! |
28 - 08 - 2013, 02:00 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: موسى والدعوة العليا
ميرسي كتير ربنا يبارك خدمتك الجميلة
|
|||
30 - 08 - 2013, 09:02 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موسى والدعوة العليا
شكرا على المرور
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|