الدّيك المغرور
قصّة للأطفال
في قُنٍّ صغير يقع بين الأعشاب الطريّة والأزهار الجميلة ، ويقبع في أطراف قرية وديعة هادئة ، عاش ديكٌ شابّ ، جميل العرف، عذب الصوت ؛ عاش عيشة هادئة وسعيدة بين مجموعة من الدّجاجات والصيصان.
وكان الدّيك الشّابّ مُغترًّا بنفسه، يتفاخر بقوته أمام زوجاته الدجاجات صُبحًا ومساءً فيقول :
" لولا صياحي العذب والقويّ في ساعات الفجر لَما أطلّ الصّباح على الدُّنيا ، ولَما عَلت الشمس في كَبِدِ السّماء ، ولظلّ البشر والشجر نيامًا ".
ويروح الدّيك يتمشّى في القُنّ مِشية المُتكبّر ، نافشًا ريش رقبته وصائحًا بقوة :
كو كو كو كو....
كو كو كو كو ...
أنا الدّيك الهدّار
أقوى من الرّيحِ والنّار
موقظ الأشرار والأخيار
ومُلوّن الفجر والأسحار
بأحلى القصائد، وأجمل الأشعار
وتُصفّق الدّجاجات بأجنحتها تصفيقًا حارًا وتقول بصوتٍ واحدٍ:
"أنتَ الدّيك الجبّار
أنت رمزُ الانتصار
أنتَ للطير فَخار
بدونك لا يأتي نهار " .
استمر الدّيك الشّاب يعلو في كلّ فجر سقف القُنِّ صائحًا بصوته العذب حتى تستيقظ الحياة رويدًا رويدًا ، فيتململ الانسان وتستفيق الشمس وتشرق من خلف الجبال والتلال. ثُمّ ينزل الى القنّ نافشًا ريشه مُردّدًا قصيدته العصماء.
الى أن جاءت ليلةٌ ، أحسّ فيها الدّيك المغرور بألمٍ شديد في حلقه، وارتفاعٍ شديدٍ في درجة حرارته، فأخذ يئنّ من الألم وأرتمى على القشّ بدون حِراك.
بدأت الدجاجات – والقلق يظهر على وجوهها – بدأت تُصلّي لله أن يشفيَه ويعيدَ اليه صحّته وقوّته.، ولكن دون جدوى ، فالألم ظلّ ألمًا بل وازداد حدّة وشِدّة.
لم ينم الديك تلك الليلة ، بل ظلّ يتقلّب في فراشه مُتوجّعًا ، الى أن جاءت الساعة الاخيرة من الليل ؛ هذه الساعة التي كان من المفروض فيها أن يعلوَ سقف القنّ صائحًا.
حاول الدّيك أن يقوم ...وأن يخرج للعمل ؛ الى الصياح ، ولكنه لم يستطع ، فبكى وسحّت الدموع من عينيه وهو يتخيّل أنّ الشمس ستبقى خلف الأفق ، والأنسان سيبقى نائمًا والحياة غافية!!!.
فتح باب القُنّ بعد جهد جهيد ، وأخذ يراقب بحسرة الدنيا النائمة الغافية..
وكم كانت المُفاجأة كبيرة ، حين رأى بعد دقائق أن أشعة الشمس أخذت تغزو السماء شيئًا فشيئًا ، وحين سمع زقزقة العصافير على الاغصان ، ورأى جاره الفلاح يحرث حقله القريب ، بينما راح الراعي وهو يقود قطيعه يعزف على نايه الحانًا شجيّة.
حزن الدّيك المغرور كثيرُا وانكمش على نفسه وهو يرى زوجاته الدّجاجات ينظرن بدهشة تارةً الى الحياة المستيقظة والناهضة ، وأخرى اليه.
فتحامل على نفسه ، وجرّ نفسه جرًّا ، وهو يخرج من القنّ والدموع تنزل من عينيه .... يخرج الى غير رجعة.
بقلم: زهير دعيم