هو قد فعل
يَأْتُونَ وَيُخْبِرُونَ بِبِرِّهِ شَعْبًا سَيُولَدُ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ ( مز 22: 31 )
«قد فعل» ( مز 22: 31 ). عندما تُرجمت هذه العبارة في الترجمة السبعينية، تُرجمت بذات الكلمة التي وردت في يوحنا 30:19 “تتلستاي Tetelestai” وتعني «قد أُكمل»، وهي تلك العبارة التي نطق بها المسيح قبل أن يُنهي حياته على الأرض. ونلاحظ أن المسيح لم يَقُل أنا انتهيت، بل أنا أنهيت. نعم لقد أكمل العمل. ولم تكن كلمته هذه قبل أن يُسلم الروح، صرخة يأس أو أنّة تحسر، كالتي ختم بها كثير من عظماء الرجال حياتهم، بل هي صيحة ظَفر، وصرخة انتصار.
يقول العارفون إن هذه العبارة على عهد المسيح كان يقولها العامل والتاجر والقائد والفنان. فعندما ينهي العبد عمله كان يخبر سيده بأنه أنجز المأمورية التي كلَّفه بها، مستخدمًا هذه الكلمة بعينها “تتلستاي”. وكذلك كان يقولها التاجر عندما يسدد الحساب الذي يلزمه سداده، ويقولها القائد العسكري عندما يسير في موكب الانتصار، ويقولها الفنان عندما ينهي عمله الفني ويضع لمساته الأخيرة عليه. والمسيح كان هو العبد الكامل الذي مسرة الرب بيده نجحت ( إش 53: 10)، وهو التاجر الذي سدَّد كل ديون مفدييه، كما كان هو القائد الذي هزم الشيطان وسحق رأس الحية، وكان هو الفنان الذي أبدع عمل الخلاص العظيم. ولذلك فليس عجيبًا أن يقول وهو فوق الصليب: «قد أُكمل».
والله عندما يعمل عملاً فحتمًا سيكون هذا العمل كاملاً. فالله ليس كالبشر الذين عادةً عندما يعملون عملاً لا يكملونه، أو على أقل تقدير لا يهتمون “بتشطيبه”. وما أكثر المشاريع العظيمة والكبيرة التي أنجزها الناس ثم تركوها دون اللمسات الأخيرة. أما المسيح فإن الإنجيل الذي يتكلم عن لاهوته (إنجيل يوحنا) يسجل شهادة ثلاثية عن إكماله العمل. ففي بدايته يَرِد قول المسيح: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأُتمم عمَلَهُ» (4: 34)، ثم قبل مضيه إلى الصليب، وبلغة الثقة قال لأبيه: «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (17: 4)، ثم من فوق الصليب قال: «قد أُكمل» (19: 30).
عند دخول المسيح إلى العالم يقول «هَنَذا أجيءُ ... لأفعل مشيئتك يا الله» ( عب 10: 5-9)، وفي ختام حياته قال: قد أكملـت!
وليس فقط أن المسيح أكمل العمل الذي كُلِّف به، بل إن لاهوته أعطى قيمة غير محدودة لعمله. ولو لم يكن المسيح هو الله، لَمَا أمكنه أن يعمل العمل الكامل على الصليب.