رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عاموس ورسالته سبق لنا فى الحديث عن شخصية أمصيا كاهن بيت إيل ، أن تعرضنا للفارق بينه وبين عاموس ، أو الفارق بين الخادم المزيف والخادم الحقيقى ، وقد حاول أمصيا طرد عاموس من أرض إسرائيل ، بدعوى أنه من المملكة الجنوبية ، وأن رسالته لا يجوز أن تتعدى أرض يهوذا أى المملكة الجنوبية ، وقد رد عليه عاموس بالقول : « لست أنا نبياً ولا أنا بن نبى ، بل أنا راع وجانى جميز . فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى الرب : اذهب تنبأ لبنى إسرائيل » " عا 7 : 14 و 15 " ولعل هذه العبارة تكشف عن رسالته العظيمة إلى أبعد الحدود !! .. الدعوة إلى الرسالة فوق روابى تقوع عاش عاموس يرعى ضأنه ويجنى الجميز ، وأغلب الظن أنه كان سيعيش هكذا ، ويموت هكذا لو لم يأته الصوت الذى دعاه إلى النبوة وأخذه من وراء الأغنام . ويرى بعض شراح الكتاب أن الكلمة « من وراء » تشير فى الأصل العبرانى إلى عنصرى المباغتة والأمر ، اللذين أحس بهما هذا النبى الراعى ، ... وقد تحقق عاموس من دعوته ، واستجاب لها . وما من شك أن أصواتاً كثيرة كان يمكن أن تهتف فى أذنى عاموس ، بأنه ليس كفواً لهذه الخدمة ، كما أن هذه الخدمة ليست له ، فما هو من سلك الأنبياء ، أو من أبنائهم ولم يتدرب فى مدارسهم ، فكيف يمكن أن يكون نبياً ، ولم يتعلم علومهم ؟!! ... أليس هذا هو منطق الكثيرين الذى نسمعه فى القرن العشرين ؟؟، ممن يظنون أن أبناء الخدام لابد أن يكونوا خداماً مثل آبائهم ، يأخذون الخدمة بالوراثة أو ما أشبه ، ... كما يظنون أنه لابد أن يتوافر فى الخادم العلم العالى ، وأنه لا يجوز لضئيل المعرفة أو العلم ، ممن لم يصل إلى الشهادات العالية ، أو لم يأخذ الدراسات الدينية المنظمة أن يكون خادماً ... كلا ، لقد كان عاموس نبياً وخادماً للّه دون أن يكون متعلماً ، ودون أن يأخذ دروساً لاهوتية معينة ... كما أن عاموس كان إنساناً فقيراً مغمور الأصل والنسب ، يمتهن أصغر الأعمال والحرف ، فكيف يجرؤ على أن يرقى عتبات الملوك والرؤساء والعظماء ، ليقرعهم برسائله المرهبة ؟! .. لكن الجهل أو الفقر أو وضاعة النشأة ، لم تمنع هذا النبى من الإحساس العميق بدعوة اللّه !! .. ألا فلنسمع بعضاً من أقوال جوزيف باركر عن عاموس بهذا الصدد : « إن خدام اللّه لا يصنعون أنفسهم ، فليكن المجئ إلى الخدمة مجيئاً ضاغطاً لا يقاوم ، مصحوباً بالإحساس العميق لعدم الكفاية ، ولتكن حياة الخادم ختما وشهادة ومصداقاً للدعوة ، وسيجد اللّه خدامه ، .. وأى رجال يدفعهم الناس للخدمة هم رجال مخطئون ، قد يكونون لطفاء ولطفاء جداً ، وقد يكون بعضهم بهى الطلعة وادع النفس برئ النظرة ، له وداعة الأطفال وحلاوتهم ، لا يحدث ضجيجاً ما فى مجلس ، ولا يؤذى أو يبغض مخلوقاً ، … ومع ذلك ، فاللّه هو الذى يجد خدامه وقد يكون البعض الآخر خشناً عنيفاً ذا قرون ناطحة ، وله تعليم لاهوتى منظم ، ولكن المهم هو كيف يتكلم عندما يعظ ، وكيف يلتهب ويهدد من جانب ، ويرعى ويرفق من الجانب الآخر ؟؟ .. عندما يلتقى بالمتكبرين الذاتيين يشتعل بالغيرة المقدسة والسخط الإلهى ، وعندما يلتقى بالمنبوذين والتعابى والمنفردين والضائعين ، يقول قول السيد للمرأة التى أمسكها اليهود ليرجموها « إذهبى ولا تخطئ أيضاً » .. " يو 8 : 11 " . مكان الرسالة «إذهب تنبأ لشعبى إسرائيل » ... " عا 7 : 15 " عندما يرسل اللّه رسولا يقنعه بالمكان الذى سيذهب إليه ، وقد يكون هذا المكان بعيداً عن البيئة والأهل والعشيرة ، وقد يكون مكاناً مرعباً مرهباً بغيضاً ، لكن الواجب الأول علينا هو أن نطيع ونذهب إلى المكان الذى يختاره الرب ، كان عاموس من المملكة الجنوبية مملكة يهوذا ، وكانت تقوع فى الجنوب من أرض فلسطين لكن اللّه أمر عاموس أن يترك بلده وأهله ومملكته ليذهب إلى بيت إيل فى مملكة الشمال ويتنبأ عليها ... إن فشل الكثيرين من الخدام والمرسلين ، يرجع إلى أنهم يريدون أن يختاروا لأنفسهم الأماكن التى فيها يعملون !! .. ثقل الرسالة «فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى الرب إذهب » ... كان اسم « عاموس » - كما ذكرنا - يعنى الحمل أو الثقل ، نسبة للرسالة الثقيلة التى كان عليه أن يحملها ويبلغها : « فقال السيد : ها أنا واضح زيجاً فى وسط شعبى إسرائيل . لا أعود أصفح له بعد ، فتقفر مرتفعات اسحق وتخرب مقادس إسرائيل وأقوم على بيت يربعام بالسيف» .. " عا 7 : 8 و 9 " وما أثقلها من رسالة ، تلك التى يهاجم فيها فرد واحد أمة وملكاً وكهنوتاً وشعباً !! .. كان وراء الضأن وفى ظلال الجميز هادئاً وادعاً ساكناً آمناً ، فما باله يقتحم المخاطر ، ويمضى إلى عرين الأسد ليسمع قــول أمصيا للملك : « وقد فتن عليك عاموس فى وسط بيت إسرائيل . لا تقدر الأرض أن تطيق أقواله » " عا 7 : 10 " كان أمصيا - كما ذكرنا عند تحليل شخصيته - موتورا من الرجل الذى جاء يتهدده ومجده وكهنوته وبيته ومركزه فى وسط الشعب ، وقد توعده وأرهبه ، عساه أن يبتعد ويرجع إلى بيته وأمته ، ... على أن عاموس كان يحس ثقل الرسالة على وجه أشد وأقسى ، لأنها كانت تتناول أمة عزيزة عليه ، أثيرة على قلبه ، ... ولكنه لم يكن يستطيع التحول عنها يمنة أو يسرة ، أو يتراجع عن إبلاغها ، ولو كلفته حياته لأنها صوت الرب الذى تكلم إليه ، أو كما قال : « السيد الرب قد تكلم فمن لا يتنبأ » " عا 3 : 8 " !! .. غرابة الرسالة كانت رسالة عاموس غريبة لأنها تحدثت عن خراب إسرائيل ، فى وقت كان إسرائيل يمرح فى حياة المجد والبذخ والقوة ، ... ولو أن كاتباً من كتاب التاريخ طلب إليه أن يتحدث عن عصر يربعام الثانى ، لتحدث عن المجد والثروة العظمة والسلطان والقوة ، وكان آخر ما يفكر فيه كلمة الخراب ، لكن عاموس أبصر هذه ، وأبصر فيها وخلفها الخطية ، فنادى بالسقوط والانهيار ، ولكن التاريخ دائماً يعطى صورة صادقة لفكر عاموس ونبوته ، فإن الخطية هى السوس الذى ينخر فى عظام الأمة ، فى صمت وخفاء ، فإذا جاء الانهيار ، فإنه يأتى مباغتة ودون توقع من أحد !! .. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كورش ورسالته |
سفر عاموس 1: 1 اقوال عاموس الذي كان بين الرعاة من تقوع التي راها |
عاموس ورسالته |
هوشع ورسالته |
تفسير سفر عاموس و شخصية عاموس فى الكتاب المقدس ابونا داود لمعى |